سكت لوميان، عيناه ملتصقتان بطلب المساعدة المعاد تركيبه.
على الرغم من أن ما جمعه معًا لم يكن بالضرورة محتوى الرسالة؛ فبعد كل شيء، كان بإمكان الكلمات إنشاء جمل أخرى مثل ‘الناس من حولنا محتاجين للمساعدة في أقرب وقت ممكن، نحن مستمرين في الإزدياد غرابة.’ لم يسعه إلا أن يشعر بثقل يضغط على قلبه.
في الماضي، لربما رفض هذا على أنه مقلب، لكن الكثير من الأشياء غير الطبيعية كانت تحدث في كوردو- وكانت تلك الأشياء التي لاحظها فقط.
‘لا أستطيع التظاهر بأنني لم أرَّ شيئًا، ولا يمكنني التظاهر بأن شيئًا لم يحدث…’
‘قالت أختي الكبرى ان الشخص الذي يتمتع بقلب وعقل طبيعيين يحتاج إلى معرفة كيفية تجنب الخطر. لا يجب أن يقف تحت جدار عند إكتشاف أنه على وشك الانهيار…’
لقد خرج من ذهوله واتخذ قراره.
لم يستطع المخاطرة بالبقاء في كوردو للحظة أطول. كان عليه أن يغادر مع أخته، وكان عليه أن يفعل ذلك الآن!
فيما يتعلق بالشذوذ، فإن المسؤولين سيتعاملون معه بلا شك. كان القرويون في كوردو تحت حمايتهم، ولم يكن لدى لوميان لا الواجب ولا القدرة على تحمل مثل هذه المسؤولية.
‘بالإضافة إلى ذلك، لا بد لي من الإسراع في استكشاف أنقاض الحلم والسعي للحصول على قوى خارقة في فترة زمنية قصيرة للتعامل مع أي حوادث قد تحدث عندما أغادر هذا المكان…’ الإلحاح في الوضع ملأه بحس من الضرورة لم يستطِع تجاهله.
لقد إحتاج إلى أن يصبح أقوى بكثير إذا أراد حماية أخته وضمان سلامتها. آخر شيء أراده هو أن تكون متورطة في أي شذوذات قد تندلع قبل مغادرتهم لكوردو.
مع إبقاء مهمته في الإعتبار، أعاد لوميان بحرص الكتاب الأزرق إلى مكانه الأصلي. بعد ذلك، انتزع قطعة الورق التي إحتوت على الكلمات والجمل من قبل ونزل الدرج بهدف.
شق طريقه إلى الموقد وألقى بقطعة الورق في ألسنة اللهب الجائعة.
ما إن خرج، لم يُضِع لوميان أي وقت في شق طريقه مباشرةً إلى الحانة القديمة.
ولكن عندما اقترب من الباب، وجده مغلقًا بإحكام، في إشارة واضحة إلى أن المالك والنادل، موريس بينيت، قد ذهب على الأرجح لحضور جنازة ناروكا.
ومع ذلك، عرف لوميان أنه كنصف فندق، كان من المستحيل إغلاق جميع الأبواب أثناء النهار دون إزعاج الضيوف.
لذلك، توجه إلى درب جانبي وتسلل عبر الباب الخلفي.
صاعدًا الدرج، مسح لوميان المدخل لكنه لم ير أحدًا في الأفق.
ثووود. ثووود. ثووود. ترددت خطى لوميان بينما صعد الدرج إلى الطابق الثاني من النزل. توقف خارج باب غرفة المرأة الغامضة، فحص مقبض الباب بحثًا عن أي علامة على لافتة “لا للإزعاج”. لم يجد شيئًا، استنشق بعمق وزفر ببطء، وثبت نفسه. مع حني إصبعه، قرع الباب برفق.
طرق! طرق! طرق…
طرق ثلاث مرات متتالية، لكن لم تكن هناك حركة في الداخل.
طرق. طرق. طرق… لا إجابة. حاول لوميان مرة أخرى، وقام بالنقر بقوة أكبر هذه المرة.
دق على الباب، لكن الغرفة بقيت صامتة.
‘إنها ليست هنا؟’ عبس لوميان. ‘ذهبت لحضور جنازة ناروكا؟’
دون أن يضيع لحظة، نزل الدرج وخرج من النُزُل، متجهًا مباشرةً للمقبرة بجانب الكاتدرائية.
في الطريق، مر بمنزل ناروكا، حيث تفرق المُعَزون الذين قالوا وداعهم عند الباب وتوجهوا إلى المقبرة لإنتظار الموكب.
قام لوميان بمسح المنطقة، وكانت عيناه تفحصان المناظر الطبيعية أين اكتشف شخصية تخرج من المنزل. لم يكن سوى بونز بينيت، الأخ الأصغر للأب.
