الصباح الثاني في الغابة السوداء وجدني متيبسًا، مؤلمًا، وكل عضلة في جسدي تصرخ احتجاجًا على التدريب البدائي الذي أخضعتها له بالأمس.

الكهف الصغير الذي اتخذته ملجأً كان باردًا ورطبًا عند الفجر، والنار التي أشعلتها الليلة الماضية تحولت إلى كومة صغيرة من الرماد الرمادي.

تناولت بضع قطع من اللحم المقدد القاسي وبعض الماء، وشعوري بالبؤس يزداد مع كل لقمة.

لم يكن هذا هو الإفطار الفاخر الذي اعتدت عليه في اليومين الماضيين، لكنه كان وقودًا. وهذا ما أحتاجه الآن.

أفكاري، كالعادة، عادت إلى تلك الرواية اللعينة. الوحش الطاغية.

رتبة ثامنة. كيف، بحق الجحيم، تعاملت تلك الكاتبة المعتوهة مع هذا التهديد؟

أتذكر الآن... أو بالأحرى، أحاول أن أتذكر التفاصيل التي غطتها طبقات سميكة من المشاعر الوردية والحوارات الرومانسية المبتذلة.

في الرواية، لم يبينوا الوصف الدقيق لكيفية هزيمة الطاغية.

التركيز كله كان على اللقاء الأول "الرومانسي" بين نير الأصلي وآيلا، والذي حدث، يا للسخرية، في خضم الفوضى التي أحدثها الوحش.

الكاتبة جلبت وحشًا من رتبة طاغية، وهو مخلوق لم يظهر مثيل له في القوة منذ ألف عام، فقط...،

فقط! كي تجعل المشهد الرومانسي بين البطلين المزعومين أكثر "جاذبية" و "مصيرية".

كأن العالم وهو على وشك الانهيار هو الخلفية المثالية لتبادل النظرات الخجولة والكلمات المعسولة.

يا للعبث!

أتذكر أن الوحش الطاغية سبب دمارًا هائلاً في المقاطعات الشمالية.

مدن سويت بالأرض، قرى أُبيدت، وجيوش كاملة تحولت إلى مجرد ذكرى دامية.

ثم، بعد فصول طويلة من المعاناة واليأس (والكثير من اللحظات "العاطفية" بين نير وآيلا)، تم "ختمه" بطريقة ما.

نعم، "ختمه"، وليس قتله. تم ختمه من قبل دوق الظلال والإمبراطور، بعد أن ضحوا بالكثير لإضعاف الطاغية.

"الكثير" هذه لم تُفصل أبدًا. ما هي التضحيات؟ أرواح؟ قطع أثرية؟ أجزاء من قوتهم؟ لا أحد يعرف.

والكاتبة لم ترنا حتى كيف كان القتال الحقيقي! مجرد ومضات، وصف غامض لسحر هائل، ثم... انتهى الأمر.

الوحش مختوم، والعشاق يمكنهم الآن أن يتنهدوا براحة ويستكملوا دراما حبهم.

"إلى الجحيم مع هذا!" صرخت في الكهف الفارغ، وصوتي يرتد عن الجدران الرطبة.

"إلى الجحيم مع هذه الكاتبة وروايتها السطحية!"

قبضت يدي بقوة حتى ابيضت مفاصلها. الغضب كان يغلي في داخلي. غضب عاجز، لأنني عالق في هذه المهزلة.

"عليّ أن أركز،" أجبرت نفسي على التفكير بهدوء.

"الغضب لن يفيدني. ما يفيدني هو القوة. وفهم هذا النظام اللعين."

نظرت إلى الفراغ أمامي، حيث تظهر لي واجهة النظام عادةً.

"أيها النظام،" قلت بصوت واضح ومحدد. "كيف أستخدم عين الحقيقة؟"

صمت.

"أيها النظام، أريد وصفًا لكيفية استعمال عين الحقيقة."

لا شيء. مجرد الصمت المطبق للكهف.

"ماهذا النظام التالف بحق الجحيم!" صرخت مرة أخرى، وهذه المرة ركلت بقدمي صخرة صغيرة، مما أدى إلى ألم حاد في إصبع قدمي وزيادة إحباطي.

"أدخل برواية رومانسية وأحصل على نظام تالف! إلى أين يا حظي التعيس؟ هل هذا جزء من المؤامرة الكونية لجعل حياتي أكثر بؤسًا؟"

تنهدت بعمق، محاولاً تهدئة أعصابي. لا فائدة من الصراخ على نظام لا يستجيب.

