"متى سنذهب لزِيارة السيد داوفين ؟"

عبس باهان مُباشرة وقال بِصوتٍ خافِت

"للأسف.. نحن في بعيدون عن عالم البحر الضبابي، ورِحلة العودة ستأخُذ عدّة أشهُر، لكنّنا زُرنا عالمَين بِالفِعل وبقيَ عالَمان آخران ثم نرجِع، ومع ذلك.. أتمنى أن تمنحَني التقنية لإرسالِها عبر مصفوفات التواصُل، وعِندما نرجِع.. سيكون السيد قد تعافى جيداً"

لوى شوفين فمَه ورفع أحد حواجبِه وكأنه غير راضٍ لِأن إرسال التقنية بعيداً عنه قد يعني بِأنه لن يحصُل على أي مُقابل، و باهان لا يبدو مثل الشخص الذي سيُحقِّق له المقابِل الذي يسعى إليه، لاحظ باهان شرود شوفين فعاجلَه قائلاً

"إنها مُجرّد بِضعة أشهُرٍ فقط، أتمنى أن تُرافِقَنا في رِحلتِنا إلى مشاريع ومتاجِر السيد داوفين، وبعد تواصُلي مع سيّدي فأنا مُتيقِّنٌ بِأنه سوف يَمنحُك امتِيازاتٍ كثيرة، طبعاً.. هذا يعتمِد على قيمة التقنية التي تملِكها"

فكّر شوفين طويلاً قبل أن يومِئ بِرأسِه ويقول

"سأمنحُك التقنية بعد حديثي مع سيِّدك"

يتم استخدام مصفوفاتٍ قوية في العوالِم المُتّحدة لِنقل الصوت والصورة والأغراض الصغيرة، لذلك سيكون سهلاً أن يتواصَل شوفين مع داوفين ويُناقِش معه المُقابِل الذي يُريدُه، وطبعاً فالاتصال بين عالمَين يُكلِّف أموالاً طائلة، لكن هذه ليسَت مشكلة شوفين، لذلك اقترحَ الحديث مع داوفين أولاً.

وافق باهان على شرط شوفين ثم قرّر الانصراف حتى لا يُلاحِظ تلاميذُه بِأنه غائب، وقبل أن يفتح الباب.. أرسَل إليه شوفين حُزمةً ضوئية، أمسكَها وتصفّحها قبل أن تتغيّر ملامِح وجهِه ويقول دون وعي

"تقنية أسطورية مِن المستوى الثالث"

في السابق كان قد أخبرَهم بِأنه سيُراهِن على تقنيةٍ أسطورية من المستوى الأول، والآن منح باهان تقنيةً أعلى منها، والأكثر غرابةً هو توافُق التقنية مع عنصر البرق الذي يستخدِمُه، وهذا جعلَه يرتجِف داخلياً لِأن شوفين استطاع معرِفة العنصر الذي يتدرّب عليه دون أن يراه وهو يستخدِمُه، ومع انبِهارِه إلا أن الشكوك قد عادَت إليه بِأن شوفين يعلم الكثير وربما كان يعلم من مصادِر أخرى حول العنصر الذي يستخدِمُه، لكن هذه الشكوك لم تُعشِّش في ذِهنِه هذه المرة لِأن الشخص الذي يُريد له الأذى لَن يمنحَه تقنية أسطورية من المستوى الثالث.

نظر طويلاً نحو شوفين قبل أن يشكُرَه ويُغادِر، ابتسم شوفين ثم نظر إلى سِلاحِه وقال

"هل تذكُر عِندما كانَت لديك إمكانية تخزين الجِبال والأنهار ؟"

اهتزّ السلاح فابتسَم شوفين وأمسكَه ثم رفع حجر التخزين وقال

"حسناً، دعني أُساعِدُك على صقلِه حتى تسترجِع بعضاً مِن قدراتِك القديمة"

...

