استقرّ شوفين في قصره الجديد وأمر خدَمه بِشراء المستلزمات الضرورية مثل الطعام وبعض الأثاث، إضافة إلى ما يحتاجون إليه هُم كخدم، وبعد أيام.. أتَت رسالة من دار المزاد وقد تَحدّد موعد بيع المنزل وبعض الأغراض الأخرى بعد أسبوعين.
استغل شوفين هذا الوقت لِصناعة أداة صغيرة بالمواد التي كان قد اشتراها سابقاً، وبعد انتهائه منها.. قام بمساعدة ريكو على صقلها، لكنه سيحتاج إلى الكثير من التدريب حتى يستطيع استخدام روحه بالاعتماد عليها، وستقوم راموليا بمساعدته في هذا المسار.
في اليوم الخامس من استقرارِهم.. أتاهُم زائرٌ يطلب اللقاء مع شوفين وكان محترماً جداً، وهذا جعل راموليا والخدم يستغربون كثيراً لأن الضيف كان الكيميائي واريان، وهو مِن أكثر الشيوخ الذين يحترِمهم الجميع، وحتى رئيس العشيرة سيكون عليه التنازل أمامه وإبداء الاحترام له، وذلك لأنه مِن أعظم الكيميائيّين على مستوى الدولة وليس العشيرة فقط، كما أنه الكيميائي الوحيد في العشيرة، ورغم أنه يوجد كيميائيون غيرُه إلا أنهم لا يقرَبون حتى من ظلِّه فيما يخص الموهبة والمعرفة.
ومع أن الكيميائي واريان عظيم إلى هذه الدرجة، إلا أنه متواضع مع الجميع، ولا يزال يقوم بعِلاج المرضى في العيادة مثلما كان عليه قبل ألف سنة، كما أنه لا يتشاحَن مع الشيوخ الآخرين فيما يخص المكاسب، وهذا ما جعل الجميع يحترمونه أكثر ويُدافعون عنه إذا أساء إليه أحدٌ ما.
رحّب به شوفين وقادَه إلى قاعة مُغلقة حتى يتحدّثا على راحتِهما، ابتسم واريان وقال باحترام
"أخي شوفين.. هل أنت كيميائي ؟"
ابتسم شوفين عندما ناداه أخي، وهذا يعني بأنه يضعُه في نفس المقام معه، هزّ رأسه وقال
"لا تنخدِع بي، هناك فرق كبير بين المعرفة والمهارة"
رفع واريان حاجِبيه وكأنه لم يفهم، وذلك لأن معرفة شوفين قد فاقت معرفته فيما يتعلّق بحبّة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات، أما قدرته على التخاطر فهذا كان أمراً أكثر غرابة، لذلك لم يُصدّق ما قاله شوفين وإنما أظهر تعابير الإصرار وكأنه يُريد جواباً آخر.
ابتسم شوفين وتحدّث بطريقة مباشرة
"سيد واريان، ما رأيك بِصفقة ؟"
ضمّ واريان شفتيه وعدّل جلسته ثم قال
"ما هي ؟"
استرخى شوفين على كرسيه وصمت قليلاً وكأنه يُفكّر، وبعد فترة عدّل جلسته وقال
"قبل هذا.. أريد منك أن تعرف أني لا أنوي الإضرار بهذه العشيرة، لكني لا أنوي البقاء فيها طويلاً أيضاً، سأغادر خلال سنة على الأكثر مع رفيقتي الصغيرة"
كان ينظر مباشرة إلى عيني واريان وهو يتحدّث، شعر واريان ببعض الضغوط وأزاح نظرَه لا إرادياً، ولو أنه كان يعرف شوفين القديم جيداً لكان قد لاحظ أن عينيه قد تغيّرتا، لكن.. ولِحسن حظ شوفين أن معارفَه القُدامى كانوا من الصغار باستثناء مُعلّمته، وعندما تغيّر لون شعرِه وعينيه من الذهبي إلى الأسود.. اعتقد أغلبُهم أنه كان يستخدم تقنية لتغيِير لونهِما، وقد عادا إلى لونهما الأصلي بعد إصابته بِالشلل.
