عضت السيدة على كرواسون قبل أن تجيب على سؤال لوميان.
“أعرف.”
‘إنها تعرف حقًا…’
من وجهة نظره، كانت هذه السيدة الغامضة أقوى بكثير من ليا ورفاقها. إذا وافقت على المساعدة، فسيتم حل مشكلة كوردو، ولن يضطر هو وأخته إلى المخاطرة بحياتهما للهروب. لكنه كان قلق من عدم قدرته على تحمل الثمن.
لم يكن لوميان متفائلًا بأن المرأة ستوافق على المساعدة. لكنه شعر أنه من الضروريِّ المحاولة. حتى لو تم رفضه، فلن يشعر بالحرج الشديد. لم يكن مهتمًا بمثل تلك الأشياء.
إلتفتَتْ إليه المرأة وتحدثت بهدوء، “يمكنني حقًا حل المشكلة هنا، لكن الثمن المقابل هو أنه سيتم تدمير كل شيء، بما في ذلك أنت.
“إذا أردت نتيجةً أفضل، لا يمكنكم إلا الإعتماد على أنفسكم.”
اتسعت عيون لوميان في عدم تصديق.
‘أيعقل أن مشكلة كوردو بهذه الخطورة حقا؟’
لم يتفاجأ أو يشعر بخيبة أمل لأنها رفضت المساعدة. ما صدمه هو خطورة المشكلة. أمكن أن تؤدي إلى تدمير القرية بأكملها!
كان في حيرة ورُعبٍ من الموقف.
‘بما أنها قادرةٌ على حل المشكلة، فلماذا ستموت القرية بأكملها، بينما نحن، الناس العاديون والمتجاوزون الغير أقوياء بما يكفي، قادرون على تحقيق نتيجة أفضل؟’
إذا لم يتلقَ ردًا من الروايات الأسبوعية بعد يوم غد، فَـسيحث أخته على مغادرة كوردو على الفور. لم يستطع التأخير أكثر من هذا حتى لو عنى ذلك أخذ مخاطرة كبيرة! كان عليه أن يتصرف بسرعة!
“ما المشكلة؟” ضغط لوميان، كرامتُهُ لم تكن أولوية.
ابتسمت السيدة.
“إخباري لك وإكتشافك من خلال تحقيقاتك الخاصة ستؤدي إلى نتائجٍ مختلفةٍ تمامًا.”
عضَّ لوميان أسنانه بشكل غريزي. لم يستطع تحمل سلوكها المتمثل في إخفاء شيء ما دائمًا.
لسبب ما، إستشعر ذلك الشعور الغريب في عيني المرأة، شيء لم يستطِع تحديده حقا.
“حسنًا.” توقف لوميان للحظة، وازِنًا كلماته بعناية. “هل لديك أي معلومات عن السيدة بواليس؟ هل هي مشعو- آه، متجاوزة؟”
رفعت المرأة فنجان قهوتها إلى شفتيها وأخذت رشفة صغيرة قبل أن تجيب “نعم، إنها كذلك.”
‘كما هو متوقع…’
أصبح تعبير السيدة جديًّا في لحظة.
“إنه ليس مسارًا عاديًا.”
“ماذا تقصدين بعدم كونه مسار عادي؟” ضغط.
ابتسمت السيدة.
“سوف تكتشف ذلك لاحقًا.”
‘أريد أن أعرف الآن…’
واقفًا بالفعل وعلى وشك المغادرة، تذكر لوميان فجأةً شيئًا مهمًا…
“سيدتي، كيف يفترض بي أن أجلب تلك المكونات التكميلية إلى الحلم؟”
في أنقاض الحلم، لن يستطيع إيجاد سوى المكونات الأساسية مثل النبيذ الأحمر والريحان، ولكن بالنسبة لزهرة الكستناء الحمراء وأوراق الحور، كان عليه أن يجمعها في الواقع.
