وفي هذه الأثناء، وبعد أن تاهت طويلًا داخل الغابة، تمكنت إيف أخيرًا من العثور على طريق ناءٍ تمرّ به العربات. وما إن رأت إحدى العربات تمرّ حتى بدأت تلوّح بذراعيها بيأس.

"هناك شخص هنا! ساعدوني!"

لكن العربة بدت وكأنها ستمرّ دون أن تتوقف!

عبست إيف بشدة من شدّة الاستغراب.

"أيعقل أن يتجاهلني أحدهم هكذا؟! كيف له أن يعبر من أمام إنسانة طيبة وبائسة مثلي دون أن يرف له جفن؟"

صرخت بحدة:

"توقّف! قلت لك أن تقف حالًا!"

وقد دفعتها العزيمة والغضب إلى الركض خلف العربة بكل ما أوتيت من قوة. كانت عازمة على اللحاق بها وركوبها مهما كلفها الأمر.

'ومن يدري متى تمرّ عربة أخرى؟ لا خيار سوى هذا!'

بكل ما تملكه من إصرار، ركضت إيف كما لو كانت حصانًا ينطلق في البرية، حتى استطاعت تجاوز العربة والوقوف أمامها لتمنعها من المضيّ قدمًا.

كان لهاثها يتصاعد، نادت وهي تلهث:

"أرجوك... فقط لحظة! دعني أركب معك!"

لكن ما إن رآها السائق حتى شهق مرتعبًا:

"ساحرة! أرجوك، أرجوك لا تؤذيني!"

كان جسده يرتجف من الخوف، يطلب منها الرحمة بتوسل، بينما هي تنظر إليه بدهشة، ثم نظرت إلى نفسها لتفهم ما يحدث.

"ما هذا المظهر الكارثي؟"

كان شعرها أشعثًا وثيابها ممزقة ومضرجة بالدماء بسبب إصابتها على يد ليليث... لم يكن غريبًا أن تُرى بهذا الشكل فتبدو ككائن مخيف ظهر فجأة من أعماق الغابة.

قال السائق وقد زاد خوفه:

"لديّ زوجة بريئة كالأرنب، وأطفال أذكياء كالثيران... أرجوك، تحلّي بالرحمة!"

كان يتكلم دون وعي، يثرثر بكلمات مبعثرة لا يدرك معناها من شدّة الذعر. أدركت إيف أنها يجب أن تزيل هذا الالتباس أولًا.

"أنا لست ساحرة، أنا إنسانة عادية."

"آآآاه!"

لكن ما إن تحدثت حتى صرخ السائق مجددًا وكأنها أكدت له العكس.

تنهدت إيف، فقد بدا أن الطريق ما زال طويلًا لتصحيح الفهم.

وبعد فترة، وبعد محاولات عديدة لشرح موقفها، بدأ السائق يهدأ أخيرًا، وابتسم بابتسامة محرجة وقال معتذرًا:

"أوه، سامحيني. في هذه المنطقة تحدث أشياء مخيفة باستمرار... لذا كنت في غاية الحذر."

وبدا أنه ندم على سوء ظنه، فسمح لها بكل سرور أن تركب العربة. جلست إيف في مؤخرة العربة بين الأمتعة، وأخيرًا بدأت تشعر ببعض الأمان.

'كاد أن ينتهي بي الأمر حبيسة الغابة إلى الأبد.'

"لكن قولي لي، كيف وجدت نفسكِ في هذه الغابة بهذا الشكل؟ لقد كان من الممكن أن ينتهي بك الأمر بمصيبة."

"أجل، معك حق..."

"لا تقتربي من هذه الغابة مرة أخرى، إنها مخيفة جدًا."

"بالمناسبة، ما اسم هذا المكان؟"

عندها فقط تذكرت إيف أنها لم تسأل حتى عن اسم الغابة التي كانت تتجول فيها.

تفاجأ السائق وقال:

"أكنتِ تتجولين هكذا دون أن تعرفي أين أنتِ؟! هذه 'غابة الوحوش'. لولا المال، لما اقتربت منها قيد أنملة."

"غابة الوحوش...؟"

أجل، هذا يفسّر الكثير من الأمور...

تذكرت إيف أن الغابة لم تكن تحتوي حتى على صوت طيور، وكان كل شيء فيها غريبًا. حتى الأشجار كانت عارية من الأوراق رغم اقتراب فصل الصيف.

كلما استرجعت التفاصيل، أدركت أن هناك الكثير مما كان يبدو غير طبيعي.

وبينما كانت تتحدث مع السائق، وصلا أخيرًا إلى العاصمة.