استمرّ شوفين عندما لاحظ صمت واريان
"خلال سنة أو أقل.. سأمنحك ألف وصفة نادرة في الكيمياء، وسأجيب على تساؤلاتك وأساعدك على حلّ مشاكلك سواءً في الفهم أو في التطبيق، وفي المقابل.. ستقوم بحمايتي من الرئيس والشيوخ حتى يحين وقت مغادرتي"
أصبحت تعابير واريان جدّية وأعاد نظرَه نحو شوفين وكأنه يُريد أن يعرف مَن يكون هذا الشخص الواثق أمامَه، ابتسم شوفين وأضاف
"آه.. شيء آخر، سأطلب منك خلال هذه الفترة أن تصقل بعض الحبوب لِأجلي، وأنا من سيتكفّل بالمواد، ما قولك ؟"
مصّ واريان شفتَيه لوقتٍ طويل وبدأ يحلّل ما سمِعه لحدّ الآن، وأخيراً قال
"سأطرح عليك بعض الأسئلة أولاً، موافق ؟"
أومأ شوفين برأسه فأخرج واريان وصفة ووضعها على الطاولة، رفعها شوفين وبدأ قراءتها ثم ابتسم وقال
"لن تستطيع صقلها مهما فعلت، بل لن يستطيع أي كيميائي آخر أن يصقلها لأنها وصفة غير مكتملة"
تهلّل وجه واريان وقال بِشغف
"نعم.. نعم، لقد تناقلها الكيميائيون بينهم لوقتٍ طويل ولم ينجح أحد في صقلها، هل يُعقل بأنك تعرِف الطريقة ؟"
كان واريان متحمّساً لأن هذه الوصفة من المستوى المرتفع، وضعها شوفين على الطاولة وقال
"أعرف النصف الآخر من الوصفة وأستطيع تمريرَه لك، وهي مفيدة كثيراً لِشفاء الجروح الروحية والجسدية القديمة وتصحيح أخطاء التدريب، لكنّها تتطلّب طفلاً حديث الولادة"
ارتجف واريان قليلاً وكأنه لم يفهم، رفع شوفين حاجِبيه وقال
"لابد أنك قد لاحظت أن المكونات في نصف الوصفة هذا لديها تقارب مع الجسد البشري، النصف الآخر الذي لا تملِكه يحتوي المواد ذات التقارب مع الروح، لكن المادة الرئيسية هي طفل لم يمرّ على ولادتِه أكثر من أسبوع، ويجب أن يُصقل بالنار وهو على قيد الحياة"
تغيرت تعابير واريان لأن ما قاله شوفين يبدو منطقياً من الناحية النظرية، وهذا هو السبب الذي جعل الكيميائيين يحتارون عندما قرؤوا نصف الوصفة، ابتلع ريقه ونظر في شوفين الهادئ وكانت تعابيره توحي بأنه مستعدٌ لِتمرير الوصفة، وهذا جعل واريان يرتجف تقريباً، هل هو حقاً مستعد لِتمريرها لي ؟
أم أنه يختبِرني فقط ؟
ولماذا أشعر بهذا الضغط وأنا أنظر إليه ؟
مَن.. مَن يكون هذا الشخص بالذات ؟
ابتلع ريقه بعد جمودٍ ولوّح بِيده نحو الوصفة فتقطّعت وصارت غباراً، بعدها قال
"لا داعي لهذا النوع من الوصفات الشيطانية، شكراً لأنك أنرتَ ذهني"
ابتسم شوفين ورفع أصبُعه ثم كوّن شعاعاً صغيراً وأرسلَه نحو جبهة واريان، وفجأة.. بدأت المعلومات تتدفّق في ذِهنِه، سحب شوفين أصبعه وقال
"هذه وصفة مُشابهة في النتيجة النهائية، ومع أن موادّها قد تكون نادرة بعض الشيء إلا أنها على الأقل لا تتطلب التضحيات البشرية"
أومأ واريان بينما لا يزال يُراجِع المعلومات في ذِهنِه، وأخيراً.. ابتسم وقال باحترام
"شكراً لك أيها السيد العظيم"
يبدو أنه قد فهِم بأن هذا الطفل الجالس أمامه لا يُمكن أن يكون نفس تلميذ المعلمة راموليا، وبما أنه قد عاش لأكثر من ألف سنة فقد رأى أو سمِع عن بضعة أشياء غريبة، ومع أن أمر شوفين أكثر غرابة إلا أنه كان مستعداً نفسياً لتقبّله منذ تحدّث معه شوفين عبر التخاطر.
قال شوفين بشكلٍ مُستعجل
"لا.. لا تقُل هذا.. سيدي، أنا لا أزال تلميذ المعلّمة راموليا، كل ما في الأمر هو أني قد حصلتُ على نوعٍ مُعيّن من التنوير بِمساعدة من معلّمتي في لحظاتها الأخيرة"
قطّب واريان حاجبَيه قليلاً لأنه لم يُصدّق تماماً ما قاله، لكنه سرعان ما أرخى دفاعه بِما أن شوفين لا ينوي شراًّ بالعشيرة.
استمر لقاؤهما لأكثر من ساعةٍ أخرى طرح فيها واريان العديد من الإشكالات فقام شوفين بحلّها له بسهولة، وفي الأخير.. وقف واريان وقال باحترام
"لن أطيل عليك كثيراً سيد شوفين، تواصل معي في أي وقتٍ إذا كُنتَ بحاجة إلى المساندة أو أي شيء آخر"
وقف شوفين أيضاً وقال بابتسامة عريضة
"في الحقيقة.. سأحتاج إلى خدمة صغيرة بعد أسبوعين"