تلك البومة؟
تلك البومة من أسطورة المشعوذ؟
تسارع عقله بالإحتمالات، في محاولة لفهم خطورة الموقف. بدا دمه وكأنه تجمد.
كان الأمر أسوأ من مواجهة الوحش ذي الوجوه الثلاثة.
فَـبعد كل شيء، لم يعُد هذا حُلمًا. كانت هذه الحقيقة.
حتى لو أدت وفاته في المنام إلى نفس الشيء في الواقع، فقد كان الأمر مختلفًا من الناحية النفسية.
ما الذي علي فعله؟
هل ستتورط أورور؟
بينما كان لوميان يلوي دماغه من أجل إجراءٍ مضاد، بقيت البومة ثابتة، تراقبه بنظرة ثاقبة.
بعد بضع ثوانٍ، نشرت البومة جناحيها وحلَّقت بإتجاه الغابة البعيدة.
حملها تحليقها الرشيق أبعد وأبعد حتى إختفت في كوردو.
فقط عندما إختفتْ البومة تمامًا عاد عقل لوميان إلى الحاضر.
سقط على كرسي ورفع يده إلى جبهته.
كان غارقًا في العرق.
هل هي حقا بومة أسطورة المشعوذ؟
هل عاشت حقًا لكل تلك السنوات؟
على أي حال، لم تكن مثل أي بومة أخرى، بعيون خافتة. بدت وكأنها إنسان…
إذا كانت تلك البومة حقًا، فلماذا اختارت الطيران إلى خارج نافذتي؟ أكان ذلك لأنني أردت الكشف عن الحقيقة حول أسطورة المشعوذ؟ لكننا استسلمنا بالفعل…
لقد غادرت بعد لحظات قليلة من المراقبة…
أتساءل عما إذا كانت ستعود وتسبب مشاكل لأورور…
على الرغم من رغبته في مراقبة الموقف أكثر نظرًا لعدم حدوث أي شيء بعد، عرف لوميان أنه لم يستطِع إخفاء الأمر عن أخته بعد الآن.
بعد مغادرة الغرفة، رأى أن أورور لا زالت نائمة. نزل إلى الطابق السفلي لإعداد وجبة الإفطار، كانت جميعها أطباق أخته المفضلة.
بيضة مقلية على جانب واحد، بسكويت المورانغ، خبز محمص عادي مع مربى…
يجب أن أصنع نودلز لاحقًا. هذه المرة، سأضيف صلصة اللحم…
كانت الطبق المفضل لدى أورور.
نزلت أورور الدرج مرتديةً ثوب النوم المتدفق، خصلاتها الذهبية متطايرة. أطباق الإفطار المختلفة كانت جاهزة.
“صباح الخير.” تمتمت، وهي توقف تثاؤبها.
إبتسم لها لوميان. “إنه ليس مبكرا بعد.
“ألا تقولين دائمًا أن التخطيط لليوم يبدأ في الصباح الباكر؟”
“ذلك صحيح. خطتي هي النوم.” استقرت أورور في مقعدها وتناولت فطورها مع كوب من الحليب.
جلس لوميان على الجانب الآخر من أورور على الطاولة التي أمكن أن تتسع لستة أشخاص. بينما كان يقضم فطيرة، قال عرضيًا، “لقد كنت في القرية خلال الأيام القليلة الماضية أحاول معرفة الحقيقة حول تلك الأساطير.”
“لماذا؟” سألت أورور.
كان لوميان صريحًا جدًا.
“لم ترغبي بِـمساعدتي في الحصول على قوى خارقة، لذلك قررت أن أجد طريقي الخاص. قد تحتوي هذه الأساطير على أدلة.”
“ذلك مستحيل تقريبا.” علقت أورور، نبرة صوتها عرضية، “لقد تم تحريف تلك الأساطير بشكل لا يمكن التعرف عليه على مر السنين. أو تم هلوستها من قبل شخص مجنون. إنها بدون معنى. نعم، من الممكن أيضًا أن يكون شخص ما قد إختلق القصة بشكل خاص كذريعة. هيه هيه، ربما حتى مساهمات من نقاري مطاط مثلك.”
“ماذا؟” لم يفهم لوميان ما قصدَتهُ أورور بعبارة ‘نقاري مطاط’.
لم تكن بلغة إنتيس حتى.
“ذلك يعني الأشخاص الذين لا يسعهم سوى المشاركة في الدراما التي ليس لديهم أي عمل فيها.” أوضحت أورور ببساطة. “وبالحكم على كيفية قيامك بإثارة هذا الأمر فجأة، أعتقد أنك تسببت في بعض المشاكل وليس لديك الآن خيار سوى العودة إلى المنزل لطلب المساعدة من أختك.”
