بعد جولة من البحث، عثر لوميان على عدد كبير من العملات الذهبية، العملات الفضية والعملات النحاسية. في المجموع، كان هناك 197 فيرل ذهبي و 25 كوبت.

من بينها، عدد عملات اللويس الذهبية فقط كانت خمسة.

أما بالنسبة للعملات الورقية، فلم يكتشف سوى بعض المخلفات المشتبه بها.

ما عدا المال، اكتشف لوميان أيضًا كتابًا أزرقًا صغيرًا.

كان غلاف الكتاب أزرق مائل للرمادي وقياسه 21×28.5 سم تقريبًا، وهو حجم نموذجي موجود في قرى وبلدات إنتيس.

كان يعتمد على التقويم وإمتَزجَ بالتعاليم الدينية للكنيستين الرئيسيتين. كان له تأثير إيجابي إلى حد ما على توجيه المزارعين والرعاة إلى الزراعة، الإنتاج والرعي لإثراء حياتهم الروحية.

بطبيعة الحال، على الرغم من مرور ما يقرب القرنين من الزمن منذ أن دعا الإمبراطور روزيل إلى التعليم الإلزامي، لا يزال هناك عدد كبير من المزارعين والرعاة والعاملين الذين لم يعرفوا أكثر من حفنة من الكلمات وكانوا أُميِّين، لم يكن بإمكانهم إلا الاعتماد على تفسيرات بعض الأشخاص من حولهم للحصول على التعليمات التي إحتاجوها من الكتاب الأزرق، والمعروف حرفيًا بإسم الكتاب الأزرق*.

قلَّب لوميان من خلال بضع صفحات بلا مبالاة وأدرك أن الكتاب الأزرق لم يختلف عن خاصته. كل ما في الأمر أنه بدا أقدم قليلًا بشكل عام.

هناك كتاب أزرق والكثير من الفيرل الذهبي؛ هذه العائلة بلا شك ميسورة الحال بالنسبة للريف. لا يوجد أكثر من خمس عائلات كهذه في كوردو…

ترك لوميان الكتاب الأزرق ووضع العملات الذهبية والعملات الفضية والعملات النحاسية في جيوب مختلفة. لقد خبأ بعضها عميقًا في جيب قميصه القطني، ودس البعض الآخر في جيب بنطاله، وحشى البعض الآخر عشوائياً في جيب سترته الجلدية.

على الرغم من أن لوميان قد عرف أنه لم يستطِع إحضار هذه الثروة إلى الواقع، إلا أنه لم يستطِع مقاومة جمعها لِـحِفظِها.

كانت هذه الحلي الصغيرة من الذهب أو الفضة أو النحاس ببساطة لا تُقاوم.

خلال أيامه كَـمُتشرد، لقد إعتز بكل عملة معدنية صادفها، حتى لو كانت مجرد كوبت أو لعقة. غالبًا ما تَقاتلَ مع الآخرين من أجلها وخاطر للحصول عليها.

بعد إستكشاف المنطقة، رفع لوميان فأسه وتسلل نحو المبنى المنهار بالقرب من قمة الجبل ذو اللون البني المحمر.

مضى أعمق وأعمق. في كل مرة إجتاز فيها المساحة الفارغة في وسط الحلقة، خشي أن تقوم عشرات الوحوش فجأة بنصب كمين له في منطقة بلا غطاء.

في الضباب الرمادي الخافت، قرفص لوميان وتسلل خلف جدار حجري نصف منهار. قرفص هناك وإستخدمه لإخفاء شكله.

رفع رأسه بحذر وتفحص المنطقة التي أمامه.

وُجد شريط فارغ ضيق بين صفين من المباني المدمرة. لم تكن هناك أشجار ولا أعشاب، فقط حصى وشقوق وأوساخ.

فجأة، قفز شكل إلى خط رؤية لوميان.

لقد وقف في المبنى المقابل، مُحَدِقًا في شيء ما.

كان هذا الشكل مكسوًا برداء أسود بقلنسوة.

من الخلف، لم يكن هناك شيء غريب عنه. لقد بدا وكأنه إنسانٌ عادي.

إنقبض قلب لوميان بينما أصبح أكثر يقظة.

في مثل أنقاض الحلم هذا، كان ظهور شخص عادي مرعبًا أكثر بكثير من ظهور وحش!

كما لو أنه قد إستشعر أن شخصًا ما قد كان يراقبه، إستدار الشكل ببطء.

ألقى لوميان نظرة سريعة قبل أن يسحب رأسه على عجل. انحنى على الحائط ولم يجرؤ على التزحزح.

بنظرة واحدة فقط حصل على إنطباع أنه قد نزل إلى الجحيم أو الهاوية.

كان الشكل إنسانًا بالفعل، ‘لكنه’ امتلك ثلاثة وجوه وست عيون!

إمتلك الوجه في المقدمة عيون ضبابية، وحواجب متفرقة، والعديد من التجاعيد. من الواضح أنه كان رجلًا عجوزًا.

كان للجانب الأيسر وجه منحوت بعيون زرقاء حادة المظهر ولحية سوداء كثيفة، مما جعله يبدو وكأنه رجل قوي البنية.

