0 - المقدمة: نظرة على تاريخ المجرة

『المجلد الأول 《الطموح》 : المقدمة』

بداية، توضيح بسيط:

هذه الفصل طويل وثقيل بعض الشيء، فهو بمثابة سرد موجز لتاريخ عالم القصة على شكل سجلات تاريخية من الماضي البعيد وصولا إلى الأحداث الرئيسية، ولم تكن ترجمته سهلة نهائيًا وقد إستغرقت منا أربعة أيام.

أتفضل بخالص الشكر لزميلتي جو، والتي لولا شغفها ماكنت لتتوافر ترجمة عربية لهذه العمل الرائع، كشخص عشق السلسة طويلا لا أستطيع إلا أن أشكرها مرارًا، فما قمت به زهيد مقارنة بما قامت هي به.

ثانيًا أتطرق لك بالشكر أيها القارئ على مرورك الكريم، ورغم أن ما نقدمه من ترجمة قد لا يكون مثاليًا ولا بد أن تكون لنا هفوات، إلا أني أرجو لك وقتًا طيبًا. وأرجو منك ألا تبخل بتعليق أو ملاحظة على الترجمة أن وجدت.

....

خلال عام 2801 للميلاد، إنطلقت أول جماعة إستيطانية بشرية من الكوكب الثالث في النظام الشمسي المسمى بالأرض، إلى الكوكب الثاني في نظام الدبران (ألفا برج الثور)، المعروف بديوريا.

لم يكن هذا الخيار الذي آثره بعض البشر غريبًا أو مستنكرًا، فرغم صعوبة هذا القرار الذي يعني حرفيا نهاية عهد وبداية عهد جديد، فإن الأرض تظل كوكبًا إمتص البشر خيراته طويلًا، وقد أثر عليه الإنفجار السكاني والتلوث والصراعات القديمة، ولم يعد بيئة صالحة لإحتضان التقدم.

الحروب والثورات وإنحلال النظام بدت للعيان أبرز معالم المائة عامِ التي سبقت هذا الحدث، وقد أعاقت طويلا مسيرة لإنسانية في إستكشاف النجوم.

كانت هناك ثلاثة أسباب لهذا التطور البشري السريع: إثبات نظرية القفزات في الفضاء الجزئي، وإتقان التحكم في الجاذبية، وتكنولوجيا التحكم في القصور الذاتي. لقد حقق العلم إختراقات في هذه الجوانب، والأشخاص الذين يرغبون في توسيع آفاقهم قادو سفن الفضاء إلى أعماق الظلمات المزخرفة بالنجوم.

مصحوبًا بهذا الحدث الجلل تم الإعلان عن تأسيس ما يعرف بإتحاد المجرة من قبل هؤلاء المستوطنين، كما تم إنشاء تقويم جديد سمي بالتقويم الفضائي، وكانت تلك السنة هي أولى سنوات هذا التقويم، وبدأ عهد كان عنوانه إكتشاف أسرار درب التبانة وإنماء البشرية.

"إلى الأمام! إلى الأمام فحسب!" كان هذا شعار العهد الجديد لقاطني الفضاء.

بدا أن الأشخاص الذين عاشو حقبات الكرب تلك كانو أكثر في نشاطًا وحيوية من غيرهم. فقد كانو مصممين ومتلهفين لإعادة كتابة تاريخ البشرية، وحتى عندما واجهوا الصعاب، لم ينغمسو في مشاعر الأسى والشفقة على الذات. كانت قلوبهم تفيض بالطاقة، ولربما يمكن القول أن البشر في ذلك الوقت كانوا غارقين في وقود التفائل في خضم عتمة اليأس.

وللوهلة الأولى بدا هذا عصرًا ذهبيًا للإنسانية لاح في الأفق مليئًا بالإنجازات والتقدم.

ومع ذلك، هناك العديد من الندوب التي شابت العهد وحالت دون أن ينعت بالكمال، بداية بقراصنة الفضاء الذين بدأو في الظهور، فمن أجل التنافس على هيمنة المجتمع البشري، غالبًا ما استخدمت الأرض -مهد الإنسانية- التي بدأت تحس بتهديد لموقعها كمركز هيمنة البشر بسبب مستعمري الفضاء تكتيكات سفن النهب لشل إقتصاد من عاداها.

من بين قراصنة الفضاء توجد أيضًا جماعات تقاتل ضد أساطيل إتحاد المجرة، يحسبون أنهم أشراف ويتوسمون بشعارات الحرية وقد كانو مادة خاصبة للأدب والأعمال التلفزيونية.

بيد أن هؤلاء ليسو سوى الأقلية فمعظم القراصنة هم مجرد مجموعات ذات أجندة إجرامية مرتبطين بساسة فاسدين أو رجال أعمال يسعون لملئ جيوبهم بمكاسب غير مشروع.

بالنسبة للذين عاشوا على الكواكب النائية، والتي تعرف "بالحدود" كانت أعمال القرصنة هذه مرعبة أكثر من الأوبئة الخبيثة، فعلى طرقهم الحدودية حيث يتفشى القراصنة، انخفض عدد سفن الشحن الفضائية التي تمر إلى حد كبير. وهذا لم يتسبب فقط في شح المواد التي تصلهم بل ضاعف أيضا أسعار ما يصل لأن تكاليف الأمن أضيفت أيضًا إلى الحسبة.

بالنسبة لإتحاد المجرة الناشئ الذي يحاول توطيد نفسه، لا يمكن التقليل من أهمية هذه المشكلة. وبخلاف ذلك سيتزايد استياء وقلق ضحايا غارات السطو لا محالة مما سيتسبب في إنعدام ثقتهم في حكومة الإتحاد الأمر الذي قد يسبب إعاقة تطوير الكواكب الحدودية التي رغب عدد قليل من الأشخاص في الاستقرار فيها من الإساس.

في العام 106 فضائي، وبوضع هذه الخاوف في الحسبان، أطلق إتحاد المجرة حملة لتصفية معابره الفضائية من القراصنة. تم تكليف الأدميرالين إم. شوفرين وإس. وود بهذه المهمة وقد تمكنوا من إكمالها في غضون عامين. لم يكن الأمر بالهين رغم ذلك، فكما كتب الأدميرال وود، المشهور بلسانه السليط، في مذكراته :

"...أمامي عدو باسل وخلفي حليف فاتر، بدا الأمر كأن علي قتال الإثنين في الآن ذاته، ألا حلت بهم اللعنة!"

