القماش، الجرار، البيض اللاتي تناثر عليهم الدم، إلى جانب الرائحة الكريهة، فشلت جميعًا في إثارة رد فعل من الأب غيوم بينيت. أدار جسده وركز عينيه على بقعة معينة في الكاتدرائية، حيث إنعكست شخصية لوميان في عينيه الزرقاوتَين.

تغير لون عيني الأب، وأصبحتا أثيريتَين لدرجة أنهما بدتا شفافتين.

تم إحاطة لوميان برموز فضية معقدة إلتفَّتْ حوله كأنهار صغيرة. لقد ركض عبر نهر وهمي تشكل من هذه الرموز، مع روافد ضبابية أمامه.

مد غيوم بينيت يده اليمنى وسحب رمزًا ذو لون زئبقي أحاط بِـلوميان.

داس لوميان بقدمه اليمنى، مستعدًا لقذف نفسه من خلال الزجاج الملون والخروج من الكاتدرائية.

لكنه إنزلق ولم يستطِع حشد القوة الكافية، وأُرسل جسده طائرًا.

بضجة عالية وصوت تكسر، إرتطم لوميان بالزجاج المُلَون الذي صَوَّرَ القديس سيث، لكنه فشل في إختراقه وبدلًا من ذلك عاد ساقطًا في الكاتدرائية.

كان جسده مغطىً بالجروح، وتدفق الدم بحرية.

ركز الراعي بيير بيري، الذي كان قد قطع رأس آڤا في وقت سابق بفأس، على لوميان.

كذَّبَتْ إبتسامته اللطيفة الضراوة في عينيه الزرقاوتين، وكأنه قد تم فك ختمٍ بداخله، كاشِفًا عن طبيعته الحقيقية.

إنقضَّ بيير بيري على لوميان بالفأس، جسده يبدو وكأنه يزداد طولًا وقوة مع كل خطوة.

انحنى لوميان على النافذة الزجاجية المكسورة، وظهره يواجه الراعي عديم الرحمة.

كافح لوميان لتحرير نفسه من آلام التعرض للطعن عندما سقط بشدة على الأرض. بينما سند نفسه بيديه للقفز خارجًا من الكاتدرائية، إنتابَهُ شعور غير طبيعي بالخطر.

‘شخصٌ ما يقف ورائي.’

أدرك. متجاهلاً الألم والدم، إستمر في الضغط على إطار النافذة الزجاجي المكسور وتظاهر بالتدحرج للخارج، مستخدمًا لذلك كغطاء لِـسحب جسده سريعًا والتراجع بدلًا من التحرك للأمام.

بانغ!

فجأة، إصطدم فأسٌ بإطار النافذة، مرسلًا إياه طائرًا من الكاتدرائية بصوتٍ عالٍ.

تدحرج لوميان إلى الوراء، متجنبًا هجوم بيير بيري العنيف بصعوبة وهو يقفز متجاوزًا قدميه.

لكنه لم يشعُر بالارتياح. كان بيير بيري قد أغلق طريق هروبه الوحيد، مُجبرًا إياه على العودة إلى الكاتدرائية.

على الرغم من قراءة عدد لا يحصى من الروايات، عرف لوميان أنه لم يستطِع الإعتماد على التدحرج فقط لتجنب التعرض للضرب. بينما تخطى بيير بيري، سرعان ما دعم نفسه بمرفقه، بذل القوة من خصره، وقفز واقفًا.

قام بمسح المشهد وأدرك أنه ما عدا غيوم الأصغر وعدد قليل من الآخرين، فقد جميع الفتيان عقولهم وأصبحوا مُختَلّين.

لقد تجاهلوا جثة آڤا مقطوعة الرأس والدماء التي لطخت الأرض، وصرخوا بحماس، “أرسلوا إلف الربيع! أرسلوا إلف الربيع!”

وقف غيوم الأصغر وعدد قليل من الآخرين في حالة صدمة، مُحَدِقينَ في عيني آڤا الواسعتين المبتسمتين دون أن يتحركوا.