كانت بشرة الجانب الأيمن ناعمة ورقيقة، مثل البيضة المقشرة. نضحت العيون الزرقاء بالبراءة والجهل الواضح. لم يبدو وكأنه أكبر بِـيَومٍ حتى من عمر الخامسة.

أي نوع من الوحش هو هذا…

حاول لوميان أن ينظم تنفسه لمنع قلبه من التسارع.

لم يظهر مثل هذا الوحش أبدًا، حتى في حكايات رُعب اورور. فقط في أعمق الكوابيس وأكثرها عبثية قد يمكن مواجهته.

على الرغم من أنه لم يكن من الجيد الحكم على ‘الشخص’ من مظهره، شعر لوميان غريزيًا أن الوحش ذي الوجوه الثلاثة كان أقوى بكثير من الوحش عديم الجلد من قبل!

علاوة على ذلك، كان هناك إحتمال كبير أنه قد إمتلك قدرات استثنائية.

الشمس المشتعلة الأبدية. أيها الآب العظيم، إحمِني رجاءً من أن يتم إكتشافي…

عند رؤية هذا المشهد، لم يستطع لوميان إلا أن يصلي للشمس المشتعلة الأبدية.

لو لم يكن لا يزال يمسك بفأسٍ في يده وكان في بيئة محفوفة بالمخاطر، لكان سَـيَمدٌّ ذراعيه، في لفتة ترمز إلى تقدير الشمس.

في تلك اللحظة، بدا وكأن الوقت قد توقف. ظن لوميان أنه لَـربما بدأ يهلوس.

شعر وكأن نظرةً قد اخترقت الجدار وسقطت على ظهره.

تيبس ظهره على الفور وشعر بالدفء إلى حد ما.

في ثانية أو ثانيتين فقط، إختفى الوهم، وإبتعدت خطوات ثقيلة بعيدًا.

إنتظر لوميان لبعض الوقت حتى تبددتْ الخُطى تمامًا. بعد ذلك، قام تدريجيًا بتقويم ركبتيه، إستدار ودفع رأسه لِـتفحص المنطقة التي أمامه.

إبتعد الوحش أكثر، بعد أن وصل خلف مبنىً مُنهار بكلا جانبيه قائمين. أصبح نصف جسده مرئي في الضباب الرمادي الخافت.

بظهره لا يزال يواجه لوميان، بدا كما لو أنه قد تحول إلى تمثال.

تنهد لوميان بإرتياح.

لم يمتلك أي ثقة لمواجهة مثل هذا الوحش.

من المستحيل بالتأكيد أن أغامر أعمق في الأنقاض من هنا… هل يجب أن أتجاوزه؟

ألن تكون هناك وحوش مماثلة في مكان آخر؟

كلما اقتربت من قمة الجبل تلك، كلما زادت قوة الوحوش التي ستظهر؟

أعاد لوميان جسده وفكر لفترة من الوقت قبل أن يقرر إنهاء الليلة.

لقد نوى الإستفسار من المرأة التي أعطته بطاقة التاروت بعد الفجر لمعرفة ما إذا كانت هناك وسيلة للتعامل مع الوحش ذي الوجوه الثلاثة. لو لم يكن هناك بديل، فسوف يفكر في أخذِ مُنعطف.

حنى ظهره، بعيدًا عن الحائط، وعاد من الإتجاه الذي أتى منه.

في تلك اللحظة، ومضت بذهنه فكرة.

إذا نُمتُ في هذه الأنقاض، فهل سأتمكن من الهروب من الحلم؟

نظرًا لإمكانية وجود العديد من الوحوش في المنطقة المجاورة، فقد قمع الرغبة في التجربة، في الوقت الحالي.

في طريق عودته، فتش على عجل كل مبنىً مدمر مر به، لكنه لم يستطِع اكتشاف أي معلومات مفيدة مكتوبة. لم يكن هناك سوى عدد قليل من العملات المعدنية.

بعد التراجع لفترة من الوقت، أتت لِـلوميان فكرة وقرر إتخاذ طريقٍ آخر. إقترب من أول منزل محترق وجده من الجانب، أين دَفَنَ الوحش عديم الجلد.

أراد معرفة ما إذا كان سيتم اكتشاف موت الوحش من قبل أقاربه وما إذا سيؤدي ذلك إلى أي تغييرات.

بعد تحديد موقع البقعة وإخفاء نفسه، قام لوميان بدفع رأسه من الجانب وتفحص المنطقة المُستهدفة.

في اللحظة التالية، رأى ‘شكلًا’ آخر.

كان الشكل نصف إنسان ونصف وحش. مع ساقين منحنيتين للأمام أثناء جلوسه هناك وتفحصه لِـجُثة الوحش منزوع الجلد.

لقد أزال بالفعل الطوب الحجري والكتل الخشبية التي كدسها لوميان.

إرتدى سترة داكنة وبنطالًا موحلًا ضيقًا نسبيًا. بدا شعره الأسود الذي تدلى على رقبته أشعثًا ودهنيًا، وحمل بندقية رش على ظهره.