بعد أن أنهى مسيرته العسكرية، بدأ الأدميرال وود يتجه نحو السياسة، وقد عرف بلعبه لدور "الرجل المسن صعب المراس"، وكان السياسيون وصناع القرار الفاسدين ألد أعدائه في العلن.

مع الوقت إستمرت الأمراض في نهش المجتمع البشري الجديد ببطئ. ولكن إذا ما ضرب لها جسم الإنسان مثلًا، فهي أشبه بتهيج طفيف في الجلد. ورغم أنه من المستحيل القضاء عليها تماما، إلا انها لن تتفاقهم مع العلاج المناسب. وبما أنها لم تكن خطيرة كفاية، استمرت البشرية في المضي قدما، دون الاهتمام بالقصور التي أعتبرت أنذاك بسيطة.

ولكن كان هناك مكان واحد حيث يعيش البشر و يتدهور المجتمع والتنمية بشكل أسرع من أي مكان آخر، وهذا المكان هو: كوكب الأرض، مهد الإنسانية، حيث كانت تتمركز قوة الحضارة بأكملها، وقرون من الثقافة البشرية، لقد إستنفد هذا الكوكب الذي عاش عليه البشر طويلا كافة موارده، ولم يتمكن لا سياسيا ولا اقتصاديا من استعادة نفوذه السابق الذي فرضه على من غادره كونه المجتمع الأقوى والأقدم كما كان يفعل بادئ الأمر، لقد انخفض عدد سكانه سريعًا، حتى أصبحت الطريقة الوحيدة لإبقاء الحضارة فيه هي العودة والتذكير بالماضي، ولم يبق فيه إلا المتشبثون الرافضون لفكرة الهجرة، دون أن يفهمو أن الإنسان الذي عاش صغيرًا في مهد الأرض لم يعد صغيرًا بعد الآن.

أضحت "سيادة الأرض" مجرد صدفة فارغة.

لكن ثمة أمر غريب، فعندما كانت الأرض لا تزال المركز السياسي الرئيسي للنظام البشري في المجرة، تراكمت في حوزتها الثروات من كل الأصقاع، وبشكل أخص من سيريوس والمستعمرات الأخرى من خلال الاستغلال القاسي من حكومة الأرض لنفوذها، لكن كل تلك الثروات إختفت فجأة، واختفت حتى من الذاكرة، ولا يزال ما حل بها لغزًا.

أعوام المجد والرخاء لم تدم إلى الأبد، حتى بالنسبة لسكان الفضاء، وبدا أن مصير الأرض لم يكن بعيدًا عن التكرر.

عامًا بعد عام. وكمثل الورم الخبيث، بدأ الركود ينهش جميع أنحاء جسد المجتمع البشري، سواءً في الأرض أو خارجها، وألقى ما يسمى بركود العصر الأوسط بظلاله على البشرية جمعاء.

وفي قلوب الناس الذين عاشو هذه الحقيبة غلب اليأس والفتور الأمل والطموح، وفاض التشاؤم على التفاؤل، والتردد كسر العزم. لم تكن هناك المزيد من الاكتشافات العلمية او التطورات الجديدة خلال هذه الحقبة، لقد تحورت الحكومة الديمقراطية الجمهورية التي حكمت إتحاد المجرة بعد عقود من الصراعات على السلطة وسوء الإدارة، وتحولت إلى نظام يخدع الشعب بإستمرار ناظرًا إليه كالوسيلة لا كالغية مضيفين حلقة من الساسة الفاسدين، وشبكة كبيرة من المصالح، تم تعليق خطط تطوير الحدود، وتم التخلي عن العديد من الكواكب ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وتوقفت الحياة عن التقدم، بل وأخذت في التراجع.

لم يرى الناس في مثل هذا العهد المنحل معنى الحياة، بل كان كل ما يسعهم رؤيته هو غابة يسحق فيها القوي الضعيف، القيم الصحيحة والمبادئ الأخلاقية أسدل عليها الستار، ونغمس الناس في إدمان المخدرات والسكر والاختلاط الجنسي والتصوف. ارتفعت معدلات الجريمة في حين انخفضت قبضة النظام. وفقدت حياة الإنسان قيمتها.

هل هذا كل ما يمكن للبشرية أن تصل إليه؟

وبطبيعة الحال، كان هناك الكثير من الناس الذين كانو خائفين من هذا الوضع، مدركين لخطره، وبفضلهم لم تدمر البشرية نفسها، ليصبح حالها من حال أسلافها من المخلوقات المنقرضة.

لقد فهم هؤلاء أن مرض المجتمع يحتاج إلى علاج جذري وبدايته التخلص من النخبة السياسية التي تحقن السم في الجسد المريض للمجتمع، ولكن على الرغم من صحة أفكارهم، فإن معظمهم سعو خلف الإصلاح السريع، فقررو عوضًا عن إستخدام علاج منهجي طويل أن يستخدمو دواءً فعالًا على حساب مضار لا يمكن التنبؤ بها.

وكان هذا الدواء الذي إختاروه هو "الدكتاتورية".

وهكذا تم تمهيد الطريق لظهور رودولف فون غولدنباوم.

※※※

ولد رودولف فون غولدنباوم في عام 268 من التقويم الفضائي لعائلة عسكرية، فما كان منه إلا أن إختار أن المشي على خطى والده، فلتحق بأكاديمية الفضاء العسكرية، وأصبح قائد فيلق، وقد بدا للعيان نموذجا للجندي الصنديد بطوله الذي يبلغ 195 سانتي متر و وجسد يزن 95 كيلوجرام، وقد إكتسب المهابة في أعين الناس.

بعد أن أصبح برتبة ملازم أول في سنته العشرين، وعندما تم تعيينه ضابطًا لقوة حرس معبر ريجيليان (أوريون)، شرع رودولف أولاً في إقامة الانضباط داخل الجيش والقضاء تمامًا على الخمر والقمار والمهلوسات والمثلية الجنسية وما إلى ذلك من ما نعته "بالخبائث الأربعة".

لم يتوانى ردولف أبدا عن مسعاه حتى في القضايا التي تبين فيها تورط زعماء وشخصيات ذات سلطة ونفوذ، وظل يلوح برايات العدالة والقانون، ويطاردهم بلا رحمة. اعتبرته السلطات خطيرًا، فأرسلوه إلى الكوكب الرابع في محاولة للتخلص منه بعد أن أصبح لهم مثل الشوكة في البلعوم.

المنطقة التي أرسل إليها رودولف تعرف بأنها خطيرة، حتى سميت "طريق القراصنة"، لكن رودولف أثبت جدارته كسياسي ذكي ومحارب ذي بأس شديد، وقاد قواته لهزيمة القراصنة، ولهذا أطلق عليه لقب "وود الثاني". كناية إلى الإمدرال وود.