لم تكن المهمة مستحيلة، وكان لوميان قد فكر بالفعل في طريقة ‘لإستعارة’ هذه الأشياء، لكنه علم أن كل ذلك سيكون بلا فائدة إذا لم يستطِع أخذها إلى حلمه.
ابتسمت السيدة وقالت: “سأقدم لك القليل من المساعدة مرةً أخرى، مجانًا.
“اعثر على هذه المواد في الواقع، ضعها على الطاولة في غرفة نومك قبل أن تنام. سأساعدك على إرسالها إلى حلمك.”
‘يمكنها إرسال تلك الأشياء إلى حلمي؟’
لم يعتقد أبدًا أنه قد يقابل شخصًا آخر مع القدرة على ‘دخول’ عالم الأحلام الخاص كما إستطاع.
لم يستطع لوميان تجاهل شعور بأنه قد كان لقدرته على دخول أنقاض الأحلام علاقة بالرموز الخفية المحفورة على صدره. بينما حدق في المرأة التي أمامه، لم يستطع إلا أن يتساءل عما إذا كانت مرتبطة بتلك العلامات نفسها أو ذلك الصوت الغريب والمرعب الذي تردد في ذهنه.
كان لوميان قد غادر للتو الحانة القديمة مع خطط لجمع زهرة الكستناء الحمراء وأوراق الحور.
ولكن عندما استدار، رأى ريان، ليا وفالنتين يخرجون من الباب الخلفي للحانة. كانوا لا يزالون يرتدون نفس الملابس والأزياء.
تخطى قلب لوميان نبضة بينما حيَّاهم بإبتسامة.
“صباح الخير يا ملفوفاتي.”
أدارت ليا رأسها وضحكت وسط رنين أجراسها.
“أنت مبكِّر أيضًا.”
حاول لوميان التصرف بتستر ونظر حوله قبل التحدث بنبرة خافتة.
“لقد لاحظتُ شيئًا غير عادي أمس.”
أصبح تعبير ريان جادًا بينما تبادل النظرات مع فالنتين وليا.
“ما هو؟”
ارتجف صوت لوميان قليلًا وهو يتكلم.
“أظن أن موت ناروكا أمر غير طبيعي. لقد حضرتم جنازتها أمس.”
أعطى ريان لوميان نظرة مشجعة للإستمرار، وأخذ لوميان نفسًا عميقًا قبل الشروع في تفسير شكوكه.
“أخبرتكم عن عادات الجنائز في منطقة داريج، أليس كذلك؟ بعد أن ذهب الجميع إلى المقبرة، دخل بونز بينيت منزل ناروكا دون أي اعتراض من المالك.
“ألن يدمر ذلك تأثير برج عائلتهم ويسلب منهم العناية الإلهية المقابلة؟
“لابد من وجود خطأ ما!”
“بونز بينيت، شقيق الأب؟” فكر ريان لبضع ثوانٍ وسأل.
أومأ لوميان بشدة.
بينما فكر لوميان في مجموعة الأب الغريبة ومغادرته الوشيكة من كوردو، أدرك أنه لم يكن لديه ما يخشاه من التحدث بما ظنه. وبنفس عميق، أعلن، “إن الأب ليس رجلًا صالحًا!”
“لماذا تقول هذا؟” سألت ليا بابتسامة، من الواضح أنها لم تتفاجأ بإنتقاد لوميان للأب.
مع عدم كونه أبدًا شخصا يحب الشكليات، بدأ لوميان بسرد تفصيلي لقروي كان قد أبلغ في داريج ثم اختفى بعد ذلك. كان تركيزه على الإتهامات الموجهة للأب، ولم يمسك أي شيء على الإطلاق.
أخيرًا، قال، “أنا حقًا أتساءل كيف هو رجل دين في الكنيسة.
“ذات مرة، قلتُ شيئًا أعتبر حقيقي أكثر من اللازم، واضطررت للاختباء مؤقتًا في الكاتدرائية.
