الفصل 234

"باي زعيم العائلة، مضى وقت طويل منذ آخر لقاء."

انبعث الصوت من وسط الدخان المتصاعد، لكن وقع كلماته جعل ملامح وجه باي شانهي تتغير فجأة.

لقد عرف هذا الصوت.

"أنت!"

لم ينطق سوى كلمة واحدة، لكن باي شانهي شعر وكأنه استنزف طاقة هائلة لقولها.

ذلك الإحساس بالذلّ والانكسار الذي ملأ صدره جعله يكاد يجنّ.

لكن، وهو يحاول جاهداً أن يبدو أقلّ بؤساً، كان الظل في الدخان قد خرج إلى العلن.

نظر أفراد عائلة باي إلى الشاب الوسيم الواثق الخطى أمامهم، فتبدلت وجوههم بالكامل.

أما باي شانهي، الذي بالكاد تمكن من جمع أنفاسه، فقد انهارت روحه مجدداً عندما انكشف وجه القادم.

حينها، صرخ أحدهم فجأة بصوت مرتجف ومذعور:

"النجدة! هجوم! نحن نتعرض لهجوم!"

لكن صراخه لم يغير أي شيء.

ابتسم يي شياو وهو ينظر إلى ذلك الرجل الذي بدا كالمجنون، وقال بهدوء:

"لا داعي للصراخ، جميع من في هذا القصر قد ماتوا بالفعل."

تسمرت أعين الحاضرين، وقد بدت على وجوههم علامات الذعر وكأنهم رأوا شبحاً.

كان وقع هذا الخبر عليهم صاعقاً.

"لا! مستحيل! هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً!"

"صحيح، لدينا في العائلة أكثر من ألفي عضو، وتحت لوائنا جيش يفوق العشرة آلاف، كيف يمكن أن يُبادوا جميعاً؟"

"إنه يخدعنا! كل ما حدث قبل لحظات لم يدم سوى ثوانٍ معدودة، حتى لو كان قوياً، لا يمكن أن يقتل عشرة آلاف شخص في بضع ثوانٍ. إنه يحاول تخويفنا!"

"أسرعوا وأبلغوا الجميع! نحتاج إلى تعزيزات فوراً!!"

……

ظل يي شياو يراقب المشهد أمامه بصمت، وكأنه يشاهد مسرحية هزلية.

من كان يتصور أن هؤلاء "العظماء" الذين اعتاد الناس على رؤيتهم متعالين متغطرسين، سيظهرون بهذا الشكل البائس؟

لم يبق فيهم أي أثر للهيبة أو الوقار.

ضحك يي شياو في تلك اللحظة.

اتضح له أن ما يُسمى "العظماء" حين يواجهون الموت، لا يختلفون عن سائر البشر، بل ربما هم أوهن.

فعلى الأقل، الذين قتلهم خلال الفترة الماضية، سواء جيش العشرين ألفاً من العشائر السبع، أو جيوش الفصائل المختلفة، كان لديهم شيء من الشجاعة أو على الأقل استعداد للموت بكرامة.

وفجأة، صاح باي شانهي بغضب شديد:

"اصمتوا جميعاً!"

تجمد الجميع للحظة، ثم التفتوا إليه بعيون يملؤها الأمل.

جال باي شانهي ببصره البارد على أتباعه المذعورين، ثم وجه نظره من جديد إلى يي شياو.

عندما وقعت عيناه على ذلك الوجه الشاب غير المتناسب مع قوته المرعبة، ارتجف جفناه قليلاً، لكنه سرعان ما أخذ نفساً عميقاً، وقمع اضطراب مشاعره، وقال ببطء:

"يي شياو، عائلتي باي تعلن خضوعها لك، وسنقدّم لك كل ما نملكه من عوالم سريه مخفية، إضافة إلى الموارد التي جمعناها خلال عشرات السنين."

"سيد العائلة!"

"سيد العائلة!"

"سيد العائلة!"

……

كان قرار باي شانهي المفاجئ صادماً للجميع، فهتف بعضهم دون تفكير.

لكن قبل أن يتمادوا، قاطعهم باي شانهي بنظرة حادة جعلتهم يبتلعون كلماتهم.

حمقى! الوضع أوضح من أن يُنكر. أي طمع في هذه اللحظة يعني الانتحار.

استوعب الجميع أخيراً الواقع. لقد صرخوا طالبين النجدة منذ وقت طويل، ولم يأتِ أحد. هذا يعني أن الناس قد قُتلوا جميعاً بالفعل.

ازداد خوفهم من يي شياو، وشعروا بالندم على حماقتهم السابقة.

صاروا يراقبون ملامحه بوجل، خشية أن تثير كلماتهم غضبه.

أما فكرة المقاومة؟ لم تخطر ببالهم.

فحتى لو اجتمع كل من بقي في القاعة، لما تمكنوا من مجاراة قوة صاحبهم، الذي قتل بيديه أربعة عشر مقاتلاً من المستوى التاسع.

مقاومة؟ هذا طريق مسدود.

كانوا مضطرين إلى الاعتراف بدهاء باي شانهي وقدرته على الخضوع في الوقت المناسب.

لكن بينما كانوا يترقبون رد فعل يي شياو بقلق، رفع الأخير زاوية شفتيه مبتسماً، ونظر إلى باي شانهي كمن ينظر إلى أحمق، وقال بهدوء:

"زعيم عائلة باي، يبدو أنك قد أسأت فهم الأمر."

ارتجف قلب باي شانهي بشعور سيئ، لكنه سأل بصوت متماسك:

"أي أمر؟"

أجاب يي شياو وهو يهز رأسه:

"بمجرد أن أقتلكم، سيصبح كل ما تملكونه ملكي. لماذا أترككم أحياء لتستهلكوا الطعام بلا طائل؟"

صرخ باي شانهي بغضب:

"يي شياو! لا تتمادَ كثيراً!!"

صدره كان يعلو ويهبط بعنف، والغيظ يملأ ملامحه، لكنه حاول الحفاظ على رباطة جأشه.

أما يي شياو، فلم يُعر اهتماماً لكل محاولاته، بل سأل بنبرة هادئة ساخرة:

"تتمادَى؟ أليس هذا الوصف أنسب لعائلتكم أنتم؟"

"في طريق المنفى، عندما خططتم مع العشائر الأخرى لمحاصرتي، ألم يكن ذلك تمادياً؟"

"وعندما هربت من بين مخالب خبراء عائلة تشاو، وتبعتني مطارداً، ألم يكن ذلك تمادياً؟"

مع كل جملة، كان لون وجه باي شانهي يزداد قتامة.

حتى صار وجهه في النهاية كالدم المتخثر، لا يُعرف إن كان بسبب الغيظ أو الخزي.

وأخيراً، أجبر نفسه على قول جملة:

"كل ذلك كان مجرد أفعال شخصية من باي شياو شياو، لا علاقة لعائلتنا بها."

ضحك يي شياو عندما سمع هذا.

"إلقاء اللوم كله على ميت؟ هذه إذن طريقة عائلتكم؟"

ثم تابع:

"أما مطاردتك لي شخصياً؟ هل ستُلقيها أيضاً على كاهل ميت؟"

لكن باي شانهي لم يتردد هذه المرة، وردّ بوقاحة مطلقة:

"لقد كنت مخدوعاً من قِبل باي شياو شياو، وغضبت في لحظة انفعال. علاوة على ذلك، عندما التقيت بك، لم أكن أنوي قتلك، كنت فقط أريد اختبار قوتك. وإلا، فكيف تمكنت من الهروب مني بتلك السهولة؟"

صفق يي شياو بيديه وهو يبتسم، وقد أدرك تماماً إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يكون وقحاً.

أن يكذب المرء بهذه السهولة، دون أدنى تردد، هذا مستوى من الوقاحة لم يتخيله من قبل.

ابتسم أكثر، كاشفاً عن أسنانه البيضاء، ثم قال:

"حسناً. بما أنك قلت هذا، فسأمنحك فرصة."

تلألأت عينا باي شانهي أملاً، إذ لم يتوقع أن يجدي كلامه شيئاً. فسارع ليسأل:

"أي فرصة؟ ما دمت أستطيع، فلن أتردد."

وأخذ الباقون يرددون بتملق:

"نعم، نعم! الأخ يي شياو كريم النفس، ونحن من الآن فصاعداً طوع أمرك."

"الأخ يي شياو وسيم ومهيب، وكوننا نخدمك شرف لنا نحن عائلة باي."

……

ألقى يي شياو عليهم نظرة باردة، ثم ابتسم قائلاً:

"الأمر بسيط. بما أنك قلت سابقاً إنك أردت اختبار قوتي، فسأمنحك الفرصة الآن. تفضّل، هاجمني."

ثم ضرب جبينه بيده متظاهراً أنه تذكر شيئاً:

"آه، نسيت أن أخبرك. يمكنكم جميعاً الهجوم معاً، لكن الفرصة واحدة فقط. وإن فشلتم… فأنتم تعرفون العاقبة."

أدرك باي شانهي من نبرة يي شياو الساخرة أنه يسخر منهم.

