دقت أصوات الساعة من خلف جدران غرفة جزناقان, كانت هادئة ومتساوية في البداية، ولكن مع مرور الثواني، بدأت تزداد وتتميز بشكل غريب...

كانت كل نقرة تشعر وكأنها تمر عبر عقل جوناثان، مشوشة ومربكة. كانت تتأرجح بين البطء والسرعة، مثل نبضات قلبه الخائف. تباعتها أصوات تصاعدت وانخفضت بسرعة، كموجات تتلاشى على شاطئ بعيد. الزمن بدأ يتلاشى في العقل، وأصبح اللحظة واحدة متواصلة ومريبة.

فيما بين النقرات الخاصة بالساعة، سمع جوناثان أصوات غريبة تناديه من بعيد، صوت أشبه بأصوات الطيور المتغريات والرياح الهمسة في الليل. كانت هذه الأصوات تتلاشى وتتغير باستمرار، مما جعله يشعر بالدهشة والفزع...

وفجأة، عندما وصل عقل جوناثان إلى أقصى درجات الفوضى والتوتر، انقطعت الأصوات فجأة، وبقيت الساعة تدق بانتظام مجددًا. كانت الغرفة هادئة مرة أخرى، ولكن جوناثان كان يشعر بالقلق والتعب من هذا الحلم الغريب والأصوات الغامضة التي تعذبته....

بقي يحدق في الساعة للحظات... كان يفكر ويفكر ويعاود التفكير هل حقا يفعلها؟

-لقد فعلتها البارحة , لن تفعلها اليوم صحيح؟؟

-لا, جوناثان صدقني, أنت تحتاج , فقط عليك أن تسمعني, عليك أن تفعل ذلك الأنّ !!

أشتعل ذلك الصراع الداخلي في رأس جوناثان, هل عليه فعلها؟! حسنا يبدو أنه قد قرر فعلها... سيذهب ليريح نفسه.. إنه ذاهب للقيام بعملية قتل و إغتيال…

رفع نظره للسماء السوداء الملبدة بالغيوم التي تغطي البدر الذي ارتفع في السماء..

-شعوري بالذنب لا يزال يراودني بشدة بسبب ما فعلته. قتلت إنسانًا آخر، وأحاول دائمًا إيجاد تبرير لفعلي، ولكنني أعلم أنه لا توجد مبررات حقيقية للقتل. لماذا فعلت ذلك؟؟ هل حقا علي أن أقتل كل يوم؟؟!!

-أنا هنا لأخبرك أننا قتلنا رئيس عصابة، وهذا هو ما نفعله. نحن المنقذون، نحن الأبطال. لماذا تشعر بالذنب؟ هذا العالم بحاجة إلى تنقية، ونحن هنا لتنفيذ ذلك...

-لكن هل نحن حقاً الأبطال؟ أنا أعلم أن العدالة ليست بيدي فقط. هل هذا هو السبيل الصحيح؟!

-أجل يا جوناثان ,أجل هذا هو السبيل الصحيح. لدينا القدرة على تغيير العالم وجعله مكانًا أفضل. سنجعله بلا أشرار، وسننقذ الأبرياء!!

-ولكن الذنب ما زال يثقل على قلبي. هل يمكننا أن نجد توازنًا بين القتل والعدالة؟!

-لا يوجد مكان للتوازن في عالم مليء بالشر والفساد. عليك أن تتعلم كيف تعيش مع هذا الجانب المظلم داخلك وتستخدمه لصالح الخير!!

ارتفعت الأصوات داخل رأسه مجددا, فمن جهة يشعر بالذنب الشديد و من جهة أخرى يشعر بأنه يطهر العالم من الأشرار و المجرمين!!

-علي أن أنسى الأمر, سأشاهد التلفاز , علي بأخذ قسط من الراحة..

رفع جهاز التحكم وشغل التلفاز لكنه سقط بالسرعة على الكنبة بعدما رأى ما صدمه في التلفاز !!