"احرصي على توخّي الحذر في المستقبل، يا آنسة."

"شكرًا جزيلًا... بالمناسبة..."

انحنت إيف قليلًا تعبيرًا عن امتنانها.

ولم يبدُ أن السائق أدرك هويتها الحقيقية، فلم يعرف أنها إيف إستيلا.

'في الواقع، من كان ليتصور أن إيف إستيلا قد تكون بهذا المظهر؟'

لقد كانت تبدو الآن وكأنها متشردة لا تثير أيّ استغراب حتى لو شوهدت تتسوّل في الطرقات.

"سأدفع لك مبلغًا إضافيًا... هل يمكنك إيصالي إلى قصر كونت إستيلا؟"

وأخرجت قطعة ذهبية من صدرها لتُريها له. اتسعت عينا السائق من الدهشة، ثم انطلقت العربة مجددًا تقلّها نحو وجهتها.

*

"إيڤ! ما هذا المظهر...!"

كاد الكونت أن ينهار من هول الصدمة حين رأى إيڤ تعود بثياب ممزقة وهيئة مزرية، وكأنها عادت من ساحة معركة.

لم تكن الكونتيسة أقل ذهولًا، فاستندت على زوجها وهي تحدق في ابنتها دون أن تنبس بكلمة.

"إ-إيڤ..."

بدت عليهما الصدمة البالغة حتى عجزا عن الكلام، وبينهما ظهر نواه بوجه متجهم، وتقدم من إيڤ بخطى ثقيلة.

"ما الذي جرى لك؟"

كانت نبرته حذرة، كما لو كان يخشى سماع الجواب. وما إن لمح ذراعها حتى عقد حاجبيه بغضب.

"ما الذي حدث لذراعك؟"

كانت آثار خدوش عميقة، وكأن وحشًا ضاريًا انقضّ عليها، لا مجرد أظافر بشرية. حدّق نوح فيها مذهولًا.

"هل كنتِ تتعاركين مع نمر؟"

"مم... شيء قريب من ذلك..."

تهرّبت إيڤ من الإجابة. لم تستطع قول الحقيقة. لا يمكنها ببساطة الاعتراف بأنها اشتبكت مع شيطان. فلو فعلت، سيسألونها كيف وصلت إلى هناك، وسيكتشفون أنها حضرت طقوس باليريان.

'مستحيل... لن أسمح بحدوث ذلك.'

كان الأمر يمسّ كرامتها.

وضعت يدها على جبهتها وتظاهرت بالتعب.

"أمي... أنا متعبة جدًا..."

"اذهبي إلى غرفتك فورًا وارتاحي!"

وبأمرٍ من الكونتيسة، تنهد نواه وحمل إيڤ إلى غرفتها. تبعهما والداهما حتى رأوها تستلقي على السرير بأمان.

"إيڤ، سنحضر لك طبيبًا، تحملي قليلًا فقط!"

وما إن غادرا على عجل لإحضار أفضل طبيب، حتى وقفت إيڤ من على سريرها فجأة، مما أفزع نواه.

"ماذا تفعلين؟ أنتِ بالكاد تقفين!"

"هناك شيء أحتاج للبحث عنه."

فتحت الباب بحذر واتجهت نحو المكتبة، رغم احتجاج نواه واتهامه لها بالجنون، لكنها كانت مصمّمة على كشف ما يجري.

'ثمة شيء غريب في سحري.'

لو كانت تملك القدرة على هزيمة شيطان رفيع المستوى، لذُكر ذلك في الرواية الأصلية منذ البداية. هناك أمور لا تتسق.

وكان عليها التحقق من تأثير الإكسير الذي أعطاها إياه باليريان.

"مع من كنتِ تقاتلين؟"

سألها نواه وهو يتبعها. أجابته باقتضاب وهي تبحث عن كتاب سحر:

"شيطان."

"ماذا؟!"

شهق نواه مذهولًا.

"هل تقاتلتِ مع شيطان بالفعل؟! وماذا حدث له؟"

"أظن أنه في العالم الآخر الآن."

ردّت بلا مبالاة وهي تسحب كتابًا.

'ها هو.'

لكن ما إن فتحت الكتاب حتى انتزعه نواه منها فجأة، فنظرت إليه بانزعاج.

"ما هذا التصرف؟"

"اشرحي لي كل شيء من البداية."

"شيطانة تعرّضت لي، فرددت عليها بما يليق بها. هذا كل ما في الأمر."

"لا... هناك شيء تخفينه."

ضاقت عيناه بشك.

