كان قلب الليل، وكان كل شيء هادئ.
تحرك لوميان في حلمه مرةً أخرى. أول ما لمحه كان ضبابًا رماديًا باهتًا.
بشكل غريزي، مد يده إلى جيب قميصه.
الإحساس المُجمد للمعدن الصلب تسجل في عقله على الفور.
ساحبًا الشيء الذي شعر به. أضاء بريق ذهبي عينيه.
كانت عملة ذهبية.
لويس ذهبي.
لا تزال هنا…
كان لا يزال يرتدي الملابس القطنية، السروال، والسترة الجلدية من رحلته الأخيرة. المذراة الفولاذية التي بلغ طولها مترين تقريبًا والفأس الحاد الحديدي الأسود كانا عند ملقى يده.
كانت هذه نفس الحالة التي كان بها عندما خرج من الحلم بالضبط.
بمعنى آخر، هذا الحلم مستمر. لا يتم إعادة ضبطه مع كل إدخال…
على الرغم من أنه لم يمكن تجسيده، إلا أنه كان لا يزال من المفرح إمتلاكه.
نهض لوميان من السرير وحدق من النافذة للحظة، للتأكد من أن قمة الجبل الأحمر في الأنقاض لم تتغير.
حاملًا فأسه ومذراته، غادر غرفته، ودخل الممر ذي الإضاءة الخافتة.
تُركت غرفة نوم أورور وأبواب غرفة دراستها مفتوحة.
درسهم لوميان لفترة وجيزة، ثم فكر في فكرة فجأة.
في الحلم، غرفتي مطابقة للواقع بشكل كامل تقريبًا. إنها تحتوي على جميع الأغراض المتوقع وجودها. تبدو غرفة أورور كما هي من النظرة الأولى.
ومع ذلك، هل يمكنني العثور على دفتر سحرها، تركيبات جرعات سرية، أو تعلم كيف أصبح مشعوذًا في غرفتها؟
كانت هذه الفكرة مشابهة لهمسات الشيطان، متسببة في تسارع ضربات قلب لوميان. كان مجذوبًا للمحاولة.
مقارنةً بإستكشاف الأنقاض المجهولة والخطيرة والغامضة، كان البحث عبر غرفة أورور هو الخيار الأبسط والأكثر أمانًا.
لا لا!
لقد فضل أن يأخذ فرصته بدلاً من انتهاك خصوصية أورور. لن يدخل غرفة نومها دون موافقتها.
كان ذلك بسبب احترامه لأورور.
لولا أورور، لكان قد مات عندما كان طفلَ شارعٍ قبل خمس سنوات.
سحب لوميان نظرته المتألمة وشق طريقه إلى الدرج.
لو لم يكن ساكن الغرفة هي أورور، لكان قد تعمق بالفعل للبحث عن أي معلومة مفيدة.
ما إن وصل للطابق السفلي، لم يسارع لوميان للرحيل. بدلا من ذلك، قام بفحص المؤن في المطبخ.
تم ترتيب زيت الزيتون، زيت الذرة والدهون الحيوانية التي جمعتها أورور بدقة في دلاء وعلب، تمامًا كما كان الحال في الواقع.
بشكل غريزي تقريبًا، رفع لوميان دلو زيت الذرة ووضعه بالقرب من الموقد.
كان السبب الوحيد لاختياره له هو أن الدهون الحيوانية وزيت الزيتون قد كانت أغلى.
ثم أشعل ببراعة نارًا في الموقد بالفحم والخشب، وصنع مشعلين لإشعالهما.
كان يستعد لإحراق ذلك الوحش.
بطبيعة الحال، سيكون من الأفضل إذا كانت هناك خيارات أخرى. كان هذا هو الملاذ الأخير.
بعد الانتهاء من هذه المهام، إستعاد فأسه، فتح الباب وغادر.
ثم لاحظ لوميان شيئًا غير عادي.
أصبح الضباب الرمادي الخافت الذي غمر الحلم أكثر رطوبة من ذي قبل. وكانت الأرض تحت قدميه مُوحِلةً قليلاً.
لقد أمطرت؟ هذا المكان يستمر ويتطور بشكل طبيعي وفقًا لقوانين معينة عندما أكون غائبًا أو أحلم؟
متذكرًا حكايات أورور الغريبة، أتتهُ فكرة فجأة.
