استقبلته رائحة الأرض المبللة والشجر والزهور البرية مع نسمات الصباح الباردة. فتح فانغ يوان عينيه ببطء، شعر برأسه صافٍ والنعاس قد طار بعيدًا.
كانت الشمس قد ارتفعت قليلًا، لكن السماء لا تزال زرقاء داكنة عميقة، ليست مظلمة تمامًا ولا مشرقة بالكامل. ألقى نظرة على المشهد من النافذة، البيوت الطويلة المصنوعة من الخيزران الأخضر والخشب المتناثرة على الجبل شكلت بحرًا من اللون الأخضر الشاحب، متناغمة مع الطبيعة.
البيوت كانت مرتفعة عن الأرض، على الأقل بطابقين. بسبب التضاريس الجبلية غير المستوية، كان الطابق الأول مدعومًا بأعمدة خشبية ضخمة، بينما كان الطابق الثاني هو المكان الذي يقيم فيه الناس.
فانغ يوان وشقيقه فانغ تشنغ كانا يعيشان في الطابق الثاني.
"السيد الشاب فانغ يوان، أنت مستيقظ؟ سأصعد إلى الطابق العلوي."
كان هذا صوت شين كوي، خادمته الشخصية، يرتفع من الأسفل.
ألقى فانغ يوان نظرة للأسفل، فرأى شين كوي تقف هناك بابتسامة مشرقة.
كانت فتاة ذات ملامح جذابة، ليست جميلة بشكل مذهل، لكن ابتسامتها المشرقة وعينيها الحيويتين أضفتا عليها جاذبية خاصة. كانت ترتدي رداءً أخضر طويل الأكمام مع بنطال مناسب، وحذاءً مطرزًا بعناية. شعرها الأسود مزين بدبوس من اللؤلؤ، مما أعطاها مظهرًا بسيطًا لكنه أنيق.
صعدت شين كوي إلى الطابق العلوي برشاقة، وقفت أمام فانغ يوان وقالت بابتسامة: "دعني أساعدك في ارتداء ملابسك، سيدي الشاب."
بدأت بترتيب ملابسه وتعديله بإتقان، لكن فانغ يوان لم يكن في مزاجه المعتاد اليوم. رغم أنه لم يكن شخصًا يتأثر بسهولة، إلا أن قربها الشديد منه، ورائحتها الناعمة، والطريقة التي كانت أصابعها تلمس بها ملابسه جعلته يشعر ببعض التوتر.
"هيه، أخي الكبير، يبدو أنك تعاني من جفاف عاطفي شديد! لتنجذب لخادمة وضيعة بهذا الشكل؟ أنت تهين نفسك!"
كان هذا صوت فانغ تشنغ، الذي ظهر عند الباب بابتسامة ساخرة.
تجمد فانغ يوان للحظة قبل أن يعيد تعابيره الباردة، بينما احمر وجه شين كوي من الإحراج.
قالت شين كوي وهي تنظر إلى فانغ تشنغ بغضب: "أنت تشعر بالغيرة من أخيك مجددًا، أليس كذلك؟"
رفع فانغ تشنغ حاجبه بتهكم: "غيرة؟ على من؟ أنتِ؟ أنتِ مجرد خادمة وضيعة سطحية بذيئة تحاولين إغراء أخي الكبير فقط لأنه عبقري ومن المتوقع أن يصبح سيد غو واعدًا في المستقبل. تحلمين بالزواج منه، أليس كذلك؟"
اتسعت عينا شين كوي من الغضب، قبضت يديها بقوة، وعلى وشك أن ترد، لكن فانغ تشنغ أكمل كلامه قبل أن تفتح فمها: "لكن، ماذا لو اتضح أن موهبة أخي ضعيفة، بينما أنا من يملك الموهبة العظيمة؟ هل سيبقى موقفك كما هو؟"
عند هذه الكلمات، لمعت عينا فانغ يوان ببرود، ونظر إلى أخيه نظرة عميقة وقال بلهجة هادئة لكنها قاطعة: "تشنغ، كفى."
أدار فانغ تشنغ عينيه بكسل ورفع يديه مستسلمًا: "نعم، نعم، أخي الكبير، سأصمت... فقط احذر من هذه ولا تجعلها تغريك."
كانت شين كوي غاضبة إلى حد الانفجار، لكنها لم تجد ما ترد به. نظرت إلى فانغ تشنغ بنظرة قاتلة قبل أن تصرخ: "سأشتكيك للعم والعمة، فقط انتظر!"
ثم استدارت بسرعة، وغادرت الغرفة بخطوات ثقيلة، مغلقة الباب خلفها بقوة.
بقي فانغ يوان واقفًا بلا تعبير، بينما ابتسم فانغ تشنغ وقال بسخرية: "يبدو أنني ضغطت على أعصابها."
جلس فانغ يوان على كرسي بجانب النافذة وأغمض عينيه للحظة، ثم فتحهما قائلاً بصوت هادئ: "انت تتجاوز الحدود."
