.
.
بعد عشرة دقائق من بدء العروض،
داخل غرفة مظلمة ، مع نافذة تسمح بدخول أشعة ضوء قليلة ،
تكفي لإلقاء الضوء على الأوراق المنتشرة على المكتب الخشبي .
جلس رجل على كرسي جلدي .
وجهه ملئ بالتجاعيد و شعره الرمادي يلتف حول رأسه .
يدخن الرجل سيجارة ببطء ، الدخان يلتف حوله و يختلط مع الأجواء المحيطة .
طريقة تدخينه كانت بلا جهد ، يأخد سحبة عميقة و يطلق الدخان ببطئ ،
مما يضفي على الغرفة طابعا من السكون .
بينما كان يستمتع بسحر الدخان .
انخرط في التأمل .
جنبا إلى جنب مع السيجارة ، كانت تتناثر أفكاره .
جلس و هو يفكر في مدى غباء الإحتفال بأسوأ إمبراطور في تاريخ إمبراطورية الغريفين .
" هاه "
استلقى برفق على ظهره ،
يمد قدميه ببطئ .
ملامح وجهه لم تتغير ،
لكن هناك لمسة من الإسترخاء أضفت له جاذبية إضافية.
يراقب السقف بعيون مرهقة .
" يال الإزعاج "
رن صوت الرجل الأجش في جميع أركان الغرفة ،
ليقوم بعد ذلك بالوقوف من مكانه ،
ثم توجه إلى الخزانة الخشبية و سحب زجاجة من الخمر .
لكن ، قبل أن يتذوق طعم حلاوته ، فتح باب الغرفة بقوة و دخل شاب ذو شعر أخضر يرتدي بزة الفرسان .
" أسف أيها القائد لإزعاجك في وقت راحتك ، لكن ، الأمر طارئ للغاية ."
إعتذر الشاب بأدب عن الإزعاج ،
لكنه شعر بالغضب الغامر الذي يعتري قائده .
أعاد هذا الأخير ، زجاجة الخمر إلى مكانها الأصلي و تنفس بعمق قائلا.
" أخبرني ما هي المستجدات ؟"
" حاضر "
أجاب الشاب و وجهه ينعكس فيه التوتر و الجدية بعد إغلاقه للباب ،
" حاليا …. حاليا يتم الهجوم على إثنى عشر إقطاعية من طرف … طرف الثوار . حسب مصادرنا ، هجم الثوار في وقت واحد و مازال الهجوم مستمرا إلى حد الآن ."
" ماذا ؟؟؟!!"
صرخ قائد وحدة الإستخبارات الإمبراطورية ، دانيال صابر بهلع شديد .
تحرك هذا الأخير بسرعة شديدة و خطف التقرير من يد تابعه .
" كيف لهذا أن يحدث في مثل هذا اليوم ؟ "
تحركت عينيه بسرعة البرق و هي تلتهم محتويات التقرير .
" هل أنت متأكد من هذه المعلومات ؟"
أضاف دانييل بتشكك ،
" نعم سيدي ."
" هجوم متسلل ؟؟"
" لكن ، الثوار لا يملكون هذه الإمكانيات . منذ تأسيس حزب الثوار ، لم تعتبرهم الإمبراطورية خطرا بل إعتبرتهم مجرد مشاغبين مزعجين . لكن ليقوموا بهجوم موحد كهذا. هذا يتطلب ثقة و شجاعة ."
" تحركهم الآن يعني أن هناك من يدعمهم ."
شدد دانيال على هذه الكلمات .
" أجل أيها القائد ."
" لكن ، من هو ؟ "
جالت أفكار قائد الإستخبارات و هو يحاول إستخدام خبرته الطويلة لإستنباط الوضع ،
" قاموا بهجوم موحد على إثنى عشر إقطاعية , إقطاعية ماركيز رون ، الفيكونت زمبي … و أخيرا الكونت جاكسون ."
" ماهو الشيء المشترك بينهم ؟"
" ماهو ..؟"
" ماهو الشيء المشترك ؟"
خدش
خدش
يمكن سماع صوت الخدش الناتج عن حك دانييل المستمر لجبهته ،
هذه عادة اعتادها منذ طفولته ، يزعم أنها تساعده على تهدئة أعصابه و التفكير بهدوء .
" هل لأنهم قريبون من العاصمة ."
أضاف الفارس الشاب الواقف قرب الباب بتوتر باد على وجهه ،
جعلته جدية قائده يشعر بضغط شديد لم يشعر به قط منذ إلتحاقه لوحده الإستخبارات .
" لا ، لا … هذا أحد الأسباب ، لكن …"
" هذا هي ."
فجأة , توقف دانيال عن الكلام و تغيرت ملامح وجهه إلى ملامح جدية ،
" يربط هته الإقطاعيات شيء واحد ."
بعد قول هذه الكلمات عم صمت شديد المكان .
" ما هو أيها القائد ؟ "
لم يستطع الشاب قمع فضوله لذلك سأل بأدب .
" الدوق الأكب .."
و لكن قبل أن ينهي قائد الإستخبارات جملته ، دخل شاب أخر الغرفة فاتحا الباب بقوة ،
حيا دانييل بإيماءة بسيطة و وقف قرب زميله قائلا .
" أيها القائد ، تقرير عاجل ."
" تقرير أخر بهذه السرعة . هذه سابقة من نوعها ."
رفع دانييل حاجبيه بفضول سامحا للشاب الجديد بالتكلم ،
" قبل بضع ثوان ، وردتنا أخبار إغتيال عائلة الفيكونت بيرن ، عائلة الفيكونت كارمن و عشرة نبلاء أخرين صغار . الحصيلة ترتفع مع مرور الوقت ."
