؟ ] الجزء األول [ عندما استيقظت، تعرضت عيناي لضوء ساطع أعمى بصري. أغمضت عيني باستياء ثم فتحتها ببطء لتعتاد على السطوع . وإذا بي أرى امرأة حسناء شقراء ت نظر نحوي. فتاة جميلة.... ال، شابة جميلة وص ٌف مالئم. )من تكون يا ترى؟( يجلس بجانبها شا ٌب ذو شعر بن ّي متبس ًما بابتسامة مقززة. رجل متعجرف قوي البنية مفتول العضالت. شعٌر بن ّي ومتعجرف... مظهره المتنمر كا ٍف لينفرني منه لكن من الغريب أنني لم أشعر ببغض تجاهه. شعره البن ّي جمي ٌل ح ًق ا. ا، ربما ألنه لون طبيعي وليس مصبو ًغ ابتسمت المرأة نحوي وتكلمت. "#####......##...." ا على اإل ماذا قالت؟ لم أسمعها بوضوح ولم أفهم شيئ طالق. ً أليست اليابانية؟ أجابها الرجل بابتسامة لطيفة. "###...#####........." ا. ماذا قال للتو؟ لم أفهم شيئً الصفحة | 8 "###.....##........" صو ٌت ثالث صدر من مكان ما في الغرفة، لم أستطع رؤية صاحب الصوت. حاولت النهوض ألسألهم "ما هذا المكان؟ ومن أنتم؟". بغض النظر عن كون ي إنسان انطوائي، فأنا لم أن َس كيف أتواصل مع اآلخرين. يمكنني فعل شيء كهذا على أقل تقدير. " آ آه.. آآآه......" ال أدري ماذا خرج من شفت ّي، أكان أنيًنا أم صوت أنفاسي؟ لم أستطع تحريك جسدي. أشعر بأطرافي وأناملي لكني ال أستطيع تحريك بدني. انحنى الرجل وحملني. "##### ...###" هاه؟ ماذا؟ أمعقو ٌل هذا؟ وزني تخطى مئة كيلو جرام و حملني بسهولة! ال، ربما كنت في غيبوبة أليام عديدة ونحف جسمي. من ال جائز أنّي فقدت أحد أطرافي في ذلك الحادث العنيف. ) آخ، مصيٌر أسوأ من الموت... ( هذا ما تبادر إلى ذهني في ذلك اليوم. ] الجزء الثاني [ مضى شهر على الحادثة. يبدو أنن ي ُولدت من جديد، وأخيًرا أدركت هذه الحقيقة. مجرد طفل رضيع. ح َمل. ُ تأكدت من هذا بعد أن رأيت جسدي الصغير وأنا أ ال أعرف سر احتفاظي بذكرياتي السابقة لكن ال ضير من هذا. الصفحة | 9 ّ بقاء الذاكرة بعد التناسخ )انتقال الروح إلى جسد جديد( ى فيها المرء ولو لمرة في حياته. من األوهام التي يتسل لكن ي لم أتصوّر أب ًدا أن هذا الوهم سيصبح حقيقة..... الزوجان اللذان رأيتهما في البداية هما والداي. يبدوان لي في أوائل العشرينات مما يجعلهما أصغر منّي في حياتي السابقة . ما زاال يافعين من وجهة نظر امر ٍئ بلغ الرابعة والثالثين من عمره. قدرتهما على اإلنجاب في هذا العمر تثير غيرتي . الحظت األمر منذ البداية، نحن لسنا في اليابان واللغة مختلفة. مالمح والد ّي ليست يابانية وكذلك ثيابهما الملبوسة تعطي انطبا ًعا أنهما من قرية ريفية. لم أَر أي جهاز إلكتروني في المنزل، والسيدة التي ترتدي ز ّي الخادمة تنظف المكان بخرقة قماش. جميع األطباق واألواني واألثاث مصنوعة من الخشب. لعلها ليست بدولة متقدمة. مصدر اإلضاءة هو الشموع والفوانيس وليست المصابيح الكهربائية. من المحتمل طبًعا أنها أسرة فقيرة غير قادرة على تسديد فواتير الكهرباء. ... ربما نسبة هذا االحتمال مرتفعة بعض الشيء؟ في البداية اعتقدت أنها أسرة ميسورة الحال ألنها تملك خادمة منزل. لكن من الوارد أن تقوم بالتنظيف امرأة من أهل البيت كأخت أبي أو أمي مثًال. كنت آمل في خوض بداية جديدة لكن العيش مع أسرة ال تستطيع تسديد الفواتير يثير قلقي. ] الجزء الثالث [ مضى نصف عام. بدأت أستوعب األمور تدريجيًا بعد استماعي إلى محادثات والد ّي في األشهر الماضية. تعجبت من سرعة فهمي للغتهم الغريبة فأنا لم أفلح باإلنجليزية في حياتي السابقة. أصحي ٌح ما يقولونه إنه من السهل تعلم لغة أجنبية وأنت محاط بناطقيها؟ عقل هذا الجسد ممتاز؟ ّن أم أ الصفحة | 10 ري لألشياء سريع ولع ّل هذا بسبب حداثة سني ّ فتذك . يمكنني أن أحبو اآلن. صدق من قال إ ّن الحركة بركة. لم أشعر قط بهذا القدر من االمتنان. "سيندفع فجأة ويختفي في مكا ٍن ما إن غفلت عنه للحظة." أليس من الجيد كونه نشيطً عند والدته." " ا؟ كنت قلًقا ج ًدا ألنه لم يب ك أب ًدا "ما زال عديم البكاء حتى هذه اللحظة." دار هذا الحوار بين والد ّي ألن ني أحبو كلما سنحت لي الفرصة. بالطبع ال أحتاج ل لبكاء بصوت مرتفع عند شعوري بالجوع. المزعج هو أنّي دائ ًما أخسر النزال ضد مؤخرتي في إبقاء مستوطنيها بداخلها؛ فخضعت لمشيئة الطبيعة. صحي ٌح أنه لم يكن باستطاعتي سوى الحْبو لكن من خالله عرفت بعض األمور. هذه األسرة ميسورة الحال. ّن أوّلها؛ تيقنت أ المكان الذي نعيش فيه مؤلف من طابقين وهو عبارة عن منزل خشبي يحتوي على أكثر من خمس غرف، ولدينا خادمة منزل واحدة، كنت أحسب الخادمة عمتي أو ما شابه في البداية ثم اتّضح من سلوكها المحترم تجاه والد ّي أنها ليست من األقارب. ثانيها؛ نحن نعيش في قرية. يمكنني رؤية المناظر الطبيعية المنعشة واألراضي الزراعية عبر النافذة. هناك بضعة منازل في الجوار، وت قطن أسرتان أو ثالثة بمحاذاة حقل القمح. قرية ريفية خالية تما ًما من مظاهر الحياة العصرية. ال أسالك كهربائية وال مصابيح وال شيء من هذا القبيل. سمعت أن البلدان األجنبية تم ّد األسالك تحت سطح األرض لك ّن هذا المنزل يخلو من الكهرباء. عجيب، ربّما ال يوجد مولد كهرباء في هذه األرجاء . قرية بدائي إلى شخص ذاق طعم الحضارة. ٌة ج ًدا. أمٌر مؤلم بالنسبة الصفحة | 11 ]1 ]الطفولة املتأخرة )تشونيبيو(: متالزمة طالب الصف اإلعدادي الثاني؛ ميول طفولية للتظاهر بدور شخصية خيالية تمتلك قوى خارقة أو سحرية. أودّ استعمال حاسب آلي حتى وإن كانت حياة جديدة. طريقة تفكيري هذه انتهت في ظهيرة أحد األيام. تسلقت كرسيًا بجوار النافذة ألمتّع ناظر ّي بجمال الطبيعة كالعادة؛ فجدول أعمالي فارغ تما ًما. لكنّي تفاجأت مما رأيته في فناء المنزل. كان أبي يلوّح بسيف. )هاه؟ ماذا يفعل؟( أما زال يلهو بأشياء كهذه وهو في مثل هذا العمر؟ طفولة متأخرة؟ ]1] )اوه، ويلي... ( اخت ّل توازني نتيجة الدهشة فوقعت من على الكرسي. أمسكت الكرسي بيدي الصغيرة لكنّها عجزت عن تحمل وزني ف ارتطمت مؤخرة رأسي باألرض. "يا لهوي!" سمعت صرخة فور ارتطامي باألرض. أوقعت أمي سلة الغسيل وهرعت نحوي بوجه شاحب مفجوع وحملتني. "رودي! هل أنت بخير؟!" تفحصت رأسي ثم وضعت يدها على صدرها وهي تتنفس الصعداء. قالت وهي تح ّدق بي. "... جيّد، تبدو على ما يرام " .