ترك شوفين الكيميائي واريان في طابق الأعشاب ونزل لِمغادرة المبنى، و قبل أن يخرُج.. صرخَت عليه سولان من الخلف

"أنا أتحداك للقتال في الساحة العامة.. هل تجرؤ على القبول ؟"

لوّح شوفين بِيده دون أن يستدير إليها ثم استمر في المشي وهو يقول

"لقد وعدتُ جدّتي ألا أقاتل الفتيات الصغيرات"

خرج مباشرة من المبنى وترك سولان في موجة غضبِها بين العديد من المشاهدين

"هل تحدّت ذلك اللئيم ؟"

"سيكون رائعاً إذا لقّنته درساً لا يُنسى"

"إنه مجرد جبان، ألم تسمع ما قاله ؟"

...

خرج شوفين من وسط العشيرة وتوجّه نحو قمّة الشيخ الضيف وكانت على أطراف العشيرة، ورغم أنها ليست الأعلى إلا أنها تظهر من مكانٍ بعيد، وتُعتبر أرضاً محرّمة رغم أنه لم يكُن للعشيرة شيخ ضيف منذ وقتٍ طويل، وسبب تحريمها لأنها تُعتبر أرضاً مستقلة حسب الأعراف المعمول بها، وذلك حتى يستقل الشيخ الضيف عن العشيرة وإزعاجاتها، ومَن يريد الدخول فعليه الاستئذان أولاً من الشيخ أو مِن أتباعِه.

وصل شوفين إلى قمة الشيخ الضيف بعد ساعتين من المشي، اتّجه مباشرة نحو القصر الصغير في قمّتها، وصل إلى المنزل قبل أن يعبِس قليلاً لأنه أحسّ بوجود أشخاصٍ في الداخل، وصل إلى الباب وفتحَه ثم بدأ يتجوّل في مَرافِقه حتى وصل إلى قاعةٍ واسعة مُخصصة لاستقبال الضيوف، وهناك.. وجد ستّة رجالٍ سُكارى ومعهم عشر فتيات يلبِسن مثل العاهرات، كان الجميع في حالة سُكرٍ شديد وقد سكبوا النبيذ على السجاد الفاخِر للقاعة، ومِن بين الجميع.. كان اثنان منهم فقط في وعيهما، لكن السُّكرَ قد أخذ بهما ولم يتفاعلا مع شوفين عند رؤيته.

اعتماداً على ذكريات راموليا.. تعرّف شوفين على بعضهم وكانوا مِن رجال الشيخ راجو الذي كاد يهجُم عليه أثناء اجتماع العشائر لولا تدخّل رئيس العشيرة، ابتسَم شوفين وفهِم ما يحدُث هُنا، فهو مُجرّد مشلولٍ في نظرِهم وليس معه غير فتاة صغيرة، وكامل العشيرة تمقتُه بسبب استغلال رمز مرسوم الطاعة وإحراج الرئيس والشيوخ بين ضيوفهم، لذلك أرسل أتباعَه هؤلاء ليُفسِدوا في هذا القصر، وفي الغالب أنهم لن يُغادروا ولن يستطيع شوفين طردَهم بالقوة، وفي نفس الوقت.. لن يقوم أحدٌ بِمساعدتِه في مشكلته، لذلك سيعيش في عذابٍ أو يظطرّ لِترك القمّة.

ابتسم واقترب مِن الشخصين الواعِيَين ثم أخذ جرّة الخمر وملأ كأسيهِما وهو يقول

"يا لكم من رِفاقٍ رائعين، يبدو أني سأستمتِع بهذه الرّفقة المجانية"

نظر إليه الشابان وكانا الأقوى بين المجموعة وقد دخلا فعلاً في مستوى تقوية الروح، لهذا كان تأثير الخمر أقل عليهِما من الآخرين مع أنهم كانوا يشربون هنا منذ عدة أيام، نظرا إليه ولم يقولا شيئاً وإنما رفعا كأسيهِما وشرِبا، تنهّد شوفين ثم بدأ يتحدث عن مشاكل الحياة وصعوباتِها وكيف أن الوضع ليس عادلاً مع الجميع وأن الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقراً، ولأنه خبير في الحياة فلم تكُن تنقُصه القِصص والمواقِف النادرة، ودون أن يشعر الشابان.. كانا قد بدآ يتفاعلان معه ويشربان ما يُقدّمه لهما، وما هي إلا ساعة أخرى حتى استسلما للنوم دون شعور.

وقف شوفين مباشرة وظهرت على وجهِه ابتسامة خبيثة ثم انحنى نحو أقواهم ووضع يده على جبهتِه ثم بدأ يضخّ طاقته داخِل روحِه، وبعد ثوانٍ معدودة.. نزع يده وقال

"هكذا أفضل، يبدو أني قد حصلتُ على فوائد عظيمة، والشكر كلّه للشيخ راجو"

مضى الوقت بسرعة ودخل الليل فعاد شوفين إلى منزل راموليا وأرسل إليها رسالة عبر التخاطر يدعوها للتوقّف عن التدريب، خرجَت بعد بِضع دقائق وكان جزء العظم الذي قدّمه لها شوفين كما هو تقريباً، وذلك لأن سرعة صقلها لا يُمكن أن تُقارن بسرعة شوفين الذي كاد أن يُنهي الجزء الذي معه، ابتسم نحوها وقال

"دعينا نجمع الأغراض، سننتقل غداً إلى قمة الشيخ الضيف"

سألته باستغراب

"هل بِعت المنزل بهذه السرعة ؟"

