كانت حواس لوميان في حالة تأهب قصوى.

لم يكن خائفًا بقدر ما كان من قبل، الآن مع كون الأمور تحدث أخيرًا. على الرغم من أن جسده لا زال يرتجف، إلا أنه شعر بالمزيد من السيطرة وأقل عرضةً للإنهيار.

‘وجب أن أموت منذ خمس سنوات. كله بفضل أورور أنني ما زلت على قيد الحياة. كانت السنوات الخمس الماضية وجبة غداء مجانية. ما الذي أنا خائف منه الآن؟’

تمتم لوميان لنفسه، عضَّ أسنانه وإستجمع شجاعته.

في غمضة عين، صار الضوء الخافت بالفعل، والذي أضاء سطح الفخ الأول، أكثر خفوتًا.

ظهرت هيئة غامضة، تحجب الضوء الذي اخترق الضباب الكثيف في السماء.

لاحت الهيئة في الأفق من بعيد، وحش ضخم بعيون دموية حمراء وشعر أسود دهني. النصف إنسانٍ ونصف وحش، كان مسلح ببندقية على ظهره، جاهز لأي شيء. ‘ركبتاه’ الأماميتان مثنيتان مع تفحصه للأرض أمامه.

بعد لحظة، أزال الوحش، الذي كان يرتدي سترة داكنة وسروالًا موحلًا، بندقية رشه وقفز، متحكمًا في حدود قفزته العليا ليقفز فوق الفخ ويهبط على الأرض الصلبة المتصدعة.

أدار رأسه دهني الشعر الأسود ولاحظ حركة طفيفة.

بعد ذلك، اكتشف الوحش لوميان، الذي أظهر تعبيرًا مذعورًا وكان يحاول الاختباء خلف جدار.

بزمجرة منخفضة، قفز الوحش عالياً مرةً أخرى وإنقضَّ على هدفه.

هبط على بعد مسافة طفيفة من مكان وجود لوميان، لمنعه من الإلتفاف وتوجيه ضربة قاتلة له قبل أن يتمكن من الإستقرار.

تعثر لوميان في طريقه وهو يلتف حول الحائط، وإختفى عن الأنظار.

بمجرد هبوط الوحش، تفرقت التربة تحت قدميه، وسقط مع الأتربة وشبكة الحبال في حفرة عميقة ظهرت فجأة.

ثووود!

تردد صدى صوت إرتطام شيء ثقيل بالأرض عبر المبنى المهجور، مصحوب بصرير يشبه صراخ فأر.

لم يستطع لوميان، الذي قد اختبأ خلف الجدار، أن يمنع التشويق الذي تدفق من خلاله عند رؤية المشهد.

تم إنجاز الخطوة الأولى!

مع تبخر معظم خوفه، أمسك بالمذراة بجانبه واندفع نحو الفخ.

تركت قوة حياة الوحش عديم الجلد انطباعًا لا يمحى على لوميان. علاوةً على ذلك، إمتلك هدفه بندقية رش، لذلك امتنع عن كشف نفسه فوق الحفرة العميقة. بدلًا من ذلك، صوب المذراة من مسافة ودفعها في الحفرة.

في تحول مفاجئ للأحداث، نزلت المذراة وتوقفت فجأة.

على الفور، مرت قوة مكثفة من خلال المذراة، ساحبةً لوميان نحو الفخ بقوةٍ غاشمة.

غير مستعد، سقط لوميان إلى الأمام.

لم يكلف نفسه عناء فحص قاع الحفرة. تاركًا المذراة، إستدار وإندفع نحو الجدار الذي كان لا يزال قائمًا.

بانغ!

ضربت الصدمة لوميان كقطار شحن، مسقطةً إياه على الأرض.

الدم، بطعم معدني مميز، صعد أعلى حلقه.

مع صوت ثووود، ارتطم بالأرض، ملتفًا عدة مرات قبل أن يستعيد توازنه.

في نفس اللحظة، رأى المخلوق الوحشي- نصف بشري، ونصف وحش- يخرج من الحفرة العميقة.

حمل في يده بندقية رش ذات ماسورة واحدة. جسمه ممزق، كاشفًا عن عرض بشع من الجروح. سقط مزيج مقزز من سائل أحمر غامق وأصفر شاحب، بينما انسكبت دواخله.

على الرغم من إصابته بجروح بالغة بسبب فخ لوميان، لم يفقد المخلوق قدرته على القتال.

عندما سقط في الحفرة، تمكن من لف جسده بما يكفي لتجنب ضربة قاتلة. كانت أرجل وأذرع المخلوق لا تزال تعمل أيضًا، مما سمح له بالتحرر من الفخ.

دون التردد للحظة، انطلق لوميان إلى الأنقاض القريبة.