( ذكّ )من الخطر تحريك رأس شخص تلقى ضربة للتو يا سيدتي رتها بهذا في قلبي. ّن يتضح من سلوكها القلق أ سقطتي خ طرة. إذ من الممكن أن أصاب بالبالدة نتيجة ضربة الرأس. لن تفرق في كل األحوال. ما زلت أشعر بوخز ألم في مؤخرة رأسي. لحسن الحظ، إمساكي بالكرسي خفف من سرعة السقوط. الصفحة | 12 من ردة فعل أمي الهادئة وهي تفحص رأسي بعناية، أفترض أنه ال يوجد دم. ربما مجرد ورم بسيط. تعبير وجهها الجاد يوحي بمدى حرصها على سالمتي. وأخيًرا، وضعت راحة يدها على رأسي وقالت: "ألطمئن فقط... فلتتحول قوة الرب إلى محصول وافر ُيمنح لمن فقد قدرته على النهوض من جديد 』شفاء『" كدت أنفجر ضاح ًك ، ما هذه النكتة؟ أهذه لعبتكم لشفاء ألم األطفال؟" ا وأقول "مهًال أيعقل أن أمي أي ًضا تعاني من طفولة متأخرة كوالدي الذي ما زال يلعب بسيفه؟ زوا ٌج بين مقاتل وشافية؟ بينما أنا أفكر في هذا، ظهر وميض خافت من يد أمي وبلحظة اختفى األلم. )... معقول؟( قالت لي أمي بنبرة متباهية. "ما رأيك؟ ذهب األلم، صحيح؟ لعلمك، والدتك كانت مغامرة مشهورة." أصابني الذهول. سيف، مقاتل، مغامر، شفاء، ترنيمة، شافية. كل هذه المفردات تردد صداها داخل رأسي. ماذا حدث للتو؟ ماذا فعلت؟ "ما الخطب؟" ط ّل والدي من النافذة بعد أن سمع صراخ أمي. كان كامل جسمه مغطى بالعرق من تلويحه بالسيف. "اسمع يا عزيزي! سقط رودي من الكرسي وارتطم رأسه! " "اهدئي، هكذا هم األطفال يتعثرون ويسقطون" الصفحة | 13 ًال أ ٌم قلقة وأ ٌب ال يضخم األمور محاو تهدئتها. مشه ٌد نراه كل يوم. لكن أمي لم تسكت، ربما ألن مؤخرة رأسي ارتطمت باألرض أوًال. "لحظة يا عزيزي! طفلنا لم يكمل عامه األول بعد، فه ّال قلقت قليًال!" "بغض النظر عن ذلك، ينبغي للطفل أن يعتاد على السقوط كي ينمو جسده، فبهذه الطريقة سيكون بكامل ُ عافيته. حتى وإن أصيب، أليس من السهل علي ك شفاؤه؟" "ولكني خفت أنه أصيب بمكروه أعجز عن شفائه..." "سيكون على ما يرام." هذا ما قاله أبي قبل أن يحضنها. احمرّ وجه أمي خجًال. "كن ت قلقة من عدم بكائه في البداية وها هو اآلن يلعب بشقاوة، اطمئنّي فهو بخير." أغرقها أبي بقبالته الساخنة. لحظة، لحظة يا محترمْين! أ تتعمدان فعلها أمامي ؟ صحيح؟! بعدها وضعاني في الغرفة المجاورة كي أنام . ثم صعدا إلى الطابق العلوي ليشرعا في طقوس تحضير األطفال. حتى لو صعدتما، فما زلت قادًرا على سماع أصوات المواء! ا لناس األوفالين الناجحين! تبًّ )ولكن، سحر...؟( الصفحة | 14 ] الجزء الرابع [ الح ًق بر إلى ا لمحادثات التي تدور في المنزل بين والد ّي والخادمة. ا، بدأت أعير اهتما ًما أك وبدأت أسمع كلمات جديدة عديدة لم تكن ضمن مخزون مفرداتي. كأسماء البلدان والمقاطعات وعدة مواقع أخرى على وجه الخصوص. وكذلك بعض المصطلحات التي لم أسمعها من قبل. أيعقل أن هذا المكان... ال، أنا واث ٌق من هذا. نحن لسنا في األرض وإنما عال ٌم آخر. عال ٌم يتعامل