مع أول ضوء للفجر، وقف القبطان أليكسيوس على سطح سفينته، درعه اللامع يعكس ضوء الشمس الخافت، وخوذته المزخرفة تروي قصصًا قديمة من مجد أسطول تاث العريق. كانت الأمواج تتلاطم بلطف، وكأنها تُنشد أغاني البحر الغامضة، لكن القبطان لم يكن مطمئنًا. الجميع على متن السفينة كانوا يعلمون أن الرحلة هذه لن تكون عادية، فالمياه التي يبحرون فيها ابتلعت عشرات السفن على مدار العشرين سنة الماضية، وأصبحت تُعرف بمقبرة البحّارة.
كان الحطام يطفو على السطح مثل جثث هامدة، حين استيقظ آرثر واتجه إلى مقدمة السفينة. لاحظ توتر القبطان، الذي نظر إليه بطرف عينه قبل أن يتحدث بصوت هادئ لكن عميق:
“أعتقد أنها المرة الأولى لك في البحر، يا فتى. جيد أنك لست متوترًا… دعني أخبرك قليلاً عن هذا المكان.”
أشار بيده إلى الأفق، حيث امتدت مياه البحر إلى ما لا نهاية.
“هناك إشاعات كثيرة عن جزر مفقودة، قيل إن وحوش البحر التهمتها بالكامل. وقيل أيضًا إن أرواح القراصنة ما زالت تسكن هنا. لكن ما يُقلقني أكثر هو هذا الجزء تحديدًا…”
لم يُكمل حديثه، إذ قاطعه صراخ أحد البحارة من سارية السفينة:
“جزيرة! جزيرة أمامنا!”
بدأت ملامح جزيرة غامضة تظهر في الأفق، محاطة بضباب كثيف كأنها تحاول إخفاء نفسها. ومع اقترابهم، بدأ الجميع يلاحظون تلك الرائحة الكريهة التي انتشرت في الهواء، رائحة نفاذة جعلت حتى أكثر الرجال صلابة يتراجعون. أمر القبطان أليكسيوس بتوجيه السفن نحو الجزيرة، فهناك شيء غير طبيعي يجذب انتباهه.
وعندما اقتربوا من الشاطئ، كانت الرمال سوداء كالليل، تصطدم مقدمة السفن بشيء غير مرئي تحت الماء. وفجأة، ظهرت زعانف ضخمة تخرج من تحت الأمواج، لكن الأدهى كان ما شاهدوه على أعلى قمة في الجزيرة—جثة كراكن عملاق، بأذرعه الطويلة ومخالبه التي كانت تبدو وكأنها ما زالت تبحث عن فريسة.
“إنه سبب الرائحة الكريهة…” همس أحد الجنود، متراجعًا.
اقترب كودريك وبران من الجثة العملاقة، عاينوا آثار القتال عليها، ووجدوا سيوفًا مغروسة في جسدها، وطعنة وحشية في مؤخرة رأسها. نظر بران إلى آرثر وقال:
“إذا كانت المعلومات التي لديك صحيحة… فهذا يعني أن الوحش قد قُتل على يد شخص واحد فق
أومأ آرثر برأسه، ثم تمتم:
“نعم… إنها قوة تايفون.”
لكن الجزيرة لم تكن سوى بداية الكابوس
أنقاض “فيل”، معسكر محاربي البلدة القديمة
كان المكان يعج بالمحاربين، رجالٌ من أجيال مضت، يحيون أمجاد أسلافهم وهم يترنّمون بأهازيج الحرب حول النيران. في قلب المعسكر، وقف القائد أوكين، يراقب السماء الملبدة بالغيوم، قبل أن يقطعه صوتٌ عالٍ يشق ظلام الليل.
“بووم… بووم… بووم…”
دوت طبول الحرب، وتزلزلت الأرض تحت وقعها. أحد الجنود هرع نحو أوكين، وجهه شاحب:
“إنهم الأورك… إنهم قادمون!”
وقف أوكين بثبات، وصوته يخترق ضوضاء المعسكر:
“استعدوا يا رفاق! يبدو أن تايفون تحالف مع المسوخ ضدنا! لكنه يخافنا… أما نحن، فلا نخشى أحدًا! اسمعوا أوامري!”
ومع كل كلمة، كانت نيران الأورك تقترب، تفوح منها رائحة الموت، وأعدادهم كانت تفوق جيش البلدة القديمة بأضعاف. لكن أوكين لم يكن غافلاً.
اختار استراتيجية ذكية، فوزع جنوده خلف الأنقاض المتناثرة، جاعلًا تشكيلهم يشبه جزرًا متناثرة. وعندما وقع الأورك في الفخ، أُطلق الهجوم. كان القتال شرسًا، لكن بفضل خطته، استطاع جيش البلدة القديمة نسف جيش الأورك بالكامل.
وفي خضم المعركة، واجه أوكين قائد الأورك مباشرة، طعنه في صدره بضربة قاتلة. لكن حتى وهو يموت، كان الأورك يضحك بصوت خشن، كأنه يسخر من شيء لا يعلمه أوكين. بالكاد استطاع التقاط بعض الكلمات الغامضة من بين أنفاسه الأخيرة.
وفي مكان بعيد، على قمة تطل على ساحة المعركة، كان تايفون يراقب المشهد بجوار الفارس الأكبر.
“لقد استهنا بابن ريس… إنه قائد عسكري محنك.”
ثم ابتسم بخبث وأضاف:
“لكن أتمنى أن يقبل هديتي القادمة.”
ثم التفت، وضرب حصانه بقدمه، لينطلق مبتعدًا عن الأنقاض.
لكن أوكين لم يكن يعلم أن الخطر الحقيقي لم يبدأ بعد.
فجأة، انطلقت موجة هائلة من السهام، تساقطت مثل المطر على جيش البلدة القديمة، وسرعان ما ظهر جيش جديد من الأورك، هذه المرة بقيادة إيتا. بدأ كريكن يحاول تنظيم القوات للقتال من جديد، لكن العديد من رجاله أصيبوا.
عندها، أمر أوكين بالانسحاب المؤقت، لإعادة التمركز. وهكذا انتهت الليلة الأولى من تحرير “ستون فيل” بانسحاب جيش البلدة القديمة.
لكن في مكان آخر، كان جيش الملك قد بدأ زحفه نحو “ستون فيل”.
وعندما اقتربوا من أسوارها، حدث ما لم يكن في الحسبان…
“بووووم!”
فُتحت ثلاث بوابات سحرية ضخمة أمامهم، تشبه تلك التي ظهرت سابقًا في حلبة المهرجان. ومن خلفها، خرج جيش تايفون البشري، يتقدمه الفارس الأكبر، سيفه يلمع تحت ضوء القمر.
المعركة الحقيقية… كانت قد بدأت للتو