عندما خرج لوميان من الباب، شعر وكأنه قد تم نقله إلى عالم آخر.

لم تكن أمامه كوردو المألوفة بعد الأن، بل كانت قمة جبلية حمراء داكنة والمباني المنهارة المحيطة بها. معًا، شكلوا أنقاضًا غريبة.

كان الضباب في السماء كثيفًا وشاحبًا، مما جعل دخول الضوء صعب. كانت الأرض محطمة ووُجِدَتْ العديد من الصخور. أمسك لوميان بفأسه بإحكام وتقدم ببطء إلى الأمام بحذر، وقلبه ينبض في صدره. على طول الطريق، لم يستطِع إيجاد مكان للإختباء.

لم يكن هناك أي أعشاب أو أشجار.

سار لوميان في خوف، كل حواسه في حالة تأهب قصوى. كل ما أمكنه فعله هو أن يحني ظهره ويريح نفسه. على أقل تقدير، إذا كان هناك أي خطر في هذا الفضاء، فسيكون واضحًا في لمحة. سيمكنه اكتشافه مسبقًا.

أخيرًا، وصل إلى الأنقاض، مبنى نصف منهار دمرته النيران.

قام لوميان بمسح المنطقة للحظة وأكد بشكل مبدئي أنه لم توجد كائنات أخرى كامنة في الأرجاء. راضيًا عن تقييمه، شق طريقه بحذر داخل المبنى، مدركًا للخشب المتفحم الذي أمكن أن يسقط في أي لحظة من السماء.

وبينما كان يبحث في الغرفة، سقطت عيناه على قدر مكسور في زاوية المنزل. وُجدت لمحة شعاع ذهبي من خلال الشقوق.

اقترب لوميان من القدر ببطء وأدرك أنها عملة ذهبية.

أيمكن أنه صحيح؟ هناك حقا كنز في الأنقاض بحلمي؟

التقط العملة الذهبية ومسحها على جسده.

كُشفت الأنماط الموجودة على سطح العملة.

إحتوى وجه العملة على نقش صورة رجل. كان وجهه رقيقًا، وشعره مفصول بتسريحة 30 لـ 70. إمتلك شاربًا على شفتيه، وكان بصره حادًا نوعًا ما. على ظهره أحاطت مجموعة من زهور السوسن الحلوة بالرقم 20.

تعرف لوميان على الرجل المصور على العملة المعدنية. لم يكن سوى أول رئيس لجمهورية إنتيس، ليفانكس.

إنه في الواقع لويس ذهبي…

تفاجئ لوميان إلى حد ما.

أولًا، لم يستطع تصديق أن العملة في أنقاض هذا الحلم الغريب كانت في الواقع عملة جمهورية إنتيس من الواقع. وثانيًا، كان قد إلتقط عرضيًا شيئًا قيما كلويس ذهبي.

لقد علم أنه في الوقت الحاضر، العملات القانونية لجمهورية إنتيس كانت الفيرل الذهبي والكوبت. واحد فيرل ذهبي عادل 100 كوبت.

وجدت الكوبت في شكل عملات نحاسية وعملات فضية. تم تقسيم العملات النحاسية إلى ثلاث فئات: 1 كوبت، 5 كوبت، 10 كوبت، بينما كانت العملات الفضية من فئات 20 كوبت و50 كوبت.

أمكن العثور على الفيرل الذهبي في شكل عملات فضية أو عملات ذهبية أو أوراق نقدية. في العملات الفضية، كانت هناك فئات من 1، 5 و10 فيرل ذهبي، بينما جاءت العملات الذهبية في فئات 5، 10، 20، 40 و50.

كانت فئات الأوراق النقدية أكثر تنوعًا، حيث تراوحت بين 5، 20، 50، 100، 200، 500 و 1000 فيرل ذهبي.

في الواقع، لا يزال أهالي إنتيس متمسكين بوحدات العملة القديمة. على سبيل المثال، عُرفت العملات النحاسية الخمسة الأكثر استخدامًا باسم ‘لعقة’.

وبالمثل، كان يشار إلى العملات الذهبية التي تبلغ قيمتها 20 فيرل عادةً بإسم لويس ذهبي.