بالسحر والسيف! في هذه اللحظة، جاءتني لحظة إلهام. إنه عالم سيف وسحر؛ عال ٌم مختلف عن عالمي السابق ومنطقه. لربما أستطيع تحقيق إنجاز في هذا العالم. قد أحظى بحياة طبيعية وأعمل بجدية كشخص طبيعي ، وأنهض عند فشلي وأحيا حياتي على أكمل وجه . مت في السابق وصدري مليٌء بالحسرة على ضياع حياتي دون تحقيق شيء يذكر. لكني خضت تلك التجربة المريرة واحتفظت بذكرياتي السابقة... يمكنني فعلها بال شك! ... يمكنني العيش بجد واجتهاد. الصفحة | 15 الفصل الثاني – الخادمة عديمة التعابير ] الجزء األول [ كانت ليليا خادمة مقاتلة عند إحدى محظيات ملك أسورا. الخادمة المقاتلة هي خادمة وحارسة في الوقت ذاته. فالخدم المقاتلون يؤدون مهامهم االعتيادية كخدم ويحمون أسيادهم عند الخطر. كانت ليليا تؤدي عملها بإخالص وتنجز مهامها كخادمة على أكمل وجه. أ ّما كمقاتلة سيّافة، فمهارتها عادية وليست مبهرة. وفي أحد األيام، تهاونت في قتال ضد مغتال استهدف األميرة الرضيعة فأصابها خنجر العدو في ساقها. كان الخنجر مطلي بس ّم نادر مخصص الغتيال أفراد األسر الحاكمة وال يوجد سحر ترياق قادر على نزع هذا السم الخبيث. عولج الجرح بأسرع ما يمكن بسحر الشفاء وتمكنت من النجاة بفضل محاوالت األطباء المتعددة لكن صاحبتها أعرا ٌض جانبية. لم تؤثر هذه األعراض الجانبية على حياة ليليا اليومية لكنها حرمتها من الوثب وال ركض مجد ًدا. لسوء الحظ، من الشائع في مملكة أسورا أن يخسر المرء وظيفته إن أصيب بإعاقة أو فقد قدراته. وهكذا تم تسريحها من منصبها بال تردد. لم تحصل ليليا على أ ّي تعويض مادي إثر الحادثة ومع ذلك تقبلت مصيرها واعتبرت نفسها محظوظة إذ أعفوها ولم يتخلصوا منها سرا بسبب خدمتها في حرم القصر. ًّ لم يتوصل أحد إلى العقل المدبر وراء محاولة االغتيال. لك ّن ليليا تدرك حقيقة الصراع الدائر بين محظيات القصر وما يشكله من خطورة على حياتها. قد تكون غاية تسريحها هي خطة حاكها البالط الستدراج العقل المدبر. فلطالما تساءلت ليليا عن سبب توظيفها في حرم القصر رغم تاريخها المتواضع. واآلن اتضح لها مسعاهم. ببساطة، كانوا يريدون خادمات يسهل استخدامهن والتخلص منهن. استغلت ليليا الفرصة وغادرت العاصمة على الفور قبل أن ي لحقها أ ّي مكروه. النظر عن معاملتهم لها كطُعم. نها لم ت ؛ بصرف ُ لم يكن هناك ما يمنعها من الرحيل إذ إ ؤمر بالبقاء فضًال لم تشعر بأية التزام نحوهم . أنها أثناء سفرها، تنقلت ليليا بين عربات الخيل خفية حتى وصلت إلى والية فتوى الواقعة في أطراف المملكة. الصفحة | 16 والية فتوى جزء من إقليم فتوى المعروف بأراضيه الزراعية الكثيرة؛ خاص ًة حقول القمح شاسعة األطراف، ويعيش والي فتوى في حصن روى. قررت ليليا البحث عن عمل في بلدة روى، لك ّن إصابة ساقها تعسر عليها القيام بأعمال شاقة . كان بمقدورها أن تعطي درو ًسا في فن السيف، لك ّن خيارها األفضل هو الحصول على وظيفة خادمة؛ فأجور الخدم هي األعلى ، طبًعا موقع الوالية عند حدود المملكة له دور في ارتفاع أسعار الخدم إذ يتواجد