“ما…” تخطى قلب لوميان ضربة بينما إتكأ على المبنى المجاور، محاولًا أن يظل غير ظاهر.
ألم يكن ممنوع منعًا باتًا دخول منزل المتوفى لأن ذلك قد يؤثر على ثروات الأسرة؟
توقف بونز بينيت أمام منزل ناروكا وهمس بشيء لأرنولت أندريه، الابن الأصغر للسيدة العجوز.
بعد تبادل قصير، غادر بونز بينيت، تاركًا أرنولت ليغلق المنزل ويشق طريقه إلى المقبرة.
‘موت ناروكا غريب بعض الشيء…’ عبس لوميان وتمتم في صمت.
لقد شعر الآن أنه ربما لم يمكن إلقاء اللوم على البومة في وفاة ناروكا. كان من المرجح أكثر أنه قد كان لمجموعة الأب علاقة لذلك.
لربما قد كانت البومة ببساطة ملتزمة بواجبها بأخذ أرواح الموتى في كوردو. لقد صادف فقط أنها قد توقفت في الطريق ودرست لوميان لفترة من الوقت.
بالطبع، كان لدى لوميان تخمين أكثر رعباً: ‘ماذا لو كانت مجموعة الأب والبومة مرتبطين!؟’
‘يمكن ربط خصوصياتهم وأنشطتهم السرية مع رفات المشعوذ.’
‘قبل الخروج من كوردو، يجب أن أجد فرصةً لمشاركة أفكاري مع ريان، ليا ومن معهم. آمل أن يكشفوا عن الحقيقة وأن يضعوا حدًا للمشكلة على وجه السرعة.’ أبعد لوميان نظره وغمغم لنفسه وهو يتجه نحو كاتدرائية الشمس المشتعلة الأبدية.
على الرغم من أنه بدا كئيبًا ومهيبًا خلال الجنازة، إستمر لوميان بمراقبة كل قروي، على أمل اكتشاف أي شذوذ في سلوكاتهم.
للأسف، لم تثمر جهوده.
ومع ذلك، كان لديه شيء من الشك أن بعض القرويين كانوا يضعون واجهة…
بالإضافة إلى ذلك، المرأة الغامضة التي منحته بطاقة التاروت لم تكن موجودة في المقبرة.
…
مع حلول المساء على المسكن شبه الأرضي المكون من طابقين، ركزت أورور عينيها على شقيقها، لوميان، وسألت، “أين نصك؟ دعني أراه.”
أصبح تعبير لوميان جادًا بينما أجاب، “لدي ما أقوله لك.”
فحصت أورور وجهه.
“هل قام حيوان بري في القرية بأكل نَصِكَ مرةً أخرى؟”
“لا”، همس لوميان بصوتٍ منخفض. “اكتشفت شيئًا من أولئك الأجانب.”
تلاشت ابتسامة أورور بينما أومأت برأسها، مشيرةً له لأن يستمر.
كشف لوميان كيف تحرك رايان وجماعته في الأنحاء، محققين في رسالة، وغرابة الكتاب الأزرق في منزلهم. تحدث عن شكوكه بشأن السيدة بواليس ومحتويات الرسالة، التي اكتشفها بإستخدام كتاب رايمون الأزرق.
أخيرًا، اقترح، “علينا مغادرة القرية في أسرع وقت ممكن والتوجه إلى داريج. لا، بيغور. سنبقى هناك لفترة.”
لم تُجِب أورور على الفور. فكرت في اقتراح لوميان لأكثر من عشر ثوانٍ.
“ذلك بالفعل هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي.
“ومع ذلك، هناك مشكلة. إذا خرجنا فجأةً من كوردو أثناء التحقيق، ألن يلفت ذلك الانتباه إلينا؟ هل سيعترضوننا ويجعلوننا محور تحقيقاتهم؟”
“لا بأس إذا لم أكن متجاوزة، لكنني متجاوزة غير رسمية. سوف يتم أسري وتطهيري من قبل محاكم التفتيش.”
كان لوميان فوق حدوده، هاوٍ في بحر من المخضرمين. كانت المشكلة المطروحة لغزًا لم يسبق له أن واجهها من قبل، وكان في حيرة من أمره للحظة.
أخيرًا تمكن من التلعثم، “إذن ما هي الخطة؟ نخرج بالقوة ونختبئ في مدينة أخرى، بلد آخر؟”
“أوه، لوميان، أنت تبالغ في تقديري.” قالت، “هؤلاء الأجانب الثلاثة أقوى مما تعتقد. لو أنه يوجد واحد منهم فقط، فلربما كنت سأتمكن من مواجهتهم، لكن ثلاثة؟ وماذا لو كان هناك كمين خارج القرية؟ ربما هم ينتظرون هروبنا فقط.”