“يمكن إعتباره حادثًا، لكنه ليس إلى حد التسبب في مشكلة.” قال لوميان دون خجل.
نَظَّمَ لوميان أفكاره بعناية.
“كان هدفي الأول هو أسطورة المشعوذ.”
“أي أسطورة مشعوذ؟” كان ارتباك أورور واضحًا.
لم يصدق لوميان ذلك. “ألم تسمعِ بها من قبل؟ منذ زمن بعيد، مات شخص في القرية فجأة. عندما دُفن، حلقت بومة وتوقفت بجانب سريره. طارت بعيدًا فقط عندما أُخِذتْ الجثة. بعد ذلك، أصبحت الجثة ثقيلة للغاية. أخذ الأمر تسعة ثيران لسحب التابوت. وعندها فقط عرف القرويون أن الشخص كان مشعوذًا عندما كان على قيد الحياة.”
إستمعت أورور بإهتمام.
“أنا حقا لم أكن على علم بهذه الأسطورة من قبل.”
هذا غير منطقي…
لربما كانت أورور شخصًا أحب المنزل، لكنها ما زالت قد خصصت وقتًا للاختلاط مع السيدات المسنات الأُخريات في المدينة. أحبت سرد القصص للأطفال ودائمًا ما كانت على إطلاع بأحدث ثرثرات كوردو. من الصعب تصديق أنها لم تسمَع عن أسطورة المشعوذ التي تم تداولها لسنوات.
ولكن الأمر الأكثر إثارةً للاهتمام هو حقيقة أن منزلها بُني في نفس المكان الذي وقف فيه منزل المشعوذ سابقًا.
حمل لوميان حدسًا منذ البداية أن قرار أورور بالاستقرار في كوردو كان مدفوع بجاذبية كنز المشعوذ، مفتاح فتح القوى غير العادية.
“وثم؟” سألت أورور بهدوء.
أجاب لوميان بصدق، “لقد أجرينا بعض البحث، وحصلنا على تأكيد من شيوخ القرية. لم تكن هذه قصة مختلقة. لقد وُجِد المشعوذ حقا، ولكن ذلك حدث منذ عقود. أحرقت الكنيسة المنزل، والآن الأرض مِلكُك.”
“هل ذلك صحيح؟” من الواضح أن أورور قد تفاجأت بعض الشيء. “لقد عرفت ذلك. هناك دائمًا شيء خفي. وإلا فلماذا قد يبيعون لي هذه الأرض بسعر أقل من المعتاد؟ إعتقدت أن ذلك كان بسبب موهبتي في الثرثرة، عندما يتعلق الأمر بالسيدات المسنات…”
فَكَرَتْ للحظة وسألت، “إذن، أحرقت الكنيسة جسد المشعوذ؟”
أومأ لوميان. “نعم، رماده مدفون في المقبرة بجانب الكاتدرائية”.
تابع، “لقد تركنا هذا الأمر لأن كل الدلائل أدت إلى طريق مسدود. لكن هذا الصباح، رأيت بومةً خارج نافذتي. بدت تمامًا مثل تلك الموجودة في الأسطورة.”
أصبح تعبير أورور جادًا. “هل أنت متأكد؟”
أجاب لوميان بموضوعية “لا أستطيع الجزم، لكنها لم تبدو مثل أي بومة عادية.”
تأملت أورور للحظة قبل أن تقول ببطء، “لا تغادر القرية الآن. وبعد حلول الظلام، لا تخرج حتى أنتهي من التحقيق في الموقف.”
أعطت إبتسامة حزينة. “لقد حذرتك من قبل من مخاطر السعي وراء القوى الخارقة. لكن اُنظر، لقد وَجَدَتكَ المتاعب بالفعل.
“لحسن الحظ، يبدو أنه ليس لدى الطرف الآخر أي نوايا خبيثة. يجب أن تُحَلَّ هذه المشكلة بسهولة نسبيًا.”
أنا سعيد لأنكِ حذرة…
لقد غير الموضوع.
“هل أرسل أصدقائك بالمراسلة ردًا؟”
“كيف يمكن أن يردوا بهذه السرعة؟ ليس الأمر كما لو أننا نرسل إيـ— أه بريد!” شخرت أورور.
كان لوميان في حيرة.
ألا يشير البريد بالفعل إلى الرسائل والطرود المرسلة عن طريق مكتب البريد؟
لم يكن قلقًا جدًا. فبعد كل شيء، استخدمت أورور غالبًا كلمات غريبة.
…
عند مدخل الحانة القديمة.
وقف لوميان هناك وقام بمسح المنطقة.
