.

.

بعد رؤيتها للمشهد التي تمثل أمامها ، لم تخف سارة على عكس ما توقع سامويل بل لمعت عيونها بشدة و إقتربت ببطء منه كأنها رأت كنزا ضخما…

" سيد سامويل ، هل أنت ساحر …؟"

'ًيا لها من فتاة غريبة …!'

حرك سامويل رأسه للجانب ، و خدش شعره بهدوء مجيبا الفتاة المتحمسة …

" أجل … هل أنت مهتمة بالسحر ؟!"

لم يفهم سامويل ما الذي تفكر به الفتاة …؟

فوجهها قريب من جدا من وجه سامويل بفعل حماسها المفرط …

" لأخبرك صراحة ، أنا لست مهتمة بالسحر … لكنني أحتاج ساحرا من أجل إختبار شيء ما …"

" إختبار شيء ما "

" أجل "

أمال سامويل رأسه لأن تصرفات الشابة أمامه تغيرت بسرعة البرق …

تحولت عيونها من عيون طاهرة و عسلة إلى عيون عالمة مجنونة تنظر إلى فأر إختبار خاص بها …

ملاحظة الارتباك على وجه سامويل ، جلست سارة قرب سامويل ، قامت بتشبيك يديها معا و قالت و هي تنظر إليه …

" أسف ، على تصرفي السابق سيد سامويل . أنا فقط كنت متحمسة لأنني كنت أحتاج مساعدة ساحر ماهر في إختبار اختراعي الأخير …"

" مهلا … مهلا ، ما الذي يعنيه هذا ..؟!"

عبس سامويل و نظر إلى سارة بشك …

لم كان عليه أن يستيقظ في منزل شخص مجنون …

لقد كان حقا غبيا لأنه اعتقد أن سارة شخص ملائكي لا يملك أية دوافع خفية …

فهي لم تكن ملائكية بل كانت شخصا مجنونا في هيئة جنية …

" أوه … بسبب حماسي المفرط نسيت أن أخبرك … أنا كيميائية …"

" كيميائية "

" أجل … أجل"

أومأت سارة مرارا و تكرارا برأسها و هي سعيدة جدا بالتعريف عن عملها كالطفلة الصغيرة…

" مهلا … لحظة "

سارة و الكيمياء …

فجأة ، تذكر سامويل وصفا كتبه في روايته …

شعر أصفر مخملي ، عيون بنية و وجه ملائكي جميل …

كان وجودها يثير إهتمام العالم . لكن ، خلف ابتسامتها اللطيفة التي ترفرف القلوب ، قبع جنون مخيف و هوس غير معقول بالعلوم و الكيمياء …

" … ذكريني باسمك الكامل …"

ابتسم سامويل في ظروف غامضة و هو ينتظر أن يتم تأكيد ما يعتقده …

إذا صح حقا ما يعتقده …

فلقد أصاب اليانصيب لأول مرة في حياته …

" آه …"

عند ملاحظة تعابير وجه سامويل ، ابتسمت سارة بشدة مجيبة .

" … اسمي سارة بولتون … و أنا كيميائية مبتدئة سيد سامويل …"

'ًحصلت عليها …'

لأول مرة ابتسم الحظ في وجه سامويل و رفرف قلبه من الفرح …

من ظن أنه سيلتقي عبقرية الكيمياء في مثل هذه الغرفة المتهالكة …

ففي المجلد الرابع من رواية الطريق نحو القمة ، ترتقي سارة بولتون إلى القمة ، تؤسس اتحاد الكيمياء و تصبح أفضل كيميائية في عالم أزورا …

و تنظم بعد ذلك إلى طاقم بطل الرواية مزودة إياهم بالجرع باهضة الثمن و بأموال لا تتصور على البال في الحرب ضد الشياطين …

فمهنة الكميائي هي مهنة تذر أموالا طائلة على الشخص و تعتبر من أنجح الوظائف في هذا العالم …

' لقد انتهى بي المطاف بالحصول على إوزة ذهبية …'

لم يخف سامويل سعادته ، بحيث اتكأ على الحائط خلفه و هو يبتسم بشدة كشخص مجنون…

" سيد سامويل ، ما خطبك ؟!"