فحتى لو هجموا جميعاً، لن يتمكنوا أبداً من هزيمته.

لقد قرر القضاء عليهم دون رحمة.

تغيرت ملامح باي شانهي إلى قناع من الغيظ والقسوة، وقال بصوت مفعم بالكراهية:

"يي شياو، ألا تدرك ما العواقب التي ستجلبها أفعالك؟"

ابتسم يي شياو بسخرية:

"اطمئن، فأياً كانت العواقب، أنت لن تراها."

قال ذلك، ثم أطلق مهارة "غضب التنين الأسود".

بعد ثانيتين.

لم يبقَ في كامل قصر عائلة باي أي شخص حي.

لم يمضِ وقت طويل.

ظهرت بضع شخصيات فجأة بجانب يي شياو دون أي صوت، وبمجرد ظهورهم نظروا إليه بوجوه يملؤها الحماس، ثم قالوا جميعًا بنبرة غاية في الاحترام:

"السيد يي يينغ، ما أوامرك؟"

قال: "أبلغوا زو يي، ليتولى تنظيف المكان، ثم ليدعُ أحدًا ليستلم جميع أراضي عائلة باي."

"أمرك!"

انحنوا له باحترام وغادروا.

هذه المرة، قُتل من عائلة باي ومن تحت إمرتها ما مجموعه خمسة آلاف وخمسمئة وثلاثة وأربعون شخصًا.

في الحقيقة، يي شياو كان قد جاء ليجرب حظه، ولم يكن يتوقع أن باي شانهي ومعه جزءًا كبيرًا من قادة العائلة سيلقون حتفهم فعلًا.

لا يمكن القول إلا أن الحظ حالفه.

وهكذا، باستثناء بعض الأفراد المتناثرين في المناطق الابتدائية والمتقدمة، لم يعد هناك أحد من عائلة باي.

يمكن القول إن هذه المرة التي أتى فيها يي شياو كانت بمثابة إبادة القوة الرئيسية لعائلة باي بالكامل.

هز رأسه ثم غادر قصر عائلة باي.

غير أنه في هذه اللحظة بالذات، اكتشف يي شياو فجأة أن سماء الضيعة امتلأت بكمية ضخمة من السواد لم تكن موجودة قبل مجيئه.

رفع رأسه بفضول.

وفجأة، ظهر دوّام عميق في السماء، لا يُرى له قاع.

بمجرد ظهوره، امتص كل السواد المتجمع في السماء.

وحين ابتلع آخر خيط من السواد، اختفى الدوّام تمامًا.

لمع الشك في عيني يي شياو وهو يرى ذلك.

في تلك اللحظة فقط أدرك أن ذلك السواد كان يتصاعد من أجساد أفراد عائلة باي الذين قتلهم قبل قليل.

هذا الموقف يواجهه لأول مرة.

وما هو ذلك الدوام؟ ولماذا امتص تلك الطاقة السوداء؟

ومع ازدياد قوة يي شياو، أصبحت حواسه بالطاقة مختلفة تمامًا عمّا كانت.

فحتى لو كانت الطاقة المنبعثة من ذلك الدوام ضعيفة، فقد جعلته يشعر بخطر هائل.

كأن مخلوقًا رهيبًا يختبئ داخله.

لكن للأسف، اختفى الدوام بسرعة كبيرة، فلم يتسنّ له معرفة ما بداخله.

---

العالم الواقعي

في مكان ناءٍ يصل بين القارة والمحيط، غطت الغيوم السوداء السماء، فأصبحت الدنيا مظلمة وكأنها مليئة بالغبار.

تحت السماء، غابة ممتدة لا يُرى لها نهاية، أشجارها الكثيفة تحجب كل شيء تحتها، فتجعل الأرض باردة ورطبة.

ومع ذلك، فأي شخص من المهنين—حتي إن لم يأتِ إلى هنا—يعرف هذا المكان جيدًا.

إنه ما يسميه المحترفون البشريون: خط الساحل الدموي، أخطر مكان في العالم البشري، لأن في هذه الأرض المختفية عن النظر، يوجد صدع لا يُرى له قاع.

وتحته يقع ما يُعرف عند البشر بـ كهف الهاوية الشيطانية.

منذ ثمانين عامًا، بعد وقت قصير من اندلاع "حرب إبادة الأصل" بين البشر وNPC، ظهر هذا الكهف فجأة دون إنذار.

في البداية، لم يكن البشر مستعدين، فاجتاحت كائنات الكهف مدنًا كثيرة، وسُويت أرضًا، وقتل البشر بأعداد هائلة.

ثم سارع البشر إلى حشد قواتهم وأقويائهم لتشكيل جيش حملة لطرد تلك الوحوش.