بقي لوميان صامتًا.
كان عليه أن يعترف، مقارنةً بأخته، كان لا يزال عديم الخبرة. لم يكن لديه نفس مستوى الخبرة أو الإهتمام الشديد بالتفاصيل الذي قد إمتلكته.
“أنت متسرع للغاية.” قالت أورور وهي تهز رأسها، “لكن أعتقد أن ذلك متوقع. فبعد كل شيء، أيُّ شابٍ ليسَ لديهِ القليلُ مِنَ النارِ في بطنه؟”
توقفت للحظة.
“صباح الغد، ستقدم لي معروفًا. توجه إلى مكتب المسؤول وساعدني في إرسال برقية إلى الروايات الأسبوعية. اسألهم عن موعد عقد صالون المؤلفين التالي.”
كانت أورور كاتبة عمود محبوبة في الروايات الأسبوعية.
فقط المسؤول والأب إمتلكا آلة تيليغرام مخصصة لإتصالات الطوارئ. كان بإمكان القرويين استخدامه، ولكن بتكلفة من الفيرل الذهبي.
رأت أورور ارتباك لوميان وشرحت خطتها بسرعة، “لقد كان الروايات الأسبوعية يتوسلون لأن أقوم بالترويج لعملي في ترير، لكنني رفضت دائمًا، بما في ذلك أحدث صالون مؤلفين. ومع ذلك، إذا طلبت منهم دعوتي الآن، فإنهم سيقفزون على الفرصة وسنعوض حتى عن تذاكر القطار خاصتنا. ستبدو مغادرتنا عادية، وحتى إذا كنا تحت مراقبة، فلن نكون مشتبهًا بنا. يمكنني خداعهم مؤقتًا عندما يحين الوقت. طالما أننا لم ندع الشذوذ يلوثنا، فإن فرصنا في الخروج من كوردو عالية.”
تنهد لوميان بإرتياح. “حسنًا.” قال.
في غضون ثوانٍ قليلة، طرح لوميان سؤالًا مثيرًا للاهتمام على أورور.
“أورور، أه، أختي الكبرى، أيعني مصطلح متجاوز أشخاص لديهم قوى خارقة؟”
“نعم.” أجابت أورور، مختارةً عدم الإفصاح عن أي شيء إضافي.
بذلك، أومضت أورور ابتسامة ماكرة وقالت، “إذن، سوف تتخلى حقًا عن أصدقائك وتهرب من كوردو.”
“لابد أنني لم ألاحظ الجزء الذي كان فيه ذلك مشكلتي.” شخر لوميان كرد.
كان الحفاظ على سلامة أخته على رأس أولوياته في الوقت الحالي.
نقرت أورور لسانها وضحكت.
“أوه، لوميان، أنت مبهج للغاية. قل ذلك مرة أخرى، أتستطيع؟
“كم مرةً قلت ذلك من قبل؟ ومع ذلك، في كل مرة، إما أنكَ تعرض مساعدتك بهدوء أو تعطيهم تحذيرًا وهميًا.” تابعت أورور.
“كانت تلك أمورًا تافهة.” دافع لوميان عن نفسه.
ومع ذلك، فإن الشذوذ الذي واجهوه الآن قد مثل تهديدًا حقيقيًا لسلامة أخته.
“حسنًا، حسنًا.” تنهدت أورور، غير راغبة في الجدال مع الطفل. “لِـنُعد العشاء. إنه دورك للطهي اليوم.”
غمغم لوميان بإيجاز واتجه نحو الموقد.
…
كانت الليلة مظلمة، وحُجب القمر القرمزي من قبل سحب كثيفة.
انتهى لوميان من الإستحمام واستلقى على السرير.
لم يكن رد أورور سيئًا، لكن لوميان قد قلق من أن الحالة الشاذة في القرية ستنفجر في أي لحظة أثناء انتظار رد الروايات الأسبوعية.
كان لوميان يائسًا لأجل زيادة قوته وبدا وكأن الحصول على قوى خارقة في أنقاض الحلم هو الخيار الأسهل.
ومع ذلك، لم يستطِع العثور على تلك السيدة طوال اليوم ولم يكن لديه أي اقتراحات مقابلة. لم يكن أمامه خيار سوى أن يجرب بنفسه.
كان الوضع أشبه بسهم مسحوب، وجاهز للإطلاق، لم يستطِع لوميان أن يتردد.
بدون تردد، قام لوميان بتهدأة نفسه وانجرف ببطء للنوم.
~~~~