الهواء كان بارداً، لكنه منعش.
الليلة، لا حفلات ولا مبارزات ولا مؤامرات… بل جلسة دراسة جماعية على شرفة المكتبة القديمة.
مازن لم يتوقع أن تقبل أي فتاة دعوته لهذا النوع من اللقاء.
لكن بشكل غريب، جاءت كل من سيرا وكلير وإليانا — ثلاثتهن، كل واحدة بدافع مختلف.
سيرا كانت تراقبه بصمت، تدوّن شيئاً في مفكرتها الصغيرة كلما تحدث.
"أكتب ملاحظات للمقال الأسبوعي عن تقلبات شخصيات النبلاء الجدد."
قالتها بابتسامة خبيثة، قبل أن تضيف همسًا:
"لكن لا تقلق، لن أذكر اسمك… إلا إذا فعلت شيئًا يستحق."
أما كلير، فكانت متوترة.
تحمل كتابًا أكبر من رأسها، وتحاول التركيز، لكن عيناها لا تكفان عن النظر إليه.
"لا أزال لا أثق بك." قالت فجأة، دون أن ترفع نظرها عن الصفحة.
"لكن… أنت تقرأ نفس الكتب التي أقرأها. وهذا يربكني."
وإليانا، جلست قربه مباشرة.
بهدوء، وابتسامة خفيفة، كما لو كانت تعرف تمامًا ما يفعله قلبه الآن.
"هل تعلم لماذا جئتُ حقًا؟" قالت له، وهي تحدق في السماء.
هزّ رأسه.
"لأني أردت أن أراك خارج القاعات الرسمية. خارج الأوامر، والتحذيرات، والشكوك. أردت أن أراك كما أنت… لا كما تقول اللعبة أنك ستكون."
سكت مازن.
ثم قال، بصدقٍ لم يعهده من نفسه من قبل:
"أنا لستُ ليوناردو داركرايف.
أنا شخص… وجد نفسه في جسده، داخل لعبة يفترض أنها تنتهي بنهاية سيئة لي.
ولا أعلم كيف أتصرف، لأن كل خطوة أقوم بها… تقرّبني من سيناريو كارثي."
السكون عمّ المكان.
حتى النسيم بدا وكأنه توقف ليسمع اعترافه.
سيرا أغلقت مفكرتها.
"أنت مجنون." قالت، لكنها لم تنهض.
كلير رمقته بنظرة طويلة.
ثم همست: "أنت تكذب، أليس كذلك؟"
لكنها لم تنتظر إجابة.
وإليانا؟
ابتسمت.
ابتسامة حقيقية، دافئة، لا تشبه أي تعبير ظهرت به من قبل.
"إذن… لنغيّر النهاية."
في تلك الليلة، ولأول مرة…
لم يشعر مازن بأنه غريب.
بل كأنّ هناك خيطًا خفيًا بدأ يربطه بهؤلاء الفتيات، ليس كعدوّ، ولا كشرير… بل كـ شخص.
شخص يحاول أن ينجو.
وهكذا تنتهي الليلة
بثلاث فتيات يجلسن قربه في صمتٍ مريح، وبقلب لا يزال يرتجف… لكنه لم يعد وحيدًا.