“كنت على وشك أن أغفو خلف المذبح عندما دخل الأب مع السيدة بواليس. واسمحوا لي أن أخبركم، لقد فعلوا الفعل القذر تحت نظرة الإله مباشرةً.
“في المحادثة التي أعقبت الفعل، قام الأب بالإعراب عن ندمه للسيدة بواليس حتى، قائلًا، ‘لماذا لا يمكن للرجل أن يتزوج أخته؟’
“فزعت السيدة بواليس من كلماته وتوسلت لأن يتوب الأب.
“ومع ذلك، قال الأب، ‘العديد من العائلات الثرية تفقد ثرواتها عندما تتزوج بناتها ويبدأ أبناؤها في تكوين أسر. ولكن إذا تمكن الابن من الزواج من أخته، فإن هذه المشاكل ستختفي. للأسف، القانون والأخلاق لا تسمح بذلك’…”
إلتوى وجه فالنتين المتجمد غضبًا من الخبر.
“هل هو عبدٌ للإله أم عبدٌ للشيطان؟”
أومأ ريان كما لو كان في تفكير.
“لا عجب أن بونز بينيت لم يستطِع تكوين أسرة على الرغم من زواجها لكل هذه السنوات…”
استطلعت ليا لوميان وهي تضحك.
“كنت تعرف عن علاقة السيدة بواليس والأب. أردت أن تستخدمنا في ذلك اليوم.”
كانت ابتسامة لوميان غير مرتاحة، لكن نبرته كانت حازمة.
“كَـمؤمن بالشمس المشتعلة الأبدية، لم أستطيع تحمل وجود مثل هذا الشخص في الكاتدرائية.”
خفَّ تعبير فالنتين البارد، وأومأ برأسه بإستحسان.
“فقط لو كان بكوردو أناس أكثر مثلك.”
‘أناس أكثر مثلي؟’
تابع، “في ذلك الوقت، سمعت الأب يُحَذِرُ السيدة بواليس من أنه كان يخطط لشيء ما ولربما قد يتم إستهدافه من قبل محاكم التفتيش. أخبرها أن تبقى حذرة وأن تلتزم الصمت.”
أصبح تعبير ريان جديًّا.
“هل قال أي شيء آخر عن ذلك؟”
“لا.” لم يقم لوميان بتلفيق الأمر.
لم يستطع المجازفة بقول أكثر من ذلك. إذا فعل، سيمكن أن تنفجر المشاكل في تلك الليلة. لم يكن حتى متجاوزًا بعد.
بعد توديع الثلاثي الأجانب، أمضى لوميان ساعات في جمع زهور الكستناء الحمراء وأوراق الحور.
مع اقتراب الشمس من ذروتها، وصل لوميان إلى ساحة القرية وشق طريقه إلى المبنى المكون من طابقين حيث تم إجراء الأعمال الرسمية.
كان معظم القرويين قد تجمعوا هناك بالفعل، منتظرين بفارغ الصبر اختيار إلف الربيع، ما قد كان جزءًا مهم من احتفال الصوم القادم غدًا.
ضاغطًا نفسه عبر الحشد، اكتشف لوميان رايمون وآڤا والآخرين.
“هل آڤا في القائمة؟” سأل.
ظلت آڤا صامتة، نظرتها الغاضبة واضحة. هز رايمون رأسه. “لا نعرف.”
“يجب أن تكون.” قال غيوم بيري، رفيق معتاد لِـلوميان والآخرين، “من بين النساء غير المتزوجات في القرية، غير أختك، إنها الأجمل. أختك لا تفي بمتطلبات العمر.”
لقد كان غيوم الأصغر الذي تحدث عنه لوميان والآخرون. لقد تسكع معهم بشكل متكرر. إمتلك غيوم شعرًا بنيًا مجعد ونمشًا بارزًا على وجهه. بدت عيناه الزرقاوان مضاقة لأنها لم تكن كبيرة بما يكفي.
