تحت الأكاديمية، في الممرات التي لا تطؤها أقدام الطلاب، كان الصمت يملك هيبته. الجدران الحجرية تغلفها رطوبة الماضي، والهواء يحمل رائحة الورق القديم والعفن الطفيف… كما لو أن الزمن نفسه توقف هناك.
مازن وقف أمام باب ضخم، نصفه صدئ، ونصفه الآخر مغطّى بطلاسم سحرية باهتة.
"هذا هو المكان؟" سأل وهو يتفحص النقوش.
نوار أومأ، عينيه الخضراوان تلمعان بضوء المصباح السحري الصغير.
"كانوا يلقّبونه بـ 'قاعة النبوءات الأولى'.
لكن الآن، يُعرف فقط باسم المدرج المهجور."
مازن لمس الباب، وفجأة… تدفّقت صورة في رأسه.
فتى واقف وحده في هذه القاعة… يقف في منتصف الدائرة، والطلاب يضحكون عليه. أحدهم يتحداه. الآخر يلعنه.
لكن عينيه، عينا الفتى، كانتا متوهجتين… تمامًا مثل نيران الانتقام.
مازن تراجع خطوة، يتنفس بصعوبة.
"رأيت شيئًا." همس.
نوار لم يتفاجأ.
"بدأت تستعيد ذاكرته؟"
"لا… لا أظن أنها ذاكرة لي.
لكنها… حقيقية. مؤلمة.
كأن جسدي تذكّر شيئًا قبل عقلي."
فتح الباب ببطء، صريره كأنين قديم.
أمامهم، انكشفت قاعة مدرّجة مغطاة بالغبار. المقاعد مكسورة، السبورة مسودة، وفي منتصفها دائرة سحرية محفورة في الأرض… بعمق.
"ما الذي حدث هنا؟" سأل مازن، وهو يخطو بحذر داخل القاعة.
"قبل سنوات… عُقدت هنا تجربة سحرية فشلت.
أحد الطلاب خرج منها بلا وعي، وآخر… لم يُعرف مصيره."
قال نوار بصوت منخفض.
مازن اقترب من الدائرة… وعيناه تلتقطان رموزًا مألوفة.
"هذه الرموز… رأيتها من قبل.
في الحلم."
ما إن خطى داخل الدائرة، حتى حدث شيء غريب.
العالم حوله تلاشى للحظة.
اختفى الغبار، وامتلأت القاعة مجددًا بالطلاب. كانوا يصرخون، يضحكون، يتهامسون.
وفي المنتصف… فتى بوجه ليوناردو، لكنّه ليس مازن.
كان ينظر إليهم بحقد، وحين بدأ يتكلم، لم يكن صوته كمازن أبدًا.
"أنا لست مثلكم… وسأُثبت لكم ذلك، حتى لو احترق هذا المكان!"
ثم اندلع السحر، والنيران، والصراخ.
مازن صرخ وخرج من الدائرة.
نوار كان ممسكًا بذراعه.
"رأيت المشهد؟"
"كأنني… كنت فيه."
"هذه ليست مجرد ذكريات." قال نوار بهدوء.
"هذه شيفرة محفورة في هذا المكان، تحفظ الأحداث… بل وربما تحاول إعادة بثّها لمن يملك 'الهوية'."
مازن ابتعد عن الدائرة، وقد بدأ قلبه يرتجف.
"هل هذا يعني أن ليو… لم يكن شريرًا منذ البداية؟"
"أو أنه لم يكن الوحيد الذي تغير." رد نوار.
ثم أضاف: "ربما اللعبة بدأت تتلاعب بنا نحن الاثنين."
في طريق العودة، ظل مازن صامتًا، يراجع صورًا ليست له، لكنها تسكنه.
وفي آخر الممر، سمع همسة… لا من فمه، ولا من نوار، بل من داخله:
"لن تنقذهم جميعًا، مازن. بعض النهايات… لا تتغير."
تجمد في مكانه.
"نوار… هل قلت شيئًا؟"
"لم أتكلم." أجابه، وهو يحدّق فيه بنظرة مرتابة.
ذلك المساء، لم ينم مازن.
كان يتأمل صور ليو في المرآة.
وفي عينيه، لأول مرة… رأى شيئًا يشبه الحيرة، أو ربما بداية شيء أعمق:
تصدّع في الهوية.