لاحظت سارة تصرفات سامويل الغريبة مما نشر القشعريرة في جميع جسدها …

شعرت كأنها إرتكبت أكبر خطأ في حياتها بإخبار الطرف الأخر عن هويتها …

" آه ، لا شيء … بالمناسبة ، هل أنا في قرية سداسي بمملكة سمفونية ؟! "

أراد سامويل تأكيدا …

ففي المجلد الأول من الرواية ، عاشت سارة بشكل منعزل في مختبرها المتواجد في مسقط رأسها …

و انصب جل تركيزها على أبحاثها المختلفة …

لكن، بعد بداية المجلد الثاني ، انتقلت إلى عاصمة مملكة سمفونية لأنها عانت من النقص في العينات و مكونات اختباراتها …

لتبدأ من هنالك قصة نهضتها و صعودها للقمة كأغنى بشرية في عالم أزورا …

" أنت تعرف بالفعل موقعنا … كما توقعت من السحرة …"

" مهلا ، ألم تقابلي السحرة من قبل ..؟"

" بالطبع ، لا … كيف لي أن ألتقي بساحر وسط هذه القرية الصغيرة ؟ … لقد إلتقطتك بالصدفة يا سيد سامويل من جانب النهر و اعتنيت بك طوال الوقت … و ها قد تمت مجازاتي على قيامي بالخير …"

شبكت سارة يديها و رفعت رأسها للسماء …

" شكرا لك يا إلهي على هذه الهدية …"

' إنها مجنونة تماما …'

بابتسامة متكلفة نظر سامويل إليها … لقد كان يشاهد أمامه شخصيا أحد أكثر الشخصيات جنونا في الرواية …

" إذن … سيد سامويل … هل يمكنك مساعدتي ..؟!"

بعد إنهائها لصلاتها ، أدارت سارة رأسها و ضحكت بطريقة مجنونة في وجه سامويل…

" بالطبع ، سأساعدك … "

ضحك سامويل ردا على ذلك …

فإذا فكر المرء جيدا فهذه هي المرة الأولى التي أحس سامويل بأنه محظوظ …

فهل سيترك استثمارا ناجحا يهرب منه ؟!

بالطبع ، لا .

سيستغل هذه الفرصة جيدا و سيبني علاقة وثيقة مع رئيسة اتحاد الكيمياء المستقبلي …

و بذلك سيحرص على قطع أحد أجنحة البطل المهمين في المستقبل و جعلها أحد حلفائه …

و بهذا لن تقف في طريقه في المستقبل …

" هل هذا صحيح … سيد سامويل …؟!"

في هذه اللحظة ، أضاءت أعين سارة …

" أجل … أعدك بأنني سأساعدك …"

بعد سماعها لوعد سامويل ، خف الجنون قليلا من عيون سارة لكنها ظلت تبتسم بلا توقف …

" إذن ، حسم الأمر … يااااي …."

" بالمناسبة ، سارة … قلت بأنك إلتقطتني من جانب النهر ، أليس كذلك …؟"

أومأت سارة بإيجاب …

" إذن ، ألم تصادفي بأن تري خاتما أحمرا على جسدي أو بقربي …؟!"

" اوووه… هل تعني هذا …؟!"

لمعت عيون سارة مرة أخرى …

" هذا!…توقفي …"

بدون تردد ، أخرجت سارة من بين ثدييها … خاتما أحمرا جميلا منقوشا بالعديد من الرونيات المختلفة …

' هذا ليس ما اتفقنا عليه …'

'هل هذا تحرش …؟'

' سحقا …'

أدار سامويل للجانب و نصف وجهه محمر من الخجل …

" لماذا أتوقف …؟!"

ظهرت ملامح الحيرة على وجه سارة ، لم تفهم لماذا طلب منها سامويل التوقف بعد أن أراد استرجاع خاتمه …

' إما إنها حقا ذو عقل بريء أم إنها مجنونة تماما …'

" لا … لا شيء …"

لكن ، لاحظ سامويل شيئا غريبا …

سارة التي يعرفها من الرواية تتقزز من الرجال و تعتبرهم أدنى منها …

لذا لا توجد فرصة بتاتا بأن تتصرف هكذا خصوصا مع غريب مثله …

و هذا يعني …

أن سارة الحالية ستعاني مستقبلا من شيء مجهول يجعلها تكره الرجال و تكره حتى الاقتراب منهم …

إلى أن تسقط في فخ الحب مع البطل …

" إنه حقا خاتم مكاني مذهل للغاية … و مصنوع بحرفية كبيرة …إنه يحتوي على حجر الأبعاد الحلزوني، وهو مادة نادرة جدًا تستخرج من أعماق كهف الجحيم المظلم. وكنت دائمًا أرغب في اختبار تأثيراته الكيميائية على مواد أخرى مثل زير الخريف، الذي يتفاعل بشكل غريب مع المواد السحرية."

ظل سامويل يستمع، محاولًا استيعاب كل ما تقوله سارة التي تتلاعب بالخاتم بأصابعها بدون توقف …

كان يعرف أنها عبقرية في الكيمياء، لكن لم يكن مستعدًا لمستوى جنونها…

" تخيّل يا سيد سامويل، إذا استطعنا دمج حجر الأبعاد الحلزوني مع جوهر زير الخريف، قد نتمكن من إنشاء بوابة بين العوالم! لقد أجريت بعض التجارب الأولية بينما كنت في غيبوبة، ووجدت أن الطاقة الناتجة يمكن أن تكون هائلة!"