كان رودولف قاسيًا، فقد أحرق حتى السفن التي كانت على استعداد للإستسلام والخضوع للمحاكمة، وعلى الرغم من أن هذا ساق له إنتقادات من جانب في المجتمع، إلا أن هذه الانتقادات سرعان ما دُفنت تحت وَطْأة المادحين..

خلال عصر الركود الطويل هذا، أصبح أغلب مواطني اتحاد المجرة في حالة تشبه الإختناق، وبالتالي قبلو بكل بسرعة هذا البطل الشاب ذو الشخصية الجذابة بمجرد أن وعدهم بالتغيير. الأمر الذي مهد ظهور رودولف بعمق في المشهد السياسي.

في أوقات الإضرابات، تولد دائما نجوم جديدة.

خلال العام 296 من عصر الفضاء، استقال رودولف البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا من منصبه كرائد عسكري. وتوجه نحو السياسة وأصبح زعيمًا لرابطة الإصلاح الوطنية. وبفضل شهرته تمكن من إستمالة العديد من السياسيين الشباب إلى صفه. بإستخدامه الاضطرابات العامة كدافع صعدت شعبية رودولف بشكل مذهل مع كل انتخابات جديدة يخوضها.

في الانتخابات العامة، تم انتخاب رودولف رئيسًا للوزراء، ثم إستغل ثغرة في الدستور لا تحظر الجمع بين المناصب، وأصبح أيضًا رئيسا للبرلمان. الأمر الذي شكل سابقة، فلم يكن من المعهود الجمع بين هذين المنصبين خوفًا من أن تصبح سلطة الشخص الذي يشغل كلا المنصبين مطلقة. وكان هذا هو الحال بالفعل. فلم يعد هناك أحد يستطيع تحدي سلطة رودولف.

كما كتب المؤرخ د. سنكلير بعد سنوات عديدة :"كثيرًا ما يمقت الناس القرار والمسؤولية التي تأتي معه، بل وقد يختارون بأنفسهم طاعة الأوامر المطلقة التي تعفيهم من هذه المسؤولية. ظهور رودولف هو شاهد تاريخي على ذلك، ففي الحكومات الدموقراطية، اللائمة على سوء التدباير ووصلول السياسين الفاسدين إلى السلطة تقع بشكل أو بأخر على عاتق الشعب الذي إختار ذلك. والأمر مختلف مع الدكتاتورية. فالناس لا يرغبون في مسائلة أنفسهم، ولكنهم يحبون إنتقاد السياسيين سرًا ودون الشعور بأي مسؤولية قد تقع على عاتقهم، لذا نجد أنهم يعاودون صنع الدكتاتورية مرارًا وتكرارًا".

وسواء كان محقًا أم لا، هناك حقيقة ثابة، وهي أن الناس في ذلك العهد دعمو رودولف حقًا بملئ قلوبهم.

"نحتاج حكومة قوية! نحتاج زعيمًا قوياً! إن أكثر ما يحتاجه شعبنا اليوم هو قوانين قوية لإعادة النظام للمجتمع!"

هذا ما صاح به الناس.

أخيرًا، أصبح هذا "الزعيم القوي" الذي أشاد به الجميع دكتاتورًا مطلق لا يسمح بأدنى إنتقادات لنفسه، ومنح نفسه منصب قنصل مدى الحياة.

ولم يطل الأمر حتى عام 310 من تقويم الفضاء، حيث نصب رودولف نفسه قيصرًا وأصبح "القيصر المقدس والمصون للرايخ المجري".

بدأ الكثير يقنطون من حقيقة أنهم لم يستفيدو من عِبر التاريخ الكثيرة، وأولئك الذين كانوا اساسا ضد رودولف إستشاطو غيظًا، ومع ذلك فإن أعداد الذين هتفو له ما تزال مهولة!

كتب حسن سعيد وهو أحد الجمهوريين في مذكراته عن يوم تتويج رودولف:

(ملاحظة جو: لا أمزح، إسمه حسن سعيد حقًا).

"أسمع صيحات من غرفتي تأتي من الطرقات خارجًا: فأجد أنهم حشود تهتف لرودولف. كم يومًا سحتاج هؤلاء ليدركو أنهم حيو جلادهم؟".

لاحقًا تم حظر توزيع مذكرات حسن من قبل السلطات الإمبراطورية بتهمة التشهير بالقيصر تحت التهديد بالإعدام، وأصبح اليوم الذي كتب فيه حسن هذه الكلمات هو ذاته اليوم الأخير من تقويم الفضاء، وأول يوم في التقويم الإمبراطوري، وبدأ تسلسل زمني جديد. وعهد جديد.

بذلك إنتهى اتحاد المجرة وولدت إمبراطورية المجرة، التي تحكمها أسرة غولدنباوم.

أصبح رودولف الأول أول ملك إستبدادي يحكم البشرية جمعاء في التاريخ، وكانت قدراته شيء لا يمكن إستصغاره، وبفضل إرادته الفولاذية وإيمانه بالانضباط، أعيد بناء البيروقراطية وانتهى الفساد الحكومي الذي دام طويلا خلال أواخر عهد إتحاد المجرة.

كما يعتقد رودولف أن الإستهتار والرفاهية والانحطاط كأسلوب حياة أمر غير مقبول ومحظور. وقد قللت قسوته من عدد الجرائم، بما في ذلك الجرائم التي يرتكبها القاصرون. وتم القضاء على الكثير من علل المجتمع، أو على الأقل كتمها.

إلا أن القيصر رودولف الأول الملقب "بالعملاق الفولاذي"، لم يرضى بعد، كان ما أراده هو مجتمع مثالي منظم وموحد تحت قيادة قوية، وهو ما إعتقد أنه لم يتم بعد.

وإيمانًا منه بعصمته، رأى رودولف أن النقد والاختلاف مع رأيه يدمر الوحدة ويقوض النظام، لذلك لا ينبغي أن يكون هناك من يظهر أراء تعارضه في أي كبيرة أو صغيرة. لذلك شن في النهاية حملة قمع وحشية على المعارضة.

كانت هذا القمع تمهيد لصدور قانون "القضاء على العلل الوراثية" المثير للجدل الذي صدر في السنة التاسعة من التقويم الإمبراطوري.

"قوانين الغابة هي قوانين هذا الكون، وهي شيء لم يتغير ولو ليوم واحد، وكون البقاء للأصلح هي سنة من سنن الحياة. الأقوى يبقى. لحم الضعيف هو غذاء الأقوياء!".

