أغلق الباب بسرعة، بعد أن تأكد ان لا أحد قريب من المكان، ثم سأل:
- اذًا؟ إلى ماذا توصلتِ؟
وضعت لارا يدها على ذقنها تفكر، ثم قالت:
- من زيها يمكن أن أقول انها من الدفيئة، ذلك المكان السري، لكن هناك احتمال أن تكون خادمة في إحدى مستودعات القصر.
- تقصدين مستودعات المعسكر.
- لا، ربما مستودع الغذاء.
شرد ممعنًا التفكير، ثم همس:
- هذا مستحيل.
فأمالت رأسها مستفهمة، وسألت:
- لماذا؟
أجاب:
- لو كان هذا صحيحًا، لكنت رأيتها كل يومين تقريبًا.
- آه!
ضربت جبهتها بخفة:
- أجل، صحيح.
ثم ابتسم، وقال:
- شكرًا لك سيدة لارا، اقدر مساعدتك.
فانحنت وهي ترفع ثوبها بمرح، وهتفت:
- على الرحب مولاي.
وانصرفت، تعلو وجهها ابتسامة مشرقة.
...
استقيظت نورس كعادتها، واتجهت نحو عملها في الدفيئة كالمعتاد، حين دخل على مسامعها حديث فتاتين.
- هل سمعتِ آخر الاشاعات؟
- عن ماذا؟ عن ماذا؟
- يقولون إن تصرفات صاحب السمو أصبحت غريبة مؤخرًا.
- حقًا؟! ولكن كيف؟
- سمعت من إحدى خادمات القصر أنه لم يعد يجتمع مع مجلس الفرسان الذهبي مؤخرًا، وبدلًا من ذلك فإنه يتسكع هنا وهناك.
وضعت الفتاة يدها على فمها وشهقت بدهشة:
- هل تظنين أنه يتجنب التعامل معهم بعد ترقية الفارس ليون؟
- من يدري؟
ورفعت يديها بلامبالاة:
- ربما في حياته امرأة.
تنهدت نورس بذعر، ونظرت نحو الفتاتين، اللتان نظرتا نحوها بدهشة، ثم تابعا طريقهما بلامبالاة، وعادت نورس إلى عملها بخلط المكونات في القدح وهي تفكر بالحكاية التي سمعتها قبل دقائق. لتقاطع شريط أفكارها السيدة مروة مجددًا.
- هل جهز الخليط يا نورس؟
فهزت رأسها، لتبتسم مروة، وقالت:
- اليوم أنتِ من سيشكل الكبسولات، فيبدو أن صحة والدتك متدهورة اليوم ولا تستطيع فعلها.
فزمت شفتيها، وهزت رأسها، فنظرت نحوها مروة بشفقة، قدمت لها القوالب البلاستيكية، ورحلت، لتباشر نورس بصب المحلول في القوالب بهدوء شديد، حين سمعت همسات أخرى من إحدى الجوانب.
- هل تراها ستترك ابنتها وحيدة هنا أيضًا؟
- لا أدري، فلا أحد يستطيع التواصل معها.
- لكنها الوحيدة التي تعرف الوصفة السرية لاستمرار جيش القصر، لا أعتقد أنهم سيرمونها خارجًا بعد رحيل والدتها.
- هيه! فتاة محظوظة، بالرغم من أنها بكماء إلا أن لها قيمة.
خرقت كلماتهن قلبها بالسهام، لكن ما باليد حيلة، فهذه الحقيقة. انتهت من صب المحلول، وهمت به نحو غرفة كبيرة مثلجة، عليها أرفف كثيرة مصفطة بانتظام تام، ويخرج من الجدران الزرقاء الجليدية بخار أزرق يلسع الوجه كلما لمسه، وضعت القوالب على أحد الأرفف الفارغة، وما إن همت بالخروج حتى وجدت الباب موصد، تنهدت بعمق وهي تفكر أنه ربما أوصد بسبب الحرارة، وعادت تحاول فتح الباب مجددًا، لكنه لم يتزحزح شبرًا واحدًا، أخذت تنظر حولها تفكر في شيء يمكن أن يصدر صوتًا لتلفت انتباه أحد، لكن المكان لا يحمل سوى تلك القوالب المهمة، ومن الصعب أن تطرق الباب، فهو مغطى بالثلج، فعادت تحاول فتح الباب مرة أخرى، إلا أن مقبض الباب سرعان ما تجمد، وأصبح من الصعب تحريكه. تراجعت قليلًا، واخذت تحاول أن تكسر الباب بكتفها، وبعد عدة محاولات التصقت بالباب، ولم تستطع أن تحرر نفسها، ثم أخذت تتجمد شيئًا فشيئًا، حتى سمعت ضحكات من الخارج، فأخذت تطرق الباب بيدها، إلا انه لم يخرج أي صوت مع هذا الجليد، وراحت تلك الاصوات تختفي بالتدريج دون أن يسمعها أحد، ثم أصبح المكان قارسًا، وبدأ لون جلدها يصبح أزرقًا، وأنفاسها تخرج بخارًا أزرق يتجمد من شدة البرد، ويسقط جليدًا متكسرًا، أغلقت عيناها اللتان أصبحت رموشها قاسية من الجليد الذي عليها، وأخذت تدعو أن تفتقدها السيدة مروة بشكل او بآخر وتنقذها، حينها سمعت صوتها تسأل عنها، وفي لحظات فتحت الباب، وخرجت معه نورس الملتصقة بالباب، ومع الحرارة تبخر الجليد وسقطت نورس على الأرض تسعل بشدة، أخذت بعض الفتيات بالضحك، حين همت السيدة مروة نحوها تسألها:
- هل انت بخير؟ هل يؤلمك شيء ما؟
لكن نورس لم تجبها، بل كانت منشغلة بسعالها الحاد، فغطتها السيدة بوشاح صوفي، وساعدتها على النهوض، وقالت بلطف:
- هيا! سآخذك لغرفتك.
خرجتا من الدفيئة بينما عيون حاقدة تتبعهما، وضحكات ساخرة تلاحقهما.
...
أجلستها على سريرها، وهي ترتعش من البرد بين يديها، ثم ذهبت لتضع ماء يغلي على الموقد، وأخذت تقول مطمئنة:
- لا عليكِ صغيرتي، أمور كهذه تحدث.
فأخفضت رأسها بحزن، وحين جهزت الشاي، قدمته لها، وقالت بلطف:
- تناولي الشاي، سيدفؤك.
فهزت رأسها، وحملت الشاي بين كفيها الصغيرتين، وأخذت تجرعه بهدوء، حينها قالت السيدة مروة:
- لا تقلقي يا عزيزتي، ارتاحي الآن، وسأذهب لأحل المسألة.
فهزت رأسها، وهمت السيدة مروة بالخروج، وهي تنظر نحوها بين الفينة والأخرى، وكأنها لا تريد مغادرتها إلا أنها مطرة، وما إن غادرت، حتى وضعت نورس الشاي على المنضدة القريبة من السرير، واستلقت على السرير ولفت جسدها المرتعش بالوشاح الصوفي.
...

2019/06/08 · 502 مشاهدة · 726 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024