في عصر العملات القديمة، كان اللويس الذهبي يُعرف بإسم روزيل. ولكن بعد تأسيس الجمهورية، تم تغيير الاسم إلى اللويس الذهبي من أجل محو نفوذ الإمبراطور روزيل.

مما فهمه لوميان، حتى في منطقة كوردو الريفية، أمكن للويس ذهبي إعالة أسرة فقيرة بحقول لمدة شهر كامل.

لقد علم أنه بدون الدخل المرتفع لأورور، لربما لم يكن ليرى أبدًا كيف بدى لويس ذهبي. في الواقع، في قرية كوردو بأكملها، لم يرَّ أو يمتلك سوى أشقاء وعائلة المسؤول لويس ذهبي.

بالنسبة لأي قروي، كان لويس ذهبي مكسبًا ثمينًا بشكل لا يصدق.

لسوء الحظ، هذا مجرد حلم…

لم يستطع لوميان إلا أن يشعر بألم خيبة الأمل.

كان هذا شيئًا عاديًا جدا، مما جعل من غير المحتمل أن يستطيع ‘إخراجه’ من الحلم.

ومع ذلك، فقد عامل اللويس الذهبي بعناية وإحترام كبيرين. بسبب إمضاءه لمعظم حياته في التجول، لقد عرف قيمة كل كوبت.

وعرف أن لويس ذهبي واحد قد عادل 2000 كوبت، وهو ما عادل جنيه ذهبي من مملكة لوين، على الرغم من أنه لا زال أقل قليلًا. وفقًا للأوراق التي قرأها، لم يمكن استبدال 24 فيرل ذهبي إلا بجنيه ذهبي واحد.

واصل لوميان بحثه عن أي معلومات مكتوبة يمكن أن تلقي الضوء على الأنقاض وتاريخها. أراد أن يرى ما إذا كان هذا المكان يتوافق مع موقع معين في الواقع، أو ما إذا كانت قرية في جمهورية إنتيس قد تم ‘نقلها’ إلى عالم الأحلام هذا. لم يؤدي ظهور اللويس الذهبي إلا إلى إثارة فضوله.

بينما تحرك لوميان بحذر عبر المبنى المُدمَر، سقطت عيناه على بقعة كان موقد قد وقف عليها ذات مرة، ملطخة الآن بلون أحمر غامق.

“دم؟” إتسعت بؤبؤا عينيه بينما سارع بالتخمين. بعد ذلك مباشرة، أصدر حكمًا.

على الرغم من أنه لم يكن طازجًا، إلا أنه لم يتحول بعد إلى اللون الأسود— بدا كما لو أنه قد جف هناك ليومين أو ثلاثة أيام، أو ربما لوقت أقرب حتى!

بينما بدأ قلبه يتسارع، شعر لوميان فجأة بأن الضوء حوله قد خفت، كما لو أن شيئًا ما قد صد بصمت الضوء من المرور عبر الضباب الكثيف من الأعلى!

غمرت ذكرى هجمات ماضية عقل لوميان مثل موجة مضطربة، مما جعله يتفاعل بشكل غريزي.

دون تفكير، إرتمى إلى الأمام ولف جسده في الجو، متدحرجًا على الأرض لتجنب أي خطر محتمل.

ثوومب!

دوى صوت عالٍ في الهواء بينما سقط شيء ثقيل خلفه.

تدحرج لوميان بسرعة إلى الجانب الأيسر من الموقد المتهالك، مستخدمًا صخرة قريبة لإيقاف نفسه.

عندما وقف على قدميه، بالفأس على أهبة الاستعداد، رأى شخصية إضافية تقف حيث كان قبل لحظات.

جعل الضوء الخافت من الصعب تمييز ما إذا كان بشري أو مخلوق ذو بنية بشرية.

كان الشكل المنحني أمام لوميان مختلفًا عن أي شيء رآه من قبل. لقد كان وحشًا بدون أي ملابس أو أحذية للتحدث عنها. تم تقشير جلده، مما كشف عضلات حمراء وأوعية دموية وأنسجة لفافية صفراء تحتها. تقطر سائل لزج من جسده لكنه لم يسقط على الأرض.