ربما الأمر ليس بهذه البساطة. ربما يتطلب تفعيله شروطًا معينة لم أستوفها بعد. أو ربما... هو حقًا تالف.

قررت أن أخرج من الكهف وأستكشف جزءًا صغيرًا من هذه الغابة السوداء.

التدريب في مكان واحد لن يفيدني كثيرًا. أحتاج إلى فهم البيئة المحيطة بي، خاصة إذا كنت سأختبئ هنا لبضعة أيام أخرى.

ما إن خطوت خارج الكهف، حتى شعرت بالجو الثقيل للغابة يضغط علي.

الأشجار هنا لم تكن مجرد أشجار. كانت كائنات قديمة، ملتوية، ذات لحاء أسود كالفحم المتفحم، وأغصانها تمتد كأذرع هيكلية مشوهة نحو السماء الرمادية الكئيبة.

لم يكن هناك غناء طيور، ولا أصوات حشرات مألوفة. فقط صمت عميق، غير طبيعي، يقطعه أحيانًا حفيف أوراق الشجر الجافة تحت قدمي، أو صوت تكسر غصن بعيد، كأنه عظم ينكسر.

أتذكر ما قرأته في بعض المخطوطات القديمة في مكتبة القصر

في لحظات نادرة عندما كان نير الأصلي يتظاهر بالاهتمام بالدراسة.

الغابة السوداء ليست مكانًا طبيعيًا. يقال إنها نتيجة لغضب مخلوق أسطوري من "رتبة أزلي" – الرتبة العاشرة للبشر، أو ما يعادلها للوحوش "مُحطِم العوالم".

هذا المخلوق، الذي خانته البشرية أو أغضبته بطريقة ما منذ دهور، أطلق العنان لقوة هائلة شوهت هذا الجزء من العالم، وجعلته لا يمتثل لقوانين الواقع المطلق.

لهذا السبب، الغابة السوداء مكان مرعب وخطير. يقال إن فيها مناطق يتشوه فيها الزمن، حيث يمكن أن تمر ساعات في لحظات، أو لحظات تمتد كأنها دهر.

وهناك مناطق تتغير فيها الجاذبية بشكل عشوائي، حيث يمكن أن تجد نفسك فجأة تسير على جانب شجرة، أو أن تُسحب بقوة نحو الأرض.

وهناك أوهام، أوهام قوية جدًا، يمكن أن تجعل المسافرين يتوهون إلى الأبد، يطاردون أشباحًا أو يهربون من كوابيس لا وجود لها إلا في عقولهم.

والنباتات... النباتات هنا كانت غريبة. بعضها كان يتوهج بضوء شبحي خافت، وبعضها كان مغطى بأشواك حادة كالزجاج، وبعضها كان يبدو وكأنه يراقبني بعيون مصنوعة من الندى الأسود.

حتى الأرض تحت قدمي لم تكن موثوقة. في بعض الأماكن، كانت تبدو صلبة، لكنها في الحقيقة مستنقعات خادعة يمكن أن تبتلع رجلاً كاملاً في ثوانٍ.

"لماذا، بحق كل الشياطين، قرر دوق الظلال أن يسكن بالقرب من هذا المكان الملعون؟"

تساءلت وأنا أتقدم بحذر شديد، ممسكًا بخنجري الفضي بإحكام. "هل هو نوع من التحدي؟ أم أن هناك سرًا ما يربط عائلة ڤيرتون بهذه الغابة

؟ تلك الكاتبة... أقسم أنني لو رأيتها... حسنًا، ربما سأكتفي بتعذيبها ببطء قبل أن أقتلها. ماهذا العالم الذي ألقتني فيه؟"

كل خطوة كانت مغامرة. الظلال كانت تتراقص بشكل غريب، تأخذ أشكالًا مخيفة.

كنت أشعر بأنني مراقب، ليس من قبل وحوش أو حيوانات، بل من قبل الغابة نفسها.

كأن كل شجرة، كل صخرة، كل ظل، يمتلك وعيًا خبيثًا يتربص بي.

فجأة، سمعت صوتًا. صوت حفيف، يتبعه صوت أنفاس ثقيلة، كأنها قادمة من منفاخ حداد صدئ.

تجمدت في مكاني، وأدرت رأسي ببطء نحو مصدر الصوت.

من بين الأشجار الملتوية، ظهرت ثلاثة مخلوقات. لم أرَ مثلها من قبل، حتى في أكثر كوابيسي جموحًا. كانت تشبه الذئاب في شكلها العام، لكنها كانت أضخم بكثير، بحجم دببة صغيرة.

