''أريد أكل بنكرياسك''

كنا في أرشيف مكتبة المدرسة نقوم بترتيب الكتب بصفتنا أعضاء في لجنة المكتبة، فجأة بدأت ساكورا ياموتشي بالتكلم عن شيء غريب..

رغم أنني كنت أفكر في تجاهلها، إلا أنني أنصتت إليها وقتها..

تكلمت معها رغم أني لم أكن قادرا على مساعدتها، في تلك اللحظات حينما كان ظهرها يقابل ظهري ونرتب رفين متقابلين...

_ما رأيك في أكل لحوم البشر ؟

لاحظتها وقتها تأخذ نفسا عميقا جعلها تستنشق الغبار وتختنق للحظات، أثناء ذلك بدأت تشرح بنبرة حماسية...

_لقد شاهدت أمس على وثائقيا على التلفاز، حول من يأكل عضو حيوان عندما يكون عضوه ذلك معطل..

_لماذا ؟

_على سبيل المثال، يأكل الكبد إذا كان كبده مريضا، أو المعدة إذا كانت كذلك وغيره.. يبدو أنهم يؤمنون بأن أكله له شأن في علاج أدواءهم.. لذا ... أريد أكل بنكرياسك !

_بنكرياسُـــــــك ؟... تقصدني ؟

_من غيرك هنا ؟

ضحِكت دون أن تنظر إلي، وإنخرطت في عملها، وكنت منصتا إلى الصوت الذي يصدره إحتكاك الكتب بالرفوف...

_لا يمكن لبنكرياسي الصغير أن يتحمل عبء شيء مثل إنقاذك.

_يبدو أن التوتر بدأ يؤلم معدتك، هاه ؟

_يجب أن تجد شخصا آخر.

_من مثلا ؟ أحد أفراد عائلتي ؟ كلا لا أستطيع هذا !

ضحِكت مجددا... أما أنا، فكنت أرغب منها أن تؤدي عملها بهدوء

_في الأخير، لا يوجد من يمكنني الإعتماد عليه في حفظ سري غيرك، يا زميلي الذي يعرف سري.

_حسنا، بما أنك خططتِ قليلا، ألم تفكر في احتمالية أنني أيضا بحاجة للبنكرياس ؟

يبدو أنك لا تعلمين وظيفة البنكرياس حتى !

_كلا أنا أعلم

كنت قد قرأت عن العضو من قبل رغم أنه نادرا ما يذكر، لكن أثناء ذلك، سمعت صوت تحركها فعلمت أنها قد استدارت متحمسة، بينما بقيت أنا هادئا في زاويتي، نظرت إليها للحظة لأجد فتاة متعرقة تومض بابتسامة مشرقة لا تتوقعها من مريض مثلها...

كنا في شهر يوليو، والطقس حار جدا، وقد نسي أحدهم تشغيل المكيف، الأمر الذي جعلنا نتعرق كثيرا.

_هل من الممكن أن تخبرني بما تعرف عنه ؟

كان صوتها خافت جدا، أما أنا، فلم يكن لي خيار غير إجابتها...

_يساعد البنكرياس على الهضم وانتاج الطاقة، على سبيل المثال، ينتج الأنسولين الجالكوز للحصول على الطاقة، يعني أنه بدون بنكرياس لا توجد طاقة وبدون طاقة لا توجد حياة، لهذا السبب فلن أسمح لك بأكل بنكرياسي، فـ..أسف.

بعد أن أخبرتها عدت إلى مهمتي، لأجدها في ذلك الوقت تزمجر ضاحكة.

_من كان يظن أن زميلي الذي يعرف سري يهتم لأمري !

_أنا أهتم بالناس التي تعاني من أمراض خطيرة

_وماذا عني شخصيا ؟

_من يعلم ؟

_ماذا تقصد ؟

في الحقيقة، لقد كنت مهتما إلى حالة زميلتي أما هي فلقد إنفجرت في الضحك مرة أخرى، يبدو أن الحرارة جعلتها غريبة الأطوار...