بهذه الكلمات أعلن رودولف عن معتقداته لرعاياه.

"البشر ليسو استثناءً. فالمجتمع الذي تكثر فيه الشذوذات والعلل يفقد حيويته، وينزلق إلى الانحطاط، أنا أتمنى للإنسانية الرخاء. ومن ثم فإن واجبي المقدس كحاكم يفرض علي القضاء على كل العوامل التي تضعف الإنسانية والحفاظ على الجينات الصالحة!".

لقد كانت هذه دعوة صريحة لإبادة المعاقين والمشردين وغيرهم من "الكائنات الدنيا".

هذا شيء لم يكن يمكن غض الطرف عنه حين يخرج من فم الرجل الأكبر سلطة في المجرة.

أجبر القرار "المعيبون" من المعاقين كما يزعم، على الخضوع للتعقيم، وحكم على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية بالقتل الرحيم، وتم إلغاء المساعدات الاجتماعية للفقراء تماما. بالنسبة لرودولف، كان الضعف في حد ذاته خطيئة لا تغتفر. فهل يحتاج الفقراء والضعفاء إلى الحماية دون أن يردو بذلك أي منفعة على المجتمع؟

عندما تم الإعلان عن هذا القانون، حتى أولئك الذين دعموا رودولف بشكل أعمى في السابق صمتو ورتجفو خوفًا. مهما كان المرء مكافيليًا [1] أو متطرفًا، فقد صمتو جميعًا، تأخرت الهتافات لرودولف بعد خطابه هذا، وبدا واضحًا أن الجميع أدرك ان شيئًا مجنونًا على وشك الحدوث، ليس هناك الكثير من الناس الذين يثقون في أنهم "جينات مؤهلة". والجميع يتساءلون سراً: "أليس هذا أكثر من اللازم؟" لكن من سيقف ليقول "لا" لذلك في وجه رودولف؟

هناك بعض الساسة الجمهوريين الباقين على قيد الحياة في البرلمان، والذين يقفون إلى جانب الرأي العام الذين إنتقدو قرار القيصر القاسي بشكل علني. لكن هذا أدى إلى قيام رودولف بشن هجمة حاسمة ونهائية على البرلمان.

أمر على الفور بحل البرلمان إلى الأبد.

وفي العام التالي أوعز بإنشاء مكتب حفظ النظام الاجتماعي في وزارة الداخلية لتطهير السجناء السياسيين بالقوة. قام وزير الداخلية أرونست فاستلوند، وهو كذلك من صفوة المقربين من رودولف، والذي شغل أيضًا منصب المدير لهذا القسم بتنفيذ عمليات اعتقال واحتجاز وسجن وعقاب دون الرجوع إلى القانون بحجة أن "السلطة هي القانون".

هذه الخطوة بمثابة مزيج عظيم من القوة والترهيب، فساد جو من القمع السياسي على العهد، وفي وقت قصير، وجد الناس أنفسهم مكبوتين بشدة.

في ذلك الوقت، ثمة نكتة تم تداولها سرًا بين الناس

"إن إرتكبت جنحة ولم تكن تنوي أن يحكم عليك بالإعدام، فسلم نفسك للشرطة، لأنك ميت إن قبض عليك مكتب حفظ النظام!".

وهذا لا يخلو من الصحة. فلا توجد سجلات رسمية للذين يقبض عليهم بتهم سياسية أو إديولوجية من قِبل مكتب حفاظ النظام، ولا للذين حكم عليهم بالإعدام.

مع ذلك فإن عدد الأشخاص الذين أعدمو رميًا بالرصاص دون محاكمة، والذين خضعو للتعذيب حتى الموت أو النفي أو والذين يخضعون لجراحية في الفص [2] أو يجبرون على تعاطي عقاقيار إل إس دي [3] ويصبحون عديمي الفائدة، وغيرهم الذين يموتون إثر المرض في السجون أو العدد من الأشخاص الذين ماتوا بسبب الحوادث يقدر بأربعة مليارات شخص.

هذا الرقم لا يشكل أكثر من 3% من مجمل سكان الإمبراطورية. لذلك جادل مدير مكتب حفظ النظام دون تردد :"نحن مطالبون بأن نكون حازمين في خضم مسعانا لتحقيق الرفاهية لمجتمعنا، ولا أشك في أن الغالبية العظمى تؤيد ذلك، وفي سبيل هذه الغاية لا يجب ان يفلت مصدر خطر واحد من بين أيدينا!"

من المؤكد أن ما أسماه "غالبية عظمى"، هم في أغلب الحال لم يجهرو بإعتراضاتهم خوفًا من ملاقات المصير الرهيب الذي عاشه هؤلاء المليارات الأربعة، وبسبب الرعب الذي غمرهم صمتو وأيدو.

بالإضافة إلى قمع المعارضة والتطهير، إصطفى رودولف ما أسماه "الجين المتميز" ومنحهم امتيازات لإنشاء طبقة أرستقراطية تدعم العائلة الإمبراطورية. ومع ذلك فإن من الملفت للنظر أن جميع النبلاء الذين إختارهم هم من البيض، وقد منحهم ألقاب على الطراز الألماني القديم. فهل يوجد معنى آخر لذلك؟

اعطي لأرونست فاستلوند أيضًا لقب الكونت لمساهماته العديدة، ولكنه أغتيل بكمين قنبلة نيوترونية بعدها بأمد قصير من قبل بعض الملشيات جمهورية التي تعمل في الخفاء وقد مات ميتة شنعاء.

شعر رودولف بالأسى الشديد على أرونست، فأعدم جميع المشتبهين الذين يبلغ عددهم 20 ألفًا إنتقامًا له.

لكن مهما تبجر الملوك وطغو، فإن لهم يومًا يموتون فيه هم أيضًا.

في السنة الثانية والأربعين من التقويم الإمبراطوري، أنهى الإمبراطور رودولف حياته في عمر يناهز الثامنة والثمانين. كان جسده الضخم لا يزال قوياً، ولكن قلبه لم يستطع الصمود.

لا يمكن القول أن القيصر مات قانعًا تماما. فأطفاله الأربعة الذين رزق بهم من من الملكة إليزابيث هم جميعًا من الإناث، ولم يرزق أبدًا بخلف ذكر. وفي سنواته الأخيرة، أنجبت له خليته المحبوبة ماجدلينا صبيًا، وقد دارت شائعات عن أن هذا الطفل ولد معيبًا عقليًا.

