ينظر روهان في السماء الصافية من خلال النافذة، بريق دافئ يتلألأ في زرقتها المنعشة، وصوت حركة الأغصان الخافتة تعطي نوعا من اللذة للاسترخاء.
- أتيت بسرعة!
فانحنى مارون بوقار، وقال:
- سموك.
- هل عرف أحدٌ بأمرك؟
- لقد قضيت عليهم جميعاً.
صمت روهان لبرهة، يتنفس بهدوء، ثم قال:
- يبدو أنهم بدأوا بالحراك.
- هل يجب أن أحرق القصر هناك؟
- وهل تسأل؟ بالتأكيد.
فانحنى مجدداً:
- أمرك.
ثم هم مغادراً، حين استوقفه روهان:
- انتظر!
نظر مارون نحوه بدهشة، فاستأنف الأول:
- سآتي معك.
وهما يغادران الغرفة، متجهين عبر الممر، فإذا بهما يصادفان اللورد جون وأتباعه، انحنى روهان ومارون باحترام، ليخاطبه اللورد جون بلهجته الحادة المعتادة:
- يبدو أن رحيل الأميرة قشع عن ضعف صاحب السمو.
امتعض وجه روهان بضيق، فابتسم اللورد جون:
- أتطلع لما يمكن لصاحب السمو أن يفعل حيال ما يحصل الآن.
وما إن هما بالانصراف، حتى تقابلا جنباً لجنب، ليهمس بخبث:
- أرجو عدم استخدامك لتلك الألعاب الصبيانية في هذا الأمر.
ابتسم بمكر، بينما نظر في أثر رحيله بدهشة، حين لاحظ ذراعه تلوح له.
- ذلك اللعين!
كشر عن أسنانه:
- من يظن نفسه!
- سيدي!
همس مارون مذكراً:
- مهما يكن، يبقى الرجل الذي سيسلمك العرش.
فانطلق روهان غاضباً، وقال متذمراً:
- من يهتم للعرش على أية حال.
...
الغابة مضيئة ببريق الحياة، تعبث بأوراق أشجارها أشعة الشمس، تسدل ستائراً من الضوء بين فراغاتها تنعكس كمرايا مذهبة على كل جانب، بينما تزهر بتلات أزهار التويلب بألوانها السبعة لترسم قوس المطر على الأرض. يعكر سكون ذلك المكان الملائكي أصوات خطوات ثقيلة، بينما يختبئا كلا من مارون وروهان خلف الأعشاب الكثيفة يراقبان ذلك القصر المهيب الذي يتوسط هذه اللوحة المهيبة، شامخاً يهدد ويرسل الذعر لكل من مر عنه.
- سيدي.
همس مارون:
- هل من الجيد فعل ذلك في وضح النهار؟
فأجابه روهان ساخراً:
- وما الجيد في المساء، فأنا أخاف الظلام كما تعلم.
رد مؤنباً:
- سيدي!
فحرك روهان يده بلامبالاة:
- حسناً، حسناً!
قاطع حديثها حركة في الأرجاء، ليتهيأ كل منهما بحذر، ثم يتجمدا مكانهما من الدهشة، سيدة جميلة بشعر أسود كالليل منسدل كالحرير، وبشرة ناصعة البياض، ترتدي ثوباً قطنياً طويلاً أحمر فاقع كالدم، خلفها رجلان ملثمين يحملان على ظهرهما سيفاً، وبعض الأدوات الحادة على خاصرتهما.
- هل هذا حقيقي؟!
همس روهان اثر الدهشة:
- ما الذي تفعله مورين هنا؟
- مورين؟
تساءل مارون بدهشة:
- هل تعرفها؟
بدا روهان متسمراً مكانه، تجمد ثغره وانكمشت قزحيته، حين هم ناهضاً، ليحذره مارون بذعر:
- سيدي!!
إلا أن الاوان فات، حيث انتبهت الفتاة لحضوره، هنا رفعت حاجبيها بدهشة، وهتفت:
- أرى، أرى!
هنا استعد الرجلان ليستلا سيفهما.
- مورين!
صرخ روهان، فحركت مورين يدها لاشارة بانزال اسلحتهما، وخاطبتهما:
- انه أحد معارفي.
هدأ الرجلان، وقالت حين رأت مارون قادماً:
- ألست أنت من قتل رجالي الليلة الماضية؟
عبارتها كانت جازمة أكثر منها سؤالاً، حين بدا عليهما الدهشة، ليستعد الرجلان لسحي سيفهما مجدداً، فيقف مارون أمام سيده في محاولة لحمايته وصرخ:
- سيدي! عليك أن تتراجع.
لكن مورين قالت:
- اذا هو حليفك!
ابتسمت، نظرت نحو روهان، وقالت بمرح:
- هل لديك سبب لفعل ذلك؟
بدا روهان مشتتاً حتى أن لسانه تجمد مكانه، حين صرخ مارون:
- وهل تظنين أنكِ ستفلتين بفعلتك؟
- فعلتي؟
همست بسخرية:
- ما الذي فعلته لعزيزي روهان أيها الفأر القذر؟
نظر مارون نحوها بشك وريبة، حين نطق روهان مستنكراً:
- ما الذي أتى بك إلى هنا؟
فرفع كتفيها، وقالت:
- جئت لاستعادتك؟
- مــــاذا؟!