حدّقت فيه إيڤ طويلًا، ثم تنهدت وأخبرته بكل شيء.

'على أي حال، لا أحد يعلم بأمر الرسالة سوى أنا ونواه.'

كان هو الشخص الوحيد الذي تثق به في مثل هذا الموقف.

ما إن أنهت روايتها حتى انتزعت الكتاب من يده وقالت:

"أرجوك، لا تخبر أمي وأبي بشيء."

أومأ نواه موافقًا وهو يزفر بضيق. لقد أدرك اليوم كم يفقد والداه صوابهم عندما يتعلق الأمر بإيڤ.

'كيف فكّرا بإخفاء حقيقة إيڤ عن الجميع؟'

كان ذلك أكثر ما صدم نواه.

"لكن ما زلت لا أفهم... كيف تعرّفت عليّ ليليث هناك؟"

"ربما كانت هناك تعويذة موضوعة على الرسالة نفسها؟"

اتسعت عينا إيڤ دهشة، وربما... كان ما قاله نواه صحيحًا بالفعل.

فتحت كتاب السحر وبدأت بالبحث عن الإكسير الذي أحضره باليريان.

[كابيلا: تُعرف بين الناس بإكسير الحياة، أو العشبة التي تمنح الخلود، لكن مفعولها الحقيقي يكمن في تضخيم الطاقة السحرية في الجسد.

عند تناولها من قِبل ساحر لم تُفعَّل طاقته بعد، تنفتح قواه الكامنة وتظهر نتائج مذهلة.

يُشاع أن من يتناول هذه العشبة الأسطورية يمكنه أن يصبح ساحرًا عظيمًا فورًا. من يثبت لنا ذلك فله جزيل الشكر ^^]

"يصبح ساحرًا عظيمًا على الفور؟"

قرأت إيڤ العبارة غير مصدقة. هذا الإكسير مخصص للسحرة بلا شك.

[ملاحظة إضافية، إن كان المتناول يتحكم في الماء، فقد يتمكن من التأثير في الطقس أيضًا. هذه مجرد إشاعة طبعًا. ㅇ_ㅇ;;]

رغم خفة العبارة، فإن عيني إيڤ توقفتا عندها.

'هل يعقل.'

فجأة، لم يعد تغير الطقس حولها يبدو مجرد مصادفة.

"هذا كتاب عن الشياطين."

قال نواه وهو يسلّمها كتابًا آخر. أخذته منه وتذكرت الرسالة، فاتجهت نحو غرفتها.

'الإكسير الذي أعطاني إياه باليريان... كان مذهلًا فعلًا.'

ما زالت تحت تأثير الصدمة. فتحت الصندوق الذي حفظت فيه الرسالة وتأملتها... ولكن:

"الشعار اختفى..."

حدّقت في المكان الذي كان فيه الختم، فلم تجد له أثرًا. كأنه لم يكن.

"إذاً، كان هناك سحر موضوع عليه."

قال نواه بثقة، ووافقت إيڤ برأسها.

"لكن ما يحيرني هو... كيف عرفت صاحبة الرسالة عنواني وأرسلتها إليّ تحديدًا؟"

"هل التقيتِ بها من قبل؟ قبل استلام الرسالة؟"

"ممم... ربما..."

لكنها قابلت العشرات في القصر والكنيسة. من الصعب حصر الاحتمالات.

'مهلاً، ألم يظهر شيطان فور خروجي من غابة ديلرينو؟'

تذكرت إصابة باليريان، وتوقف ذهنها فجأة.

كان التوقيت غريبًا إلى حد مخيف.

'هل كان هناك من يراقبني؟'

خطر في بالها وجه السائق الذي كان ينظر إليها ويبتسم تحت المطر... ابتسامته شبيهة بابتسامة ليليث.

ثم تذكرت فجأة: الشياطين من الرتبة العليا يمكنها تغيير هيئتها كيفما شاءت.

وفجأة، فُتح باب الغرفة.

دخلت الكونتيسة، تحمل في يديها أدوية كثيرة، ووجهها شاحب كأنها رأت شبحًا.

"إيڤ... شخص جاء لزيارتك..."

"من يكون؟"

"ب-باليريان... باليريان جاء."

قالت بصوت مرتجف. وكانت إيڤ على وشك أن تطلب طرده فورًا، لكن ملامح والدتها بدت غير طبيعية إطلاقًا...

ترجمة : سنو

واتباد : @puunychanehe

واتباد الاحتياطي : @punnychanehep

2025/06/09 · 12 مشاهدة · 1344 كلمة
᥉ꪀ᥆᭙
نادي الروايات - 2025