لم تشهد سجلات الإمبراطورية بشيء عن هذا الأمر، لكن الأكيد هو أن رودولف لم يعدم خليته ماجدلينا وأقاربها فحسب، بل وأعدم حتى الأطباء والممرضات الذين ساعدوها في الإنجاب، وبإعادة النظر إلى هذا الحادث، يمكن الإستدلال بصحة الشائعة.

لعلها كانت طريقة القدر في السخرية من لرودولف الذي روج لفكرة "جينات البشر الطالحة" وحاول تطوير أنواع بشرية متفوقة بناءً على رغباته البحتة.

ومن أجل لإمتثال لإعتقاده بأن "العوامل الوراثية تحدد كل شيء"، رأى أن على ماجدلينا أن تموت. لأن جينات القيصر رودولف لا يمكن أن تأتي بطفل بعطب عقلي إلى الدنيا، فلابد أن تقع كل المسؤولية على عاتق ماجدلينا.

بعد وفاة رودولف، كان الشخص الذي ارتدى تاج قيصر إمبراطورية المجرة بعده هو سيغموند، حفيد رودولف والإبن البكر لبنته الكبرى كاترينا. حكم سيغموند البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا المجرة بمساعدة والده الدوق يواكيم فون شتاوفن.

※※※

بعد وفاة رودولف الأول، أطلق الجمهوريون تمردات في أجزاء مختلفة من الإمبراطورية. اعتقد الكثير أنها أيام معدودة وستنهار الإمبراطورية قريبًا مع موت رودولف، لكن يبدو أن تفائلهم كان أكثر من اللازم.

خلال فترة حكمه التي دامت أربعين عاماً، نجح رودولف في إنشاء نظام يربط بين النبلاء والجيش والبيروقراطين، وقبضتهم على الإمبراطورية أكثر قوة مما يتخيله هؤلاء الجمهوريون.

كما أن الشخص الذي حكم هذا النظام الثلاثي هو والد القيصر، المستشار الإمبراطوري، الدوق يواكيم فون شتاوفن، لقد كان صهر رودولف الذي إختاره بعناية، وفي هذا الوقت العصيب، قام بقمع الوضع المتأزم من خلال توجيهاته القاسية والهادئة، وسحق المتمردين الذين كانوا بالفعل في وضع مشتت مثل سحق قشرة البيض.

قُتل في ذلك الحين نصف مليار شخص ممن شاركو في هذا التمرد، وحُرم أفراد أسرهم وأقاربهم الذين يبلغ عددهم الإجمالي أكثر من 10 مليارات شخص حقوقهم المدنية واصبحو ضمن طبقة الأقنان.

حمى يواكيم فون شتاوفن بأمانة تقاليد الإمبراطورية وتخلص من أي معارضة.

لذا فإن طموحات الجموهرين دفنت مرة أخرى تحت الجليد.

هل سيستمر بهم الشتاء القاسي إلى الأبد في ظل نظام قمع استبدادي ظالم؟ هذا هو مصدر القلق الأكبر للجميع.

بعد وفاة والده يواكيم، تولى القيصر سيغموند مقاليد السلطة لوحده حتى وفاته هو أيضًا، وجلس على العرش من بعده إبنه الأكبر ريتشارد. وخلف ريتشارد إبنه الأكبر أوتفريد.

وهكذا كابرًا عن كابر، لم تتزحزح السلطة من أيدي أحفاد رودولف.

لكن ما أغفلوه هو أنه وحتى تحت أكثر طبقات الجليد سمكًا، يمكن للمياه الجارية أن تتدفق.

خلال عام 164 من التقويم الإمبراطوري، تمكن أقارب الثوار الخونة الذين أصبحو من الأقنان، -أي الجمهوريون الذين تم نفيهم إلى كوكب مُدان في نظام ألتير النجمي للقيام بالأعمال الشاقة- من الهرب باستخدام سفينة فضاء بنوها بأنفسهم.

لم تكن خطتهم نتاج تدبير دقيق لأجيال، فكل هذه الخطط تفشل، وهو ما تم إثباته بإزدادت قبور الجمهوريين يومًا بعد يوم، وأفسحت المرثيات المجال للغضب أكثر من النظام العام. مثل هذه المآسي تكررت مرارًا وتكرارًا إلى ما لا نهاية. ومع ذلك لم ينكسر عودنم حتى نجحو في النهاية.

بدأ الأمر كله بنزوة.

من مجرد فكرة عابرة إلى واقع، استغرق الأمر ثلاثة أشهر فقط.

ولدت هذه الخطة من لعبة للأطفال. وسط الشتاء الأبدي الذي أبتاي به الكوكب السابع من نظام ألتير حيث حفر المدانون عميقًا في الأرض لإستخراج التيلوريوم والسيزيوم قام أطفال المدانين سرا بصنع قوارب صغيرة من قطع الثلج وجعلها تطفو على الماء خلف أنظار الجنود، شاب يُدعى آرل هينيسين صادف أنه رأى ذلك، وقد خطرت له فكرة.

هذا الكوكب المهجور مليء بالمواد اللازمة لبناء سفينة فضائية!

الكوكب السابع، الذي يحتوي على القليل جدًا من الماء، كان أيضا غني بالثلج الجاف الطبيعي. اختار هينيسين كتلة عملاقة من الثلج الجاف مدفونة تحت الوادي، يبلغ طولها 122 كيلومترًا، وعرضها 40 كيلومترًا، وارتفاعها 30 كيلومترًا. ومن خلال الحفر في مركز الجليد وتصميم غرف الطاقة وحجر المعيشة، تمكنو من صنع هيكل سفينة فضائية. قبل ذلك، كان أصعب جزء في خطة الهرب هو الحصول على مواد المركبة الفضائية. فمن المستحيل الحصول على مواد بهذا الحجم سرًا، وبمجرد أن يجد مكتب حفظ النظام أي أدلة عن محولاتهم هذه ستبدأ حتمًا سلسلة قاسية أخرى من القمع والقتل!

لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا، فقد إكتشفو وجود مواد طبيعية هنا لم تلاحظ السلطات إمكانية إستخدامها بهذا الشكل.

لا داعي للقلق بشأن تبخر الثلج الجاف في الفضاء الذي تبلغ درجة حرارته صفرًا مطلقًا، وإذا أمكن عزل الحرارة في الهيكل السفلي وأماكن المعيشة، فسيكون السفر الطويل بإستخدامها ممكنًا.

إن نيتهم هي العثور على كوكب غير مأهول مناسب لإحتضان الحياة، ولن يحتاجو لبقاء المركبة بعدها.

سميت هذه المركبة الفضائية المصنوعة من الثلج الجاف الكريستالي الأبيض "إيون فازيكاس"، وهو إسم الصبي الذي صنع قارب الجليد.