وقفت أزيما، ابنة عم آڤا، في مكان قريب أيضًا، بدت مثل آڤا لكنها أصغر حجمًا وأقل لفتًا للإنتباه.
بقيت صامتة، لكن لوميان شعر برغبتها في أن يتم اختيارها كَـإلف الربيع أيضًا.
في منطقة داريج، كان اختيار ‘إلف الربيع’ شرفًا مرموقًا لم يعترف بجمال الشخص وشخصيته فحسب، بل جاء أيضًا بفوائد خفية.
عند سماع كلمات غيوم الأصغر، ابتسم لوميان.
“لو أن آڤا ليست في القائمة، سأصرخ، ‘أنا أصوت لآڤا!’ عندما ينتهي المسؤول من قراءته لها.”
إحمرَّتْ آڤا. “ليس عليك القيام بذلك.”
لقد كانت عملية عادية لأن يقوم القرويين بالصراخ بمرشحين إضافيين بعد إنتهاء المسؤول من قراءة قائمة المرشحين لِـإلف الربيع. ومع ذلك، لم يكن لدى الكثير الجرأة للقيام بذلك. ومع ذلك، لم يكن لوميان شخصًاُ يخجل من مثل هذه الأشياء.
لم يكن لديه أي شكوك حول ذلك.
‘آڤا ستكون من يخجل، ليس أنا.’
بعد فترة وجيزة، ظهر المسؤول بيوست عند نافذة من الطابق الثاني، بدا أكثر رُقيًّا من الأب. شعره البني مُمَشط بعناية، وعيناه الزرقاوان الفاتحتان مع خطوط سوداء، جسر أنف مستقيم، شفاه رفيعة، وشارب مُعتنى به جيدًا أظهر مكانته، وأبرزها معطفه الفانيلي مزدوج جيوب الصدر.
حدق في القرويين المجتمعين للحظة قبل الكلام.
“سيداتي وسادتي، لقد حان الوقت. أولئك الذين تأخروا لن يكون لهم الحق في التصويت بعد الآن.
“تاليًا، سأقرأ قائمة المرشحين لجائزة إلف الربيع.”
“آڤا ليزير…”
بينما قرأ بيوست القائمة، تنهدت آڤا بإرتياح.
مما لا يثير الدهشة، لقد حصلت على أكثر من 80٪ من الأصوات.
بعد التصويت، قدم لوميان عذرًا عن حاجته للعودة إلى المنزل وغادر دون الاحتفال مع رفاقه.
عند وصوله إلى المنزل، سأل أخته على الفور، “هل تلقينا ردًا؟”
لو فعلوا، لكان عامل التلغراف قد سلمه وجمع الرسوم.
“ليس بعد.” أجابت أورور وهي تهز رأسها.
ثم قالت، “التيارات التحتية قد كانت مضطربة في الآونة الأخيرة. لا يمكنك أن تترك حذرك أثناء التدريب القتالي. بالحديث عن ذلك، سوف نَتنازَلُ في فترة ما بعد الظهر.”
جفل لوميان، وشعر بالألم في كل مكان.
ولكن بعد ذلك خطرت بباله فكرة. وضع تعبيرًا متألمًا وقال:
“لا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب أنني كنت أتدرب بشدة، لكن جسدي كله يؤلمني اليوم. أورور، آه، أختي، هل يمكنكِ تدليكُ جسدي قليلًا؟ أنتِ الأكثر مهارةً في ذلك.”
“بالتأكيد، يمكنني فعل ذلك.” أومأت أورور.
…
تحت الأيدي الماهرة لأخته، بدأ جسد لوميان أخيرًا في التعافي في تلك الليلة.
قبل الانجراف للنوم، وضع لوميان ثلاث زهور كستناء حمراء وبعض أوراق الحور المجففة في زجاجة على الطاولة أمام النافذة.
حدق في الزجاجة لفترة طويلة، وقلبه ينبض بترقب وعصبية، قبل أن يزحف أخيرًا تحت الأغطية. ~~~~