صُعق لوميان من العربة التي يسحبها ‘الشياطين’ وردود أفعال اللاموتى. لقد نسي الكفاح ودفعه الكف غير المرئي لأكثر من عشر ثوانٍ قبل أن يتوقف.
على الرغم من أن العربة كانت تبتعد أكثر، إلا أنه كان لا يزال بإمكانه رؤية وجه المرأة بوضوح برؤيته الشبيهة بالنسر.
رُبِطَ شعرها البني الطويل عاليًا، كانت عيناها البنيتان جميلتان ومشرقتان. وإمتلكت حاجبان خفيفان وإرتدت فستانًا أخضرًا ناظرًا وتاجًا غارًا مصنوعًا من الزهور. كان لديها هالة أنيقة ومهيبة.
‘السيدة بواليس!’
ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، لاحظ وجود فرق واضح بين الإثنتَين. لم يكن هناك تفاوت كبير في هالتهما فحسب، بل كان هناك أيضًا إختلاف واضح في مظهرهما.
كان للسيدة في العربة ملامح وجه أكثر نعومةً ونضجًا.
إذا كان على لوميان إجراء مقارنة، فإنه سيصف السيدة في العربة على أنها الأخت الكبرى للسيدة بواليس بسبع أو ثمانِ سنوات.
في تلك اللحظة، جلست السيدة في عربة مفتوحة يسحبها ‘شياطين’. محاطة بعدد لا يحصى من اللاموتى وفارس الموت، سافرت نحو الغابة البعيدة كما لو كانت في دورية سحرية.
أرجعت أورور نظرتها وركضت نحو لوميان. وبينما كانت تجري، صرخت، “إغتنم هذه الفرصة للهروب من هنا!”
إستفاق لوميان من ذهوله وإنتظر حتى تلحق أخته به قبل أن يخطو خطوات كبيرة ويهرب إلى حافة البرية الأقرب.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى شعرا وكأنهما مرا عبر ستارة وهمية أو طبقة سميكة من الماء.
تغير المشهد أمامهم.
تبددت البرية مثل الفقاعات. دخل النهر الصافي، والعشب النظِر على كلا الجانبين، والأشجار الخضراء جميعًا وجهة نظرهم في الحال.
بالنسبة لِـلوميان وأورور، كان هذا المشهد مألوفًا جدًا لدرجة أنهما لم يحتاجا إلى التعرف عليه لإصدار حكم.
كانوا لا يزالون بالقرب من قرية كوردو!
كان هذا هو المكان الذي إعتادتْ آڤا ليزير على الإعتناء بإوَزِّها فيه!
“عُدنا…” لم يتفاجأ لوميان أو يَخيبَ أمله. بدلا من ذلك، نظر حوله، بعد أن أكد شكوكه.
لهثت أورور وقالت، “سواء إرتكبت السيدة بواليس خطًأ عمدًا أم لا، لا يمكننا العودة إلى القرية الآن.”
“دعينا نتوجه إلى داريج!” إقترح لوميان على الفور.
وأضاف لوميان، “بعدها، دعينا نذهب إلى أقرب مرعى. هناك طريق خطير أسفل التل. بقدراتنا، سنكون على ما يرام.”
“تمام.” إستدارت أورور وبدأت في الركض.
بكونها تستعير المهر من السيدة بواليس من وقت لآخر، كانت مألوفةً بمراعي المرتفعات حول كوردو.
تبع لوميان أخته عن كثب، سعيدًا وخائفًا مما حدث للتو بنفس القدر.
لم يتوقع أن تكون السيدة بواليس قويةً جدًا لدرجة أن تجعل ذلك الكم من اللاموتى، ‘الشياطين’، وفارس الموت يطاردونها.
بالطبع، قد لا تكون السيدة بواليس.
أثناء ركضها، تباطأت أورور. أصبح تنفسها أثقل، وأصبح شهيقها أكثر وضوحًا.
“ما الخطب؟” كان لا يزال لدى لوميان الكثير من الطاقة.
كانت هذه إحدى مزايا كونه صياد.
توقفت أورور ولهثت بشدة.
“لقد إستُنفِدتُ. إستهلك إلقاء التعاويذ الكثير من طاقتي.”
قال لوميان دون تردد، “إذن سأحملك. أنا لستُ متعبًا بعد.”
لقد كانوا في حالة يرثى لها، وكان الوقتُ مهمًا. أومأت أورور برأسها، ذهبت وراء لوميان المقرفص، وإتكأت عليه.