صرخ مارون بدهشة مملوءة بالذعر، ثم قالت بابتسامة تعلو وجهها:
- لكن من ظن أن هذا الفأر سيكون بجانبك.
- تباً لك!
صرخ مارون بغضب. فأجابها روهان:
- مارون ليس فأراً، إنه صديقي.
- سيدي!
همس مارون متأثراً، فاتسعت على محياها ابتسامة ساخرة، حين خرج صوت أحد الرجال:
- سيدتي، هل نقضي عليه؟
بدت مترددة، نظرت نحو روهان بعنين حانيتين، ثم قالت بحزن:
- لكن من ظن أنك ستخاطب والدتك هكذا؟
اقتربت منه، لم تعر مارون الواقف كالحجر أي اهتمام، وجه منحوت اثر الصدمة، داعبت وجهه بيديها، وهمست:
- لقد أتيت لاستعادتك، ألا تعود إلي؟
أشاح وجهه في محاولة لتجنب عيناها الساحرتين، فابتعدت عنه، وصرخت بحنق:
- لا تخبرني أنك تفضل الوقوف في صف ذلك الأرعن البغيض!
- انه يبقى والدي الذي رعاني حين تخليتي أنتِ عني.
دوت صفحة المكان، صرخت:
- أيها الوقح!
تلألأت عيناها بالدموع، بينما بقي روهان مشيحاً وجهه اثر الصفحة، ثم همس في محاولة لاستعادة توازن رأسه:
- لن أسمح لك بافساد خططه.
- تباً لك!
همست باحتقار، مسحة من الحزن تتخلل كلماتها:
- لقد جئت لأنتقم لأجلك.
تراجعت مبتعداً عنه شيئاً فشيئاً، قلبها يعتصرها من الألم، يجعلها تتنفس بصعوبة، ثم صرخت:
- اقضوا عليهما.
ليقفز الرجلان المقنعان بسرعة البرق، يستل كل منهما سيفه، ويبدأن في محاولة لتجنب هجومهما. تنظر إليهما بتلك العينين الحانيتين، تحاول بجد تمالك نفسها، بينما الألم في صدرها يزداد مع كل ضربة سيف توجه نحوه.
- سيدي.
صرخ مارون:
- علينا أن نتراجع.
- لا!
صرخ روهان وهو يصد ضربة قوية بعد أن قفز الرجل نحوه. ليجيب مارون:
- سيدي، لن يكون جيداً أن نستمر هنا.
لكن عيناها لمعتا ببريق حازم، وهمس باصرار:
- علي أن أنهي هذا الأمر.
وصدع صوت سليل السيوف، ليتقاطع كل من سيف روهان والرجل المقنع، يتصبب الاول عرقا في محاولة مجهدة في مقاومة دفعه، حين صرخ مارون:
- سيـــدي!
لتتجه نحوه ضربة قاتلة، يصدها متأخراً، فتخدش ذراعه.
- مارون!
صرخ روهان:
- أيها الغبي!
ثم استجمع كل قوته في دفع الرجل الذي يقاتله بعيداً، طعنه في صدره، ثم توجه نحو مارون الذي ينزف بشدة، ليضرب ضربته القاضية، ويقضي على الرجل الآخر.
- مارون.
- سيدي، لا جدوى من ذلك.
عيناها امتعضتا بحنق، حين أتت مجموعة أخرى من الرجال المقنعين، يصرخ أحدهم:
- سيدتي، هل أنت بخير؟
- اقضوا عليهما!
صرخت ثم انكمش وجهها من الألم في صدرها، حين أتى أحدهم ليساعدها على النهوض، حين هاجمت البقية روهان، يقاتلهم ببسالة، ويضرب ضربه القاضية نحوهم. حين دوى صوتها الضعيف في الأرجاء:
- اقضوا عليه ... اقضوا عليه!
ثم غابت عن الوعي، ليصرخ روهان بذعر:
- مورين!
لكنه كان محبوساً بين تلك السيوف، تكاد تاقته تنفذ، حين اشعت عينا مارون بأشعتها الحمراء، ليختفي هو وسيده في غمضة عين.
...
ساعده في الاستلقاء على جذع الشجرة، ثم حاول وقف النزيق بقماش نظيف، حين همس مارون بضعف:
- سيدي، من تكون تلك السيدة؟
أشاح وجهه بغضب، وأجاب:
- لا أعرفها؟
- لكنها قالت أنها والدتك؟ هل هذا صحيح؟
لم ينظر روهان نحوه، حينها أمسك مارون كتفي روهان وهزه بعنف، وصرخ:
- اذا لماذا تهاجمك؟ لماذا تهاجم المملكة؟
- هي تريد الانتقام.
جحظت عينا مارون بذعر، وهتف:
- الانتقام؟!
- لا أعرف التفاصيل.
ثم نهض، وأردف:
- ولكن ما أعرفه أنه علينا الاستعداد لمهاجمة القصر الليلة.
- سيدي!
صرخ مارون يستوقفه، لكنه سار بعيداً متجاهلاً نداءه، سيل من الذكريات السيئة عادت إلى مخيلته.
...

2019/09/24 · 332 مشاهدة · 1074 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024