الفصل 43 : الوريث الوحيد



كان المؤسس جالسا في الغرفة السرية الواقعة أسفل سراديب الموتى . كان شعره أشعثا و عيناه حمروتان و بدا و كأنه سيفقد صوابه . خططه كانت على وشك التحقيق و لكن للأسف اُفسد كل شيء و الآن الجميع سيغادر و إذا حدث و تركوا المكان فإنهم لن يعودوا مرة أخرى .كان حزينا جدا بينما تلميذ طائفة الصقيع الذهبي يقترب نحو تلميذه الوحيد المتبقي . اجتاحه الغضب و بدون حتى الاستعانة بقاعدته التدريبية أطلق صوتا مدويا


اهتزت جرائها السماء و أثيرت عاصفة من الرياح و التي ترددت ذهابا و ايابا . و عندما ضربت تلك العاصفة الأرض القابعة في الجبال البرية بالقرب من طائفة الاعتماد اقتلعت الكثير من الأشجار و كما انقسمت أخرى إلى قطع متناثرة لدرجة أن العاصفة صارت ذو لون أخضر داكن . و لا تخلو من ومضات البرق المتتالية .و عندما حلق الخبراء من مقاطعة (تشاو) عاليا في السماء للتحري عن الأمر تبكموا* ’ أي اُخرسوا ’ من شدة الصدمة التي حلت بهم


حتى (تشو يانيون) القادم من طائفة السيف المنفرد بدا في غاية الارتباك حاملا على كتفيه (تشن فان ) المغمى عليه ثم تراجع للخلف و حينها بدأ السيف في الاهتزاز لتحيطه فورا مجموعة من هالات السيوف


و كما ان المرأة الفاتنة من طائفة الغربال الأسود بدت متفاجئة أيضا ثم تحركت إلى الوراء حتى بلغت القاع ’ أي الأرض ’ لتصفع بقوة سطح بوصلة (فنغ شوي) و فجاة تضاعف حجمها




أما بخصوص تلميذ طائفة الصقيع الذهبي (تشاو شانلينغ) فقد أخذ نفسا عميقة و تراجع للوراء ثم حرك أصابعه بشكل فوضوي ليحلق سيفًا ذهبيًا من خلفه و كما أن جسده توهج بالكامل بالذهبي ليبدوا كأنه نوع من أنواع الكائنات السماوية


كان ثلاثتهم يحدقون باتجاه طائفة الاعتماد كما لو أنهم يواجهون خصما مميتا


كان (مينغ هاو) الذي لا يزال واقفا على الجبل الشرقي يتابع تطورات الأحداث في حذر , ينظر إلى العاصفة ذات اللون الأخضر الداكن و التي غطت السماء بأكملها تصحبها صوت مدوي لا مثيل له على الإطلاق . لقد وجد صعوبة في أخذ أنفاسه و بعينين متسعتين تحرك إلى الخلف و تضرب الرياح ثيابه التي تجاهد في مسابقة الرياح . ثم أمسك بصخرة متشبثا بها حتى لا تجره الرياح معها و تابع مسيره بعينين متألقتين رغم ذلك . لقد ذكّرته كلمات المؤسس المعتمد بما قرأه في الصفحة الأولى من الدليل قبل عدة سنوات مضت و كان ذلك عندما التحق بطائفة الاعتماد أول مرة


كما بدا (هي لوهوا) و الأخ الأكبر (أويانغ) مندهشان فقد كان هذا المنعطف في الأحداث مفاجئا جدا لهما و سبب لهما صدمة كبيرة لدرجة أن قواعدهم التدريبية على وشك الانهيار جراء قوة العاصفة


صاح المؤسس الموجود تحت سراديب الموتى بكل ما أوتي من صوت قائلا :"دعونا نعلن ذلك . المؤسس لا يزال موجودا هنا ! ..لا أحد مسموح له بلمس الفتى المدعو (مينغ) ! انه تلميذ طائفتي الداخلية الوحيد المتبقي . و إذا مات فلن يكون لي أي أمل !! " صرّ على أسنانه ثم ارتطم رأسه بقوة بينما رفع رأسه ليرتج جسده بالكامل ثم بصق جرعة من الدماء ثم واصل ضرب نفسه مرارا و تكرارا و بصق المزيد و المزيد من الدماء حتى بدا جسده في الدوران


و كما طغت نظرة الكراهية عيناه و بعد ضرب نفسه سبع أو ثماني مرات كان قد بصق كمية كبيرة من الدماء و التي تكتلت مع بعضها .ثم اندفعت نحو الجدار الحجري لتصطدم به محدثة صوتا مدويا ثم اختفى الجدار شيئا فشيئا حتى أصبح بالإمكان المرور منه


