كان الصباح ثقيلاً.
ريح باردة قادمة من الشمال تعبث بالرايات الممزقة فوق أبراج الأكاديمية.
الطلاب والأساتذة، الجنود والسحرة، الجميع شعروا بها: نذير شؤم لا يُمكن تجاهله.
مازن وقف أمام شرفة المديرية، حيث اجتمع قادة الأكاديمية والممالك المجاورة.
حتى نوار، ببروده المعتاد، بدا أكثر يقظة من أي وقت مضى.
"ستبدأ قريبًا..." تمتم مازن، عينيه مغمضتين نصف إغماضة.
وفجأة اهتزت الأرض.
شق بنفسجي امتد عبر السماء، وكأن العالم انفتح جرحًا لن يلتئم.
ظهرت بوابة عملاقة وسط السهول الشرقية — لا سحر بشري يمكنه أن يفتح مثل هذه الفجوة.
من داخل البوابة، خرج كيان طويل القامة، يلبس درعًا أسودًا يكسوه الظلام ذاته.
وجهه مخفي تحت خوذة مشققة، ومن خلفه جحافل بلا عدد، مخلوقات تزأر وتصرخ بجوع قديم.
رفع الكيان يده، ومن صوته انفجرت الكلمات في الهواء كالرعد:
> "يا من تزعمون الحكم… اسمعوا: زمنكم انتهى."
"لقد أنكرتم حقي… جرحتم شعبي… وسرقتم نورنا!"
>"أنا ملك الشياطين، وأنا آتي لاستعادته."
"ثلاثة أيام… ثم سينهار أول جدار."
"استعدوا، أو استسلموا… كلاهما يؤدي إلى نهايتكم."
تلاشى الصوت، ولكن السماء بقيت مشقوقة.
الخوف دبّ كالسُم في القلوب.
"ثلاثة أيام فقط..." همس المدير العجوز، قبضته ترتجف.
إليانا كانت ترتجف كذلك، إلا أن نظراتها صوبت نحو مازن... كما لو أن فيه وحده يكمن الأمل.
نوار اقترب من مازن، عينيه الخضراوين تتوهجان:
– "مستعد؟"
ابتسم مازن ابتسامة خفيفة، ساخرة كعادته:
– "أنا وُلِدتُ متأخرًا عن موعدي في هذا العالم... تأخيري ثلاث أيام إضافية لن يضر."
اجتماع طارئ عُقد خلال الساعات التالية.
الممالك الأربعة أرسلت رسائلها: بعضها عرض الدعم، وبعضها الآخر أعلن الحياد المشروط.
القرار كان واضحًا:
الدفاع عن الأكاديمية = الدفاع عن العالم.
مازن سُئل بشكل مباشر من المدير:
– "مازن هل ستقف معنا؟"
لم يجب فورًا.
تذكر كيف عامله الجميع في البداية. الخوف، الشك، الاتهامات.
لكنه تذكر أيضًا شيئًا آخر… اللحظات الصغيرة:
ابتسامة كلير المترددة… حماقة سيرا الطفولية… دموع إليانا المكبوتة.
بهدوء أجاب:
– "سأقاتل."
– "ليس من أجلكم."
– "بل لأجل من يستحقون عالمًا أفضل… بعيدًا عن هذا الظلام."
أعلن ناقوس الأكاديمية دقاته.
لم يكن ناقوس الاحتفال ولا التحذير من الخطر.
بل كان دق ناقوس الحرب
في مكانٍ آخر، خلف البوابة العملاقة كان ملك الشياطين يبتسم.
لقد بدأت اللعبة الكبرى.
ولم يعد فيها مكان للضعفاء.
و بعد قليل
اجتمعوا جميعًا في القاعة الكبرى للأكاديمية.
سحرة، فرسان، نبلاء، حتى الطلاب المتفوقون، جلسوا أو وقفوا على امتداد الجدران، ووجوههم يعلوها القلق.
عُرضت خريطة ضخمة على طاولة وسط القاعة.
خطوط دفاع، معابر جبلية، مواقع للبوابات المحتملة… وخط أحمر كثيف ينذر بالموت: تقدم الشياطين المتوقع.
"ثلاثة أيام فقط..." أعاد أحد الجنرالات الكبار، مكرراً الحقيقة التي يعرفها الجميع.
"لا يمكننا تحريك الجيوش في الوقت المناسب."
"ولا يمكننا الفرار." أضاف المدير بصوت ثقيل.
خيم صمت خانق.
حتى همسات السحرة الخافتة خمدت، وكأن الغرفة بأكملها انزلقت إلى قاع مظلم من العجز.
لكن وسط كل ذلك، كان مازن واقفًا.
هادئًا... مختلفًا.
رفع يده.
الجميع نظر إليه بتوجس، البعض بشك، وقلة بأمل خجول.
قال ببساطة:
– "لا نحتاج لإيقاف الجحيم كله… فقط نحتاج أن نصمد."
– "ثلاثة أيام… نثبت وجودنا."
– "نجعلهم يندمون على كل خطوة يخطونها نحونا."
ارتفعت بعض الأصوات المعارضة.
"وما الذي نملكه؟!" صاح فارس مسن.
"نحن نواجه ملك الشياطين نفسه!"
ابتسم مازن بخفة، عيناه تلمعان ببريق بارد:
– "نملك الإرادة."
– "ونملك… شيئًا آخر."
مد يده، كاشفًا عن جهاز صغير معدني كان يخفيه تحت عباءته.
جهاز تعزيز السحر — الأداة التي اكتشفها حديثًا في أنقاض المختبر السري تحت الأكاديمية.
سأله المدير بنظرة متفحصة:
– "ما هذا؟"
أجاب مازن بلهجة ثابتة:
– "مضخم سحري. قديم… لكن لا يزال يعمل."
– "سأجعله يضخم دفاعات الأكاديمية لثلاثة أضعاف."
تبادل الحضور النظرات المذهولة.
سألته كلير، التي كانت تراقبه بعينين قلقتين:
– "هل يمكنك حقًا تفعيل شيء بهذا الحجم وحدك؟"
أومأ مازن دون تردد:
– "سأحتاج فقط إلى قليل من الوقت... وقليل من الثقة."
في الزاوية، نوار راقب بصمت.
كان يعلم أن مازن يخفي الكثير.
ولأول مرة، خطرت له فكرة غريبة…
> ربما، لم يُرسل هذا الفتى إلى هنا عبثًا.
أصدر المدير قراره
"نبدأ التعزيزات فورًا."
"نستدعي كل ساحر، كل فارس، كل طالب يستطيع الوقوف."
"ونُجهز الأكاديمية… لتكون القلعة الأخيرة."
حين غادروا القاعة، وقف مازن للحظة وحده تحت السماء السوداء.
رفع نظره إلى الفتحة المشقوقة، حيث لا تزال البوابة العظيمة تلمع في البعيد
تمتم بهدوء، كأنه يقسم:
– "هذه الأرض... لن تسقط اليوم."
– "حتى لو اضطررتُ لإحراق السماء لأجلها."