" ماذا ؟ هجوم داخل العاصمة أيضا ."
صرخ دانييل و الحيرة تعتلي محياه ،
تجاهل الشاب تصرف قائده مضيفا .
" زوجة الفيكونت بيرن و إبنتها ماتتا على يد رئيس الخدم الخاص بعائلتهم ."
" أحرق أحد حرس الفيكونت كارمن قصر هذا الأخير . لسوء الحظ ، أسفر الأمر عن موت جميع أفراد عائلته دون حصولهم على المساعدة . سيكون الأمر صعبا للفيكونت بعد إنتهاء الحفلة "
" نفس الشيء بالنسبة النبلاء الأخرين ، مات وريث الكونت بارني بالتسمم قبل القليل أثناء دراسته ..."
" حسب التقارير ، يتحرك أحد الحرس أو أحد الخدم لمهاجمة سيدهم بجنون باد على وجههم ."
ظل دانييل يستمع بهدوء و ملامح وجهه تتغير مرارا و تكرارا مع مرور الوقت ،
" قبل قليل ، قمنا بإرسال إشعار للنبلاء لتحذيرهم بخطورة الأمر و أمر نائب قائد الحرس بارسال قوات الحرس لحماية عائلات النبلاء المؤثرين .هكذا انتهى التقرير ."
بعد ذلك ، وقف الشاب كالصنم قرب زميله الصامت .
" سحقا ، ماذا يحدث ؟ اليوم هو يوم الإحتفال ، يجب أن يكون يوما بهيجا و يجب أن تكون الحراسة مشددة . اللعنة ، ما الذي يحدث؟! "
صرخ دانييل بقوة لدرجة أنه بدأ يسعل .
كح
كح
كح
" هل هم الثوار ؟" صر دانييل أسنانه .
" نعم ، الأمر واضح . للأمر علاقة بهم ."
وجه قائد الإستخبارات ، الذي كان يمتلك حازمية ملحوظة ، بدأ يظهر عليه تعابير التوتر و الخوف .
عيونه أصبحت مظلمة و قلقة .
إرتفع الدخان من السيجارة المهجورة في الركن ، مما يعكس الإضطراب الذي يعتري قلبه .
" العاصمة ستصبغ بالدماء ، إذا لم نتصدى لهم الآن ."
صرخ دانييل بصوت هادئ .
" لقد تحرك الحرس الإمبراطوري بالفعل …"
" لا … سأتحرك شخصيا إلى القصر الإمبراطوري. أنشروا الأخبار للنبلاء بسرعة و ساندوا قوات الحرس ."
" حاضر "
" تحركوا بسرعة ، لنأمل أننا لن نتأخر ."
" علم الأمر "
أجاب الثنائي في نفس الوقت و سارعوا بعد ذلك للخروج من الباب ،
باااااام
في هذه اللحظة بالذات ، نزع الباب من مكانه و إصطدم بالثنائي مما جعلهم يسقطون على الأرض بإصابات بسيطة .
" هوهو "
الغبار تناثر في كل مكان ، كما رن صوت ضحكة خبيثة من اتجاه محور الباب ،
ظهر شخص يرتدي ملابس سوداء كليا ، على جانبي وركه خنجران ذو مقبضين رماديين .
" ههه ، أسف جدا ، هل يمكنكم التوقف لبعض الوقت ؟"
تمتم الملثم المجهول بسخرية .
.
…….
.
في قلب إقطاعية الكونت جاكسون ، التي تبرز بتموقعها في الناحية الشمالية من العاصمة الإمبراطورية ، وقف إكس فوق احد المباني المهترئة .
من هذا الإرتفاع ، يكمن إطلالة مأساوية ، حرائق و دمار يمتدان في كل اتجاه .
الهلع و الفزع منتشر في كل مكان ، و يعكس وجود حالة طوارئ لم تكن متوقعة .
إنتشرت فرقة إكس في الأرجاء مواجهة حراس إقطاعية الكونت جاكسون .
بحيث أن القتال منتشر في الشوارع المحطمة و الأنقاض تتطاير في الهواء .
مهمتهم الحالية : الهجوم على إقطاعية الكونت بإستخدام تكتيك حرب العصابات .
" لكن ، هل سينجح الأمر حقا ؟"
حدق إكس بهدوء في الشيء المخبئ في يده اليسرى .
" هل ستنجح الخطة حقا ؟"
دارت الأفكار في رأسه مكونة عاصفة هائلة .
" هل ستكون التضحيات التي ستتطلبها الخطة جديرة في النهاية ؟"
مع كل نفس يتنفسه ، إستشعر إكس وزن المسؤولية و حمل المهمة الثقيلة التي يتعين على فريقة القيام بها .
الوقت يمر بسرعة ،
و إكس يعلم أنه ليس لديهم الخيار سوى الإستمرار في المعركة في وضح النهار عكس طبيعة قتال نقابته .
حاليا ، إستخدم جميع موارد و أعضاء نقابة الظل لمساندة هذا الهجوم الموحد .
" لنأمل أن يكون الأمر كما قال جلالته و إلا …"
لم يرد إكس في التفكير بالعواقب .
حدق ناحية العاصمة الإمبراطورية دمبر متمتما بقلق ،
" أتمنى لك النجاح يا سامويل غريفين ."
كانت هذه الكلمات التي طردت من فمه مرفوقة بإبتسامة مريرة .
.
.