ضربت الفكرة لوميان كالصاعقة، لكن لم يكن لديه الرغبة بالعمل بها حقا.
متجاهلين حقيقة أن سنوات قد مرت منذ وفاة المشعوذ وأن سنين عيش البوم كانت متواضعة مقارنةً بالبشر، العدد الهائل من الطيور في الجبل قد كفى لجعل لوميان يعيد النظر.
لقد وُجد الكثير من تلك الأشياء اللعينة!
ليس لتلك البومة أي علامات مميزة… لا، في الأسطورة، لم يكن هناك أي ذِكرٍ لأي شيء محدد عن البومة. لم تكشف ناروكا عن كل شيء… لم نستفسر بعمقٍ كافٍ…
“بومة مرتبطة بمشعوذ يمكن أن تعيش لمائة عام.”
بينما إرتجف رايمون من الخوف، طمأنه بصوتٍ هادئ، “لا تقلق، يا صديقي. ذلك سيكون أخر ما سألجئ إليه. لا أرغب في مواجهة وحش.
“لربما يجب أن نستشير حكيمًا قديمًا آخر. لربما قد أغفلت ناروكا دليلًا حيويًا.”
أصبحت نبرة الرجل مغرية وهو يتابع، “لو كنتُ مشعوذًا، لما احتفظت بكل كنوزي علي أو في منزلي. كنت لأُخَبئ بعضًا منها في حال هاجمتني محاكم التفتيش. لأنه لن يكون لدي متسع من الوقت لأجمع متعلقاتي. فَـعند الإضطرار إلى الفرار، سَـأُترَكُ في فقر مُقدع.”
محاكم تفتيش كنيسة الشمس المشتعلة الأبديّة اشتهرت بمطاردتها للساحرات والمشعوذين. تم الاحتفال بـ’أعمالهم البطولية’ في جميع أنحاء الريف.
أضاء وجه رايمون بالإثارة وهو يصيح، “أنت على حق!”
قال بتعبير متشوق، “إنه لأمرٌ مُخزٍ. مرت سنوات عديدة. لابد أن ثروات الكنيسة المكتشفة قد أنفقت منذ زمن طويل.”
“يا صديقي، تلك فكرة خطيرة.” قال لوميان ساخرًا. واصلوا زياراتهم إلى جدة بيير، نافيريا وشيوخ آخرين من عائلة موري.
على الرغم من أن ردودهم حاذت ناروكا، فإن لوميان ورايمون، بخبرتهما المكتسبة حديثا، قد تمكنا من استخراج المزيد من التفاصيل.
على سبيل المثال، كانت البومة متوسطة الحجم وتشبه بقية أفراد جنسها. كان لها منقار مدبب، وجه قططي، ريش بني مع بقع متناثرة، وعيون بنية صفراء وبؤبؤان سوداوان…
ومع ذلك، كانت أكبر من البومة العادية، وبدت عيونها وكأنها تلف. لم تكن متصلبة أو غبية مثل جنسها.
كل هذه الخصائص جعلت البومة تبدو أكثر شرًا في أوصافهم.
“يبدو أننا وصلنا إلى طريق مسدود.” صرح لوميان لرايمون بينما ساروا إلى ساحة المدينة. “يجب أن نركز على الأساطير الأخرى.”
لم يكن رايمون محبط بقدر ما كان في السابق. “أتفق. ولكن على أي واحدة يجب أن نعمل؟”
هذا الزميل استباقي ومجتهد للغاية…
أومأ برأسه وقال، “خذ وقتك وفكر في ذلك. سنناقش هذا غدًا. سأقوم بنقل تقنيات قتال إليك بعد ظهر اليوم.”
“رائع!” هتف رايمون، مبتهجًا من التعليمات غير المتوقعة.
كانت أورور مقاتلة ماهرة. فبعد كل شيء، كيف قد يمكنها التعامل مع الرجال المتوحشين والخشنين في القرية ما لم كذلك؟ من المرجح أن شقيقها الأصغر قد كان على نفس القدر من الكفاءة.
بعد توديع رايمون غريغ، انحرف لوميان إلى الطريق المؤدي إلى منزله.
بينما مشى، رأى مجموعة من الرجال يقتربون منه.
كان القائد في أوج عطائه، ولم يتجاوز الـ1.7 متر في الطول. كان يرتدي رداء أبيض وشعره أسود فاتح.
بسلوك تملكي وملامح وجه مقبولة، انحنى طرف أنفه قليلاً بإشمئزاز غير مخفي وحقد بينما حدق في لوميان بعينيه الزرقاوين.
لم يكن إلا أب كنيسة الشمس المشتعلة لـكوردو، غيوم بينيت.
“إنتظرت وصولك منذ بعض الوقت.” صرخ غيوم بينيت بصوت جهير.” هل أحضرت أولئك الأجانب عمدًا إلى الكاتدرائية؟”
حاول لوميان أن يشرح نفسه بينما تراجع بشكل خفي. “اعتقدت أنك كنت نائمًا في الداخل.”