جلدها كان أسودًا لامعًا، كأنه مصنوع من زجاج بركاني مصقول، وعيونها... لم تكن لها عيون بالمعنى التقليدي.

بل كانت تجاويف فارغة تتوهج بضوء أحمر خافت، كجمرتين مشتعلتين في عمق جمجمة.

من أفواهها المفتوحة، كانت تبرز أنياب طويلة، حادة، تقطر منها مادة سوداء لزجة تشبه القطران.

ومخالبها... كانت طويلة ومعقوفة، تحفر في الأرض مع كل خطوة، تاركة وراءها آثارًا عميقة.

"ذئاب الظل،" همست لنفسي، متذكرًا وصفًا قرأته في أحد كتب الوحوش.

"مخلوقات من الرتبة الأولى، 'جرثومة '. سريعة، قوية، وتصطاد في مجموعات.

لكن هذه... هذه تبدو أشرس من الوصف." ربما كانت هذه نسخة مشوهة، متأثرة بطبيعة الغابة السوداء.

تلك الوحوش رأتني. توقفت للحظة، ورؤوسها تدور ببطء، والتوهج الأحمر في تجاويف عيونها يزداد قوة.

ثم، وبدون سابق إنذار، أطلق أحدها عواءً مخيفًا، ليس كعواء الذئاب العادية، بل صوت حاد، كصوت تمزق المعدن، يجعلك تشعر بالقشعريرة تسري في عمودك الفقري.

واندفعت نحوي.

لم يكن لدي وقت للتفكير. الغريزة تولت القيادة. قفزت إلى الجانب، متفاديًا بصعوبة هجوم الوحش الأول، الذي مر بجانبي كالبرق الأسود، ومخالبه تركت أربعة خطوط عميقة في لحاء الشجرة التي كنت أقف أمامها.

"تبًا!" صرخت، وشعرت بالأدرينالين يتدفق في عروقي.

الوحشان الآخران كانا يحيطان بي الآن، يتحركان بخفة ورشاقة مخيفة بين الأشجار، ويحاولان قطع طريق الهروب. لم يكن لدي خيار سوى القتال.

رفعت خنجري الفضي. بدا صغيرًا وتافهًا أمام هذه الوحوش المرعبة. لكنه كان كل ما لدي.

الوحش الذي هاجمني أولاً استدار واندفع نحوي مرة أخرى، وفمه مفتوح على مصراعيه، كاشفًا عن تلك الأنياب المرعبة.

هذه المرة، لم أتفادَ. بل تقدمت خطوة إلى الأمام، وانحنيت تحت جسده المندفع، ووجهت الخنجر بكل قوتي نحو بطنه.

شعرت بالخنجر يغوص في شيء صلب، ثم يخترقه. صرخ الوحش صرخة ألم حادة، وتدحرج على الأرض، والدم الأسود اللزج يتدفق من جرحه.

لكنه لم يمت. بل نهض مرة أخرى، والتوهج الأحمر في عينيه يزداد شراسة.

"عنيد!" تمتمت، وأنا أتراجع خطوة إلى الوراء.

الوحشان الآخران استغلا انشغالي وهاجما معًا، واحد من اليمين والآخر من اليسار.

لم يكن بإمكاني تفادي الهجومين معًا.

اخترت أن أركز على الوحش الأيسر. دحرجت جسدي على الأرض، وتفاديت مخالبه بصعوبة، ثم طعنت ساقه الخلفية.

صرخ الوحش، لكنه لم يتوقف. بل استدار بسرعة مذهلة وحاول أن يعضني.

شعرت بأسنانه الحادة تخترق جلد سترتي الجلدية عند كتفي.

صرخة ألم خرجت مني رغماً عني. لكن الألم أيقظ شيئًا في داخلي.

غضب بارد. غضب من هذه الوحوش، من هذه الغابة، من هذه الرواية، من هذا القدر اللعين.

دفعت الوحش عني بكل قوتي، ووجهت لكمة إلى خطمه. لم يكن لها تأثير كبير، لكنها أعطتني لحظة لأتراجع.

الوحش الأول، الذي طعنته في بطنه، كان يترنح الآن، لكنه لا يزال يشكل تهديدًا. الوحش الثاني كان يعرج، لكنه لا يزال قادرًا على الهجوم.

والوحش الثالث كان يدور حولي، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.

كنت محاصرًا.

"لا... لن أموت هنا،" قلت لنفسي، وأسناني تصطك. "لن أسمح لهذه الرواية السخيفة أن تقتلني بهذه الطريقة."