لم يكن قرارًا عفويًا. كان لديه خطة في ذهنه.

لقد علم أنه وُجِدَتْ فرصة لأن يفشل الفخ في تعطيل الوحش تمامًا، مما يتركه بقوة كافية للرد.

في حالة فشل الفخ، كانت خطة لوميان الطارئة هي إستخدام البيئة لصالحه. سيلعب لعبة القط والفأر، مُضَيِّعًا الوقت حتى يستسلم الوحش لجراحه. ستضعف قدرة رد فعله وقوته إلى حد كبير، وسيستطيع لوميان أن يضرب عندما تسنح الفرصة.

بانغ!

سُمِعتْ طلقة أخرى، تبعها صوت تناثر التربة حيث ظهر الرصاص في المكان الذي كان يقف فيه لوميان.

سرعان ما اختبأ خلف جدار نصف منهار وزحف على الأربع إلى الجانب الآخر من الأنقاض. فجأةً سمع صوت رياح تهب في الهواء.

لقد قفز الوحش من فوق.

استدار لوميان بسرعة وزحف عائدًا خلف الجدار نصف المنهار من خلال الفجوة.

لقد حقق أقصى استفادة من الظروف الخاصة للمباني المنهارة، مختبئًا في بعض الأحيان ومُلتفًّا حولها في أحيان أخرى، متجنبًا هجمات الوحش دون الانخراط في قتال مباشر.

كانت الغُمَّيضةُ هي نقطة قوة لوميان، حيث تم شحذها من خلال مقالب سابقة حيث استخدم هذه القدرة الفطرية للهروب من التعرض للضرب على الفور.

مع استمرار لعبة القط والفأر، وجد لوميان نفسه تدريجيًا يلهث، في حين أن سرعة جري، قفز، قوة وسرعة رد فعل الوحش قد ضَعُفَتْ بشكل واضح.

‘فقط لفترة أطول قليلاً، فقط لفترة أطول قليلاً. ما زلت لا أستطيع هزيمته الآن…’

تراجع لوميان إلى موقعه السابق، متكئًا على الجدار نصف المنهار ومُحاولًا السيطرة على رغبته في القيام بهجوم مضاد على الفور.

بانغ! فجأةً، شعر بضربة قوية على ظهره، مما أرسله محلقا إلى الأمام.

انفجر الجدار نصف المنهار والصخور خلفه إلى مليون قطعة، وتتساقط كالأمطار حوله وهو يرتطم بالأرض.

الوحش لم يطارده، وبدلًا من ذلك إختار الإصطدام بكل العقبات في طريقه بجسده.

لم يستطِع الجدار المهتز نصف المنهار بالفعل تحمل وطأة قوته الكاملة وإنهار تمامًا.

تدفق الدم القرمزي من جروح المخلوق، وتجمع على الأرض في عرضٍ بشع.

على الرغم من أنه فوجئ، إلا أن رد فعل لوميان كان سريعًا. تدحرج بعيدًا عن طريق الأذى وإختبأ خلف كومة من الأنقاض.

بانغ!

أخطأته طلقة بندقية رشِ الوحشِ بِـعُرضِ شَعرة.

بعد أن إصطدم بالجدار، كافح الوحش لإستعادة موطئ قدمه.

عبث في الحقيبة القماشية التي كانت مربوطة بخصره، ليجدها فارغة. مع زمجرة، ألقى البندقية جانبًا وإندفع نحو لوميان.

كان لوميان قد إندفع بالفعل إلى مكان جديد للإختباء من أجل مواصلة لعبة القط والفأر.

بالطبع، لم يستطع إبقاء هذه اللعبة مستمرةً إلى الأبد. فَـقد يفلت الوحش بعيدًا إذا انتظر طويلاً جدا، وقد تجذب الضوضاء آخرين من نوعه.

وبينما كان يلتفُّ حول المنطقة، لاحظ أن الوحش بدا وكأنه يتباطأ.

‘ها هي الفرصة!’

بقرار سريع، تظاهر لوميان بالهروب نحو مبنىً منهار.

بمجرد وصوله، وقف بثبات، سحب فأسه من ظهره، وأخذ لحظةً لإلتقاط أنفاسه.

في ومضة، إقترب الوحش من الزاوية ووقف أمام لوميان.

بدون تردد، رفع لوميان فأسه وإندفع للأمام.

خطى نحو المخلوق، لف جسده جانبًا وخفض كتفه. كان يخطط لضرب الوحش بجسده، حركةٌ علمتها لهُ أخته، ثم يقطع رقبته.

بام!

إتخذ لوميان خطوةً إلى الأمام، مميلًا جسده إلى صدر الوحش، لكن المخلوق لم يتزحزح. فوجئ لوميان بموقفه الثابت. حاول أن يدفع بقوة أكبر، لكن الوحش بقي كالجدار السميك.