لا يمكن أن هذا المكان موجود بالعالم الحقيقي، أليس كذلك؟
حلمي مرتبط بالعالم الحقيقي. بطاقة التاروت تلك تُمَكِنُني من اجتياز الحاجز بين الحلم والأنقاض بينما أكون واعيًا؟
قام لوميان بمسح محيطه بسرعة وأدرك أن ضبابًا رماديًا لا نهاية له قد حد كِلا جانبي الأنقاض، على أطراف الحلم.
سأتحقق لاحقًا. لن أخوض في الأنقاض. سأذهب خارج الضباب الرمادي وأرى ما إذا كان هناك حلم سريالي وغير منطقي بعد المرور عبر الضباب الرمادي، أو إذا كانت هناك أرض، سماء، قرية وبلدة ملموسة…
إذا كان الأول، فسـيدلُّ ذلك على أن هذا المكان لا يزال حلم. إذا لم يكن كذلك، سيجب على لوميان تأكيد أي عالم كان هذا.
إعتقد أنه بناءً على استخدام اللويس الذهبي، فإن هذا المكان لا يزال يبدو وكأنه في جمهورية إنتيس، لكنه قد لا يكون العصر الحالي. يمكن أن يكون موقع قد إختفى منذ عقود أو قرون.
ومع ذلك، شعر لوميان أن هناك إحتمالية كبيرة بأنه لن يستطيع الخروج من الضباب الرمادي المحيط.
جمع أفكاره وتوجه نحو الأنقاض.
لم ينسَ أنَّ الغرض من دخوله الحلم كان محاولة مواجهة ذلك الوحش.
بعد عبور مائة إلى مائتي متر في البرية الموحلة المليئة بالحصى والشقوق، توقف لوميان فجأة.
لقد فكر في مشكلة.
لقد تغاضى عن شيء ما في إستعداداته في وقت سابق!
في السابق، كان مسكنه المكون من طابقين يفتقر إلى أي ألسنة لهب. كان المكان آمنًا لحد ما في هذا العالم المغلف بالضباب الرمادي. لكن الآن، وُجد به فرن مشتعل ينبعث منه الضوء. هل سَـيجذب ذلك سربًا من الوحوش ويجعل المنطقة الآمنة غير آمنة؟
لف لوميان رأسه بشكل غريزي ونظر في الاتجاه الذي أتى منه. لاحظ أن بريقًا قرمزيًا قد حُفر على نوافذ زجاجية مختلفة في قاعدة المبنى ذو الطابقين النصف مغمور في ضباب رمادي باهت.
أشبه بمنارة في عالمٍ مُظلم
بالنظر إلى أن قدرا كبيرا من الوقت قد إنقضى، فمن الواضح أن الأوان قد فات لمحاولة إطفاء النار. سارع لوميان بخطى سريعة ودخل الأنقاض، أخذا ملجئًا في المبنى الذي انهار بسبب حريق هائل.
قام بإلصاق الفأس في مؤخرة حزامه وتسلق جدارًا بخفة، مُخفيًا نفسه في زاوية مظلمة مفصولة بالطوب والأخشاب.
حدق لوميان في منزله على الجانب الآخر من البرية.
مع مرور الوقت، لم يشهد أي وحوش جذبتها النار.
يبدو أن النار لن تؤدي إلى أي تغييرات. على أقل تقدير، لن تحاصر الوحوش منزلي…
عنى ذلك أنه حتى لو واجه أي خطر، طالما أنه إستطاع الفرار إلى المنزل على الفور والنوم في أسرع وقت ممكن، فسَـيمكنه التملص منه بنجاح.
بدأ يفكر في كيفية إغراء الوحش السابق والقضاء عليه.
من خلال مناوشتهم القصيرة، إستنتج أن قوة الوحش، سرعته، وقت رد فعله وخفة حركته كانت مماثلة لخاصته، لكنه شعر أن الوحش قد قاتل على أساس الغريزة. كان يفتقر إلى الخبرة الكافية، الفهم أو الذكاء المقابل. لهذا السبب كان قادرًا على مواجهة وقتل ذلك الوحش عندما نصب له كمين.
يمكنه أيضًا أن يُصدَمَ ويتفاجئ. لا يختلف عن البشر…
بخلاف تقنيات القتال، لدي ميزتان أُخرَتان عليه. أولاً، لدي ذكاء متفوق. ثانيًا، أعرف كيفية إستخدام الأسلحة وإستخدام الأدوات. هذه هي أعظم ميزة يمتلكها البشر على مثل هذه الوحوش…
طالما أنني حذر، فإن هزيمته مرة أخرى لن تكون بتلك الصعوبة. النقطة الأكثر أهمية هي كيفية القضاء عليه تمامًا…
تمامًا عندما كان لوميان على وشك إثارة بعض الضجة عن عمد لمعرفة ما إذا كان سيستطيع إغراء وحش ما، لمح هيئةً تقترب بخلسة من المنزل المدمر تمامًا على الجانب.
