"إيف، هذا قد يكون ما سينقذكِ."
قال ذلك وهو ينظر إليها بعينين يائستين لم ترَ مثلها منه من قبل. أخذت إيف الصندوق الذي ناولها إياه.
"ما هذا...؟"
كان الصندوق خفيفًا. لم تستطع أن تفهم كيف لشيء بداخله أن ينقذ حياتها.
"استدعِ كانييل ليديفان، طبيب البلاط الإمبراطوري."
قال فاليريان فجأة مخاطبًا زافير.
قال زافير الذي كان يراقبهما بوجه حائر:
"ما الذي تنوي فعله بطبيب القصر هكذا من دون سابق إنذار؟"
"هذا الشيء يمكنه إنقاذ إيف."
نظر زافير نحو إيف. كان ذلك بمنزلة منحه القرار لها. فتحت إيف الصندوق بتردد.
كان داخله عشبة غريبة تشبه نبات الجينسنغ، إلا أن لون جذورها كان غريبًا، لقد كان لونها أخضر.
'أليست هذه عشبة سامة؟'
نظرت إيف إليها بريبة، ولحقها زافير بنظراته ثم اتسعت عيناه فجأة.
"هذه...!"
لم تره يتفاجأ إلى هذه الدرجة من قبل، فحدقت به إيف بدهشة.
"كابيلا، العشبة المعروفة بالخُلود."
أجاب باليريان ثم أطلق زافير تأوهًا ووضع يده على جبينه ثم جلس على مقعده بثقل.
"لم أتخيل قط أنني سأراها بعيني... وبهذه الطريقة أيضًا."
ويبدو أن خبر العثور على كابيلا قد بلغ بالفعل ديوان القصر، فقد هرع كانييل إلى غرفة الاستقبال وهو يلهث.
كان أعلى سلطة طبية في البلاط، ولمّا رأى الكابيلا لأول مرة، اغرورقت عيناه بالدموع من التأثر.
"يا إلهي، لم أظن أبدًا أنني سأراها بعيني في حياتي...!"
الجميع كرر الكلام ذاته. اجتمع طاقم ديوان الطب في غرفة الاستقبال بشكل غير مألوف، وإيف شعرت بقلق شديد يتصاعد في قلبها.
"إذن، فلنقدمها لجلالة الإمبراطور...!"
قال احدهم ذلك، وفعلًا في ذلك الوقت كان الإمبراطور مريضًا، وقد فوّض إدارة شؤون الدولة لولي العهد زافير.
وكان من الطبيعي أن تُقدَّم هذه العشبة النادرة لجلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.
عندما سمع باليريان ذلك، لمعت عيناه الزرقاوان. فزفر كزافييه تنهيدة ثقيلة.
"لا... المرض لا يميز بين نبيل وحقير. علينا أولًا أن نطفئ النار الأقرب."
"ولكن، سموّك...!"
كانييل الذي كان يعلم أن كل هذا مبني على تشخيص كاذب أراد الاعتراض. لكنه أغلق فمه حين التقى بنظرة زافير التي أمرته بالصمت.
زافير كان يعاني هو الآخر من المرارة. فمن كان يرجو شفاء الإمبراطور أكثر من أي أحد آخر هو هو نفسه، ولي العهد زافير.
'لو لم تكذب الآنسة، لما كنا وجدنا هذه العشبة أصلًا...'
هكذا هدأ من نفسه، ثم أومأ برأسه وقال:
"علِّموا الآنسة طريقة تناولها."
وقفت إيف فجأة وقد ارتبكت من مجرى الأحداث الذي لم تفهمه.
"م-مهلًا... باليريان!"
"ما بكِ، إيف؟ هل تشعرين بألم؟"
تجمد وجه باليريان فجأة.
'هل ساء مرضها خلال الأيام القليلة الماضية؟'
لم يستطع أن يغمض له جفن.
وفي هذا الوضع، تمكن من العثور على كابيلا، وهي العشبة الأسطورية التي تُعد مكونًا أساسيًا في إكسير الخلود.
"ل-لا. أنا بخير. حقًا، أنا بخير الآن...يا ريان."
كانت فكرة أن عليها أن تتناول هذه العشبة الثمينة تشعرها بعبء كبير. فهي لم تكن مريضة أصلًا.
لكن باليريان اعتبر أنها تقول إنها بخير لأنها ليست بخير، فزاد قلقه.