لقد لاحظ بونز بينيت— الأخ الأصغر للأب، بجانب غيوم بينيت. كان بونز في أوائل الثلاثينيات من عمره، عضلي، متسلط، ومتنمر.
الأفراد الآخرون معهم كانوا أتباع الأب.
أشار غيوم بينيت إلى بونز بنظرة سريعة بينما تراجع لوميان.
أصبحت ابتسامة بونز بينيت شريرة وهو يندفع للأمام، صارخا،
“أيها الوغد، إنئُـ الوئْت لك لتئْرِف من ئُو الأب هنا!”
قبل أن يتمكن من إكمال جملته، كان بونز قد سارع بالفعل خطواته وانقض على لوميان. مع حذو الآخرين لحذوه.
في كوردو، مكان لم يكن للمنطق فيه أي تأثير وسقطت الاعتذارات على آذان صماء، كانت القوة الغاشمة هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تطلب الاحترام. عرف غيوم بينيت، الأب، هذا جيدًا، حيث لجأ إلى العنف لمرات لا تحصى من قبل. لذلك، عندما علم أن لوميان قد أدخل الغرباء إلى الكاتدرائية، لم يضيع الكاهن أي وقت في التحرك. كان عازمًا على إمساك الوغد وضربه حتى يسقط طريح الفراش لمدة شهر. حرص الأب على أن يظهر لـلوميان خطأ طُرُقهِ ولن يهدأ حتى يدفع شخص ما ثمن وقاحته.
بالطبع، وجب عليه تجنب أورور.
فيما يتعلق بالقانون، لم يكن عليه إلا إخطار المسؤول وقاضي المنطقة، بيوست. لم يكن من المرجح أن يحقق عمداء المدينة في مثل هذه القضية الصغيرة في الريف.
كدخيل، لن يسيء بيوست إلى شخص محلي المولد ما لم يكن هناك تضارب كبير في المصالح.
شعر غيوم بينيت بأنه محظوظ لأن الأجانب لم يفصحوا عن علاقته مع السيدة بواليس، زوجة القاضي، لأي شخص. كان لا يزال غير مدرك لذلك.
على الرغم من سرعتهم، كان لوميان أسرع. تمامًا عندما تحدث بونز، إستدار لوميان وانطلق بعيدًا.
كان مألوفًا بشخصية الأب وأساليبه.
في السابق، اتهم قروي غيوم بينيت بإمتلاكه لعشيقات عديدات واختلاسه لِـهِبات الشمس المشتعلة الأبدية. بالإضافة لتنمره على الآخرين بلا هوادة في القرية، وأنه بالكاد تصرف كرجل في منصبه. بعد ذلك، توفي القروي في ظروف غامضة بعد ظهر أحد الأيام.
ثووود! ثووود! ثووود!
ركض لوميان كالريح.
“انتظر والدك، إيه؟ إنتظر والدك!” صرخ بونز أثناء مطاردته. لم تكن وتيرته بطيئة أيضًا.
لاحق البلطجية وراءه عن كثب.
بدلًا من الهروب عبر الطريق الرئيسي، اندفع لوميان إلى أقرب منزل.
كانت الأسرة تعد الغداء في المطبخ عندما رأوا فجأةً شخصًا غريبًا يدخل.
بــسوووش، اندفع لوميان عبرهم وقفز من نافذة المطبخ في الخلف.
بحلول الوقت الذي دخل فيه بونز ورفاقه، استعاد صاحب المنزل حواسه. وقف لمواجهتهم وسألهم: “ما الذي يجري؟ ما الذي تفعلونه؟”
“ابتئد ئن الطريق، أيها العجوز!” دفع بونز صاحب المنزل جانباً بالقوة، لكن ذلك أبطأ من سرعته.
عندما وصلوا للنافذة وقفزوا للخارج، كان لوميان قد اختفى بالفعل في مسار آخر،
بعد مطاردته لفترة، فقدوا رؤية لوميان تمامًا.
“اللعنة، ذلك الكلب المسعور!” بصق بونز على جانب الطريق.
…
خارج المسكن شبه الأرضي المكون من طابقين، لهث لوميان لالتقاط أنفاسه قبل أن يفتح الباب أخيرًا ويدخل المنزل وكأن شيئًا لم يحدث.
“واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، اثنان، اثنان، ثلاثة، أربعة…*” صدت سلسلة من الصيحات الإيقاعية في أذنيه.
حدّق لوميان في المساحة الفارغة على الجانب الآخر من المطبخ ولاحظ شعر أورور الأشقر المربوط في تسريحة ذيل حصان. كانت ترتدي قميص كتاني، بنطال أبيض ضيق، وحذاء من جلد الغنم الداكن، قفزت في الأرجاء غارقة في العرق.
في كوردو، شغلت المطابخ معظم مساحة الطابق الأول، وكانت بمثابة قلب الأسرة. حدث الطهي وتناول الطعام هنا، وكذلك استقبال الضيوف.
