خرجت كريستينا من الغرفة، لتجد نورس وأنيس وقد سبقاها في غرفة المعيشة المجاورة، يتناولان الشاي والكعك، ويتبادلان اطراف الحديث، مشهدهما وهما يتحدثان بلغة الاشارة بريء لطيف على العين، ابتسمت ولململت شجاعتها لتواجهها. التمسا وجودها، نظر أنيس نحوها، وسأل:
- هل نمتِ جيداً؟
فهزت رأسها، ثم قال يخاطب نورس:
- لم أكن أعرف أنكما لن تعرفان بعضكما حتى اللحظة.
جلست كريستينا على الأريكة المقابلة، ثم قالت بينما تتبادل النظرات مع نورس:
- ولا أنا أيضاً.
- ربما لأنكما تغيرتما كثيراً.
ثم نظر نحو نورس مبتسماً، وقال:
- حتى لي بدت نورس مختلفة، لقد كبرتي كثيراً.
فأخفضت رأسها بخجل. لتسأل كريستينا:
- كيف هي السيدة لافرتين؟ هل هي بخير؟
نظرت نحو أنيس مترددة، ليأخذ منها الإجابة:
- بالحكم على وجودها هنا، يبدو أن الأمر في حالة سيئة.
ثم عاد يخاطب نورس:
- ألستِ هنا من أجل الاكسير؟
هزت رأسها، ما جعل ملامحه تمتعض، وقبض على يده بعصبية، ثم تنهد في محاولة لتهدأت أعصابه، بدت كريستينا مترددة، نظرت نورس نحوها تلكزها باشارة من عينها أن تقول شيئاً، لكن كريستينا نعرف أنيس جيداً فيما يتعلق بالاكسير، لذلك حافظت على صمتها.
- الاهم من ذلك.
خاطب نورس فجأة:
- أن تقضي بعض الوقت مع صديقة طفولتك، أليس كذلك؟
وأشار بابتسامة نحو كريستينا التي ابتسمت بدورها، تبادلتا النظرات، بدتا مرتبكتين، فضحكت كريستينا بخفة وقالت بخجل:
- ما زلت مرتبكة.
فضحكا بدورهما بمرح، ثم أشارت نورس لأنيس بعدة اشارات تخاطبه، ليخاطب كريستينا قائلاً:
- تقول وهي كذلك.
أجابت وهي تحك رأسها بارتباك:
- ذلك لا يعالج الأمر.
ابتسمت نورس بخجل، وبدا عليها الارتباك بوضوح، وكذلك ما ظهر على كريستينا، فبدا أن أنيس وضع بينهما، ينظر نحو كلاهما بدهشة:
- ما الأمر؟!
التقت نظراتهما، فضحكتا بخجل، بينما بدا أنيس لا يفقه شيئاً، زمت كريستينا شفتيها، ثم تمالك نفسها وقالت تخاطب انيس وهي تنظر نحو نورس:
- أعتقد أنها تريد أن تعرف الأحداث الأخيرة التي حصلت بيننا يا أنيس.
ومض عدة ومضات بدهشة، حرك حاجبيه بشيء من عدم الفهم، فضحكت، وقالت بمرح:
- لا عليك، ساخبرها حين نجلس بمفردنا. فهناك الكثير من الأشياء التي يجب أن نتحدث عنها.
قالت ذلك وهي لا تزال تحدق بنورس، أخفضت وجهها بخجل، بينما اخفت نورس وجهها بكفيها، وهو يحدق في كلاهما باستغراب.
...
- رباه!
تنهدت وهي تمط ذراعيها خلف رأسها، تسير عبر الدهليز، بينما تسير نورس خلفها، ثم التفتت لتنظر نحوها وقالت:
- حقاً! لم يخطر ببالي أنكِ أنت نورس التي كنت اعرفها.
فابتسمت نورس بوداعة، ثم عادت تلتفت باتجاه سيرها:
- اعني! حقاً! أذكر آخر مرة رأيتك، كنا بهذا الحجم.
وأشارت في الهواء لما يقارب وسطها، ثم نظرت نحوها بحزن، وهمست:
- كما كان لك صوتاً جميلا وقتها.
