أحدث الصبية جلبة في الفناء الخارجي، علا صياح سارة بعد أن رأت شقيقها الأصغر "ألكس" ينزف دما في حين وقف شقيقهما الأكبر "إلين" ضاحكا متفاخرا بنصره حتى قاطعت احتفاله بقولها: هذا ليس عدلا تبارز بسيف حقيقي و تعرضه لخطر الإصابة كما أنك أجبرته على المبارزة بسيف من خشب.

لم يكن ذلك ليقنع غرور إلين المنتشي بنصره و قال مستخفا: هل أدعه لك لتعلميه الحياكة و تحضير الشاي يا أختاه؟ سيشكرني كثيرا عندما يكبر و يصبح فارسا قويا و نبيلا، كما أنني أخطط لأجعله تابعي الخاص و لابد لتابعي أن يكون قويا.

قالت سارة في امتعاض: لقد غششت، ذلك لم يكن نصرا. و خاطبت شقيقها الأصغر الذي كان ملقا على الأرض متكبدا وضعية المهزوم و راح يبعد الأتربة عن ملابس الأمراء التي كان يرتديها و ينظر بعينين تائهتين: هل أنت بخير يا ألكس؟ هيا إنهض لا عليك لنذهب لتنظيف هذا الجرح و نجلس بعد ذلك عند النافورة في هدوء، هيا يا عزيزي لا تدع أبانا يراك بهذه الحال.

جعل هذا المنظر الأمير إلين الذي أتم عامه الرابع عشرة منذ أيام قليلة يضحك في استهزاء: قبليه و أخبريه أن العالم مكان رائع.

و راح يلوح بسيفه الذي عكس ضوء الشمس عليه، جعله ذلك يشعر كما لو أنه أحد فرسان البلاط المتمرسين في القتال لكن ذلك لم يخفي حقيقة أنه لم يبارز في حياته غير شقيقه الأصغر ذي الأعوام العشرة و في كل مرة كان يسخر منه بسبب جبنه و ميله للسكينة أكثر و في أفضل أحواله كان يبارزه أخته سارة الأصغر منه بعامين و التي كانت تنسحب بسرعة فقد كان يمثل أنهما في حرب و قتالهما هو ما سيحسم المعركة فتشتد ضرباته و يتفوق عليها و قد يؤذيها بضراوته الطفولية أيضا بينما يبتسم ببلاهة مصدقا أنه في معركة حقيقية.


في خضم هذا الموقف تسارع الحرس في الرواق الجانبي مفسحين الطريق أمام جلالة الملك الموقر "إليوت دي روز سليل الملوك الأوائل، حاكم الغرب و حامي البلاد".

كان إليوت دي روز رجلا مهيبا في عقده الخامس، ذو صوت فخم يلفت الأسماع و ذو قوام ممشوق، حليق الوجه صافي العينين بارز العضلات كما في أحلام العذراوات لم يكن يبدو كهلا على الإطلاق، شعره أسود تماما كريش الغراب و أنفه مدبب، بشرته ناصعة نضرة و نظراته حادة و ذو عينين خضراوين مع لمسة من لون البن، ألوانهما كألوان الشفق. بدا شابا يافعا كما لو أنه في بداية حياته و قد تزين بردائه الفاخر المنقوش بتفاصيل بارعة و علا رأسه تاج ذهبي تشكل في شكل أشواك متاشبكة المنظر تقدمتها الوردة التي هي شعار العائلة مزينة بالياقوت الأحمر.

إنسحبت الخادمات من الساحة في استحياء حانيات لرؤوسهن متراجعات إلى الخلف في رشاقة.

كانت قلعة "يورك-شير" العتيقة ذات أسوار و أبراج عالية اصطبغت بلون ذهبي شاحب ممتزج بضوء الشمس، لم تكن أكبر قلاع البلاد و لكنها تميزت بقاعات فخمة جعلتها قصرا جديرا بالنبلاء، أسوارها عالية بحيث يصعب اختراقها و لكنها ليست منيعة ضد الأسلحة الثقيلة، لها ساحة خارجية فسيحة حيث يصطف حرس الملك متأهبين و تطل على الشوارع الرئيسية و التي تقود بدورها إلى الأزقة الفرعية و تحيطها أسوار عالية و خلف الأسوار تقع المدينة على مساحة شاسعة و قد أحيطت هي الأخرى بأسوار خارجية أكثر علوا من سابقتها بحيث تجعل المدينة حصينة و لو بعد ألف عام من الحصار.