حُفِرَ الخوف، الذعر وعدم التصديق في وجوههم وكأنهم محاصرون في كابوس لا ينكسر.

لاح بيير بيري فوق لوميان، يبدو أطول من قبة الكاتدرائية.

أخطأ فأسه، لكنه سرعان ما أرجعه وأرجحه على لوميان مرة أخرى. تفادى لوميان الهجوم بمهارة وهرب على الرغم من عدم إمتلاكه لموضعِ قدم.

ثووود ثووود!

إستفاد لوميان بالكامل من سرعة وخفة حركة الصياد بينما ركض في قوس.

الهدف: الأب!

لقد عرف أنه وجب عليه التعامل مع القائد، مهما هاجمه الآخرون. إتخذ موقفًا شرسًا، مصممًا على إما أن يسمحوا له بالفرار أو يموتوا معه وهو يحاول.

بهذه الطريقة فقط قد يمكن إنشاء معجزة في وضع غير مواتٍ للغاية.

لم يلاحق الراعي بيير بيري لوميان. وقف أمام إطار النافذة المكسور، ممسكًا بفأسه الملطخ بالدماء ومد يده اليسرى بإتجاه لوميان.

غرقت الكاتدرائية في الظلام، وأصبح محيط لوميان أكثر شؤمًا.

وهي تأتي للحياة على ما يبدو، اهتزت الهاوية بلطف، وكأنها ستارة كانت خلفها أذرع بيضاء شاحبة، سوداء قاتمة وغريبة مستعدة للضرب.

أصبحت عيون الأب غيوم بينيت شفافة تقريبًا، بينما غُمرت شخصية لوميان في نهر وهمي تكون من رموز زئبقية متلألئة. رأى أمامه شيئًا مشابهًا ولكنه أكثر سريالية، كما لو أنه قد مثل المستقبل أو روافد.

بعد عدة تجارب، وجدت اليد اليمنى لغيوم بينيت أخيرًا النمط الرئيسي المُكَوَنَ من رموزٍ متعددة.

بحركة واحدة، أمكنهُ إعادة كتابة مستقبل لوميان وجعلِ كل جهوده غير مجدية.

لكن فجأة، تجمدت عيون الأب، وأطلق صراخًا. أَغمَضَتْ عيناه بإحكام بينما إنهمرتْ دموعٌ ضبابيةٌ أسفل وجهه.

وسط صراخه، إتَّسعَ جسده مثل بالون يُملأ بالغاز، وتصدع رداءه الأبيض ذو الخيوط الذهبية تحت الضغط.

أصبحت بشرته شبه شفافة، كاشفةً عن العلامة الغريبة التي كانت مخبأةً تحت ملابسه.

العلامات السوداء التي أشبهت بِـختمٍ متصلٍ بعالم لا يوصف. ملأت الهالة المرعبة التي أطلقها الكاتدرائية، تاركًا الفتيان الذين ما زالوا يرسلون إلف الربيع في حالة من الرعب الشديد. إما ركضوا حول التضحية، ركعوا على الأرض أو سجدوا على الأرض، خائفين من النظر إلى الأعلى.

أُغمي على غيوم الأصغر والعدد القليل من الآخرين من الخوف، تاركين بِرَكًا من البول ورائحة كريهة.

كان الراعي بيير بيري على وشك استخدام قدرة الغوامض خاصته للإمساك بلوميان عندما ألقى بفأسه، ركع على ركبة واحدة، حنى رأسه وأوقف كل حركاته.

لوميان كان الوحيد الذي لم يتأثر في الكاتدرائية بأكملها.

على الرغم من أنه شعر بألم غير طبيعي في رأسه، إلا أنه لم يكن شيئًا مقارنةً بالصوت الغامض الذي كاد يقتله.

كما شعر بإحساس حارق في صدره، وإشتبه في ظهور رمز السلسلة الشائكة السوداء، إلى جانب رمزٍ أسودٍ مُزرق يشبه العين والديدان.

