وسط الضباب البارد أخدت أمواج البحر تتلاطم بعنف حول السفينة، مما جعلها تتمايل بشكل خطير كما لو أنها حصان هائج يحاول إنتشال فارسه من على ظهره

أو هذا ما بدا لسحر التي كانت تمسك بقوة بأحد الحبال للحفاظ على توازنها فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تركب فيها البحر

وبعد أن أنهت جولتها الإستكشافية القصيرة داخل غرفة القيادة برفقة قبطان السفينة

إتجهت لسطح السفينة متمسكة بدرابزين الدرج وهي تفكر كيف يمكن لهؤلاء البحارة الهرولة صعودا ونزولا من الدرج في مثل هذا التمايل

قالت وهي تترنح في مشيتها

"ربما سأحصل على رؤية أفضل إذا صعدت للأعلى ... آااه ولكن كيف يمكنهم المشى والضحك براحة وكأنه لايحدث شيء تحت أقدامهم"

قالتها بسخط وهي تتعثر على إحدى الدرجات بعد أن داست على طرف

وصلت للأعلى وأسرعت بالتجاه جدار السفينة وأسندت عليه ظهرها ملصقة إياه بشدة

باعدت بين قدميها لتوازن نفسها، ممتنة لعدم ملاحظة أي من رجال الطاقم الموجودين بالأعلى لوقفتها الغريبة المحجوبة تحت تنورتها الفضفاضة

كانت قد لمحت الشاب الذي كان متلهفا لتقديم مساعداته لوالدها منذ اللحظة التي رآهما يركبان السفينة

إلا أن والدها ضل يرفض تلك الخدمات السخية بأدب، بالتأكيد فرجل محنك كوالدها لن تخفى عليه الحقيقة وراء مثل هذه العروض المقدمة بحماس من شاب يافع فهذه السفينة لم تشهد من قبل وجود إمراءة على متنها •ᴗ•

همست لنفسها

"لماذا لا ينفك عن الظهور أمام وجهي، ألم يكن بالإسفل منذ لحظات؟"

ثم أخرجت من جيبها الكبير الخريطة التي أعطاها إياها والدها منذ سنوات، وهي تشعر بشي من الإثارة يزداد داخل صدرها، نظرت اليها بإمعان شديد ثم همست وهي تقطب جبينها "إذا مازلنا في البداية"

كانت سفينتهم الآن قد دخلت أحلك بقعة في البحر، والتي يتجنبها البحارة والتجار بسبب سوء سمعتها الذي اكتسبته بسبب كل هذا الضباب

إلا أن والدها أخبرها بأنها الطريق الأسرع بالنسبة للقلة من البحارة المتمرسين للوصول لأي وجهة يريدونها

وضعت إصبعها في مقدمة البقعة الحالكة وتبين لها أنهم بحلول الليل قد يصلون لمنتصفها حيث ستنعدم الرؤية تماما حسب كلام والدها

وما إن يتجاوزوا المنتصف حتى لن يتبقى لهم سوى يوم واحد للوصول للساحل

قالت " إذا الرحلة لن تأخذ سوى يومان فقط في حين أنها كانت ستستغرق ستة أيام إذا سلكنا الطرق المعتادة لإبحار السفن"

تنفست الصعداء وأكملت

"ألهذا السبب أصر والدي على السفر من هذه المنطقة؟

تنهدت بشي من الكآبة، شعرت بأن حماسها لفكرة الإبحار بدأ ينطفئ بريقه، فقد كانت ترغب بشدة رؤية البحر وإنعكاس السماء الزرقاء في مياهه الصافية

ألقت نظرة من فوق كتفها إلى البحر الملبد بالضباب خلفها،فطوت الخريطة وأعادتها لجيبها، ثم استدارت للخلف لمواجهة المياه الداكنة متمسكة بأحد الحبال

مسحت بنظرها أرجاء السماء التي كانت تغطيها السحب الكثيفة ، أغمضت عينيها وهي تسيخ السمع محاولة تجاهل أصوات جلبة الطاقم الصاخبة من حولها لم يكن هناك أي صوت ولو حتى لطير واحد

خفضت نظرها باتجاه البحر، وشعرت بالقليل من الدهشة، بدت أمواج البحر هادئة، وليست بتلك القوة كما أوحى لها تمايل السفينة الذي أزعجها

أمعنت النظر في الماء لم يكن هناك أي حركة مختلسة لأي شيء يسبح

همست لنفسها

"يجدر بي ألا أتوقع رؤية أسماك هنا، أعتقد أن أبي كان محقا"

وأكملت بتملل "على ما يبدو أن كل شيء حي يميل للإبتعاد عن هذه المنطقة "

تنهدت بعمق وعندما همت بالنزول والعودة لوالدها فجأة لمحت شيئا ما تحت الماء

ضيقت عينيها محاولتا التدقيق بنظرها إلا أنها لم تستطع تحديد ماهيته بسبب الضباب

"ماهذا الشي"

ثم أكملت وهي تميل للأمام "هل سقطت أحد البراميل من السفي..."

واختفى الشيء تحت الماء

شعرت سحر بالإرتباك فهي تعلم جيدا إستحالة وجود أي نوع من الحياة في هذه المنطقة تلفتت محدقة بتركيز في جميع الإتجاهات لكنها لم تجد شيئا

سمعت طرطشة مياه، وما إن نظرت أسفلها حتى تجمدت مما رأرته، لم تستطع تصديق عينيها

كانت تنظر مباشرة في عينين بشريتين أطلقت صرخة مكتومة، أيا كان الذي ينظر إليها

لم يظهر من وجهه سوى عينينه اللتان كانتا تراقبانها من تحت ما بدا كشال أسود يغطي رأسه وتتماوج أطرافه مع حركة الماء

ظلت العينان تحدقان فيها بثبات شعرت سحر كما لو أن الهواء أصبح ثقيلا فجأة

تسارعت دقات قلبها، وتجمدت أصابعها على حواف جدار السفينة، أرادت إبعاد عينيها والهرب بعيدا

ثم استعادت نفسها وابتعدت بسرعة عن جدار خطوتين للوراء وهي تنهج بفزع

فجأة وبهدوء، بدأ الشيء يتراجع لأسفل المياه ببطء شديد

حتى اختفى تماما

2022/11/24 · 31 مشاهدة · 672 كلمة
Masah Masa
نادي الروايات - 2024