لقد كان وحش!

بدت عيناه وكأنهما قد غُرِسَتا في وجهه، وفمه تعلق مفتوحًا بكل قوته، كاشفًا عن أسنان غير متساوية وخيط طويل من اللعاب.

على الرغم من كل قصص الأشباح التي اختلقها لوميان في الماضي، لم يتوقع أبدًا مواجهة مثل هذه الروح الشريرة في الحياة الواقعية.

وووش!

ملأت رائحة الدم أنف لوميان بينما ملأ لهاث الوحش أذنيه.

سيطرت الغريزة على لوميان وهو يراوغ جانبًا، متجنبًا بصعوبة هجوم الوحش الأحمر.

عرف لوميان أنه وجب عليه شكر إرشادات أورور وسنوات من الخبرة في القتال في الشوارع على ردود أفعاله السريعة. بدونهم، لربما ما كان ليستطيع التفاعل في الوقت المناسب.

مع أخذه لنفس عميق لتهدئة نفسه، اندفع لوميان خلف الوحش الذي انقض عليه. فأسه الحادة بيده، أرجح بكل قوته وضرب الوحش على ظهره.

بانغ!

قطع فأس لوميان الوحش في منتصف إلتفافه، وأرسل رذاذًا من القيح والدم في كل اتجاه.

دون التردد للحظة، قرفص لوميان على ركبة واحدة ورفع فأسه مرةً أخرى، مستعدًا لتوجيه ضربة أخرى.

بانغ! بانغ! بانغ!

مرارًا وتكرارًا، قام لوميان بأرجحة فأسه بدقة وقوة، كل ضربة قطعت جسد الوحش تاركةً شقوقًا عميقة وواسعة على مؤخرة رأسه ورقبته وظهره.

أخيرًا، سَكَنَ الوحش في مكانه، مهزومًا بوابل من الضربات الشرسة التي قام بها لوميان.

“هف! فووو! أفعالك ليست مرعبة بقدر ما تبدو.” تنهد لوميان، صوته مشوب بلمحة من السخرية.

مسح وجهه بيده اليسرى، ثم استخدمها لمسح الدم عن يده الأخرى.

“هل السوائل الجسدية لهذا الوحش سامة؟ في الوقت الحالي، لا أشعر بأي ألم من أكل السوائل لوجهي…” بدأ لوميان يقلق بشأن مشكلة أخرى.

تمامًا عندما حشد لوميان شجاعته وكان على وشك البحث في جسد الوحش، تفاجأ بحركة مفاجئة. قام الوحش الدموي عديم الجلد بدعم نفسه بكلتا يديه ثم قفز واقفا مرة أخرى، كما لو كان لا يزال على قيد الحياة.

لم يمت بعد؟

على الرغم من تعرضه للقطع لتلك الدرجة، بدا الوحش وكأنه لا يزال على قيد الحياة.

شعر لوميان بالصدمة والخوف.

سيطر الخوف والرعب على لوميان.

لو أن لوميان قد كان يواجه بشر عاديين، وحوش أو أهوال، فلن يكون خائفًا إلى هذه الدرجة، حتى لو لم يستطِع هزيمتهم. لكن هذا الوحش الذي أمامه بدا غير قابل للقتل، مما جعل كل حركة لِـلوميان عديمة الجدوى.

مستفيدًا من ارتباك الوحش القصير، اتخذ لوميان قرارًا سريعًا. وقف على قدميه، حشد قوة ركبتيه، وركض بعنف.

ثووود! ثووود! ثووود!

ركض بكل قوته، لكنه لا زال قد استطاع الشعور بأنفاس الوحش على مؤخرة رقبته، مع تردد صوت تنفسه الشديد في أذنيه.

تبعه الوحش عن كثب.

على الرغم من خوفه، عض لوميان على أسنانه وسمح لخوفه بدفعه للركض بشكل أسرع، متجاوزًا حدوده السابقة.

لفرحته، سرعان ما أدرك أن المسافة بينه وبين الوحش لم تعد تقصر بعد الأن.