واصلنا عملنا بهدوء وانظمت الينا أستاذتنا مسؤولة المكتبة، كانت تعمل بمرح وتشجعني على التقدم حتى أنهينا

_عمل جيد، استريحا، تفضلا بعضا من شاي الشعير وكعك الباوزي

_واه ! شكرا أستاذة

_شكرا لك

_يا له من كعك لذيذ !

كانت زميلتي مسترخية على الكرسي تتناول الكعك بشراهة.

_آسف لطلبي لمساعدتكما رغم أن الإمتحانات تبدأ الأسبوع القادم

_لا تقلق، نحن من النوع الذي يحصل دائما على علامة متوسطة، أليس كذلك يا زميلي-الذي-يعرف-سري ؟

_إذا ركزنا أثناء الفصل، فنعم أعتقد ذلك.

_هل بدأتما تفكران في الجامعة ؟

ماذا عنك آنسة ياموتشي ؟

_لم أفكر في الأمر كثيرا... أقصد، لا يزال هناك متسع من الوقت...

_ماذا عنك أيها الطالب الذي يشبه البالغين ؟

_لم افكر في أمر أيضا.

_هذا ليس جيدا، يجب أن تفكر جيدا في الأمر يا زميلي الذي يعرف سري.

لقد امسكت الكعكة الثانية أثناء تدخلها بهذا التعليق السخيف، أما أنا فقد تجاهلتها وأخذت رشفة من شاي الشعير الذي أحضرته الأستاذة، لقد كان لذيذا.

_اذا فكلاكما لم يفكر في مستقبله، إذا واصلتما هكذا فستصلان إلى عمري قبل أن تقررا ماذا ستفعلان

_اهاها، سنقرر عاجلا أم آجلا.

_........

كان من المستحيل لزميلتي أن تصل إلى عمر أستاذتنا التي تجاوزت الأربعين من عمرها، حيث وبعد أن قالت هكذا غمزتني وابتسمت..كوني الوحيد هناك الذي يعرف هذا السر...

لقد تعجبت من ملامحها المشرقة وقتها، فلا تبدو عليها أثار الخوف من الموت أو شيء من ذلك القبيل..إنه لمثير للإهتمام أن تتقبل وضعها بهذه البساطة.

كانت الإثنتان تتبادلن أطراف الحديث، بينما بقيت صامتا أترشف الشاي وأتناول الكعك، وبعد نصف ساعة تقريبا قررنا العودة إلى المنزل.

كانت الساعة السادسة مساءا وقتها، على الرغم من ذلك فلا يزال ضجيج النادي الرياضي قويا، عجيب أنهم يقدمون كل ما لديهم تحت أشعة الشمس الحارقة !

_أوه، كم كانت المكتبة ساخنة !

_نعم.

_تبا، لا يزال علينا القيام بذلك مجددا غدا !..على الأقل غدا آخر يوم في الأسبوع.

_نعم.

_هي، هل تسمعني ؟

_نعم.

قمت بتبديل حذائي الداخلي بأحذية بدون كعب وغادرت من خلال الفتحة المحاذية للخزانات. كانت بوابة المدرسة في الاتجاه المعاكس للملعب، لذا تضاءلت أصوات نوادي كرة القاعدة والرجبي تدريجيا بينما كنت أسير معها.

_ألم تتعلم الإستماع الى الآخرين حينما يتحدثون معك ؟

_لقد سمعتكِ

_إذن، عن ماذا كنت أتحدث ؟

_كعك الباوزي

_إذن فقد كنت أحدث نفسي !! أيها الكذاب !

وبختني زميلتي مثل معلمة الروضة، وهناك لاحظت أنها كانت طويلة القامة بالنسبة للفتيات أما أنا فقصير بالنسبة للفتيان، على الرغم من أننا كنا في نفس الطول تقريبا.

إستمرت في توبيخي وقد أشعرتني بالخجل مما جعلني أنظر إلى القاع صامتا.

_آسف لقد كنت أفكر في شيء

_تفكر في ماذا ؟!

لقد تلاشى غضبها في ثوان وكأنها لم تكن هي التي تصرخ علي، وبقيت تنظر إلي بفضول.

_نعم، لطالما كنت أفكر في الأمر بجدية.

_أي أمر ؟

_أمر مرضك.

