«ويحك، كيف ستصمد إن كان هذا وحده يكفي ليرسلك هاربًا؟»
كان الصوت وديًّا في نبرته، غير أنّ صاحبه يرمقه من علٍ حيث ارتكز الفتى على ركبتيه، ساقطًا إلى الأرض. رفع بصره فرأى شابًا يافعًا يجلس على السور، وفي يده تفاحة يعضّها بومضة من أسنان بيضاء.
لِمَ؟
قال وهو يزفر بغيظ: «اصمت... أعلم ذلك.»
ردّ الآخر وهو يضحك بخفة: «خيرٌ لك أن تعود، فالخادمات قد أجهشن بالبكاء.»
يا لسخريّة الموقف! يُنظر إليه من علوّ سورٍ مرتفع، كأنّما هو أدنى من التراب.
غاظه الأمر أشدّ الغيظ، وكاد أن يهتف:
وماذا عنك أنت؟!
قال له الشاب: «إنه عملٌ مهم، أنجزه فحسب.» ثم وثب من فوق السور ووقف أمامه، يعبث بشعره كأن له الحق في ذلك! وقد كان يكبره بعامٍ واحد لا غير.
دفع الفتى يده بعيدًا وهو يكره أن يُعامل كطفل، فقهقه الآخر ومسح بقايا التفاحة في كمه، ثم مدّها إليه.
قال باستهزاء: «بقاياك؟»
أجاب مبتسمًا: «هيه، لست مضطرًا أن تأكلها.»
سكت لحظة، ثم انتزع التفاحة وقضم من الجانب الذي خلا من آثار الأسنان. فانبثق الطعم في فمه، حلاوة وحموضة تتداخلان. رفع بصره فرآه، ذلك اليافع بثوب العامة، يبتسم له ابتسامة عريضة.
قال الفتى بصوت متهدّج: «أريد على الأقل أن أختار شريكتي بنفسي.»
قهقه الآخر وقال: «مستحيل! أنت تنال أفضل الأشياء كلها—فماذا لو اخترتَ واحدة سيئة؟ سيغضب كثيرون.»
صرخ بمرارة: «إنها كانت أكبر من أمي!»
قال القرد وهو يحكّ رأسه بخجل، وقد ارتسمت على وجهه حيرة صادقة:
«أه… لا أدري ما الذي ينبغي أن أقوله في ذلك.»
كان الفتى يعلم ذلك؛ أجل، حتى هذا الغِرّ كان يدرك ما يجري. غير أنّه كان لا يزال صبيًّا، فقبول الأمر لم يكن هيّنًا عليه.
قال القرد بلهجة آمرة: «انضج.»
فردّ الفتى بحدة: «أنت آخرُ من يتكلم! لستَ تكبرني إلا بعام.»
أراد أن يصيح في وجهه:
أتظن أن هذا يجعلك رجلًا؟ أتراك ستتقبّل بهدوء قرانًا كهذا؟
قال الفتى فجأة: «لقد قررت.»
رفع القرد حاجبيه: «قررت ماذا؟»أشار الفتى بإصبعه مباشرة نحو المتظاهر بزيّ العامة وقال بثبات:«شريكي لهذه الليلة.»
ارتسمت على وجه القرد ابتسامة ساخرة، يخفي بها ارتباكه: «عذرًا؟»