تذكرت تدريبات السيف التي كان نير الأصلي يقوم بها. تذكرت الحركات، الوقفات، طريقة التنفس. حاولت أن أقلدها، أن أجعل جسدي يتذكرها.

عندما هاجم الوحش الثالث، لم أتراجع. بل تقدمت لمواجهته.

استخدمت الخنجر ليس للطعن، بل لتحويل مسار هجومه. عندما فتح فمه ليعض، دفعت الخنجر أفقيًا بين فكيه، واستخدمت كل قوتي لأدفع رأسه إلى الجانب.

ثم، بسرعة، سحبت الخنجر ووجهت طعنة سريعة إلى رقبته، حيث شعرت بأن الجلد أقل سماكة.

دخل الخنجر بعمق. صرخ الوحش صرخة مكتومة، وانهار على الأرض، جسده يرتعش بعنف، ثم سكن.

واحد سقط. اثنان بقيا.

لكن قتل الوحش الأول أعطاني دفعة من الثقة. الوحشان الآخران، الجريحان، كانا مترددين الآن. ربما لم يتوقعا هذه المقاومة.

استغليت ترددهما وهاجمت الوحش الذي يعرج. كان أبطأ من الآخرين، وأكثر ضعفًا.

تفاديت محاولته اليائسة لعضي، ووجهت عدة طعنات سريعة إلى صدره وجنبه. مع كل طعنة، كنت أشعر بأن قوته تتضاءل.

وأخيرًا، انهار هو الآخر، والدم الأسود يغطي الأرض من حوله.

بقي واحد فقط. الوحش الذي طعنته في بطنه في البداية.

كان لا يزال واقفًا، لكنه كان يترنح بشدة، والتوهج الأحمر في عينيه بدأ يخفت. نظر إليّ، ثم إلى رفيقيه الميتين.

ثم، وبشكل غير متوقع، أطلق عواءً حزينًا، واستدار، وبدأ يهرب، يجر جسده الجريح بين الأشجار.

لم أطارده. لم يكن لدي القوة لذلك.

وقفت هناك، ألهث، والدم يقطر من كتفي، والخنجر الفضي في يدي ملطخ بالدم الأسود اللزج. جسدي كله كان يؤلمني، وشعرت بدوار خفيف.

لكنني كنت على قيد الحياة.

نظرت إلى جثتي الوحشين الميتين. كانتا قبيحتين، مرعبتين. ورائحتهما الكريهة تملأ الهواء.

"هذا... هذا هو الواقع،" تمتمت لنفسي. "ليس هناك حب، ولا رومانسية. فقط البقاء للأقوى. أو للأكثر حظًا."

جلست على الأرض، متكئًا على جذع شجرة، وحاولت أن ألتقط أنفاسي. الألم في كتفي كان حادًا، لكنه لم يكن خطيرًا على ما يبدو. مجرد جرح سطحي.

لكن المعركة، رغم قصرها، استنزفت كل طاقتي. شعرت بأنني بالكاد أستطيع تحريك ذراعي.

"هذا ما يعنيه أن تكون ضعيفًا،" فكرت بمرارة. "إذا كانت ثلاثة وحوش من الرتبة الأولى يمكن أن تفعل بي هذا، فكيف سأواجه وحشًا من الرتبة الثامنة؟"

الحاجة إلى القوة، إلى فهم النظام، أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

نظرت حولي. الغابة السوداء بدت أكثر شراسة وتهديدًا من ذي قبل.

الظلال أعمق، والصمت أثقل. شعرت بأنني لست وحدي.

وأن هناك أشياء أخرى، أسوأ بكثير من ذئاب الظل، كامنة في هذا الظلام.

نهضت بصعوبة. عليّ أن أعود إلى الكهف. عليّ أن أعتني بجرحي. وعليّ أن أجد طريقة لأصبح أقوى. بسرعة.

"الكاتبة..." تمتمت وأنا أبدأ في السير ببطء، "إذا خرجت من هذا حيًا، سأجد طريقة لأنتقم منك.

سأحرق كل نسخة من روايتك اللعينة. وسأجعل أبطالك يعانون أضعاف ما أعانيه الآن."

لكن في أعماقي، كنت أعرف أن هذا مجرد كلام فارغ. التهديد الحقيقي لم يكن الكاتبة، بل هذا العالم القاسي، وهذه المخاطر التي تنتظرني عند كل منعطف.

وعندما عدت أخيرًا إلى الكهف، وأنا أجر جسدي المنهك، كان هناك شيء واحد فقط يدور في ذهني: البقاء. مهما كلف الأمر.

2025/06/04 · 149 مشاهدة · 1817 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025