شعر سامويل بقشعريرة تسري في جسده.

" أجريتِ تجارب على الخاتم بينما كنت أنا في غيبوبة؟"

" نعم! … بالطبع … كانت فرصة لا تعوّض! كان لديّ كل الوقت والطاقة لأختبر نظرياتي … رغم أنني مطاردة من طرف كرة الصوف المزعجة ... وأعتقد أنني قد اكتشفت طريقة لجعل الخاتم يعمل بشكل أفضل من أي خاتم آخر في العالم!"

ضحكت سارة بصوت عال ، و كانت ضحكتها تحمل نبرة من الجنون …

كما كانت عيناها تلمعان بحماس ، و كان واضحا أن سارة لم تكن تخشى شيئا عندما يتعلق الأمر بالعلم و التجارب …

' إنها حقا مجنونة … كيف إستطاع تايلور التعامل معها …؟'

شعر سامويل بالإرهاق من محادثتها.

'إذا استمرت هكذا… فهذا غير معقول'

"بالمناسبة، سارة… هل تعرفين شيئاً عن إمبراطورية الغريفين؟"

كان مصير الغريفين شيئا أثقل ذهن سامويل ، و لم يحصل على فرصة في ظل المحادثة السابقة لطرح هذا السؤال …

توقفت سارة عن الحديث ونظرت إليه بتساؤل.

"إمبراطورية الغريفين؟ … هل توجد إمبراطورية بهذا الاسم …؟ "

أمالت سارة رأسها بلطف …

"لا، أنا لا أعرف شيئاً عن ذلك. أنا عادةً أكون في المختبر ولا أهتم بما يحدث في الخارج."

"فهمت. لا بأس، كان مجرد فضول."

أومأ سامويل برأسه ، و وقف من مكانه …

" أعطيني هذا .."

أخذ خاتمه المكاني من يد سارة ، و وضعه في مكانه الأصلي ثم شرع في تفقد محتوياته …

" لا تقلق … لم أخذ شيئا من خاتمك … أنا لن أنخفض لمستوى السرقة … لكنك ، تملك حقا عنصرا مثيرا للاهتمام … لسوء الحظ ، لم أملك الوقت لاختباره… "

و بعد التأكد من أكل شيء على ما يرام ، زفر سامويل بعمق و ابتسم بلطف …

لحسن الحظ ، لم يفقد خاتمه و إلا لجن جنونه …

ففقدان قطعة أثرية أسطورية كقناع الأوهام ستكون ضربة موجعة و مؤلمة لسامويل …

" حسنا … ما التالي …؟"

" التالي …"

قومت سارة كلامها ، وقفت من مكانه هي الأخرى و ابتسمت بلطف مخفية جنونها تماما …

بصوت هادئ وحنون، قالت…

"سيد سامويل، دعنا نذهب إلى مختبري. هناك أشياء كثيرة أريدك أن تختبرها ."

تذكر سامويل وصف روايته مرة أخرى ..

تملك وجه ملاك و شخصية ثور مجنون …

و عندما أرى التحول في تصرفاتها و نبرة صوتها …

شعر سامويل بقشعريرة تسري في جسده...

كان هذا التبديل في شخصيتها مذهلا ومخيفاً بالنسبة له.

' إنها حقا كما وصفتها في الرواية …'

أخفى سامويل مشاعره و حافظ على ملامح هادئة …

عرف أن الجنون هو ميكانيزم دفاعي لجأت إليه لسوء الحظ بعد موت أخيها الصغير …

فقط الجنون هو من مكنها من تجاوز الاكتئاب و الوصول إلى أعالي لم يحلم أحد بالوصول إليها …

نعم ، شعر بالأسف على وضعها …

لكن ، قصتها المحزنة أخرجت عملاقا إلى حيز الوجود …

عملاق اكتسح الأخضر و اليابس للوصول إلى القمة

" حسنا ، لنلقي نظرة على مختبرك …"

" يااااي ….يسسس..-"

لكن ، قبل أن تستطيع سارة من إكمال جملتها ….

أمسك سامويل بيد سارة وسحبها خلفه …

وقبل أن تتسنى لسارة الفرصة للحديث، انفتح الباب بعنف ودخل شاب مخمور ذو شعر أبيض و عيون سوداء …

" ساااا….رة "

" أنا … هنا …"

تقدم الشاب بخطوات غير متزنة، متلفظاً بكلمات متقطعة و غير مفهومة.

كان مظهره يوحي بأنه قضى وقتًا طويلاً في الشرب. بملابس حريرية ووجه شاحب، بدا كأنه أحد النبلاء في نظر سامويل انطلاقا من شكله…

تقدم الشاب المخمور بضع خطوات نحو سامويل وسارة … متعثرًا ومتمسكًا بالجدران للحفاظ على توازنه.