بعد فعله ذلك , مال رأس المؤسس إلى جانبه ثم فقد وعيه فورا , بدا و كأنه ميت كما لو أن ذلك الدم هو من كان يبقيه واعيا


اتجه كتلة الدم إلى خارج الغرفة السرية و مخترقة سراديب الموتى . و عندما خرج للملء ارتعب كل من شاهدها فقد انتشرت حتى غطت كامل أرجاء الطائفة بضباب أحمر . و يصدر من داخل هذا الضباب صوت مدوي كالرعد و قد استمر في التوسع . و في لحظات غطى المناطق الجبلية المحيطة بالمكان و في كل الاتجاهات . و من بعيد بدت كما لو أنها تحولت إلى بحر أحمر من الضباب ! ا


تحرك الضباب بقوة محدثا صوتا قويا .صُعق كل التلاميذ الموجودين في المكان و كانت ملامح الصدمة بادية على وجوههم


داخل الضباب الأحمر أغمي على جميع تلاميذ الطائفة الخارجية و لكن بدون أي اصابات و أما (هي لوهوا) و الأخ الأكبر (أويانغ) فقد دُفعوا إلى خارجه بوجهان شاحبان ينظرون بذهول إلى أمامهم


ضجيج الصادر من الضباب لم يتوقف و استمر دوي الرعد لدرجة أنه بدا و كأنه الشيء الوحيد الذي يجول المكان . كانت الأرض كمحيط من الضباب و كانت السماء عديمة اللون . ثم بدأ الضباب في التحرك و التكثف حتى شكل وجه ضخم


كان حجمه هائلا يترك في نفوس الجميع الرهبة و الخوف


كان الوجه لشيخ عجوز هادئ , قوي و مستبد و كانتا عيناه مغلقتان و في اللحظة التي رأوه فيها (هي لوهوا) و الأخ الأكبر (أويانغ) بدأ رأسهم في الطنين . فقد تعرفوا على هوية صاحبه ...إنه ليس سوى المؤسس المعتمد


تحدث الأخ الأكبر (أويانغ) بعينين متسعتين و مليئتان بالإثارة :"المؤسس..."ا


ا"إنه ...إنه ليس منوفيا بعد كل شيء ! " ..صاح الخبراء القادمون من مقاطعة (تشاو) هذه الجملة يملئ الذعر قلوبهم و كما سالت من وجوههم الدماء , واحدا تلو الآخر ثم فروا من المكان


و فجأة , فتح وجه المؤسس المعتمد الضبابي عيناه . لم ينفتحا بالكامل بل قليلا فقط , و رغم ذلك فقد انبعثت منها قوة شديدة و التي بدت و كأنها قادرة على شق الأرض


ثم صوب ناظريه للأعلى نحو السماء , و بدتا متحجرتان بالدماء . و عندما اجتاحت نظرته المكان من حوله , انسحقت العاصفة الخضراء الداكنة داخل الوجه الضبابي الأحمر ليتحول فيما بعد إلى شعر طويل داكن


و حينما شاهد (تشو يانيون) ذلك شحُب وجهه و بصق القليل من الدماء و بينما تراجع للخلف حتى انقسم سيفه الضخم إلى جزأين تاركا نصله فقط . في تلك اللحظة امتلأت عيناه بالذعر و خفق قلبه بقوة . و رغم ـن قاعدته الروحية كانت في مرحلة توليد الروح إلا أنها انقبضت تحت تلك النظرة و بدأت روحه الوليدة في الذبول . حينها تراجع للخلف بشكل أشرع ثم فعل تعويذته الزرقاء فورا بعدما أخرجها من حقيبته ثم غطت جسده بالكامل و حتى جسد (تشن فان) الذي كان على كتفه ثم ركض مبتعدا . بعزيمة شديدة في قلبه مبدئها أن خصمه الحقيقي ليس عليه أن يكون في مرحلة توليد الروح بل بالأحرى خصمه الحقيقي عليه أن يكون في مرحلة انفصال الروح


و بينما المرأة الفاتنة من طائفة الغربال الأسود تشاهد كل ذلك يحدث حتى بدأت أصوات التكسر تصدر من بوصلة (فنغ تشو) الخاصة بها لتنفجر في لحظات إلى قطع متناثرة . ثم بصقت بعض الدماء و تراجعت للخلف حاملة معها (شو تشينغ) المغمى عليها ...لم تكن هذه المرأة خائفة أبدا و لكن كل ما كان يشغل بالها هو "الفرار" فقط ! ا