فيها العديد من السيافين ومعلم ي فنون السيف م ّما جعل العثور على خادمة خبيرة بشؤون المنزل أمر نادر للغاية. وأل ّن حاجة السوق أكثر من الموجود، فاألجور مرتفعة نسبيًا. رغم ذلك، سيكون من الخطر عليها أن تعمل عند والي فتوى أو أحد كبار النبالء. أشخا ٌص كهؤالء لهم عالقات بالملك بكل تأكيد. في حرم القصر، فمن المحتمل أن تُ لو علموا بخدمة ليليا السابقة ستغل ألغراض سياسية. ولهذا السبب ابتعدت ليليا عنهم، فهي ال تريد أن تضع حياتها على المحك مجد ًدا. آثرت ليليا االبتعاد عن نزاع السلطة وعدم التورط مع األسرة الحاكمة. لكنها لن تستطيع إرسال ما يكفي من المال ألهلها إن كان أجرها زهي ًدا. العثور على وظيفة آمنة براتب جيد ومضمون ليس باألمر السهل. ] الجزء الثاني [ جابت ليليا قرابة الشهر باحث ًة عن عمل حتى عثرت على إعالن توظيف ل خادمة منزل. ذكر اإلعالن أ ّن األولوية ستكون لذوات ال خبرة في رعاية األطفال وتوليد النساء الحوامل. صاحب اإلعالن فارس بسيط من قرية بوينا التابعة لوالية فتوى. بوينا قرية صغيرة تقع في أطراف فتوى، محض قرية ريفية عادية. موقع القرية غير مناسب ؛ تما ًما كما تريده ليليا. فضًال صاحب الطلب فارس بسيط وهذا أمٌر نادر بحد ذاته. أ ّن األهم من هذا كله، اسم صاحب الطلب مألوف لها فهو أحد معارفها . باول قريرات. فتى طائش من طبقة النبالء اقتحم المدرسة التي كانت تتعلم فيها ليليا فن السيف. جاء باول إلى المدرسة ليتعلم فن السيف بعد أن هرب من منزله إثر شجار مع والده. لم يواجه صعوبة في البداية ألنه تعلم األساسيات في منزل والده. تمكّ التفوق على ليليا خالل فترة قصيرة. رغم اختالف أسلوب السيف ن باول من لم تندهش ليليا من هذا فقد كانت تدرك أنها ال تملك الموهبة ب خالف باول الموهوب ورضخت لألمر الواقع . ًال لكن في أحد األيام ارتكب باول غلطة تسببت في طرده من المدرسة، فغادر قائ "سأصبح مغامًرا". الصفحة | 17 رج ٌل منفعل ال يمكن توقع تصرفاته. مضت سبع سنوات منذ افتراقهما. من كان يتوقع أ ذاك الفتى الطائش سي غدو فار ًسا ورب أسرة ذات يوم؟! ّن ا في نظر ليليا رغم جهلها بالعقبات التي واجهها في حياته. باول لم يكن شخ ًصا سيئً كانت مت يقنة أنه سيمد لها يد العون إذا أخبرته بوضعها. ره بحادثة قديمة. وإن لم ينفع ذلك، فستذكّ ثمة بضعة أمور يمكنها أن تستغلها للضغط عليه. وهكذا انطلقت ليليا إلى قرية بوينا. تل ّقت ليليا ترحيبا حاًرا من باول. كان باول متوتًرا للغاية ألن زوجته زينيث على وشك الوالدة. طمأنته ليليا ب خبرتها في التوليد التي اكتسبتها خصّي ًصا من أجل والدة األميرة. لذلك لم يتردد باول في توظيفها، كما إنه يعرفها جي ًدا. تحققت أمنية ليليا وكان راتبها أعلى م ّما توقعته. ] الجزء الثالث [ ُولد الطفل. لم تحدث مضاعفات أثناء المخاض والوالدة. جرى األمر تما ًما كما تدربت عليه في حرم القصر. لم تواجه أية مشاكل وكانت الوالدة ناجحة. لك ّن الطفل لم يب ك عند والدته. ا. خافت ليليا وتصببت عرقً الطفل لم يتحرك أو يصرخ عند والدته، هزّ رأسه فحسب. وجهه كوجه طفل حديث الوالدة خا ٍل من التعابير. لمست ليليا صدر الطفل بلطف واست شعرت نبضاته وأنفاسه. لكنه لم يب ك على اإلطالق. ّ ثم تذكرت كالم إحدى خادمات الحرم عن األطفال الذين ال يبكون عند الوالدة أنّهم ب ة ما. العادة مصابون بعل في نفس اللحظة، التفتت عينا الطفل نحوها وتمتم بصوت ضعيف. شعرت ليليا بالراحة فور سماع ها تمتمة الطفل وعلمت أ ّن الطفل ال يعاني من علة. الصفحة | 18 ] الجزء الرابع [ اسم الطفل هو روديوس. طف ٌل غامض ال يبكي وال يثير جلبة. ليليا في بادئ األمر أ ومراقبته ال تتطلب مجهو ًدا لكن سرعان ما خاب ظنّها. ّن اعتقدت جسمه ضعيف عندما تعلم روديوس الحبو، أخذ يهيج في جميع أرجاء المنزل؛ في المطبخ وعند الباب الخلفي والمخزن والمستوقد. وذات مرة صعد إلى ا لطابق ال علوي وال أحد يع رف كيف فعلها. كان سريع االختفاء بمجرد إزاحة البصر عنه وعاد ًة ما نجده في إحدى غرف المنزل. لكن روديوس لم يغادر المنزل أب ًدا. في بعض األحيان، تجده عند النوافذ ينظر إلى الخارج لكنه يخاف الخروج لسب ٍب ما. غريزة ليليا جعلتها تخاف من هذا الطفل، مما يجعلنا نتساءل متى بدأ األمر؟ على األرجح، في تلك اللحظات عندما كانت تعثر عليه بعد اختفائه؛ فدائ ًما تراه يبتسم. أحيانًا تجده يبتسم وهو ينظر إلى الخضراوات، أو يحدق بلهب الشمعة المرتعش ، أو يديم النظر إلى السراويل الداخلية غير المغسولة. كان روديوس يتمتم بأصوات وتعلو وجهه ابتسامة مقرفة؛ ابتسامة تثير اشمئزاز الغير. اضطرّت ليليا في أثناء عملها في حرم القصر أن تذهب إلى القصر الرئاسي حيث يتواجد كبار النبالء؛ رجال صلعان ذو كروش منتفخة تعلو وجوههم نفس االبتسامة، كانوا ينظرون إليها بشهوانية وأبصارهم تحدق حديثً بصدرها؛ كحال هذا الطفل المولود ا. اعتراها خوف شديد كلما حملت روديوس. كانت مناخره تتمدد وأطراف فمه تتصاعد وأنفاسه تتسارع عندما يدفن وجهه في صدرها. ثم تصدر منه أصوات غريبة "بففففوو" و"بررررر" وعلى ما يبدو كان يصدر هذه األصوات بسعادة. ً في تلك اللحظة، ارتعش جسدها بالكامل خوفا وأتتها رغبة شديد ة برمي الطفل على األرض. هذا الطفل غير ظريف على اإلطالق؛ ابتسام ته تبث الرعب في قلوب اآلخرين. إنها نفس ا البتسامة التي تمأل وجوه كبار النبالء عند شرائهم العديد من الجواري اليافعات. من المفترض أن يكون طف ًال حديث الوالدة. شعرت ليليا بانزعاج شديد وح ّست بالخطر بعد التفكير في األمر؛ هذا الطفل غريب ج ًدا. أيمكن أ ا شريرة قد سيطرت عليه؟ أو ربما أصاب ته لعنة ما؟ ّن رو ًح بدأ القلق يساورها لمجرّد التفكير. ذهبت إلى متجر األدوات وأنفقت ما لديها من مال قليل لشراء بعض الحاجيات الضرورية. وعندما خلدت عائلة قريرات للنوم، قامت ليليا بطقس خاص لطرد األرواح الشريرة. بالطبع، أبقت األمر سرا عن باول وعائلته. ًّ الصفحة | 19 في اليوم التالي، أدركت ليليا األمر عندما حملت روديوس... ال فائدة. لم يتغير بتّة، ما زال مقزًزا كالعادة؛ من المخيف أن تظهر على طفل مثل هذه االبتسامة. قالت