نظر إلى سامويل بعيون غاضبة ومليئة بالشك …

"من... من أنت؟"

قال الشاب بصوت مهتز، صارخا في اتجاه سامويل بعداء كزوج اكتشف زوجته تخونه مع شخص أخر …

"وماذا … تفعل …هنا؟!"

' فارس ثلاث نجوم …. هاه ؟!'

حدق سامويل في الشاب المخمور الذي يبدو أنه في مستوى فئة ثلاث نجوم بهدوء تام …

من تصرفاته الحالية و عدائه المفاجئ ، يبدو كأنه يحمل مشاعرا للعالمة المجنونة خلفه …

و لكي يفهم الوضع أكثر … قرر أن يطرح السؤال على سارة مباشرة …

فلا بد أنه إعداد لا يوجد في الرواية الأصلية …

"سارة، من هذا المهرج؟"

قال سامويل بسخرية، وهو يبتسم ابتسامة متكلفة.

و قبل أن تتمكن سارة من الرد، اقترب الشاب منها محاولًا أن يمسك بيدها …

"سارة، من هذا الرجل؟ لماذا هو هنا؟! أنا... أحتاج تفسيرًا الآن!"

" هاي … إبتعد عني يا كرة الفرو …"

بعينين مملوءتين بالاشمئزاز ، نظرت سارة إلى الشاب وكأنها تريد أن تقتله بنظراتها وحدها.

"يا إلهي... هل من الممكن أن تبتعد عني أيها المنحرف …؟!"

كان صوتها مليئًا بالإنزعاج والاحتقار، وهو ما جعل سامويل يرفع حاجبيه بدهشة.

" هل … رفضت حبي من أجل هذا اللعين …؟!"

" أجل … لذا إبتعد عني يا كرة الفرو …"

أمسكت سارة ذراع سامويل وأشارت إلى الشاب المخمور قائلة …

"هذا هو حب حياتي … هل أنت فرح الآن لأن كشفت سري ؟… لذا انقلع الآن …"

" ماذا ؟! … رفضتني من أجله … من أجل هذا اللعين …"

" هل رفضت حبي بسببه …؟"

" لماذا …؟! "

" لماذا؟!!"

" لماذا؟!"

ظل الشاب المخمور، بدا كأنه في حالة هستيرية بحيث ظل يصرخ بلا توقف …

و في الأخير ، صر أسنانه و تقدم نحو سامويل محاولًا الهجوم عليه.

" مت أيها اللعين … ابتعد عن حبيبتي سارة .."

' هل هو بهذا الجنون حقا ؟'

سارع سامويل بتفادي الهجوم، وحرك قدميه بسرعة …

موجهًا ضربة قوية إلى معدة الشاب المخمور، مما جعله يتراجع وينقلب على الأرض.

" هل هو مطارد لك …؟!"

" أجل …"

أومأت سارة برأسه …

لم تشعر بالخجل بتاتا مما فعلته سابقا …

بحيث ، حافظت على نفس الملامح طيلة الوقت …

" مت …!"

استجمع الشاب نفسه و هاجم مرة أخرى … لكن ، هذه المرة ، عزز قبضته بالمانا …

بدا كأنه يهجم على عدوه الأبدي … بحيث تجلت ملامح الكراهية و الحقد على وجهه …

" أتريد الموت …؟!"

تفادى سامويل هجومه البدائي ، لكمه في معدته مرة أخرى ليتقيئ الشاب المخمور بقوة …

ثم أمسكه من عنقه بقوة …

بعد قتاله مع تايلور موون ، أصبح سامويل مهووسا بهذه الحركة …

و بدأ يضغط عليه بالتدريج ، قرر سامويل في باله قتل الإزعاج الذي ظهر من العدم …

" لا ، لا تفعل ذلك يا سيد سامويل … "

فجأة ، هرعت سارة من الخلف ، محاولة تهدئته و إيقافه عن قتله …

" ليس من المفترض أن يكون الحل هكذا ! إنه الوريث الثاني لعائلة ياكوزا أحد أقوى الدوقيات بالمملكة … لذا ليس من الصواب قتله … لهذا تجاهلته طوال الوقت …"

" الابن الثاني لدوقية ياكوزا . هل هذا صحيح ؟!"

" أجل … أجل .."

أومأت سارة رأسها بدون توقف …

" هل أنت متأكدة ..؟!"

" أجل … أجل …"

" إذن ، هذا سيغير خططي تماما …"

ابتسم سامويل بهدوء ، محدقا في عيون سارة التي حملت لأول مرة شعورا أخر من غير الجنون …

و هو الخوف …

.

.

2024/08/25 · 74 مشاهدة · 2295 كلمة
....وحيد
نادي الروايات - 2024