أحاط الحرس بالمكان. كان الفناء الداخلي ذا أرضية رخامية تشكلت عليها رسوم الوردة ذات الأشواك التي يقدسها آل دي روز، بينما زخرفت الأعمدة الرخامية هي الأخرى بنقوش مشابهة بهية تعكس فخر هؤلاء القوم بمكانتهم و توسطت الفناء الذي اكتست جوانبه بأحواض رخامية مزركشة انبثقت منها ورود حمراء قانية فواحة نافورة كبيرة من الرخام الأبيض الصافي المزين بالنقوش البديعة، راحت تنفث الماء في تشكيلات منوعة رقراقة و زين شذى الحسون المسامع و أطرب الأنفس.

تقدم الملك الموقر و مرافقه اللورد "جريجور تانيس" نحو الصبية الذين شوهوا هدوء المكان بالجلبة التي أحدثوها، جعل حضور الملك الصمت يسود ليعيد تشكيل سكينة المكان لبرهة قبل أن تنفجر الأميرة بغيض: أنظر يا أبي ما الذي فعله إلين ل ألكسندر، لقد أصابه بشدة و بدل الاعتذار راح يستهزء و يتفاخر.

إنحنى اللورد جريجور نحو ألكس في هدوء و نظر في عينيه الغريبتين و قال: دعني أرى ما أصابك يا سمو الأمير.

كان الجرح بسيطا و لكن بالنسبة لطفل في العاشرة فلا شك أنه مؤلم.

أرى أنك لم تذرف دمعة واحدة على ذلك أيها البطل لقد صرت رجلا. قال اللورد جريجور محدقا في ألكس الذي كان كالرخام المحيط بهم، شاحب البشرة بارد القسمات بينما تزين اللورد جريجور بملابس جلدية سوداء و توسط صدره مشبك على شكل الوردة و رسم ملامح العم الودود للأطفال. كان هو الآخر حليق الوجه حاد الملامح ذا شعر أسود ممتزج بالشيب و علت رأسه بقعة من الصلع، كان عسكريا أكثر منه مدنيا، خدم كثيرا في الجيش حتى صار قائد حرس الملك لأمانته و وفائه و خبرته، لكن في هذا الموقف بدا قليل الخبرة أمام الأطفال فما يبرع به كان الخشونة و الغلظة و ليس اللين و تصنع الطيبة.

تقدم إلين مدندنا متفاخرا غير مكترث لشكوى أخته سارة و قال في تفاخر نبيل: لقد حققت نصرا ساحقا با أبي.

رسم الملك وجه الأب و قال في وقار لا يفارقه: منذ متى يستعمل سيف حقيقي في مواجهة عصي التدريب؟

أجل يا أبي لقد كان يلوح بسيفه من غير حذر و بدا مستمتعا بذلك للغاية، كان يمكن للأمر أن يصبح أسوء. قالت سارة منفجرة من جديد بينما حدق ألكس في جرحه في تيهان.

أجاب إلين بفخره الطفولي: لقد أهديتني السيف في عيد ميلادي، و لهذا قمت باستعماله، إمتلاك القوة و الفشل في استخدامها من شيم الحمقى.

قال الأب متفاجئا: أصبحت تقول كلاما كبيرا، من علمك إياه يا ترى؟ يبدو أنك أصبحت جاهزا لتقود الجيش.

ردد إلين في سرور حقيقي: أحقا ما تقول؟ هذا رائع! أريد ذلك الآن.

إلتفت الأب إلى ابنه الآخر ليتفحصه و سأل: ألكسندر هل أنت بخير؟

قالت ساره: لقد كاد يتأذى، إنه مذعور، إلين تصرف بفظاظة و أرغمه على مبارزته رغما عنه. إلين لا يتصرف أبدا كالأمراء.

- الأمراء حمقى و مخنثون، أريد أن أصبح محاربا. رد إلين.

قال تابع الملك في زمجرة مكتومة: لك أن تبدي الإحترام أمام جلالته يا سمو الأمير.

لا عليك. خاطب الملك تابعه اللورد ثم أردف: سارة أعلمي إحدى الخادمات لتساعدكما على تنظيف الجرح و أنت يا إلين أحسن التصرف و إذا فعلت سأطلب من اللورد جريجور أن يبدا في تدريبك.