زينيث: "هذا الطفل ال يرضع الحليب وحسب، بل يلحس..." بات األمر ال يطاق. لم يصل باول أب ًدا إلى هذه الدرجة من الفظاعة رغم كونه زير نساء. ال ي عقل أن يكون هذا وراثيًا فهو غريب ج ًدا. حينها تذكرت ليليا قصة سمعتها في القصر. إذ يحكى أن شيطانًا استحوذ على أحد أمراء أسورا؛ فصار يحبو على أطرافه كل ليلة كي يحيى الشيطان. وعندما حضنته خادمة بريئة، أخذ يطعنها بسكين خبّأه خلف ظهره حتى ماتت. القصة كانت مرعبة بحق. أحالة روديوس مشابهة يا ترى؟ را بداخله. ال شك أنه يحمل شًّ قد يكون مطيًعا اآلن، لكنه سوف يستيقظ في ليل ٍة ما؛ وبينما الجميع نيام، سيبدأ بواحد تلو اآلخر..... آه... هذا مبكر، من المبكر أن أقرر هذا. ليتني لم أقبل هذه الوظيفة. سيهاجمني ذات يوم، عاجًال أم آجًال. ... كانت ليليا تصدق بسهولة هذا النوع من القصص. ] الجزء الخامس [ انقضت السنة األولى من عملها وهي ما زالت تخاف منه. لكنها لم تلحظ أن تحركات روديوس الغريبة بدأت تتغير. لم يعد يختفي كما كان يفعل في السابق. وأصبح يقضي وقته في مكتبة باول؛ غرفة بسيطة في الطابق العلوي تحتوي على بضعة كتب. كان روديوس يجلس هناك وال يغادر الغرفة . اختلست ليليا النظر في إحدى المرات وسمعته يتمتم لنفسه وهو يتص ّفح أحد الكتب. تمتمة ال معنى لها. أو يفترض أنها كذلك. على األقل، لم تكن بلغة شائعة في القارة الوسطى. ّ ما زال م صغيًرا على تعل الكالم، ناهيك أنه لم ُيل ّقن األبجدية بعد. إنه محض طفل رضيع ينظر إلى كتاب ويصدر أصواتًا عشوائية. ّال وإ لبات األمر غريبًا للغاية. الصفحة | 20 كان يتبادر لليليا أن هذه األصوات تحمل معنى وتركيبًا. إذ بدا على روديوس أنه يفهم محتوى الكتاب. الوضع مخيف ج ًدا... هذا ما فكرت به ليليا عندما كانت تراقبه من طرف الباب. لكنها لم تشعر بالتقزز من ه. مصدر انزعاج ليليا المجهول اختفى تدريجيًا منذ أ روديوس نفسه في تلك الغرفة. ّن ن عزل يمكن القول أ قد تظهر عليه أحيانًا تلك االبتسامة المقرفة أو يضحك بغرابة بينما كانت تحمله لك نّها لم تعد تشعر بالضيق. لم يعد يدفن وجهه في صدرها ويلهث كما جرت العادة. لماذا كنت أخاف منه؟ مقاطعة ما يفعله . استشعرت ليليا اجتهاده وجديّته في اآلونة األخيرة لت عدم لذا فضّ يبدو أن زينيث تشاركها الشعور ذاته. ّال بعد فترة، فكرت ًال ليليا أنه من األفضل أ . تلقي له با الفكرة بحد ذاتها تخالف المنطق، فليس من طبيعة البشر تجاهل طفل حديث الوالدة. لكن مؤخًرا، بدأت عالمات المعرفة ى ّ تتجل في عيني روديوس. قبل عدة أشهر، لم تكن سوى عينْين شهوانيتين؛ أ ّما اآلن فتلمح منها عزيمة قوية وبريق معرفة. ماذا يفترض أن تفعل؟ إذ وجدت صعوبة في فهمه رغم خبرتها في العناية باألطفال. ّن تذكرت ليليا مقولة سمعتها من أمها أو إحدى الخادمات المقاتالت مفادها أ تربية األطفال ال تنحصر بطريقة واحدة صحيحة. على األقل، لم تعد تشعر بالقرف واالشمئزاز والخوف لذا قررت عدم مقاطع ته كي ال ي عود إلى سابق عهده. وختمت ليليا تفكيرها قائلة... "لنتركه على حاله. "