في البداية كان الصراع متوازنًا، البشر يقتلون والوحوش تقتل، والوضع مستقر نسبيًا.

لكن خلال نصف شهر فقط، انقلب الوضع تمامًا، وردّت وحوش الكهف بهجوم شامل.

حينها أدرك البشر أن أعداد الوحوش لا تنتهي، فكلما قُتل الكثير خرج المزيد.

والأدهى أن قوتها تزداد بسرعة رهيبة، حتى إن الكائن من نفس النوع يصبح في الموجات اللاحقة أقوى بمرتين مما كان عليه في السابق.

سرعة تطور كهذه تجاوزت قدرة البشر على التطور، بل وتجاوزت فهمهم.

وفي النهاية، تدخلت العائلات الثماني العظمى التي انتصرت للتو في حرب إبادة الأصل، وقهرت تلك الوحوش وأعادتها إلى أعماق الكهف.

وبذلك تجنبت البشرية خطر الإبادة.

ومن هنا بدأت العائلات الثماني تحكم الاتحاد.

وتقول بعض الشائعات إن تحالف الأوهام الثلاثة ساهم حينها بقوة، بل وقيل إن أحد أقوى أعضائه قُتل في الكهف.

لكن الحقيقة أُخفيت عمدًا، ولم يعرف أحد التفاصيل.

ومهما يكن، فقد انتصر البشر.

لكن حتى العائلات الثماني لم تتمكن من القضاء على وحوش الكهف تمامًا، بل اكتفت بصدّها عند خط الساحل الدموي.

ومنذ ذلك اليوم، مضت ثمانون سنة من الحراسة.

ولهذا، رغم استبداد العائلات الثماني وسيطرتها، فإن لها فضلًا كبيرًا على البشرية.

ومن هنا صبر البشر على ظلمهم، إذ لو لم يكن وجودهم، فلا أحد يعرف إن كان بمقدور أحد صدّ تلك الوحوش.

في الحقيقة، يي شياو كان يرى الأمر بهذه الصورة في البداية.

لكن بعد أن عرف سر حجر المهاره الإلهي وفهم نوايا العائلات الثماني في السيطرة على الاتحاد، تغيّر رأيه.

فهم يجمعون كل قوة الاتحاد فقط لتغذية أسرهم، وكان من واجبهم أصلًا مواجهة تلك الوحوش.

ثم إنه على يقين أن لديهم نوايا خفية في تعاملهم مع الكهف.

في عينيه، هم ليسوا قديسين، بل مجرد مصاصي دماء متنكرين في هيئة قديسين.

---

وحين قتل يي شياو باي شانهي ورجال عائلته، هاجت السماء فوق خط الساحل الدموي فجأة، وظهرت سحابة ضخمة من السواد اندفعت بسرعة هائلة إلى أعماق الكهف.

هذا التغيير جعل قوات الحملة المرابطة هناك تستشعر الخطر فورًا، فخرج كثير منهم ليتحققوا.

وفجأة، دوّى صوت غليظ:

"الكهف يتحرك، الجميع في حالة تأهب!"

في لحظة، غمرت أجواء القتال كل أطراف الكهف.

ومن داخله، انفجرت فجأة هالة مرعبة.

لكن في تلك اللحظة، جاء صوت عجوز ضعيف متهدّج:

"ارجع."

لم يكن الصوت عاليًا، لكنه بمجرد أن خرج، ارتجفت تلك الهالة العاتية وعادت لتختفي في أعماق الكهف.

ثم تكرر الصوت:

"عدد كبير من المحترفين ماتوا دفعة واحدة، تحققوا من السبب!"

خرجت بضع شخصيات مدرعة من أماكن مختلفة، وانحنوا نحو الكهف مرددين:

"أمرك!"

ثم غادروا جميعًا.

أما قوات الحملة التي كانت متوترة فقد تنفست الصعداء وعادت إلى مقراتها للراحة.

أما هوية صاحب الصوت العجوز، فلم يكن أحد منهم يعرفها.

لكنهم كانوا يعلمون شيئًا واحدًا: أنه كيان مرعب للغاية.

وبعضهم سمع من قادتهم أنه موجود منذ ثمانين عامًا، منذ الغزو الأول، ولا يزال يحرس حتى اليوم.

بل إن هناك شائعات تقول إنه لولا وجوده، لانهارت خطوط الدفاع منذ زمن.

ولهذا، كل من يعرف قليلًا عنه، لا يملك إلا أن يغمره بالاحترام.

2025/09/15 · 133 مشاهدة · 1885 كلمة
Medo s
نادي الروايات - 2025