بندقية رش!

أبعد لوميان نظرته على عجل وسحب رأسه.

هذه الوحوش سخيفة حقًا!

إنهم يعرفون في الواقع كيفية استخدام البنادق…

في تلك اللحظة، شعر لوميان وكأنه صَياد، يصطاد في الجبال بسلاحه ومع رفاقه، ليكتشف أن الأرنب المقابل له قد أمسك بمدفع رشاش مبرد بالماء وإستهدفهم. لقد اعتبره سخيفًا، كاسرًا للإنغماس ومخيبًا للآمال كذلك.

مع مرور الوقت، انتظر بصبر أن يغادر الوحش ذو بندقية الرش.

أخيرًا، لاحظ صوت حركةٍ خافت، يبتعد تدريجيا.

دفع لوميان رأسه بحذر مرةً أخرى وفحص الوحش الذي كان نصف إنسان ونصف وحش.

تحرك ‘الشيء’ كالقطة نحو الجزء الخلفي من المبنى. في البداية، هدَّء قلب لوميان، ولكن بعد ذلك إتسعت عيناه.

لقد أدرك أن المسار الذي سلكه الوحش كان بالضبط نفس المسار الذي سلكه عندما غامر أعمق في الأنقاض!

إنه يتتبعني!

لديه قدرة تتبع خارقة!

قام لوميان بتقييم لا واعٍ.

كان ممتنًا للغاية لإختياره للإلتفاف عند عودته. وإلا لكان قد صادفه بالتأكيد ولربما تعرض لكمين!

بمجرد اختفاء الوحش، قفز لوميان وانطلق نحو منزله.

بدت النيران القرمزية التي انعكست على النافذة الزجاجية في الطابق الأرضي من المنزل أقرب إلى ضوء الشمس الذي إستطاع تبديد الظلام.

ركض لوميان طوال الطريق إلى المبنى المكون من طابقين، دفع الباب مفتوحًا، واندفع إلى الداخل.

بعد أن أغلق الباب، حدق في الأنقاض عبر النافذة.

بعيدًا عن الضباب الرمادي، على حافة الأنقاض، وقفت هيئة ضبابية، لكنها لم تقترب.

فووووه.

زفر لوميان وخطط لإطفاء النار، الصعود إلى الطابق العلوي للنوم، والخروج من الحلم.

نظر إلى النار التي لا تزال مشتعلة وتمتم لنفسه،

لا يزال بإمكانها الإحتراق لفترة من الوقت… يمكنني التجربة ومعرفة ما إذا كانت ستستمر في الاحتراق حتى تنطفئ بعد أن أغادر الحلم، أو هل يتجمد الوقت لحظة مغادرتي…

كان لوميان قد تحقق سابقًا من خلال المطر من أن البرية التي وقعت فيها الأنقاض خضعت حقا لتطور طبيعي. لم يكن لهذا أي علاقة بما إذا كان يحلم أم لا، ولكن ما إذا كان الوضع نفسه يحدث في منزله أو المنطقة الآمنة المزعومة التي لم يتم التحقق منه.

لقد تصرف على فكرته. أضاف القليل من الفحم إلى النار وحرَّكَه. ثم حمل الفأس والمذراة الفولاذية إلى الطابق الثاني ودخل غرفة النوم.

عندما إستيقظ لوميان، كان ذلك بعد طلوع الفجر مباشرةً.

فتش بيجامته المشابهة للقميص. وكما توقع، شعر بالإحباط عندما اكتشف أن العملات الذهبية والعملات الفضية والنحاسية لم ترافقه إلى الواقع.

خرج لوميان من السرير ومدد جسده. مشى إلى المكتب ومد يده لسحب الستائر.

وسط الصوت، وتقطر وَهَجٌ خفيفٌ ومنعش للداخل.

عندما فُتِحتْ النافذة، غزا الهواء النقي والعضوي أنف لوميان. لم يسعه إلا أن يمدد جسده، وشعر أن الإستيقاظ في وقت مبكر كان رائعًا جدًا في بعض الأحيان.

بالطبع، كان هذا أيضًا بسبب ‘الحملة الوطنية للصحة العامة’ التي أطلقها الإمبراطور روزيل. كان ذلك أيضًا بفضل الحكام اللاحقين الذين احتفظوا بها وغيروا إسمها فقط.

مسح محيطه، محدقًا أحيانًا في الغابة البعيدة، وفاحصًا أحيانًا السحب البرتقالية الحمراء في السماء، وأحيانًا راقب الأعشاب خارج المنزل.

فجأة، تجمدت نظرة لوميان.

لقد رأى طائرًا كبيرًا يجلس على شجرة دردار ليست ببعيدة.

كان له منقار مدبب، ووجه قططي، وريش بني مع بقع متناثرة، وعيون صفراء بنية مع بؤبؤين سوداوين، مما أعطاه مظهر حاد.

لقد كانت بومة.

وبدا وكأنها تراقب لوميان.

2023/06/05 · 97 مشاهدة · 1564 كلمة
Kurt Wilson
نادي الروايات - 2025