كان الشكل قرمزيًا وخاليًا من الجلد. تم الكشف عن عضلاته وأوعيته الدموية ولفافاته العضلية. لقد كان الوحش من المرة السابقة.
على عكس المرة السابقة، كان هذا الوحش يستخدم مذراة سماد.
مذراة سماد!
إنه يعرف كيف يستخدم الأسلحة أيضًا…
بدون إدراك ذلك، تضاءلت ثقته قليلًا.
عندما إقترب الوحش وإستدار، لاحظ لوميان جروحًا مبالغ فيها على ظهره وعنقه ومؤخرة عنقه. ومع ذلك، لم تعُد الجروح تفرز القيح، وبدت وكأنها قد شفيت في الغالب.
إنه بالفعل ذلك الذي واجهته سابقًا…
قدرته على شفاء نفسه تفوق البشر العاديين بعدة مرات…
شهق لوميان بلا صوت.
لقد أجبر نفسه على الهدوء وتقييم الوضع على وجه السرعة.
في غمضة عين، تَوَصَلَ لوميان إلى إستنتاج.
كانت هذه فرصة ممتازة، وكان عليه إغتنامها عند مواجهتها. لم يستطِع السماح لها بالمرور!
حمل بصمت طوبة حجرية بجانبه وإنتظر وصول الوحش إلى المكان المطلوب.
في خطوات قليلة فقط، دخل الوحش منطقة قتل لوميان.
ألقى لوميان فجأةً بالطوبة الحجرية على الأرض خلف الوحش.
ثووود!
تناثرت الطوبة الحجرية، مما جعل الوحش يلتف ويفحص المهاجم.
عند رؤية هذا، أمسك لوميان الفأس بكلتا يديه وانقض بشدة من الحائط على الوحش.
بانغ!
نزل الفأس بشدة على رقبة الوحش، وفتحها إلى قسمين.
مع صوتين عميقين، سقط لوميان والوحش على الأرض في وقت واحد.
قفز لوميان برشاقة، أمسك بفأسه، وانطلق بسرعة، ملقيًا بضربات ثقيلة على رقبة الوحش.
مرة، مرتين، ثلاث مرات. لم يحصل الوحش حتى على الفرصة للمقاومة قبل أن يُقطَعَ رأسُه.
مع تدحرج الرأس جانبًا، إرتجف الجسم عديم الجلد مرتين وتوقف عن الحركة.
لم يتوقف لوميان عند هذا الحد. اتخذ خطوة للجانب، لف فأسه، وسحق الرأس الشرير بالجزء السميك غير الحاد من الفأس، وكَسَّرهُ إلى شظايا.
بعد ذلك، قام بالإلتفاف وقطع العضلات المكشوفة والأوعية الدموية واللفافات العضلية، ساحقًا القلب والأعضاء الحيوية الأخرى.
بعد إنجاز كل هذا، أخذ لوميان خطوتين للخلف وإستطلع أعمال يده. لهث وضحك بهدوء.
“إعتقدت أنك لا تقهر حقًا. من كان ليظن أنك تمتلك هذا الكم من القدرة فقط!”
وسط الضحك الخافت، إهتزت الجثة مقطوعة الرأس فجأةً إلى الأعلى.
تقلصت بؤبؤا لوميان، ورغب بشكل غريزي في الإلتفاف والفرار.
قام بقمع هذا الدافع بقوة وسار إلى الأمام مرةً أخرى، مُلَوحًا بفأسه. بعد أن إرتدَّتْ الجثة مرتين، عادت إلى الجمود، وكأنها قد إهتزت عبثا.
يالها من قوة حياة…
لم تكن بنية جسم الوحش مختلفة عن البنية البشرية، ولكن من الواضح أن عضلاته كانت أكثر حيوية. على الرغم من أنه كان ميتًا بالفعل، إلا أن بعض جروحهِ كانت لا تزال تتلوى قليلاً.
لا يوجد كنز، ولا تنتقل أي قوة خارقة للطبيعة إلى جسدي…
حقيقة أن المرء سيزداد قوة مع كل وحش قتله لم تكن موجودة إلا في حكايات أورور.
ثم نقل جثة الوحش وتوجه إلى المبنى المُدَمَرِ ودفنها بالطوب والأخشاب.
بعد ذلك، جاب المنزل المحترق، على أمل اكتشاف شيء ما.