أما بالنسبة لذلك الطويل ,(تشاو شانلينغ) الضخم فقد كان جسدوا يبدوا و كأنه يهاجم بعدد من الجبال الطائرة . تراجع للخلف و سعل بعض الدماء بوجه شاحب فقد تحطم سيفه الذهبي إلى شظايا بالكامل .ثم استدار و اندفع بعيدا متجها نحو الصدع الروحي


أصيب جل الخبراء من مقاطعة (تشاو) بنوبة حادة من السعال و كما شعر تلاميذ المرحلة التكوينية باستنزاف طاقتهم الروحية و أدركوا أن فترة عمرهم قد تقلصت بالإضافة أن وجوههم نمت بالوهن


يحوط حول (مينغ هاو) الواقف على الجبل الشرقي الضباب الأحمر حول خصره بوجه شاحب و لا يزال متشبثا بالصخرة بقوة . و بالنسبة للملء فقد كان (مينغ هاو) واقعا بين جبين وجه المؤسس الضبابي


ا"لقد تسببت في حل طائفتي ! و كما أنك حاولت إيذاء وريثي الوحيد ! أنت حقود حقا ! " ..هزّ صوته العالم كله من كل الأقطار . و بعدما قال جملته هاجمت ثلاث أشعة ضوئية حمراء (تشو يانيو) و المرأة الجميلة و الرجل الضخم من طائفة الصقيع الذهبي


ا"أنا (تشو) زعيم طائفة السيف المنفرد و حامي الداو أتعود بتدميرك ما إذا قمت بقتلي ! "ا


ا"يا مؤسس طائفة الاعتماد, أرجوك سيطر على غضبك. فأنا تلميذة طائفة الغربال الأسود , و جدي هو (بينغ سانداو) . و هو من اعز أصدقائك ! "ا


ا"لقد قمت بخطأ , أيها المؤسس أرجوك هدئ من روعك "ا


لفظ الثلاثة كلماتهم بينما الأشعة الضوئية تتجه نحوهم . أطلق المؤسس شخيرا باردا


ا"تغلبت عليكم أنتم الثلاثة ! " ...في هذه اللحظة اختفت الأشعة الضوئية الثلاثة ...."ارجعوا من أين قدمتم و اسئلوا شيوخ طائفتكم ما إذا نسوا ميثاق الدم الذي ابرمناه قبل سنوات مضت . مقاطعة تشاو هي مملكتي . أي أحد يتجرأ على وطأ قدماه عليها فلا يلوم إلا نفسه على هلاكهم . و أما بخصوص هؤلاء التلاميذ الثلاثة فخذوهم بعيدا عني فإنني لا أحتاج إليهم " ....و بوجه شاحب اختفى التلاميذ الثلاثة القادمين من المناطق الجنوبية فورا


و بعد رؤية هذا تجمد الخبراء القادمين من مقاطعة تشاو في مكانهم مرتجفين فبعد رؤية ما تصرفه التلاميذ من مرحلة توليد الروح تركهم متحجرين . فأقوى شخص منهم كان لا يتعدى المرحلة التكوينية


و الآن الأسطورة القديمة و التي تبلغ من العمر ألف عام حول مؤسس طائفة الاعتماد قد تجسدت أمام أعينهم


و بصوت قوي صاخب بدا الضباب في التحرك من جديد و الدوران و كان (مينغ هاو) قابعا في مركزه . ثم تكتل الضباب أمامه مشكلا رمحا طويلا


لم يكن الرمح ذو اللون الأحمر و لكن بدلا من ذلك صار مغطى بنقوش سحرية بيضاء , فضية و ذهبية . و كان يبدوا في غاية الروعة


ا"لقد تم حل الطائفة , فلتبقى كذلك . و لكن هذا الفتى هو وريث الطائفة الداخلية و إذا تجرأ أي أحد على لمسه "... تحول انتباهه نحو (مينغ هاو) ثم أكمل ..."في هذه الحال , استعمل يا (مينغ هاو) هذا الرمح لابادة ذلك الشخص ! تغلب على الجميييع ! " ...تردد صدى صوته عبر الأرض ثم فرّ الخبراء من مقاطعة (تشاو) فورا و ما لم يلحظوه هو انخفاض صوت المؤسس بشكل ضعيف و كان بالكاد ممكن تمييز ذلك و لكن لو أحدهم يركز قليلا فسيلاحظ ضعف الصوت


