انشغل روهان بدورية في إحدى القرى المجاورة، كونهم معرضين لأي هجوم مفاجئ بعد الحادثة الأخيرة، خاصة وأنهم في خضم مواجهة حرب مع مملكة من أقوى الممالك الثلاثة، وبينما مملكتهم في تلك الحالة الفوضوية فلابد من كونها فرصة ملائمة لأي هجوم. لذلك تكفل كلا من القادة الخمسة بالاشراف على تلك الدوريات حول المملكة.
يقف روهان على إحدى الأسطح العالية، خلفه مارون، بينما ينظر نحو جنوده المتناثرين في كل مكان، يعلن ذلك عن حركة فيجيبه الآخر، يتحرك مجموعة أخرى بين الحشود، وهكذا كخلايا نحل متعطشة للعمل، حين علق مارون بمرح:
- يبدو أن جهد سيدي يظهر جلياً في جنوده.
بقي روهان صامتاً يراقب، ليردف مارون:
- التمرينات القاسية تلك تعطي نتائج جيدة لصحتهم البدنية أكثر من غيرهم.
تساءل أخيراً بحزم:
- كيف تسير أمور الدوريات الأخرى؟
- يبدو أنهم في وضع المناوبات.
- هذا سيء!
نظر مارون نحوه بدهشة، ليتابع روهان:
- سيء جداً.
- هل يبادر في ذهن سيدي شيء ما؟
نظر روهان نحو مارون بعيناه السارحتين، مشدوهتين في عالم آخر، ثم قال بحركة آلية:
- وضعهم الحالي لن يسمح بتخطي هذه الأزمة البسيطة، فما بالك خلال المعركة؟
- هل يفكر سيدي في المخاطرة بشأن الاكسير مجدداً؟
عاد لينظر إلى السماء، ثم همس بحزن:
- لا أعرف، أتمنى أن أجد حلاً.
زم مارون شفتيه بارتباك، لم يعرف كيف ومن أين يجد الكلمات ليجيبه، إلا أن أحد الجنود صرخ:
- سموك، يبدو أننا قبضنا على أحدهم.
فهم روهان مسرعاً يتبع الجندي، فلم يكن لمارون فرصة.
...
في غرفة حجرية صغيرة، تستطع أشعة الشمس من نافذة واحدة، لتكشف عن عتق المكان وقدمه، أدوات فلاحة وعدد قديمة منثورة في كل مكان، يتوسطها كرسي حيث يجلس عليه شاب يافع مكبل اليدين والقدمين، على وجهه علامات الحنق الشديد. تقدمه روهان، نظر إلى ملابسه السوداء، بدا رجل عصابات أكثر منه فارساً ملكياً. فسأله بحزم:
- من أرسلك؟
لكن الشاب ابتسم، فعاد يسأل:
- هل أتيت من رامون؟
أشاح الشاب وجهه بعيداً، فأتى صوت أحد الفرسان من الخلف:
- سموك! يبدو أنهم عصابة لا علاقة لها برامون.
نظر روهان نحو الشاب بعينين ثاقبتين متشككاً، ثم عاد ليسأل الفارس:
- كيف لنا أن نعرف ذلك؟
- من أحاديثهم، لا يبدو أن أحدهم يتحدث لهجة أهل رامون.
- ماذا؟
صرخ مارون متفاجأً، لكن روهان أخذ ينظر نحو الشاب الذي بادله تلك النظرات، ثم همس كمن يخاطب نفسه:
- هكذا هو الحال اذاً
نظر الجميع نحوه بدهشة، وأردف:
- بالحكم على الوضع الراهن، يبدو أنهم أرسلوا جماعة للبحث والاستقصاء.
- ماذا؟
هتف مارون والفارسان متفاجئين، ثم عاد ينظر إلى الفتى، وهمس:
- لكنها تبقى فرضية.
ثم عاد يخاطبهم:
- بالنظر إلى تاريخ المملكة، فإننا واجهنا معركة شرسة مع الممالك الثلاث، استخدمت فيه مملكة رامون الغاز السام ليضعف أجسادنا وتناقلنا ذلك المرض عبر الأجيال.
ثم نظر إلى الفتى الذي لم تتغير ملامح المكر عن وجهه، فاستطرد بهدوء درامي:
- بالتأكيد هم يستميتون لمعرفة سبب صمودنا حتى الآن بينما سقطت الممالك الأخرى.
اقترب منه، وأخذ يحدق فيه، حين صرخ مارون بفزع:
- سيدي.
ابتسم روهان بمكر، وقال:
- لدي فكرة.
ثم عاد يخاطب فرسانه:
- أطلقوا سراحه.
- مـــــــــاذا؟
فنظر نحوهم ببراءة وتساءل:
- ألم تسمعوا ما قلته؟
بدا عليهما الارتباك، لكن سرعان ما تقدما الفارسان وأطلقا سراحه، بدا الشاب متشككاً، نظر نحو روهان بنظران حاقدة شرسة، ثم ركض هارباً من النافذة، حين صرخ أحد الفرسان:
- لكن سموك ...
قاطعه بيده، وقال آمراً:
- مارون اذهب وتتبعه.
فانحنى مارون باحترام، أضاءت عيناه ببريق أحمر:
- حاضر سيدي.
واختفى بلمح البصر بين دهشة الفرسان، وتناثر بغض الغبار إثر اختفاءه.
...
يقف على احدى الأغصان، تساعده أوراق الأشجار في اخفاء نفسه، بينما يراقب الشاب وهو يركض بعيداً، تضيء عيناه ثم يختفي من مكانه لينتقل وجوده في مكان آخر حيث يبقى الشاب تحت ناظريه. الطريق غير مستوٍ، مليء بالاشجار، حتى اختفى فجأة بين الحشائش، ليقترب مارون بحذر نحو المكان، واذا به قصر ضخم يتربع بين أشجار السرو الضخمة، يحيط رؤسه الضباب. بدا مرتبكاً لشموخه، ومندهشاً من وجود قصرٍ كهذا في هذا المكان. حتى أيقظه حركة شيء بارد حاد في ظهره. وبلكنة غريبة:
- ارفع يديك!
رفع يديه في محاولة لاكتساب الوقت لاستيعاب ما يجري، حين لاحظ أنه محاصر من مجموعة من نفس تلك العصابة، من بينهم ذلك الشاب الهارب.
- من أنت؟
ابتسم، ثم سرعان ما أخرج خنجره، والتف بحركة رشيقة، وغرسه في خاصره الرجل، فابتعد عنه مشدوهاُ، وتأهب الجميع لينقض عليه. همس وهو يتأوه من الالم:
- من أنت بحق السماء؟
لكنهم تراجعوا بشيء من الفزع حين رأوا عيناها تشعان بشعاع أحمر.
- لا يمكن أن ...
لكن قبل أن يكمل جملته، حتى لقى الجميع حتفه.
...

2019/09/23 · 267 مشاهدة · 723 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024