رد عليها بينما يتّجه نحو الطابق العلوي

"سيتم عرضُه في المزاد بعد أيام"

لم تقُل راموليا شيئاً وإنما بدأت تجمع أغراضها المهمّة وتضعُها في خاتمها، وبعد ساعتين كانا قد انتهيا وجلسا على الأرض في القاعة السفلية، نظر شوفين نحو ريكو وقال له

"سأصنع لك أداة تستطيع من خلالها استخدام القوى الروحية، وبهذا ستكون وحشاً مميزاً"

الفرق بين البشر والوحوش المتدربة هو أن الوحوش لا تستخدم القوى الروحية، لذلك ستكون مُساعدة شوفين قيّمة جداً، وهذا جعل راموليا أيضاً تدخل في دوامة من التفكير، وبعد صمتٍ قالت

"لدي إشكالية كبيرة حول الروح، ما هي هذه الروح وكيف تعمل ؟"

أي شخصٍ في مستوى المعلمة راموليا يجب عليه أن يكون لديه فهمٌ جيد للروح، وذلك لأنها سبق وتدرّبت في مستوى تقوية الروح، ولولا نجاحها في هذا المستوى لما استطاعت أصلاً أن تنتقل إلى مستوى تهئية الوعاء، لكن هذا المستوى مثلما قال شوفين سابقاً.. ليس أكثر من لعب أطفال، لذلك لم تفهم حقيقة الروح حقاً وإنما كانت فقط تتبع الإشادات والقواعد التدريبية.

صمت شوفين قليلاً ثم تنهّد وقال

"هذه ليست روحاً حقيقية، كان من الأفضل أن يُسمّوها وعي، شعور، إدراك، طاقة ذهنية.. لكنها بالتأكيد ليست روحاً"

نظر نحو راموليا بِتعبير مُعقّد ثم قال لها

"أنتِ لستِ جاهزة بعد، ربما ستعلمين يوماً ما حقيقة هذا العالم، وحينها.. ستتغيّر حياتُك كثيراً، لكني لا أستطيع أن أضمن لك إن كانت ستتغيّر إلى الأفضل أم إلى الأسوأ"

شعرت راموليا بِقلبها ينقبِض، وذلك لأن الرؤيا التي رأتها عند انتقالها إلى جسدِها الجديد قد جعلتها تقلق كثيراً من معرفة الحقيقة، وما قاله شوفين الآن قد أكّد لها ذلك، صمتَت لوقتٍ طويلٍ بينما تشدّ قبضتَيها الصغيرتين، وأخيراً.. تنهّدت وقالت

"أتمنى مِنك مساعدتي في ذلك الوقت.. سيدي"

ابتسم شوفين وفرك شعر رأسها ثم قال للاثنين

"لا تنشغِلا بمثل هذه الأمور المعقّدة، ركّزا على تدريبكما فقط، فهذا العالم لا يعترِف بالضعفاء كما تعلمان"

...

في صباح اليوم التالي.. وصل شوفين وراموليا إلى قمة الشيخ الضيف بعد إفراغ المنزل تماماً، وقبل أن يصلا إلى القصر.. تقدّم ستّة رجال وقدّموا التحية باحترامٍ شديد لشوفين، وهذا جعل راموليا تعبِس بعد تعرّفها على بعضِهم، لم تسأل مباشرة وإنما تبِعت شوفين إلى الداخل حيث زادت دهشتُها أكثر عندما تقدّمت عشر فتيات وقدّمت التحية باحترام أكبر، أمرَهن شوفين بالعودة إلى أعمالِهن قبل أن يشرح لراموليا ما حدث في الأمس، تنهّدت راموليا وقالت

"لذلك استغللتَ الوضع وأجبرتَهم على توقيع عقد سيدٍ وخادم ؟"

ابتسم شوفين بخُبث ثم قال

"بل جعلتُهم عبيداً لي وسيموتون بِسعادة لِحمايتي"

ارتجفت راموليا عند سماعه ونظرت نحو الخادمات العشر والحرّاس الستّة حيث كانت تصرفاتهم مليئة بالاحترام والتبجيل على عكسِها هي وريكو، وهذا يعني بأنه قد تساهل معهما كثيراً لأنهما لم يُعادِياه مثل هؤلاء من سيئي الحظ حيث استغلّهم وهُم في حالة ضُعفٍ بسبب الخمر.

يتطلّب وضع ختم على الروح الكثير من الشروط، ففي الحالة العادية سيفشل العقد بِمجرد فكرة من الطرف الآخر إذا كان غير موافِق، لذلك لن ينجح إلا إذا كان موافقاً بخاطِره، لكن الأمر يختلف عندما يكون الشخص خبيراً مثل شوفين وله قوة روحية أقوى بمئات المرات من الشخص المُستهدف، وما قام به شوفين هو الهجوم على روح هؤلاء وإضعافها قبل وضع الختم عليها، ومع ذلك.. ما كان هذا لِينجح بسهولة لو كانوا في وعيِهم لأن وضعهم مختلف عن راموليا وريكو اللذَين وافقا على جميع إجراءات شوفين أثناء نقلهما إلى جسدَيهِما الجديدَين.

تنهّدت وقالت بِنبرة تحذيرية

"هؤلاء رجال الشيخ راجو، سيسعى وراءَك بالتأكيد"

ضحك شوفين قليلاً وهو يقول

"سأكون حزيناً إذا لم يفعل ذلك"

2020/01/10 · 773 مشاهدة · 1099 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024