و فجأة رُفع تلاميذ الطائفة الخارجية المغمى عليه و حلقوا عاليا في كل الاتجاهات .و ثم و باضطراب غطى دم أحمر كل الطائفة . لا احد من الملء كان قادرا على رؤية ذلك و لكن (مينغ هاو) كان بإمكانه ذلك


شاهد (هي لوهوا) و الأخ الأكبر (أويانغ) كل هذه الأحداث في دهشة و في النهاية ظهرت ملامح العار على وجه (هي لوهوا) ثم أخفض رأسه و أحيا الدرع الدموي باحترام ثم تنهد و بعدها استدار و غادر المكان


كان الأخ الأكبر (أويانغ) صامتا طول الوقت بينما أوصل تلاميذ الطائفة الخارجية واحدا تلو الآخر إلى الجبال البرية . ثم ألقى نظرة من بعيد إلى طائفة الاعتماد و بعد تنهيدة اختفى بعيدا


فهو و (هي لوهوا) يدركان أن لا شيء يدعى طائفة الاعتماد بعد الإعلان عن حلها من طرف المؤسس


كان (مينغ هاو) واقفا بين التوهج الأحمر الدموي و يبدوا عليه أنه متحمسا بينما هو ينظر إلى الرمح الذي ينبعث منه الوهج الأبيض و الفضي و الذهبي . و فجاة و بشكل يصعب تفسيره اندفع الرمح تلقائيا مندمجا مع الضباب ثم تحول إلى صورة رجل عجوز مرتديا رداءً أحمر . لقد كان المؤسس المعتمد


و بيدين مشبكتين محييا إياه تحدث (مينغ هاو) :"يحي التلميذ (مينغ هاو) المؤسس المعتمد " و بدون أي تفكير فاض بفصاحته حتى قال :"أنت مسكن الرعب في قلوب سكان (تشاو) ذو الشهرة التي وصلت أقصى المناطق الجنوبية . أبجلك اليوم أكثر من أي وقت مضى على انضمامي الطائفة و كما كنت أحترم كل يوم كلماتك التي تركتها على الدليل و قد جنيت منها المكافئات .."ا


ا****سوري و لكن فحاصتي ..قصدي فصاحتي ليست برقي فصاحة (مينغ هاو) ***ا


ا"جيد جدا , أحسنت , أنت حتى لم تحسن صنيعا كهذا في دراستك . دعني أخبرك بشيء يا فتى فعندما كنت في نفس عمرك كانت إطراءاتي أحسن بكثير من إطراءاتك . فلا تحاول أن تخبرني بهذه التفاهات بعد الآن " ...نظر المؤسس إليه بنظرة سخط و لكن مشاعره الداخلية تأثرت قليلا


ظهرت على (مينغ هاو) ابتسامة سخيفة


ا"على الرغم من أنه ليس مجدي مجاملتي , حسنا أنا ....لا عليك . استمع إلي , أنا كنت قادرا فقط على استخدام جزء فقط من وعيي , و لذلك لم يكن من السهل علي تخويف أولئك التلاميذ الملعونين من مرحلة توليد الروح . و كما أنه لم بعد لي الكثير من الوقت حتى يختفي هذا النموذج "...و بينما كان يتحدث بدا شيئا فشيئا يوضح كلامه ..."أنا بحاجة للراحة لمدة عام كامل و عندما يمرّ ذلك العام عليك أن تستخدم أي وسيلة لاحضار الخبراء من المرحلة التكوينية أو ما فوقه يوجد على مقاطعة (تشاو) إلى منطقة التأمل الخاصة بي . و إذا تمكنت من فعل ذلك فسأكافئك بشيء لن تصدق ماهيته ! " ....رفع يده و أشار غلى (مينغ هاو)ا


لتدخل على الفور معلومات عن كيفية فتح بوابة منطقة التأمل


ا"أيها الفتى أنت هو وريثي الوحيد فاحرص إلا تقتل فإن حدث و توفيت فسيكون علي أن أجد لكم حظية لتدفن معك ...أنا ..أجد أنه من المزعج أن تحصل على ...." ...صوته بدا يتردد و لكنه جسده تشتت بالكامل و حتى الظل


حدق (مينغ هاو) لبعض الوقت قبل استعادة تركيزه . و في تلك اللحظة كان قد أدرك أن ما حدث كان سوى محاولة لإخافة الغرباء


ا"لذلك لم يقتل أولئك الثلاثة ....و لكن ماذا حدث للرمح الذي كان سيعطيه لي ؟"ا


.....(يتبع)


2017/05/23 · 2,350 مشاهدة · 2102 كلمة
akram_bensalem
نادي الروايات - 2024