ومع ذلك، لم يكن لديه وقت للتحقق من حالته الجسدية أو فهم لماذا صارت له اليد العليا فجأة. واصَلَ الجري نحو الأب غيوم بينيت، مصممًا على عدم ترك أي فرصةٍ تضيع!

كلما إقترب أكثر، كلما استطاع لوميان أن يرى العلامات السوداء الفريدة، التي تشبه الأختام المكونة من رموز وكلمات غريبة، بوضوحٍ أكثر.

سرعان ما مسح بصره ولاحظ شيئًا مألوفًا: رموزٌ سوداء تشبه الأشواك والتي حفرت خارجةً من الصدر الأيسر للأب غيوم بينيت وأحاطت به.

كان مطابقًا لصدر لوميان، لكنه أخف بكثير.

‘لديه واحد أيضًا؟’

ارتجف قلب لوميان.

‘أهذا هو السبب الجذري للشذوذ في القرية؟’

‘لماذا يوجد فيَّ أيضًا؟ متى حصلت عليه؟’

ظهرت الأفكار بسرعة في ذهن لوميان، لكنه لم يسمح لها بإلهائه عن تحركاته.

ركض نحو غيوم بينيت ومد ذراعه اليمنى ولفها حول رأس العدو.

دون توقف، دار بقوة خلف الأب، وبسرعة، إستدار رأس غيوم بينيت وواجه عموده الفقري.

‘فووو…’

تنهد لوميان بإرتياح، مع معرفته بِـأن أكبر مشكلة قد حُلت. كان عليه أن يسرع إلى المنزل ويهرب مع أخته، تاركًا الباقي للأجانب الثلاثة ليتعاملوا معه.

ولكن بمجرد أن إستدار لوميان للمغادرة، فتح غيوم بينيت، الذي كان من المفترض أن يكون ميتًا، عينيه.

كانتا حمراوتين كالدم، وقَسَمَ طنينٌ حادٌ رأس لوميان إلى نصفين، الألم الشديد منعه من الصراخ.

تحطم كل شيء أمام عينيه، وغمره الظلام بينما فقد وعيه.

‘مؤلم!’

‘كم هو مؤلم!’

جلس لوميان فجأة، فتح عينيه وفرك رأسه.

لقد رأى المحيط المألوف لغرفة نومه: الطاولة الخشبية، الكرسي القابل للإمالة، خزانة الملابس وأرفف الكتب الصغيرة على كلا الجانبين.

‘لقد أنقذتني أختي الكبرى؟ لكم من الوقت فقدتُ الوعي؟ كيف هو الوضع في الكاتدرائية؟’

لم يكن لدى لوميان الوقت الكافي للتفكير في الأمر. دون إضاعة أي وقت، نزل لوميان من السرير وأمسك رأسه وخرج مسرعًا.

وجد أورور بالمطبخ في الطابق الأول، ترتدي ثوبًا أزرقًا فاتحًا وتُحَضِّرُ العشاء.

صرخ لوميان، “أورور! أختي الكبرى، نحن بالحاجة إلى الهرب! لقد أصيب الأب والعديد من الناس في القرية بالجنون. لقد قتلوا آڤا في نهاية الاحتفال!”

لم يكن متأكد مما إذا عرفت أخته عن الحادث، لذلك ذهب مباشرةً إلى لب الموضوع. فبعد كل شيء، كان هناك العديد من الطرق ليتم إنقاذه بها، لم يعني ذلك أنه وجب أن تكون في مكان الحادث.

استدارت أورور، وبدت مرتبكة، وسألت، “احتفال؟ احتفال الصوم الكبير؟”

“نعم.” أومأ لوميان بقوة.

ابتسمت أورور.

“كانت تلك قصة مخيفة حقًا. جملتان وقد جعلتني أشعر بكل أنواع الخوف. لكن اسمع، يجب أن تكون أكثر حرصًا مع حكاياتك. لا يزال الصوم الكبير على بعد أيام قليلة.”

“…” تفاجئ لوميان.

2023/06/05 · 81 مشاهدة · 1172 كلمة
Kurt Wilson
نادي الروايات - 2025