أربعمائة ألف رجل وامرأة إستقلو هذه السفينة هربًا من ألتير. لقد اتخذوا الخطوة الأولى فيما أسماه المؤرخون "مسيرة العشرة آلاف سنة ضوئية".

حطو رحالهم على كوكب غير مسمى وإستقرو تحت الأرض من أجل تجنب ملاحقة إمبراطورة المجرة لهم، وقامو هناك ببناء ثمانين سفينة فضائية، ثم إرتحلو وستكشفو ببطئ أعمق جزء في المجرة.

الفضاء المجهول مليئ بالمناطق الخطرة مثل النجوم العملاقة والنجوم القزمة والنجوم المتغيرة وشذوذات الفضاء، صنع الخالق المبهر كتب مصائر هؤلاء اللاجئين مرارًا وتكرارًا.

خلال الرحلة الإستكشافية القاسية، فقدو زعيمهم المحبوب هاينسين. و تولى عنه الزعامة صديقه المقرب نوجين كيم هوي.

عندما تقدم كيم في السن تدريجيًا وأصيب بالعمى، إستطاع المهاجرون أخيرًا الخروج من منطقة الخطر ودخلو منطقة مستقرة. لقد مر أكثر من نصف قرن منذ بدء مسيرتهم من ألتير.

قامو بتسمية النجوم التي أكتشفوها بأسماء آلهة فينيقية قديمة مثل بعل وعشتروت وملكارت وحداد وغيرهم، وقد أسمو الكوكب الذي حطو فيه رحالهم بإسم هاينسين كناية بزعيمهم الراحل هاينسين وتخليدا لذكراه.

وهكذا في عام 218 من التقويم الإمبراطوري، إنتهت "مسيرة العشرة آلاف سنة ضوئية" وفي هذا الوقت، قرر الأشخاص الذين تخلصو أخيرا من أغلال الإمبراطورية الاستبدادية إلغاء التقويم الإمبراطوري واستعادة التقويم الفضائي. وتبنو فكرة كونهم الورثة المشروعين لإتحاد المجرة. ولم يكن رودولف أكثر من متمرد حقير على النظام الديمقراطي.

وبهذه الطريقة، تأسس تحالف الكواكب الحرة رسميًا! وكان ذلك خلال العام 527 من تقويم الفضاء.

لكن الفرحة شابها شيء من الأسى.

فمن بين الأربع مائة ألف الذين هربو من الإمبراطورية، وصل أكثر من مائة وستين ألف فقط، لأن معظم رفاقهم قضو نحبهم خلال هذه الرحلة العسيرة.

※※※

من السابق لأوانه القول بأن المجتمع البشري منقسم إلى طائفتين في مثل هذه المرحلة المبكرة، لكن إخلاص وإقدام الذين أسسو تحالف الكوكب الحرة على خلق عالم جديد نادر ما شوهد له مثيل في التاريخ البشري بأكمله ما زاد سرعة ذلك.

بفضل عملهم الدؤب، نمى تحالف الكوكب الحرة سريعًا، و نفذت الحكومة سياسة مكافأة الإنتاجية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في تعداد السكان واكتمال نظام الدولة، وزيادة كبيرة في كل من الزراعة والصناعة.

بدا أن عهد رخاء إتحاد المجرة ولى مرة جديد!

في عام 640 من تقويم الفضاء، وقع أول صدام بين إمبراطورية المجرة وتحالف الكواكب الحرة، وكان أول الأمر لقاءً عبرًا بين بوارج الطرفين.

بالمقارنة مع قوات التحالف التي كانت مستعدة لحتمية حدوث ذلك منذ فترة طويلة، كان الأمر لقوات الإمبراطورية كصاعقة من السماء، لذلك فاز التحالف في هذه المعركة فوزًا يسيرًا.

واصلت سفن الإمبراطورية المهزومة في المعركة بث إشارات الإستغاثة إلى كواكب الإمبراطورية قبل أن تتحول إلى كرات من نار.

مسؤولو إمبراطورية المجرة الذين تلقو هذه الإشارات صدمو من ما ورد فيها، فمن كان منهم ليظن أن الرقيق الوضيعين الهاربين من ألتير قبل قرن من الزمان مازالو أحياءً ولديهم القدرة على فعل شيء كهذا!

ونتيجة لذلك نظمت الإمبراطورية حملة ضخمة وأشهرت بسلاحها في وجه من دعتهم "المتمردين"!

لكن الجيش الذي أرسلته الإمبراطورية لهذه الحملة تم القضاء عليه وهزمت الإمبراطورية للمرة الثانية.

الأسباب الأساسية التي أتت بهذه الهزيمة المذلة لقوات الأمبراطورية العظيمة هي في الأساس عدم إدراكهم لما سيقاتلونه حقًا، فهما كانو يتخيلون قتاله ليس إلا حفانة من المتمردين الرعاع، فقد إستهانو بعدوهم، كما تعرض الضباط والجنود للإرهاق الجسدي بسبب طول الرحلة وعدم كفاية الإمدادات واجهلهم بالبيئة.

كما أن قوات تحالف الكوكب الحرة إمتلكت قائدً حيكمًا لم تتقي حسابات الإمبراطورية مكره.

لينغ بياو، قائد قوات تحالف الكوكب الحرة، إنه معروف بكونه سكير وزيرً للنساء، فلم يحصل بصفاته هذه على الكثير من إستحسان ساسة التحالف ذوي المبادئ البيوريتانية القديمة، لكنهم لم يستطيعو نكران عبقريته العسكرية.

كان مساعده جوزيف توبارول يلقب بالذمير لرفضه الدائم إذا ما عرض عليه عمل يتطلب مجهودًا، ولكن في الوقت نفسه، كان خبيرا إستراتيجيًا، وهو أهل للقب "الحاسوب الاستراتيجي الحي".

لم يتخطى الرجلان الثلاثين من العمر، لكن التطويق المحكم الذي تمكنا من تنفيذه على قوات الإمبراطورية التي فاقتهم عددًا وعتادًا عد وقتها معجزة تكتيكية، والأهم من ذلك أن النصر الذي أتو به كان مهمًا لمعنويات تحالف الكواكب الحرة وهو أمة ناشئة لم تثبت نفسها بعد، فصار الرجلان بذلك أبطالًا قوميين في التحالف.