عندما تذكر كيف كانت تتهيأ للموت وحدها، شعر أن قلبه يحترق.
وفي النهاية لم يحتمل توتره، وأدخل العشبة إلى فم إيف بنفسه. على أي حال، كابيلا لا تتطلب طريقة خاصة في الاستخدام، ولن يؤثر ذلك في فعاليتها.
المهم فقط كان تأكيد طبيب القصر أنها كابيلا الحقيقية.
راحت إيف تتململ من الحرج، لكنها ما إن شعرت بالمذاق المألوف والمنعش في فمها، حتى بدأت تمضغ لا إراديًا.
'ي-يبدو طعمها كالشوكولاتة بالنعناع...'
لم تسمع من قبل أن عشبة الخُلود بطعم الشوكولاتة بالنعناع.
وفي خضم استرجاعها لذكريات حياتها السابقة، ابتلعت العشبة دفعة واحدة ثم مسحت فمها وهي محرَجة من نظرات الدهشة التي صوّبها الأطباء نحوها.
"إيف، كيف تشعرين؟"
"لست متأكدة..."
تمتمت وهي تميل برأسها، لكن سرعان ما اتسعت عيناها وهي تشعر بتيار من الطاقة يتصاعد من داخلها.
"آه؟ فجأة أشعر أن جسمي خفيف للغاية..."
أربكتها فعالية الدواء المفاجئة. عادةً لا تبدأ مفعولات الأدوية إلا بعد عدة ساعات من تناولها.
وبما أن جسدها كان سليمًا بالأصل، فإن دخول كابيلا فيه جعله يشعر وكأنه بلا وزن.
"هل من الطبيعي أن يظهر مفعول الدواء بهذه السرعة...؟"
سألت بخجل وهي تفتح فمها. لم تعتد على أن يُحدق بها هذا العدد الكبير من الناس – بل ومن الأطباء – بنظرات حارّة كهذه.
"لقد تناولتِ المعجزة التي يُقال إنها تشفي كل الأمراض، فمن الطبيعي أن تشعري بذلك."
قال كانييل وعيناه تلمعان بالدموع.
كان لديه الكثير ليقوله، لكنه بالكاد كبح نفسه تحت نظرات ولي العهد الصارمة.
إيف كانت مذهولة من التغيرات التي طرأت على جسدها.
'جسدي خفيف... أشعر وكأني أستطيع فعل أي شيء في العالم... لماذا هذا الشعور المجنون بالثقة؟'
لم يسبق أن شعرت بهذا من قبل. هل يُعقل أن هذه العشبة ليست الخُلود بل شيء غريب آخر؟
'لكن، إن كانت كذلك، لماذا ذهني صافي ومنتعش تمامًا...؟'
أدرك ياليريان أن حالتها الصحية قد تحسّنت كثيرًا، فابتسم بفرح.
"إيف، الحمد لله..."
"ن-نعم، شكرًا لك... ريان."
ردّت عليه بابتسامة محرجة. كان موقفًا لا يُحتمل من الإحراج.
"إيف إستيلا! ما الذي حدث فجأة؟!"
ما إن عادت إلى المنزل، حتى تفاجأ الكونت بشدة من حالتها.
كانت إيف تظن أنه قد سمع بالأمر من القصر الإمبراطوري، فتنهدت تنهيدة عميقة.
"هكذا جرت الأمور، يا أبي."
"لا، أنا أسألكِ عن تلك الكتلة الهائلة من الطاقة السحرية التي تتدفق في جسدك!"
رغم أن الكونت لم يكن يملك موهبة السحر، إلا أنه كان قادرًا على الشعور به، فلمّا دخلت إيف، اجتاحته موجة ضخمة من الطاقة السحرية حتى كاد لا يستطيع أن يفتح عينيه.
"ماذا...؟"
توقفت إيف في ممر القصر عند سماع شرحه.
"أ-أمم... أكلت شيئًا في القصر الإمبراطوري... هل يمكن أن يكون له علاقة بهذا؟"
بدأت تسرد عليه ما جرى معها هناك.
وبينما كان يستمع، صار وجه الكونت يتغير باستمرار بين البياض والاحمرار، دون أن يستقر على تعبير واحد.
"قد لا يكون هذا أمرًا سيئًا بالنسبة لنا."