رفع فانغ تشنغ كتفيه وقال بمرح: "أنا فقط أقول الحقائق." ثم التفت ليغادر وهو يضيف: "على أي حال، لا تنسَ أننا لدينا يوم طويل اليوم. استعد، أخي الكبير."
"أنا مستعد، هل نذهب؟" قال فانغ يوان بنبرة هادئة.
كان الأخوان يستعدان للذهاب إلى حفل الصحوة الذي يعقد كل سنة. غادرا المنزل وسارا على الطريق، حيث التقيا بالعديد من الشباب في نفس العمر، يسيرون في مجموعات من اثنين أو ثلاثة، متجهين بوضوح إلى نفس الوجهة.
"انظروا يا رفاق، هؤلاء هم الإخوة فانغ!"
التقطت آذانهما الأحاديث من حولهم.
"الشخص الذي يسير في الأمام هو فانغ يوان، إنه فانغ يوان الذي صنع القصائد!"
"هذا هو وجهه لا يحمل أي تعبير، كما لو أنه لا يهتم بالآخرين، تمامًا كما تقول الشائعات." قال أحدهم بلهجة حامضة مليئة بالغيرة والحسد.
"همف، إذا كنت مثله، يمكنك أيضًا التصرف على هذا النحو." أجاب أحدهم ببرود، غير راضٍ عن نبرة الأول.
فانغ تشنغ، الذي بدا سعيدًا بالموقف، ضحك فجأة وقال بصوت عالٍ: "مجموعة من الشخصيات الجانبية عديمة الفائدة التي لم يرد الكاتب حتى ذكر أسمائها!"
سمعه المارة وشعروا بالغضب، لكن الأخوين تجاهلوهم وكأنهم مجرد كلاب تنبح.
نظر فانغ يوان إلى أخيه المرح، فتنهد متسائلًا: كيف تغير بهذه السرعة بين ليلة وضحاها؟
---
وصلوا إلى جناح العشيرة، حيث تجمع أكثر من مائة مراهق يبلغ من العمر 15 عامًا. كان الجناح في وسط القرية، مكونًا من خمسة طوابق، بأسطح مائلة حادة، يخضع لحراسة مشددة. واجهته كانت مربعة، وفي داخله كان ضريح الألواح التذكارية لأسلاف غو يوي. هنا، عاش رؤساء العشيرة على مر الأجيال، وكان المكان الذي يجتمع فيه شيوخ العشيرة لمناقشة القضايا المهمة.
وقف فانغ تشنغ بجانب فانغ يوان وهمس له: "أخي، هل سمعت هذه النكتة؟ ذهب رجل بسيط إلى المحكمة، فسأله القاضي: "من هي زوجتك؟"
فأجابه الرجل: "متزوج من امرأة، يا سيادة القاضي."
فقال له القاضي مستنكرًا: "هل تمزح؟ هل هناك من يتزوج رجلًا؟"
فردّ الرجل قائلاً: "والله يا سيدي، أختي متزوجة من رجل!".
نظر فانغ يوان إلى أخيه، ثم قال بجدية: "أعتقد أن لديك مستقبلًا مشرقًا... كفنان كوميدي، وليس كمستخدم غو."
ضحك فانغ تشنغ وقال بفخر: "كل شخص يحتاج إلى خطة احتياطية!"
في هذه اللحظة، ارتفع صوت شيخ الأكاديمية قائلًا: "اليوم هو حفل الصحوة. إنها نقطة تحول عظيمة في حياتكم، لن أقول الكثير، تعالوا معي فقط."
قادهم إلى داخل الجناح، لكن بدلاً من الصعود، بدأوا بالنزول إلى الطابق السفلي، حيث دخلوا كهفًا تحت الأرض.
قدم الكهف مشهدًا مدهشًا، متألقًا بألوان قوس قزح، مما جعل الجميع يحدقون بذهول.
هذا الكهف هو ربيع الروح الذي استقرت عنده عشيرة غو يوي لألف سنة. ربيع الروح ينتج الأحجار البدائية وهو الاساس لاي عشيرة في الاستقرار، ربيع الروح هذا هو أساس عشيرة غو يوي.
مشوا مئات الخطوات حتى وصلوا إلى مكان مظلم، حيث سمعوا صوت ماء خافت. بعد التمعن، اكتشفوا نهرًا تحت الأرض يضيء بضوء أزرق باهت في الظلام، كأنه نجم في سماء الليل. تدفق النهر من أعماق الكهف، وكانت مياهه صافية تُظهر الأسماك والنباتات والرمال. مقابل النهر، ظهر بحر من زهور بساتين عشيرة قو يوي، ببتلات زرقاء ووردية تشبه هلال القمر، وسيقان تشبه اليشم، ومراكز مضيئة كاللؤلؤ. بدا بحر الزهور كسطح أرضي مغطى بسجاد أخضر مزرق منقط باللؤلؤ.
وهذه الزهور هي سحلب القمر، وبحر الزهور هذا هو مصدر مهم للزراعة
في عشيرة غو يوي.
نظر فانغ تشنغ الى اخيه قائلاً "هنا تبدأ رحلتنا اخي".
"نعم، حظا موفقاً".