‘ماذا…’

إنقبض قلب لوميان، وقفز للوراء. كان على وشك الانقضاض على الأرض ومحاولة الهروب من نطاق هجوم الوحش.

في ومضة، اندفع الوحش إلى الأمام وأمسك برقبة لوميان بِـقبضة موت.

لم يبدو وكأنه قد واجه أي مشكلة في الحركة على الإطلاق!

شهق لوميان مصدومًا بينما تم رفعه في الهواء، رقبته تنبض من الألم.

‘اللعنة، لقد تم خداعي!’

صاح، عقله يترنح.

ملأ صوت صرير الهواء، ولف العالم حوله، مما جعل رأسه يسبح.

لقد أخطأ فأسه هدفه وكان الآن ساقطًا جانبًا.

أدرك لوميان أخيرًا أنه قد تم خداعه من قبل الوحش في لعبة الذكاء.

على الرغم من كونه في حالةٍ يرثى لها، إلا أن المخلوق قد إمتلك قوة كافية للقتال. لقد زيَّفَ بمكر الضُعف، وجذبه للهجوم بدلًا من البقاء مختبئًا. كان لوميان قد إستخف بذكائه القتالي، ووجد نفسه الآن في وضع يائس.

كان الوحش قد وصل إلى حدوده بوضوح، كما اتضح من عدم قدرته على كسر رقبة لوميان. لكن ذلك كان مجرد فترة راحة مؤقتة. لا زال المخلوق قد امتلك طاقة كافية لإنهاء المهمة.

مع تهديد رقبته بالإنفجار ومع كيف أصبح تنفسهُ أكثر خشونة، شعر لوميان بعقله يبدأ في التلاشي.

فارغ.

بينما تأرجح لوميان على شفا الموت، عاودت كلمات السيدة بالظهور في ذهنه فجأة.

أرادت منه أن يستخدم ما يميزه في الحلم.

‘ميزة خاصة…’

كانت أفكاره شبه فارغة، ولذا سرعان ما إنتهز الفرصة للتأمل.

ظهرت الشمس الحمراء على الفور في ذهنه. على عكس محاولته السابقة للتأمل لتهدئة عواطفه، حيث اختفت الشمس بمجرد تشكلها، ركز هذه المرة على إبقائها في الوجود. فجأةً، اخترق صوت من أعلى، عالي بلا حدود، جمجمته.

كان الألم مدمرًا، وشعر لوميان كما لو أن قلبه قد ينفجر من صدره. لقد نسي أمر إمساك الوحش برقبته وحقيقة أنه كان يكافح من أجل التنفس.

فجأةً، سقط على الأرض بصوت عميق مزعج.

اختفى الصوت الغريب الذي صاحبه تأمله، لكن الألم ظل لا يطاق تقريبًا. لم يكن قادرًا على تقييم محيطه أو حتى تقييم الأضرار التي لحقت بجسده.

بعد فترة زمنية غير معروفة، هدأ الإحساس بالإقتراب من الموت.

لم يكلف لوميان عناء فحص رقبته. بدلًا من ذلك، وضع يديه على الأرض ورفع رأسه.

كان الوحش جاثمًا في الجوار، النصف إنسان ونصف وحش، ورأسه متدلي وذراعاه ممدودتان أمامه.

لاحظ لوميان أن جروحه كانت لا تزال تُسرِبُ الدم الممزوج بسائل أصفر، وارتعش جسم المخلوق بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

‘ما الخطب معه؟ هل تم إرعابهُ إلى حد الغباء بـ’التميز’ الذي أظهرتُه؟’ التقط فأسه الساقط وخطى خطوة نحو الوحش.

دون تردد، أمسك بالفأس بكلتا يديه وأرجحه في مؤخرة رقبة الوحش.

غرق الفأس بعمق في عضلات المخلوق وتوقف عند عظامه.

استخدم لوميان كل قوته لإزالة الفأس، ثم واصل هجومه، وقطع في عنق الوحش مرة، مرتين، ثلاث مرات. أخيرًا، انفصل رأس الوحش عن جسده برذاذ مقزز، تدحرج إلى الجانب.

بقي الجسد للحظة أطول، بالكاد متشبثًا بالحياة.

لا مقاومة، فقط إرتجاف.

وبعد ذلك، مع رعشة مفاجئة، إلتوى جسد لوميان، وأطلقت يداه قبضتهما الضيقة، تاركًا الفأس الملطخ بالدماء ينزلق مع صوت سحق مقزز.

هوف. فووو. هوف. إستطاع أخيرًا التقاط أنفاسه. ~~~~

2023/06/05 · 97 مشاهدة · 1448 كلمة
Kurt Wilson
نادي الروايات - 2025