خلع لوميان المشبك أمامه عليه وأعاده إلى أخته. ثم قام بتقويم جسده وركض مرةً أخرى.
“أهذا غرض غامض؟” كان لا يزال لدى لوميان الطاقة للسؤال.
فوجئت أورور للحظة قبل أن تضحك.
“يبدو أنك تعرف الكثير. هذا بالفعل غرض غامض. أدعوه مشبك النزاهة. يمكنه صنع ضوء الشمس المقدس أو مساعدتي في إشعال المواد لمساعدتي في استخدام تقنيات غوامض للتعامل مع المخلوقات من نوع الأشباح. ومع ذلك، إن ارتدائه لفترة طويلة سيجعل الشخص يصبح متعصبًا. وطالما ترتديه، ستفقد بعض الأفكار. كما تعلم، قد تكون الأساليب غير الأخلاقية في المعركة أكثر فائدة، لكن يتم تقيدك من قبلها.”
توقفت أورور وسألت بصوت عميق، “من أين حصلت على خاصية التجاوز؟”
بينما ركض لوميان، أجاب بشكل متقطع، “ألم تسمح لي بطاقة العصا تلك بأن أبقى مستيقظًا في الحلم؟”
“أي بطاقة عصا؟” كانت أورور مرتبكة.
‘أوه، هذا شيء من الدورة السابقة…’
“كنت في الحانة القديمة وإلتقيت بسيدة غامضة. أعطتني بطاقة تاروت عصا. بتلك البطاقة، بقيت واعيًا في حلمي ودخلت مكانًا غريبًا. هناك، واجهت بعض الوحوش وحصلت على خاصية تجاوز صياد.”
“صياد…” كانت أورور مألوفةً بهذا التسلسل الذي أمكن رؤيته بكثرة في إنتيس.
بينما تمتمت لنفسها، ضحكت فجأة، بدا وكأنها قد فكرت في شيء ما.
‘على ماذا تضحك…’
سألت أورور مرةً أخرى، “إذن من أعطاك التركيبة؟ تلك السيدة الغامضة؟”
“نعم.” أومأ لوميان وهو يركض.
تنهدت أورور وقالت، “لدى أخي الغبي أسراره الخاصة الآن… لا أستطيع تأكيد ما إذا كان ما قلته صحيح أم لا. سآخذ الأمر كما هو.”
لم يستطِع لوميان تحمل رؤية أخته محبطة، لذلك سرعان ما غير الموضوع.
“هل كانت تلك السيدة بواليس على العربة؟”
“إنهما متشابهتان، لكنهما ليستا متماثلتَين.” قالت أورور، مناقضةً لنفسها.
بعد بضع ثوان من التفكير، قالت، “بما أنك بالفعل متجاوز، سأخبرك مباشرةً. أصحابي، آه، رفاقي بالمراسلة، ذكروا شيئًا ذات مرة.
“قالوا أنه في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك العديد من الظواهر الغريبة المشابهة لما حدث الآن في الأجزاء الجنوبية من لوين، الأجزاء الجنوبية من إنتيس، ومملكة فينابوتر. تركب نساء لعربات تجرها الشياطين، وتَقُمن بدوريات في البرية وتتبع فيالق من اللاموتى بعدهن. سيسمح بعض المتجاوزين الذين استوعبوا فنون الغوامض المقابلة لأرواحهم بمغادرة أجسادهم وإتِّباع العربة لفترة من الوقت لتجربة شيء رائع والحصول على معرفة الغوامض.
“حصل أحد رفاقي على دفاتر أحد المتجاوزين. وذكر أن اسم السيدة هو السيدة ليل. حصل صاحب دفتر الملاحظات على طريقة إنتاج دواء سري من تجربته في متابعة العربة، والذي يمكن أن يصنع جرعة مخفية من جثة طفل رضيع.
“وفقًا للتحقيق، تُظهر النساء في أماكن مختلفة ظواهر مماثلة، لكن الأشياء تحدث في الليل.”
قال لوميان في مفاجأة، “لكن الوقت نهارٌ الآن.”
‘أيمكن أن الشذوذ في قرية كوردو قد أحدث تغييرًا؟’
“ذلك هو السبب في كوني لست متأكدة.” قالت أورور بعد التفكير للحظة، “لربما أحدث إرسال ناروكا إلى باراميتا فرقًا. لربما هذه البرية هي باراميتا، حيث تقوم السيدات ليل بدوريات في النهار وتظهرن في العالم البشري ليلًا. نعم، جنبًا إلى جنب مع حقيقة أن السيدة تشبه بواليس، فأنا أميل إلى التخمين السابق.”