لقد علم أن المرأة التي أعطته بطاقة التاروت لن تكون قد إستيقظت بعد، لذلك كان يبحث عن الأجانب الثلاثة: ريان، ليا وفالنتين.
كما هو متوقع، كان الثلاثي يستمتعون بإفطارٍ فخمٍ على طاولةٍ داخل الحانة.
راقبهم لوميان لبضع ثوانٍ، مع طاولة من لفائف الكعك والنبيذ وخبز المايونيز، قبل مغادرتهم دون إزعاجهم.
بعد مرور بعض الوقت، بينما كان ريان والآخرون يستعدون لمواصلة التجول في كوردو و ‘الدردشة’ مع السكان المحليين، اقترب منهم لوميان بأذرع مفتوحة وإبتسامة مشرقة.
“صباح الخير يا ملفوفاتي.”
إرتعش وجه فالنتين، وبين ريان وليا، بدا أحدهما محرجًا قليلًا بينما بدا الآخر مستمتعًا.
أه، إنهم يرتدون نفس الملابس بالضبط… ألم يأتوا بتغييرات ملابس كثيرة بالرغم من خروجهم؟
وكان فالنتين لا يزال يضع بودرة شعر ومكياج على وجهه.
“صباح الخير يا لوميان. ما الذي أتى بك إلى هنا؟” سأل ريان بهدوء.
بدا لوميان حزينًا بينما أجاب: “حسنًا، أنتم أصدقائي، وليس لدي ما أفعله. ففكرت لِـمَ لا آتي للزيارة.”
ثم سألهم: “لاحظت أنكم تدردشون مع الناس في القرية خلال الأيام القليلة الماضية. هل هناك أي شيء تريدون السؤال عنه؟
“يمكنكم أن تأتوا إليّ إذا كان لديكم أي أسئلة، يا ملفوفاتي. أنا صديقكم.”
“لا يمكننا الوثوق بإجابتك.” تَدَخَّلَ فالنتين، ألقى عليه ريان نظرة، مشيرًا إليه ليهدأ. ابتسم لوميان.
“إذن يمكنك أن تثقوا بإجابات الأخرين تمامًا؟”
كانت ليا في حيرة من الكلام، بينما فكر ريان للحظة قبل الرد
“في الواقع، لا يمكننا الوثوق تمامًا بأي شخص. علينا إصدار حكم شامل بناءً على الإجابات التي نحصل عليها من أشخاص مختلفين والوضع الذي نلاحظه.”
“ذلك أقرب للحقيقة.” نشر لوميان يديه. “حسنًا، لن يضر سماع إجابتي. على الأقل سَـتَعمل للإشارة.”
بقي ريان صامتًا للحظة قبل أن يلقي نظرة خاطفة.
كان الصباح الباكر في كوردو يعج بالناس المتجهين إلى الأراضي الزراعية، ولكن لم يكن أي شخص بالقرب من الحانة القديمة.
“ها هو ذا الأمر.” قال أخيرًا، “نحن هنا للعثور على شخص ما.”
“الأب؟” سأل لوميان بإبتسامة.
هز ريان رأسه.
“لا. لقد زرنا الأب للعثور على هذا الشخص.”
“من هو؟” سأل لوميان باهتمام. “أعرف كل من في القرية. يجب أن أكون قادرًا على المساعدة.”
لم يظهر ريان أي فرح.
“في الواقع، لا نعرف من هو هذا الشخص، كم عمره، أو كيف يبدو.
“لقد تلقينا رسالة غير موقعة منذ بعض الوقت، ونحاول العثور على الشخص الذي كتبها.”
لم يستطع لوميان إلا أن يتساءل عما إذا كانت الرسالة من مُخبِر.
تظاهر بالحيرة.
“هل قام الشخص الذي كتب الرسالة بالتواصل معكم بعد وصولكم إلى القرية؟”
“لا.” ردَّتْ ليا في مكان ريان.
“ربما لا يشعرون بالأمان ولا يثقون بكم؟” اقترح لوميان بحماس. “ألا يمكنكم استخلاص أي أدلة من محتويات الرسالة؟”
كان لوميان فضولي بشأن محتويات الرسالة.
إذا إستهدَفَتْ طاقَمَ الأب، فسيكون سعيدًا بمساعدتهم. ولكن إذا كان الأمر يتعلق بأورور، فسَـيحثُّ أُخته على الإنتقال. فبعد كل شيء، تواصلت أورور مع أصدقائها بالمراسلة بشكل متكرر، إذا تم القبض على أي منهم، فقد تصبح متورطة. يمكن أن تكون الرسالة دليلًا حاسمًا.