-المذيع : وجد بعض العمال جثة لرجل يدعى مايكل مينجون فوق سطح أحد العمارات الكبيرة, وقد أقر التقرير الطبي بأنه قتل بعد إطلاق للرصاص على كل من رأسه و طلقتين في قلبه.. ويلاحظ المتتبع لأحداث الجريمة خلال الأشهر الماضية أن هناك تشابها كبيرا بين الضحايا : كلهم كانوا متورطين في أعمال غير قانونية كتجارة المخدرات و الإتجار بالأسلحة.. كما أنهم قتلوا بدون أي أثر دماء لكن علامات الخنق و التعذيب كانت واضحة على وجوههم وقد أكد المفتش العام للشرطة في لندن عن تعيينه للمحقق لوثر مايسبي وهو محقق أسكتلندي تكفل بالعديد من القضايا الخطيرة و المهمة في الماضي, وصرح المحقق لوثر بأنه سيمسك بالمجرم في أقرب وقت ممكن...

-أرأيت؟ لقد تسببنا في مشكل كبير, أنا م.مم..مطلوب للعدالة!!

-أجل أرأيت لقد أصبحنا مشهورين, علينا أن نستمر في عملية التطهير هذه, خاصة بأننا لم نترك أي دليل خلفنا, إننا المختارون.. المخاتورن هل تسمعني نحن قد اخترانا الإله كي نكون تجسيدا للعدل في هذه الارض.. ما رأيك في أن تطهر العالم من المجرمين, لماذا لا نخلق عالما بدون إجرام!! ونصبح نحن حكامه..

-أجل أنا أتفق معك أن المختار لحكم هذا العالم, سأقتل كل المجرمين و سأصبح الأعظم.. هاهاهاها!!!

صباح اليوم التالي

استيقظ جوناثان صباحا متثاقلا بعد أن أمضى الليل كله في التفكير إرتدى سترته و توجه إلى عمله...

أمضى الطريق وهو يفكر في حياته التي كانت دائماً مشوشة وغامضة. في طفولته، كان يعيش في قرية صغيرة كحطاب، حيث قضى أيامه في تقطيع الأخشاب والعمل الشاق في الغابة. لكن ذكرياته عن تلك الفترة غائمة ومشوشة، وكان يشعر وكأنها تمضي كظلال سريعة.

تجولت تلك الظلال المشوشة في ذاكرته حتى وصلت إلى لحظة مأساوية من ماضيه. تذكر والديه اللذين قتلهما بيديه دون أن يدري لماذا. كانت هذه الذكريات تصطف في عقله كأحجار عثرة، تجعله يشعر بالرهبة والفزع.

ومع مرور الوقت، بدأت ذكرياته تتجه نحو الماضي بطريقة غامضة ومرعبة. لا يمكن لجوناثان أن يتذكر بدقة لماذا انتقل من حياة الحطاب إلى أن يصبح باحثًا في التاريخ المصري. لم يكن لديه أي ذكرى واضحة لمرحلة دراسته أو كيف اتخذ هذا القرار. بالرغم من كل هذا، جاذبية غامضة تجبر جوناثان على القيام برحلات استكشافية وبحث في التاريخ المصري، على الرغم من عدم وجود ذكريات واضحة لماضيه أو لما جعله يتخذ هذا المجال. يشعر بأن هناك شخصًا آخر يتحكم به، وهو يكتشف أشياء لا يعرف كيف توجد في عقله...

ظغط على المقود بشدة و بدأت علامات القلق على وجهه و العرق يتزايد عندما مر بمسرح الجريمة التي قتل بها رئيس العصابة, كان المكان محاطا برجال الشرطة الذين أحاطوا بالمكان ومنعوا أي شخص يريد أن يتجاوز الحاجز من المرور... نظر جوناثان إلى رجل طويل يقف بين الشرطة , دقق النظر فرأى على سترته أسمه المحقق لوثر..

-هييي.. أنت يا هذا!!

سمع جوناثان صوتا غريبا يسمعه لأول مرة, لم يكن صوت نصفه الشرير و لا صوت نصفه الاخر كان صوتا غليظا مثيرا للإنتباه و مرعبا, مجرد سماعه جعله يثبث في مكانه و لا يقدر على التحرك!!

-أنت, يا جوناثان, تريد أن تراني طبعا, حسنا تحرك بالسيارة نحو الغابة بسرعة وهناك سوف تراني و تلقاني يا أيها الحثالة...

2023/12/06 · 55 مشاهدة · 880 كلمة
نادي الروايات - 2025