إنها تمارس الرياضة مرة أخرى…
غالبًا ما فعلت أورور أشياء غريبة دون إعطاء أي سبب عند سؤالها.
على الأقل، التمرين مفيد، وليس سيئًا على العيون…
بعد فترة، توقفت أورور قرفصت لإيقاف مسجل الشريط الأسود.
أخذت المنشفة البيضاء من لوميان وأمرته وهي تمسح العرق من جبهتها،
“تذكر، لدينا تدريبات قتالية بعد ظهر اليوم.”
“يجب أن أدرس وأتعلم القتال. ألا تطلبين الكثير مني؟” تذمر لوميان بلا مبالاة.
نظرت إليه أورور مبتسمةً، وردت، “يجب أن تتذكر أن هدفنا هو التطوير الشامل للتعليمات الخمسة، الأخلاق، الفكر، اللياقة البدنية، الجماليات والعمل*!”
كلما تحدثت أكثر، أصبحت أسعد، كما لو أنها تذكرت شيئًا جميلًا أو ممتعًا.
لقد فشلت بالفعل في التعليم الأخلاقي…
ثم تساءل، “أي نوع من القتال؟”
كان ذلك أحد الأشياء التي فشل في فهمها.
أورور، التي بدت رقيقة وضعيفة، قد كانت خبيرة قتال. لقد أتقنت العديد من تقنيات القتال وأمكنها التغلب عليه بسهولة.
فكرت أورور بجدية، انحنت إلى الأمام قليلاً، وحدقت في عيني لوميان.
ثم ضحكت بحرارة وقالت، “الدفاع عن النفس!”
“هاه؟” هتف لوميان مندهش. “أليس من المفترض أن يكون ذلك للفتيات؟”
وقفت أورور شامخة وهزت رأسها بجد، تقول بصدق، “يجب على الأولاد حماية أنفسهم عندما يخرجون. من يقول أن الأولاد لن يواجهوا المنحرفين؟”
لم تعد الابتسامة على شفتيها مخفية.
لم يكن لوميان متأكدًا مما إذا كانت أخته تمزح أم جادة، لذلك بقي صامتًا بينما إستعاد المنشفة البيضاء وإتجه نحو الدرج.
فجأة شعر بشيء يُشَد تحت قدمه، وكأنه قد تعثر على عقبة. سقط للأمام.
وهو يسقط، قبض لوميان عضلات بطنه بسرعة، مد ذراعه، وإنحنى على الكرسي المجاور له. لف نفسه وبالكاد هبط على قدميه.
أرجعت أورور ساقها وضحكت.
“أحد مبادئ القتال الإبتدائية هو أن تكون يقظًا في جميع الأوقات. لا يمكن للمرء أن يكون متخاذلًا جدا.”
“أتذكر ذلك، يا أخي المبتدئ؟”
كانت يدها اليمنى قد أمسكت ظهر لوميان بالفعل، لكن عندما رأت أنه استعاد السيطرة على جسده، تركته.
“ذلك لأنني أثق بكِ كثيرًا…” تذمر لوميان.
لقد فكر في الأمر وأدرك أن ثقته كانت بلا معنى. لقد نسي عدد المرات التي كان فيها تحت رحمة أورور.
سعلت أورور وكبحت تعبيرها.
“كيف سارت الأمور مع تلك المرأة؟”
قدم لوميان ملخصًا موجزًا لمحادثتهم قبل أن يعلن،
“أعتزم انتظار رد أصدقائك قبل الخوض في الحلم.”
“قرار ذكي.” أكدت أورور.
قام لوميان بتغيير الموضوع.
“ماذا هناك للغذاء؟”
“لا يزال هناك بعض الخبز المحمص المتبقي من هذا الصباح. سأحمص أربع قطع لحم أخرى من أجلك.” أجابت أورور بعد التفكير للحظة.
“ماذا عنك؟” استفسر لوميان.
قالت أورور عرضيا، “سأكل بعض قطع دجاج البامبو والكمأة المغطاة ببعض الجبن وحساء البصل. لقد جربته في المرة الأخيرة ووجدته جيدًا…”
قبل أن تنهي حديثها، تجمدت فجأة.
في اللحظة التالية، رفعت يديها لتغطي أذنيها. إلتوت عضلات وجهها تدريجياً، مما جعلها تبدو شرسة إلى حد ما.
لاحظ لوميان بصمت، عيناه ممتلئة بالقلق والخوف.
بعد فترة، تنهدت أورور بعمق وعادت إلى طبيعتها المعتادة.
أصبحت جبهتها غارقةً في العرق مرةً أخرى.
“ما الذي حدث؟” سأل لوميان.
ابتسمت أورور وأجابت، “الطنين في أذني قد ظهر مرةً أخرى. أنت تعلم أن لدي هذه المشكلة القديمة.”
لم يسأل لوميان أكثر. بدلاً من ذلك، قال، “حسنًا، سأقوم بإعداد الغداء. استريحي جيدًا.”
في كل مرة حدث هذا، ازداد توقه إلى القدرات الغير عادية، وأصبح أمرًا ملحًا أكثر.