حرصت على جعل الحوار عادي جدا، فلم اتوقف عن المشي ولم أنظر نحوها قط، فلا أريد أن أجعل من الأجواء درامية تزيد الوضع سوءا.

بعد أن قلت تلك الكلمات التي لا أعرف كيف نطقتها، إستجابت كما توقعت.. بتلك الطريقة المزعجة :

_أنا ! ..هاه ! ..ماذا ؟! إعتراف بالحب ! واه أنا متوترة !

_ليس هكذا.

_اه.. نعم...

_هل ترين أنه من الجيد حقا إهدار حياتك المتبقية في شيء مثل ترتيب المكتبة ؟

إستدارت رقبتها تجاهي قائلة :

_لا بأس في ذلك.

_لا أعتقد ذلك.

_حقا ! ماذا يجدر بي أن أفعل إذن ؟

_حسنا ألا تريدين ان تفعلي شيء مثل العثور على حبيب أو التنزه أو زيارة مكان ترغبين في الذهاب إليه... ؟

أمالت رقبتها نحو الجانب الآخر وقالت :

_همم، ليس وكأنني لا أفهم ما تريد قوله، لكن...، لو كنت مكاني ماذا ستفعل مثلا ؟

_....عدة أشياء، لم أفكر في الأمر حقا...

_على الرغم من أنك قد تموت غدا..بالنسبة لي، فكوني أعلم أنني لن أعيش لفترة أطول، فقيمة اليوم لا تتغير بالنسبة لي، سأنهي حياتي كما كنت أعيش في العادة...

_فهمتك.

لقد أحبطت قليلا من كلامها، لكنني تفهمتها، فربما أموت أنا قبلها من يعلم ؟، لكن الفرق بيني وبينها أنها تعلم متى وأنا لا أعلم، ياموتشي محبوبة لدى الجميع في المدرسة وقد كنت مستغرب من إهتمامها بشخص منعزل لا يتحدث مع أحد مثلي...كمثال على شعبيتها، ها هم الأولاد من الملعب، جميعهم ينظرون إليها بإعجاب، وقد لوحت ياموتشي بيدها إلى أحدهم قائلة :

_أبذل قصار جهدك !

_شكرا آنسة ساكورا !

كانت زميلتي مختلفة كثيرا علي، الأمر الذي جعل الكل يستغرب عندما يرانا نتجول مع بعضنا.

_لماذا لا تملك صداقات ؟

_لا أرى سببا في ذلك

_ألا يزعجك الأمر ؟

_لست مهتم كثيرا

_ربما عدم مبالاتك هي سبب نفر الناس منك.

_ربما...

وصلنا إلى باب المدرسة، وكان منزلينا في إتجاهين مختلفين، لذا فكان علينا أن نفترق، أمر مؤسف حقا...

_إلى اللقاء

_آه، حول ما كنا نتحدث حوله..قررت أن أخصص المدة المتبقية من حياتي معك يا زميلي الذي يعرف سري...

_ماذا تقصد ؟

_هل أنت متفرغ يوم الأحد ؟

_لا للأسف، لدي موعد مع صديقة لطيفة، لا يجوز أن اتركها بمفردها.

_هذه كذبة أليس كذلك ؟، حسنا، لنلتقي في المحطة على الساعة الحادية عشر صباحا، تأكد من إحضار ''مجلة التعايش مع المرض'' !

إنفصلنا هناك...كانت تلوح بيدها نحوي والسماء خلفها زهرية أو برتقالية بتأثير الشمس، تغمرنا بتوهجها الساطع، ذهبت في طريقي وحيدا دون ضحكاتها الصاخبة، كان تفكيري حول الطريق يختلف عن تفكيرها، فقد كنت أتسائل عن عدد المرات التي ستلامس فيها قدمي الطريق في حياتي..

وأنا أسمع دقات قلبي مع كل خطوة شعرت بالخوف حول حياتي العابرة وتدهور مزاجي جزئيا، هب نسيم المساء العليل فتذكرت نزهة يوم الأحد وانشرحت قليلا...

2023/02/20 · 282 مشاهدة · 1289 كلمة
أحدهم
نادي الروايات - 2025