خلق هذا الانتصار فرصة لتحالف الكوكب الحرة للتوسع. وبلغت أخبار هذا النصر مسامع المنشقين في الإمبراطورية، إن معرفة أن هناك قوة حرة تقاتل الإمبراطورية التي إضهدتهم على قدم المساوات بل وتتغلب عليها قاد كثيرًا منهم لإختيار الهجرة.

لقد مرت ثلاثة قرون على وفاة الإمبراطور رودولف الأول. كما بدأ طوق الظام الحديد للإمبراطورية ينفلت شيئًا فشيئا، كما وفقد مكتب حفظ النظام سطوته السابقة، ولم يعد في وسعه ممارسة القمع ذاته على أهالي الإمبراطورية.

يقبل تحالف الكواكب الحرة الرجال والنساء اللاجئين والمهجرين دون تحفظات، وتحت شعار "لا أحد مرفوض". أدخلو الجمهوريي والإشتراكيين اليسارين وحتى أنهم إستضافو حفانة من أقارب العائلة المالكة والنبلاء الذين هزمو أثناء الصراع على السلطة داخل القصر الإمبراطوري.

بعد قبولهم، إرتفع عدد سكان إتحاد الكواكب الحرة إلى حد كبير، وبدأ دستور تحالف الكواكب الحرة نفسه يتغير تدريجياً ليتناسب مع هذه التغييرات التي تطرء على المجتمع الجديد.

منذ أول صدام بينهما، إنخرطت إمبراطورية المجرة وتحالف الكواكب الحرة في سلسلة من المعارك الضارية دون كلل أو ملل، ولكن في بعض الأحيان، تبنت القوتان سلامًا غير معلن. وقد نتجت عنه "فيزان ذات السيادة" -

فترات السلام هذه خلقت الحاجة إلى منطقة محايدة للاتصالات غير العسكرية بين الأمتين، فوقع الإختيار على فيزان، وهو كوكب يجعله موقعه محصور بين قوتين رئيسيتين، فرغم أنه يخضع لسيادة إمبراطور المجرة على الورق، إلا أنه يتمتع أيضًا بحكم ذاتي مستقل، ويشمل ذلك ممارسة الأعمال الدبلوماسية والتجارية مع تحالف الكواكب الحرة. وهو تسامح كبير بالنظر إلى علاقة الإمبراطورية بإتحاد الكواكب الحرة، لكن هذا التسامح ما كان ليكون ممكن لولا ليوبولد لاب، وهو رجل أعمال ثري ولد على الأرض، وهو الذي سعى لإنشاء هذه المنطقة ذاتية الحكم ومن خلال الالتماسات وممارسة الضغوط وتقديم الرشاوى الضخمة للإمبراطورية تكن من تحقيق مبتغاه.

على الورق، يجب أن يخضع والي المنطقة المستقلة "فيزان" لحكم الإمبراطور إسميًا، ويكون مسؤولاً عن الإشراف على المعاملات مع التحالف. وفي بعض الأحيان يلعب أيضًا دورًا دبلوماسيًا. وبما أن فيزان إحتكرت القوة التجارية طويلا إستمرت ثروتها في التضخم، ورغم أن مساحتها صغيرة بعض الشيء، إلا أن قوتها المالية أصبحت شيئًا لا يمكن حتى للإمبراطورية الإستهانة به.

تعتبر إمبراطورية المجرة نفسها حاكم البشرية الأوحد، ولا تعترف بوجود أي أمم أخرى. وفي وثائقهم الرسمية أطلقت الإمبراطورية على تحالف الكواكب الحرة اسم "المتمردين"، وقوات التحالف "جيش المتمردين"، ورئيس التحالف المنتخب "زعيم القوات المتمردة".

لم تكن لدا الإمبراطورية أي نية للتعايش مع التحالف، كما لم تكن للتحالف هذه النية.

لكن توجد أوقات لاح فيها طيف السلام قليلًا في الأفق.

القيصر مانفريد الثاني، الذي اعتلى العرش عام 398 بالتقويم الإمبراطوري (أي 707 بالتقويم الفضائي)، وهو إبن إحدى محظيات القيصر الراحل هيلموت نجى في صغره من محتولة إغتيال مدبرة له، فهرب إلى تحالف الكواكب الحرة. وقضى سنوات مراهقته في مأمن هناك، وتعرف على طبيعة تحالف الكوكب الحرة، و حين عاد لاحقًا إلى الإمبراطورية وتولى العرش كرس نفسه لخلق علاقات دبلوماسية سلمية ومتبادلة بين الأمتين، كما حاول إجراء إصلاحات سياسية داخل الإمبراطورية. ولكن القيصر الشاب الحالم الذي حمل معه أمال الشعب بالسلام أغتيل بعد أقل من عام على تتويجه. وبموته فترت العلاقة بين الأمتين بسرعة، كما إندثر الأمل في السلام. ورغم أن القاتل الذي اغتال مانفريد الثاني كان ظهرا نبيلاً رجعيًا غير راضٍ عن إصلاحات القيصر، إلا أن ذلك لم يمنع شائعات مفادها أن فيزان التي أرادت إحتكار حقوق التجارة من خلال الحرب هي من يقف خلف هذا الاغتيال.

※※※

بحلول نهاية القرن الثامن من تقويم الفضاء والقرن الخامس في التقويم الإمبراطوري، كانت الإمبراطورية لا تزال تحتفظ بأراضيها الضخمة دون أي نظام حقيقي وعلى هيكل قديم، وأما التحالف فقد تشتت المثل التي نشأ عليها وأصبحت النخب الديمقراطية الفاسدة تنهشه، وتم فصل الأمتين بمعبر فيزان، واستمرتا في صارهما هذا دون ظهور علامات على إقتراب النهاية.

أظهرت الإحصائيات الإقتصادية اللاحقة للأمم الثلاث أن إمبراطورية المجرة إمتلكت 48%، وتحالف الكواكب الحرة 40%، وفيزان 12%، الأمر الذي شكل طريقاً مسدوداً ثلاثياً.

في الأصل بلغ عدد سكان إتحاد المجرة 300 مليار نسمة خلال أيام ذروته، لكن هذا العدد تقلص بشدة عقب الإنتكاسة وقرون الصراع والتقسيم.

أما عن إحصائيات الحديثة للسكان، فقد تم تقسيمهم بين الأمم الثلاثة بحوالي : 25 مليار في الإمبراطورية، 13 مليار في التحالف، و2 مليار في فزان.

لكن كل عهد محكوم عليه بالأفول في النهاية. كذلك عهد التوازن لابد أن ينتهي.