ثووود! ثووود! ثووود!

وصل لوميان أخيرًا إلى بنايته شبه الأرضية المكونة من طابقين عندما فتح الباب الغير موصد وقفز إلى الداخل.

بصوت عالٍ، أغلق الباب وسرعان ما شق طريقه إلى الموقد، حيث التقط مذراة فولاذية كانت تتكئ على الحائط.

ثم ركز على الباب.

ولكن بعد ذلك، سمع صوت خطوات ركض الوحش وهي تتلاشى. إنتظرَ، لكن الوحش لم يحاول اختراق الباب.

إنه يعرف أنني أنتظره في كمين هنا؟

لم يصدق لوميان أن الوحش قد تمتع بذكاء عالٍ.

تحرك ببطء نحو النافذة القريبة من الباب وألقى نظرةً خاطفة.

فجأة، ظهر وجه على الزجاج— فوضى دموية بلا جلد بأسنان غير مستوية.

تجمد لوميان للحظة، وكاد قلبه يتوقف.

لدهشة لوميان، لم يحاول الوحش كسر الزجاج أو مهاجمته. بدلا من ذلك، قابل نظرته ببساطة.

خرج لوميان من ذهوله وتراجع، ملوحًا بالمذراة الطويلة بكلتا يديه.

إبتعد الوحش عن النافذة.

راقب لوميان بحذر، دارسًا تحركاته وهو يبقى في الضباب الخفيف لفترة قبل أن يتراجع أخيرًا إلى الأنقاض.

كان لوميان في حيرة من أمره.

لقد كان مستعدًا لسجن الوحش والهروب بسرعة من الحلم، لكن المخلوق غادر ببساطة دون أن يهاجم.

بعد بعض التفكير، برز احتمال لِـلوميان.

لربما يخاف الوحش من دخول منزلي؟

نعم، لا تدل أي علامات على حدوث أضرار بالمنزل على الإطلاق…

هذا مكان آمن تمامًا في الحلم؟

مع هذا الإدراك، شعر لوميان بغمر إحساس من الراحة له.

أصيب لوميان بموجة من الإرهاق في الثانية التالية.

لقد إستنفذته المطاردة القصيرة أكثر من فترة بعد ظهر كاملة من التدريب القتالي.

شق لوميان طريقه إلى الطابق العلوي من غرفة نومه، ممسكًا بالمذراة والفأس بإحكام في يديه. بينما إستلقى على السرير، حاول لوميان النوم.

فتح لوميان عينيه، وشعر بالإرتباك.

خارج الستائر، كانت المساء لا تزال مظلمة، وكانت الغرفة ملفوفة بالظلال.

للحظة، لم يستطِع لوميان معرفة ما إذا كان لا يزال في عالم الأحلام أم أنه عاد بطريقة ما إلى الواقع. لكنه لاحظ بعد ذلك إختفاء الضباب الرمادي وحقيقة أنه كان يرتدي بيجاما، وأدرك أنه لا بد أنه قد استيقظ.

“استيقظتُ مبكرًا بسبب الخوف.” غمغم لوميان مع نفسه، وهو يربت جيب بيجامته من دون وعي. ولكن عندما لم يشعر بثقل اللويس الذهبي، شعر بألم خيبة الأمل.

أكد ذلك حقيقة أخرى وهي أن المال لم يستطِع أن يُخرج من عالم الأحلام!

أخذ لوميان نفسًا عميقًا وهدَّئ نفسه، أفكاره تذهب إلى مشكلة خطيرة:

كيف من المفترض أن يتعامل مع ذلك الوحش الذي لا يُقتل؟

بينما علم لوميان أنه سَـيستطيع تجاوز المنطقة والدخول خلسة، لقد علم أيضًا أن ذلك لم يكن حلًا طويلَ المدى. كانت هناك دائمًا إمكانية مواجهة وحوش مماثلة في المستقبل، لم يكنه المخاطرة بحياته بسبب كونه غير مستعد.

2023/06/05 · 98 مشاهدة · 1723 كلمة
Kurt Wilson
نادي الروايات - 2025