أهلا أرجو أن تسمتعوا بالفصل^_^:

_____'

---

### الفصل الخامس: بداية التغيير

####

"لا يرحم الضعفاء."

بعد أيامٍ من العزلة، بعد كل تساؤل وإنكار، وصلت إلى الحقيقة التي لم أعد أهرب منها.

أنا لست مجرد قارئ لهذه الرواية بعد الآن.

أنا بداخلها... وأنا الشخص الذي سينقذ ذلك الطفل.

لكن لا يمكنني إنقاذ أحد وأنا عالق في جسد رجل يُعرف بالقسوة والكسل والانفجارات الغاضبة. إن أردت أن أغير شيئًا… يجب أن أبدأ بنفسي.

***

استيقظت قبل شروق الشمس. كانت الغرفة لا تزال مظلمة إلا من خيوطٍ خفيفة من الضوء تنسلّ عبر الستائر. لم يكن هناك صوت سوى أنفاسي الهادئة، لأول مرة منذ جئت إلى هذا العالم، لم يكن هناك كابوس. نهضت من السرير ببطء، كما لو كنت أخشى أن يُكسر هذا السكون.

أزحت الستائر.

السماء الرمادية بدت كأنها تتنفس بهدوء. قطرات ندى علقت على الزجاج، والحديقة كانت لا تزال نائمة. تنفست بعمق، ثم فتحت الخزانة واختارت ملابس بسيطة. قماش قطني مرن، لا تطريز فيه، لا ربطات عنق ولا أزرار ذهبية. فقط… شيء يمكن التحرك فيه بحرية.

توجهت إلى الساحة الخلفية.

كانت أكبر مما تخيلت، محاطة بجدران خضراء من الشجيرات المشذبة، تتوسطها أرض حجرية واسعة، وعلى جوانبها تماثيل حجرية قديمة لأسلاف العائلة. لا شيء في هذه الساحة يوحي بالدفء، لكنني لم آتِ لأطلب الراحة.

وقفت في المنتصف، مددت ذراعي، ثم بدأت بتمارين بسيطة، متأنية. شدّ للعضلات، دوران للرقبة، ضغطات. كنت أشعر بجسدي يئن، كل حركة تُذكّرني بأن هذا الجسد لم يُستخدم إلا في النوم والغضب.

لكنني استمريت.

استمرّ العرق في الانهمار، واستمرت أنفاسي في الاضطراب… لكنني كنت أتنفس، أتحرك، أعيش.

***

لم أكن وحدي.

من بعيد، لاحظت بعض الخدم يتوقفون للحظات. بعضهم يحمل أدوات التنظيف، وبعضهم فقط يمرّ. لم يقترب أحد. لكن أعينهم كلها كانت عليّ. لم أفهم تعبيراتهم… كانت بين الخوف والدهشة، وبين شيء يشبه الشفقة.

كأنهم يرون شيئًا لا يُفترض به أن يكون.

كأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع نسخة "بشرية" من سيدهم.

لكنني تجاهلتهم.

أنا لا أتحرك لأغير نظرتهم.

أنا أتحرك… لأن هذا الجسد يجب أن يتغير قبل أن أطلب من العالم أن يتغير.

***

في طريقي للعودة، مررت برواقٍ طويل مطلٍّ على حديقة داخلية صغيرة. الجدران مزخرفة بنقوش ذهبية، والسقف يحمل ثريّا ضخمة تنثر الضوء على الأرضية الرخامية. خطواتي كانت بطيئة… لكن ثابتة.

وهناك، التقيت به.

رئيس الخدم،

ميريون

.

رجل مسنّ، طويل القامة رغم انحناء ظهره، ملامحه جامدة كالحجر، وعيناه… ذكية بشكل هادئ. كان يحمل دفترًا صغيرًا ويمشي باتزان، كمن يعرف كل حجر في هذا القصر باسمه.

انحنى بانضباط، وقال:

– "صباح الخير، سيدي الدوق."

أجبته بهدوء:

– "أريد غرفة للتدريب. فارغة، جيدة التهوية."

توقف، رفع رأسه قليلاً وكأنه يشكّ أن ما سمعه صحيح. ثم أجاب:

– "بالطبع. سأرتبها لكم فورًا."

تابعت:

– "وأريد كتبًا… أساسيات السحر. لا شيء متقدم. فقط البداية."

هذه المرة… نظر إليّ للحظة أطول، بعينٍ لا تبحث عن الأوامر، بل عن التغير.

ثم انحنى ثانية، وقال:

– "كما ترغبون."

***

ظهرت "جينا"، مدبرة القصر.

امرأة دقيقة، تسير بخطى ثابتة، بيدها دفتر ملاحظات جلدي. لم تقل شيئًا، لكنها رمقتني بنظرة طويلة... نظرة من يحاول أن يرى من خلف الجلد والعينين، من خلف الهيبة الزائفة. ثم استدارت وأكملت طريقها، كما لو أنني لم أكن كائنًا حيًّا بل ظاهرة غريبة لا تفسير لها.

كانت الهمسات قد بدأت تنتشر.

– "هل استيقظ باكرًا؟"

– "هل كان... يتدرّب؟"

– "هل تغير فجأة؟"

– "ربما شرب شيئًا من العطار العجوز؟"

ضحكت داخليًا. البشر لا يتغيرون فجأة في أعين الآخرين... لكن أحيانًا، يُجبرون على التغيير.

***

عندما بدأت الشمس بالانحدار، شعرت بحاجة إلى التنفس خارج الجدران.

مشيت إلى الحديقة الخلفية.

هذه المرة لم أكن أراقب كمالك، بل كغريب. كنت أبحث عن شيء لا أعرفه.

وبين الأشجار، رأيته.

طفل صغير، شعره الأسود ينسدل على وجهه، جالس تحت شجرة كثيفة الظل. لا يتحرك. لا يرفع رأسه. كان يخط شيئًا في التراب بإصبعه، دون أي اهتمام بما حوله.

كان لوكاس.

بدت ملابسه باهتة. جافّة، لا دفء فيها. جلسته منكمشة وكأن العالم ضاق به حتى تقلّص. عيناه لم تكن تبحثان عن أحد، وكأن لا شيء يستحق النظر.

لكنه لم يكن وحده.

بجانبه، وقف حارس. شاب ضئيل البنية، يرتدي الزي الرسمي للحرس، لكن وجهه لم يكن يحمل وقار الحراس.

اقتربت أكثر، دون أن أصدر صوتًا. وقفت خلف الأشجار، لا أعلم لماذا لم أُظهر نفسي… فقط شعرت أن عليّ أن أرى.

فجأة، سمعت صوته:

– "أوه، أنظر إليك… هل تظن حقًا أنك وريث؟ هاها… أنت مجرد طفلٍ غريب الأطوار. مثلك مثل والدك الوحش."

ثم، دون مقدمات…

صفعة.

صوتها كان صريحًا، جافًا، مثل كسر غصن يابس.

تجمدت.

أصابعي اشتدت على جذع الشجرة، لكن جسدي لم يتحرك.

لماذا؟

لأن الطفل… لم يتحرك أيضًا.

لم يرتجف.

لم يبكِ.

لم يُبعد وجهه.

فقط… تقبّلها.

وكأن الألم صار شيئًا طبيعيًا.

وكأن الإهانة لم تعد غريبة عليه.

وكأن... لا شيء يستحق الرد.

في تلك اللحظة، توقفت كل الأصوات في داخلي .

---

إلى الفصل القادم🎀🎀

2025/04/15 · 69 مشاهدة · 763 كلمة
نادي الروايات - 2025