لم يكن لوميان يعرف الكثير عن الغوامض، لكنه شعر غريزيًا أن شكوك أخته كانت صحيحة.
ركض في صمت لمسافة قبل أن يسأل أخيرًا، “لماذا ضحيتِ بنفسكِ لإنقاذي؟ أتمنى أن تكوني أكثر أنانية.”
“أنا أنانية للغاية.” قالت أورور بإبتسامة، “فكرت في التخلي عنك والهرب بمفردي. ثم سأنتقم لك عندما أصبح أقوى. ومع ذلك، بعد دراسة متأنية، أدركت أنه حتى لو أعطيتك مشبك النزاهة وعلمتك كيفية استخدامه، فلن تكون قادرًا على مساعدتي في جذب معظم اللاموتى لإعطائي فرصة للهروب. فقط مشعوذ مثلي قد يستطيع فعل ذلك.
“لقد كان إختيارًا بين الموت معًا أو على الأقل أن تكون قادرًا على العيش. لست مضطرة لأن أخبرك بإختياري، أليس كذلك؟”
‘إن اتخاذ مثل هذا الاختيار ليس سهلاً بالقدر الذي تجعلينه يبدو.’
قال بظلمة، “يمكننا أن نموت معًا أيضًا.”
“لا يمكنك أن تموت! من سيعيدني إذا رحلت؟ كل شيء ممكن في عالم الغوامض.” ألقت أورور محاضرة على شقيقها. “لهذا السبب قلت كل تلك الكلمات الكليشيهية. لكي تتذكر أن تعمل بجد وتعيدني.”
‘ذلك صحيح…’
بعد الركض لبعض الوقت، رأوا أقرب مرعى في المرتفعات. من الواضح أن لوميان، الذي كان يحمل أورور، شعر بالتعب، لكنه لم يتوقف للراحة. جمع قوته المتبقية وإندفع إلى التل المغطى بالعشب الأخضر.
وجدت العديد من حظائر الماشية والأكواخ هنا. أُحيطت الأولى بالصخور وأغصان الأشجار. كانت الأرض تربة صلبة وبرازًا مضغوطًا. وُجِدَ مَخرجٌ طويلٌ وضيقٌ في أحد الأطراف، والذي سمح بمرور خروف واحد فقط. كانت الأخيرة مشابهة لخيمة بدائية: إستخدمت الحجارة أولًا لبناء دائرة من الجدران المنخفضة، تاركةً بابًا وفتحة دخان. ثم تم بناء صف من القضبان على الجدران المنخفضة. تم دفن النصف السفلي من القضبان في التربة، ودعم الطرف العلوي هيكل خشبي. على الهيكل الخشبي وقف سقف مصنوع من العشب والطين.
ذلك هو حيث عاش الرعاة. كانت البيئة قاسية للغاية.
لم يحمل لوميان أورور بعد الأن وقادها طوال الطريق إلى الجانب الآخر من التل.
تم إخفاء المسار الخطير في الأسفل.
عند النظر إلى المسار الذي تطلب منها القفز من سبعة إلى ثمانية أمتار من الجرف، قالت أورور لِـلوميان، “على الرغم من أنه يمكنك تسلق هذا الآن، لا تضيع الوقت. سوف أطير بك إلى الأسفل.”
“حسنًا.” أراد لوميان أن يرى نوع التغييرات التي ستحدث إذا غادر كوردو.
أمسكت أورور بذراع لوميان بيد واحدة ونثرت الغبار الفضي بالأُخرى.
طاف الإثنان في نفس الوقت وطارا ببطء من على الجرف.
في الجو، شعر لوميان فجأةً بألم في رأسه، كما لو أن أحدهم قد ضربه بشدة.
كان لأورور رد فعل مماثل.
سرعان ما أصبحت رؤية لوميان سوداء بينما شعر بتحطم كل شيء.
…
إستيقظ لوميان ورأى المشهد المألوف للطاولة، الكرسي، رف الكتب وخزانة الملابس.
‘عدنا إلى المربع الأول…’
“أورور، ما هو تاريخ اليوم؟” سأل لوميان.
حدقت أورور في وجهه. “أدعوني بِـأختي الكبرى! أما زلت لم تستيقظ تمامًا؟ إنه اليوم التاسع والعشرون.”
~~~