كانت الريح تهب ببرود في صباح اليوم التالي، والسماء ملبّدة بالغيوم الرمادية.

مازن جلس وحده على سطح الأكاديمية، حيث لا يذهب أحد. أمامه كتاب مفتوح، لكن عينيه لا تقرأ.

ما حدث في المدرج المهجور لم يكن مجرد ذكرى.

لقد كان واقعًا يعاد بثّه، كأن العالم يحاول أن يهمس له: "أنت لست الوحيد."

ثم جاءه نوار، وعلى وجهه نظرة لم يرها من قبل. مزيج من القلق والانبهار.

"وجدت شيئًا… وأظن أنك من يجب أن يراه."

ناوله لفافة قديمة، مربوطة بخيط أحمر باهت. الورق كان جافًا، ورائحة الحبر المعتّق تعبق منه.

مازن فتحها ببطء… وقرأ.

> إلى من وجد نفسه في هذا الجسد…

ربما لم تكن تتوقع أن تكون "ليو"، كما لم أتوقع أنا أن أكون "سيريل".

لكننا لسنا وحدنا. وهذه ليست لعبة كما تظن.

إذا قرأت هذه الرسالة، فهذا يعني أن النظام بدأ ينهار.

وأنك اقتربت من النقطة التي لا رجعة منها.

مازن بلع ريقه، وأكمل:

> ابحث عن "الساعة المعكوسة" في برج الكيمياء.

تحتها، ستجد ما تبقى من ذاكرتي.

لكن احذر… البطل ليس كما تظنه.

وأنا… لم أعد أملك الوقت لشرح كل شيء.

– S

"من هو S؟" سأل مازن، وقد شدّ قبضته على الورقة.

"لا أحد يعرف هذا الاسم." قال نوار.

"لكن الرسالة لم تُكتب بلغة هذا العالم، بل بلغة برمجية قديمة… تشبه الأكواد المخفية في واجهات الألعاب."

مازن أعاد قراءة الكلمات الأخيرة، وعبارة علقت في ذهنه:

> البطل ليس كما تظنه.

"يعني… إيثان؟"

نوار أومأ ببطء.

"ربما… وربما لا.

لكن من الواضح أن اللعبة لم تُصمم لتكون عادلة."

في تلك الليلة، خرج مازن سرًا من عنابر寮 الأكاديمية، مرتديًا عباءته السوداء ومعه نوار، الذي آثر أن يتحرك في الظل كما يفعل دومًا.

الوجهة كانت واضحة: برج الكيمياء. مكان مهجور منذ سنوات، بعد أن وقعت فيه حادثة انفجار غامضة طُمست من سجلات المدرسة.

مرّا عبر الممرات الخلفية، مراوغين عيون التماثيل السحرية التي تحرس الممرات ليلاً، حتى وقفا أخيرًا أمام الباب المقفل.

مازن مدّ يده بحذر، فتوهّجت الدائرة السحرية التي تغطي القفل، لكن بدلاً من أن تصده… انفتحت.

"كأن المكان... يعترف بي." قال بصوت منخفض.

"أو يعترف بـ 'ليو'." صحّحه نوار وهو ينظر للداخل.

الهواء في البرج كان كثيفًا، مشبعًا بالغبار وعبق العناصر الكيميائية القديمة. على الجدران أنابيب زجاجية ملتوية وأرفف مليئة بجرار مغبرة. صعدا الدرج الحلزوني حتى وصلا إلى غرفة القمة، حيث كانت الساعة المعكوسة معلقة.

كانت ساعة ضخمة، عقاربها تتحرك بالعكس، لكنها لم تكن تشير للزمن.

"إنها تقيس… شيئًا آخر." قال مازن، وهو يقترب منها.

ثم رأى الرمز المنقوش خلف الساعة:

نفس الرمز الذي رآه في الرسالة… شكل دائري بداخله خطوط متشابكة تشبه الشبكة الرقمية.

أدار عقرب الساعة كما أشارت الرسالة، فحدث صوت طقة خافتة… وانفتح حجر في الجدار.

ورقة. واحدة فقط. طيّة نظيفة.

فتحها ببطء.

> ملف ذاكرة 02

الموقع: الأكاديمية – البرج الغربي – سنة 7 قبل التثبيت.

المستخدم: سيريل كايزر

تم الوصول إلى الوعي الكامل داخل النظام،

وتم تأكيد أن العالم محكوم بالخيارات،

لكن خيارات من؟

تمكنتُ من التلاعب بمسار البطل، لكن النظام بدأ مقاومتي.

حُكم عليّ بـ"نهاية خاطئة" لم أختَرها.

إذا قرأت هذا، فهذا يعني أن خيارك الوحيد هو…

العبارة الأخيرة كانت مشطوبة بعنف، وكأن شخصًا ما لم يرد أن تُقرأ.

مازن تراجع خطوة.

"سيريل… كان قبلي. وكان يحاول تغيير الأحداث."

"وتدخّله تسبب في خلل في النظام." تمتم نوار.

"ما يعني… أنه قد لا يكون اللاعب الوحيد الذي جُرّ إلى الداخل."

صوت خارجي قطع تفكيرهما. وقع أقدام.

"هل كنتم تظنون أنكما وحدكما من يبحث في هذا المكان؟"

ظهر إيثان عند الباب، عيناه مشعتان بضوء لم يره مازن فيه من قبل.

"أنت… كيف عرفت أننا هنا؟" سأل مازن.

"المكان لم يُفتح إلا لأن أحدهم حاول تكرار الخطأ."

قالها إيثان، وهو يخطو للداخل.

"أنتَ… أيضًا لست طبيعيًا، أليس كذلك؟"

إيثان ابتسم، لكن ابتسامته كانت خاوية من البراءة.

"وهل كنت تظن أن اللعبة ستضع بطلاً بلا وعي؟"

2025/04/17 · 37 مشاهدة · 599 كلمة
rayen👑
نادي الروايات - 2025