شعرت إيف فورًا بأن نظراته تغيرت بطريقة مريبة، فقالت بصرامة:
"لا تفكر حتى في فعل شيء مثل التمرد. لا تُضيّع وقتك."
"أوهه..."
تنهد الكونت بتنهيدة واضحة من خيبة الأمل، مما جعل إيف تنظر إليه بوجه متجهم.
'كانت مجرد عشبة غريبة بطعم الشوكولاتة بالنعناع...'
من كان يتخيل أنها كانت إكسيرًا يزيد الطاقة السحرية؟
بالنسبة لعامة الناس الذين يملكون طاقة سحرية ضئيلة، كانت مجرد عشبة تعالج الأمراض.
لكن بالنسبة لها، وهي تملك طاقة سحرية فطرية ضخمة، كانت تمثل شيئًا يفوق معنى "عشبة الخلود".
"هاه... كيف سأجد عذرًا جديدًا لأهرب الآن؟"
لكن كل هذا لم يكن ما يشغلها حقًا. ما يهم هو أن هذا الوضع يجعل من المستحيل إتمام فسخ الخطوبة.
عليها أن تجد طريقة أخرى بأسرع وقت.
الوقت المتبقي حتى تنزل يوري إلى هذا العالم هو: شهران.
يجب أن تتمكن من فسخ خطوبتها والفرار قبل ذلك.
تحت سماء صافية، في فترة بعد الظهر.
في قاعة الصلاة الهادئة داخل الكنيسة الرئيسية.
كانت رئيسة الكهنة العظمى أرييل تجول القاعة بقلق، تفكّر في اختفاء باليريان المفاجئ.
كما أن الخبر الذي وصلها فجأة زاد من اضطراب مشاعرها.
إيف إستيلا.
أن تصبح ابنة أعز صديقة لها، الصغرى صاحبة أجلٍ قريب... يا له من أمرٍ مفجع.
لا بد أن باليريان قد أصيب بصدمة بسبب ذلك الخبر، لذا رحل.
"يا إلهي، أرجوك اعتنِ بباليريان وساعده ليهدأ قلبه ويعود سريعًا."
كان قلب أرييل مثقلًا، فصلّت وحدها من أجل ذلك.
لكن عندما وصلها الخبر الجديد، شعرت بفرحة تكاد تطير بها من الأرض.
"إذًا، تقول إن باليريان قد عاد؟"
"نعم، لقد غاب لأنه كان يبحث عن عشبة الخلود لإنقاذ الآنسة إيف إستيلا."
الكاهن الذي نقل الخبر بالكاد كتم دموع التأثر أمام قصة الحب تلك التي لا تُروى دون أن تدمع لها الأعين.
حتى أرييل شعرت بقلبها يرتجف من وقع تلك الكلمات.
"يا إلهي، أيوجد حب أنقى من هذا؟..."
أرييل التي امتلأ وجهها بتأثر صادق، قالت بابتسامة مشرقة:
"بما أن هناك خبرًا سارًا كهذا، حين يأتي باليريان، هلّا ناديته لي؟"
"نعم، سيدتي رئيسة الكهنة."
انحنى الكاهن احترامًا ثم انسحب.
أما أرييل، فقد كانت غارقة في نشوة غريبة بسبب ما حدث البارحة.
"لقد نزل الوحي."
كان ذلك فجر يوم الأمس تحديدًا.
يجتمع كبار الكهنة مرةً كل شهر لأداء صلاة مقدّسة تُهدى إلى الحاكم.
وفي تلك الليلة... نزل الوحي.
كانت رسالة تقول إن وكيلة الحاكم التي ستحمي وتخلّص عالمنا ستنزل إلى الأرض.
منذ مئة عام، ماتت آخر قديسة إثر حادثة مأساوية، ومنذ ذلك الحين لم تنزل أي قديسة من جديد.
ومع تلاشي هيبة الكنيسة المقدّسة يومًا بعد يوم، جاء هذا الوحي كمنقذ حقيقي.
"لا يزال الحاكم معنا! لم يتخلَّ عنا!"
لقد انفجر كبار الكهنة من الفرح عندما سمعوا بذلك.
والآن، لم يبقَ سوى انتظار قدوم القديسة الجديدة.
ربما، كما في الماضي، ستكون راضية حين ترى الفارس الذي يحمل قوة الشمس.
ظهر على وجه أرييل المستبشر ابتسامة رضا عميقة.
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد: punnychanehe