أحقا ما تقول؟ هذا رائع يا أبي. قال إلين و هم إلى والده ليعانقه لكن اللورد جريجور قاطع بسعاله فأعاده إلى جو الاحترام فتراجع قائلا: أمرك جلالة الملك أعدك أن أحسن التصرف و أتدرب بجد.

جيد. رد الملك قبل انصرافه.

تسارعت خطوات عجوزة في الأرجاء. كان اللورد "دايلر دي روز" هو من يسرع الخطى بأنفاس متقطعة، أفسح الحرس المحيطون بالملك المجال لعبور ساعده و عمه اللورد دايلر و انحنى هذا الأخير بسلاسة لسيده الذي قال بصوت رخم: أراك تتصبب عرقا يا عمي، ترى هل أثكلت كاهلك بالوظيفة؟

- أستسمحك عذرا جلالتك، هل أظهرت بلا وعي مني إنزعاجي من خدمتك أو أظهرت تقصيرا؟

لا لم تفعل. أجابه الملك إليوت.

- هذا يجلب لي السرور، إنما كثرة المشاغل و شيخوخة الهرم هي ما فعل بي هذا الذي تراه من تعب و وهن.

- أجل يا عمي، إعتدت ألا تشتكي حينما كنت شابا يافعا و قويا، لقد كنت مهيبا في عصرك، إما الآن فقد حنى الدهر قوامك.

قال العم العجوز: ما بقي لي فهو في خدمتك أيها الملك الوقور.

- و جزاءك عندي يا عم فقد أحسنت صنيعا. لكن أخبرني ما الذي أسرع خطاك و أعجل أمرك؟

أجاب الساعد: لقد أشرفت على إرسال الرسل إلى سادة القلاع و ألححت في طلبهم كما أمرت كما جهزت المطلوب لسفر جلالة الملكة إلى أراض النهر و سيكون المشرف على سلامتها هو تابعك الشخصي السير "ثيودور ديليجرانج" لهذا لا داعي للقلق.

تبسم الملك و قال: ما كنت لأخاف أو لأقلق في حضور ثيودور.

قال اللورد جريجور: إن أمره عجيب، لم أر في حياتي قط من هو بقوته أبدا، سمعت أنه صرع دستة من الرجال في نزال واحد و مزق فك أسد.

أجل إنه يفعل ذلك و أكثر. و التفت إلى ساعده العجوز و قال: نل قسطا من الراحة يا عم.

- أمرك يا جلالة الملك أنا تحت تصرفك.

سار الملك بجوار اللورد تانيس و راح يسأله: متى نهائيات البطولة؟

- عما قريب جلالتك، سيحضر الأبطال من كل المقاطعات قريبا، فقط العتاة سيكون لهم الشرف.

قال الملك في مرح: هل ستراهن على أحدهم؟

ضحك اللورد جريجور و أجاب: أجل بالتأكيد هناك مصارع يستحق.

- إذا سأفعل كذلك و أهزمك في الرهان.

ضحك الرجلان و قال اللورد جريجور: ماذا تهديني إذا فزت على جلالتك؟

قال الملك مازحا: أتتجرأ أن تغلب ملكك يا هذا؟ عليك أن تفوز أولا لكن هذا بعيد عنك، الفوز سيكون من نصيبي.

- من سيرغب في أن يفوز على ملكه؟

أجابه إليوت دي روز في خشوع: هناك حتما من يرغب في ذلك بشدة.


_________________________


معلومات متوفرة حاليا:

الملك إليوت دي روز الأول من إسمه ؛ مؤسس (مملكة روز) و حاميها، سيد البلاد و حاكم الغرب.

زوجته مارغريت سليلة عائلة بلاك ستار أبناؤهما:

الأمير إلين؛ وريث العرش صبي في الرابعة عشرة من العمر.

الأمير ألكسندر؛ صبي في العاشرة من العمر.

الأميرة ساره؛ فتاة في الثانية عشرة من العمر.

مرافقه الشخصي: السير ثيودور ديليجرانج.

دايلر دي روز: عم الملك و مساعده الشخصي.

جريجور تانيس: قائد الحرس الملكي.

2019/07/12 · 417 مشاهدة · 1462 كلمة
Leo
نادي الروايات - 2024