ما غير من الضوع الرهيب كان صعود شأن شاب فتي ذو طابع حاد يوحي بالبرود، ومظهر وسيم، يدعى هذا الصبي "راينهارد فون لوهينجرام"، وقد ولد في كوكب أودين، عاصمة إمبراطورية المجرة التي أسسها رودولف وقد أسمها بسم كبير الآلهة في الفلكلور الإسكندنافي.

كان لقب راينهارد في الأصل هو موسيل قبل أن يصبح لوهينجرام، وقد ولد عام 467 من التقويم الإمبراطوري (776 حسب التقويم الفضائي) لعائلة نبيلة فقدت أملةكها وأصبحت تتأرجح عند خط الفقر. عندما بلغ العاشرة من عمره، تم قبول أخته آنيروز التي تكبره بخمسة أعوام في حريم القيصر فريدريش الرابع، الأمر الذي شكل نقطة تحول في حياة الصبي راينهارد. أصبح هذا الصبي الأشقر ذو الأعين الزرقاء ملازمًا ثانيًا ضمن فوج الحرس في سن الخامسة عشرة، وقد كان تفضيل القيصر لأخته آنيروز إضافة إلى مواهبته الفذة سببًا لهذه الترقية السريعة.

حين بلغ العشرين من عمره، حصل راينهارد على لقب الكونت لوهينجرام، ومنذ ذلك الحين تخلى عن لقب "موسيل" وأصبح جنرالًا رفيع الشأن، لا جدال في أن مثل هذا الصعود السريع في الرتب هو حكر على الأمم الاستبدادية، لكن هذا لا يغير حقيقة أنه مع إرتفاع الشأن المرء تزداد مشكلاته، فصعود راينهارد السريع لم يرضى عنه الكثير من أكابر الجيش والنبلاء، ورأو أن ماهو فيه من نعمة ليس أكثر من نتاج كونه "الأخ الأصغر لمحظية الإمبراطور"، ما جعل راينهارد في حاجة لإظهار أفضل ما يمكنه القيام به مرارًا وتكرارًا.

خلال هذا العهد ذاته، حمل تحالف الكواكب الحرة بدوره نجمًا صاعدًا - ألا وهو يانغ وينلي، وينلي، وهو خبير عسكري ولد عام 767 من التقويم الفضائي، وانضم إلى الجيش في سن العشرين.

لم يكن لوينلي في الواقع أي شغف بالجيش. ولولا الظروف القاهرة لما إختار إشراك نفسه في صناعة التاريخ، بل لربما ظل متفرجًا مجهولا حتى لحظة وفاته.

"ثمة أشياء يتعين علينا القيام بها بغض النظر عن رغباتنا": هذا ما روي عنه.

لم يكن حال يانغ وينلي من حال راينهارد، فهو أقل طموحًا من راينهارت. ولم تزين له نفسه الاندماج مع الحياة العسكرية والسعي خلف السلطة قط، وكان يتوق دائمًا إلى التخلي عن رتبته العسكرية وعيش حياة التقاعد عاجلًا.

لكن القدر لم يأذن له بذلك قط، وبدا أنه يفضل رؤيته مسوقًا في دوامة الحقبة الأكثر نشاطًا من هذا الصراع.

※※※

في عام 796 من تقويم الفضاء (العام 487 وفقًا للتقويم الإمبراطوري)، قاد راينهارد أسطولًا مكونًا من 20 ألف سفينة لصد هجوم المتمردين الذين يطلقون على أنفسهم اسم اتحاد الكواكب الحرة، وإجبارهم على الخضوع لسلطة "جلالة" القيصر - كانت هذه هي المهمة التي كلف بها راينهارد، وقد نظر إليها كوسيلة يمكنه من خلالها تعزيز مكانته.

بينما نظمت قوات التحالف أسطولًا مكونًا من 40 ألف سفينة للهجوم، وكان يانغ وينلي أحد أفراد الطاقم حينها.

حين وقع هذا الصدام، كان عمر راينهارد فون لوهينجرام عشرين عامًا، بينما كان يانغ وينلي في التاسعة والعشرين من عمره...

【نهاية الفصل】

هنا سنضع الصطلحات والإضاحات التي تم ترقيمها أثناء الفصل:

[1] المكافيلية هي "توظيف المكر والازدواجية في الكفاءة السياسية أو في "السلوك العام"، وهو أيضاً مصطلح يعبر عن مذهبٍ فكري سياسي أو فلسفي يمكن تلخيصه في عبارة "الغاية تبرر الوسيلة"

[2] جراحة الفص إخترعها جراح المخ والأعصاب البرتغالي أنطونيو إيجاس عام 1935؛ وهي إحدى العمليات التي تجرى بالمخ. تتضمن العملية قطع الاتصال بين الفص المخي الجبهي وباقي المخ. وقد أجرى الطبيب أنطونيوس هذه العلمية لأول مرة على مرضى يعانون من مرض الوسواس القهري والذي تكرر لديهم مراراً وتكراراً. وقد أجراها أيضًا لعلاج بعض الأمراض العقلية مثل الفصام والاكتئاب. وقد بدت هذه العملية ذات نجاح كبير في بادئ الأمر حيث تحول سلوك بعض المرضى من الحدة والعنف إلى الهدوء، وقد حصل أنطونيو على جائزة نوبل للطب بسببها، ولكن على المدى الطويل ظهرت بعض المشاكل - والتي لم يدرسها الطبيب أنطونيو- للمرضى بعد العملية كالتغيرات والاضطرابات الحادة في الشخصية والسلوك وفقد الطموح والحافز في الحياة.

[3] الأل سي دي أو LSD هو مادة صلبة عديمة اللون والرائحة والطعم في شكله النقي مركب شبه قلوي ومن المهلوسات القوية المؤثرة على العقل جرعة صغيرة جدا تكفي لإحداث اضطرابات في الرؤية، والمزاج والفكر. يعرف العقار أيضا باسم ليسرجيد (INN) وهو عقار مخل بالنفس من عائلة إرجولين، المعروفة بآثارها النفسية - والتي تشمل عمليات التفكير المتغيرة ومرئيات العين المفتوحة والمغلقة، وحس مرافق، وتغير الإحساس بالوقت، والخبرات الروحية - فضلا عن دورها الرئيسي كثقافة مضادة من حقبة الستينات. وهي تستخدم أساسًا على أنها مخدرات روحانية ومخدرات ترفيهية. إل أس دي غير قابل للإدمان. ومع ذلك، فإن ردود الفعل النفسية السلبية الحادة مثل القلق، والجنون، والأوهام ممكنة.

<أستغفر الله العظيم واتوب إليه>

2024/02/28 · 182 مشاهدة · 5442 كلمة
تنفس
نادي الروايات - 2025