فزمت نورس شفتيها، وأخفضت رأسها بأسى، حينها قالت كريستينا بمرح:
- لكن حقاً، لم انفعلنا أمامه هكذا؟ بالتأكيد سيظن أننا نفعل أشياء غريبة.
فابتسمت نورس ابتسامة لطيفة، وعاد لوجهها الحياة، ثم أردفت كريستينا:
- بالتاكيد أنتِ تتسألين كيف آل بي المآل هنا. ولكنها قصة طويلة، فأنيس أنقذ عائلتي خلال الثورة الاخيرة عليها. واضطررت لأختبأ أنا ونتالي هنا.
شردت لبعض الوقت، وكأن الذكريات فاحت في بصيرتها مجدداً، ثم نظرت إلى نورس وابتسمت بمرح وهي تميل بجنبها بلطافة:
- لكنني هنا الآن، وانا سعيدة لرؤيتك بخير أيضاً!
ثم رفعت قبضتها، وهتفت:
- لذا من الآن فصاعداً، لنبذل أقصى ما عندنا!
فرفعت نورس قبضتها، ثم ضحكتا، وهمت كريستينا نحو نورس تعانقها بود، بينما تقول نورس في نفسها:
"أردت أن أخبرك أنكِ تغيرت كثيراً أيضاً، أصبحت فتاة جميلة جداً! أنا سعيدة أنكما الآن مع بعضكما البعض"
...
عاد الهدوء إلى المكان من جديد، وعاد الجميع إلى أبحاثه، كما عادت نورس بهمة جديدة نحو أبحاثها، وكأن الأمل بث في قلبها من جديد لتتابع ما عليها فعله، أجل، هي ستسعيد كل ما أخذ منها.
- أرى أنكِ منهمكة بالعمل اليوم؟
أتى صوت نتالي، لتترك نورس ما بيدها وتنظر نحوها بدهشة، بدت جدية على غير عادتها، لكنها ابتسمت بمرح، وجلست على احدى المقاعد المقابلة للطاولة التي تجلس نورس عليها، وقالت وهي تشير نحو نورس التي كادت تهم نحوها.
- لا عليكِ، أنا هنا لأدردش معكِ قليلاً.
فعادت تجلس، لتنظر نتالي نحو الكتب التي أمامها، وسألت:
- اذا هل هذا من أجل الاكسير؟
نظرت إلى الكتب ثم نظرت نحوها، فهزت نورس رأسها بالايجاب، حين قالت بمرح:
- الحقيقة أنني شككت بك منذ اللحظة التي رأيتكِ فيها.
ضحكت وهي تنظر إلى السقف، نظرت نورس نحوها بدهشة، فأردفت:
- أنتِ تغيرتِ حقاً منذ آخر مرة التقيتك فيها.
فأخفضت رأسها بحياء، لتستطرد نتالي باستنكار، وهي تضع يدها على جبهتها متحسرة:
- لا أدري كيف لم تلاحظ تلك الغبية أي شيء! حتما هي لا تستخدم دماغها.
حاولت نورس تمالك ضحكتها، وهمست في نفسها:
"أنتِ لم تتغيري حقاً، لا زلتِ تحتفظين بتلك الفكاهة في حديثك"
عدلت نتالي جلستها، ونظرت نحو نورس بسعادة، وقالت:
- لكنني حقاً سعيدة برؤيتك معافاة، أرجو أن تنجحا في استعادة العرش.
ابتسمت ابتسامة عريضة معدية، جعلت نورس تبتسم مثلها بلاتلقائية، نهضت ثم مدت يدها، وهتفت:
- حظاً موفقاً!
فمدت نورس يدها بدورها، وهزت رأسها شاكرة. غادرت، فشردت نورس في النافذة المجاورة لطاولتها، السماء صافية، وغيوم بيضاء ناصعة تعبث بصفائها، ارتسمت على تلك الغيوم صورة والدتها، وهمست في نفسها:
"أمي! إن كنتِ تسألين عن أنيس، فلقد التقيته، إنه بخير ... إنه على ما يرام!"
...

2019/08/01 · 344 مشاهدة · 822 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024