بعد عشرين يوماً.. كان شوفين في غُرفتِه حيث لَم يخرُج منذ افترَق مع باهان، وفي هذه اللحظة.. شعر بِاقتراب أحدٍ ما مِن بابِه، وقف وفتح الباب وكان نيوفين هو الذي أتى إليه، نظر إليه شوفين وتغيّرَت ملامِحُه لِأن وجه نيوفين كان يحتوي على جُرحٍ أكبر وأعمَق من السابِق، أمسكَ نيوفين من كتِفه وسألَه

"هل هو رافين ؟"

صمت نيوفين ولم يقُل شيئاً فعبَس شوفين وتقدّم للصعود نحو السطح، إلا أن نيوفين قام بإمساك يدِه وتوسّل إليه

"أخي شوفين.. أرجوك لا تفعل، لقد كنّا نتدرّب فقط وهو لم يقصِد ذلك"

واصل شوفين المشيَ فصرَخ عليه نيوفين

"إذا أزعجتَه فسوف يجعلني أدفَع الثمن، أنا لم أُخبِره بأنه الذي قام بِعلاجي حتى لا تتفاقَم مشاكِلي"

توقّف شوفين في هذه اللحظة وقرّر تركَ أمر رافين إلى يومٍ آخر، نظر إلى نيوفين وسألَه

"لِماذا كُنتَ تبحث عنّي ؟"

ابتسم نيوفين ثم قال بِخجلٍ لأنه نسِي سبب مجيئِه

"أرسلَني المُعلّم باهان لإعلامِك بِأننا سوف نصِل إلى بوابة الخروج بعد أقل مِن ساعة"

أومأ شوفين ثم عاد إلى غُرفتِه ورفع المِرجل الذي صقلَه قبل أسابيع، وكان سِلاحُه يستريح بِداخل المِرجل على شكل غُبارٍ ذهبي بعد ابتِلاعِه للكثير من المعادِن وعلى رأسِها حجر التخزين، نظر إليه شوفين ثم استدعاه إلى جبهَتِه وأحسّ بِقوّتِه الجديدة ثم قال

"لا تقلق يا صديقي الوحيد، إذا نجحَت خطّتي القادِمة فسأجعلُك تأكُل أجوَد أنواع المعادِن حتى تسترجِع أمجادَك القديمة"

شعر شوفين باهتزاز السلاح بِسعادةٍ فقهقه ثم خرج من الغرفة، وبعد أقل مِن ساعة.. وصلَت السفينة إلى مِنطقةٍ واسِعة وبدأت تتحرّك تِلقائياً حتى وصلَت إلى المرفأ حيث يَتِم تخزينُها، نزل باهان وتلاميذُه وتبِعهُم شوفين فاستقبلهُم التجّار يسألون عن نوع السّلع التي يبيعونَها، وآخرون كانوا يعرِضون سِلعهُم أو يُحاوِلون شِراء السفينة، إلا أن باهان لم يهتمّ بهِم وإنما اتّجَه إلى البوابة الفراغية ودخل عبرَها ثم تبِعه الآخرون أيضاً.

بعد الدخول عبر البوابة.. ظهر الجميع داخِل نفقٍ أصغر بِكثير مِن مسار النقل الكوني، وما هي إلا دقائق معدودة قبل أن يصِلوا إلى نِهاية النفق حيث كانت تنتظِرُهم بوابةٌ أخرى، بعد خروجِهم منها.. وجدوا حارساً قوياً يُمسِك شاشةً ضوئية، وقَف في طريقِهم وقال

"أنتُم الآن في عالم الصحراء الخضراء، وحسب قوانين اتّحاد الدول السبعة والعشائر التسعة عشر.. يجِب عليكُم التصريح بِجوازات سفرِكُم والغرض الذي جِئتُم لِأجلِه، وإذا كنتُم لا تملِكون جواز سفرٍ فيجِب عليكُم مُرافقَتي إلى الفرع المحلّي لِمُنظمة العوالِم المتّحدة حتى نصنَع لكم جواز سفرٍ جديد"

كان يُلقي هذا الخِطاب بِطريقة شِبه آلية مِن كثرَة إلقائِه على الداخلين إلى عالم الصحراء الخضراء، اقترَب منه باهان وسلّمَه جوازات السفر الخاصة بِه وبِتلاميذِه ثم أعطاه شارةً ذهبية وقال

"نحن مِن نقابة اليد الذهبية"

ارتجَف الحارِس قليلاً وهو يتصفّح الشارة الذهبية لِأن نقابة اليد الذهبية تملِك قوةً تجارية كبيرة، ويتمّ احتِرامُها كثيراً في العوالِم الخمسة التي تعمل فيها بِسبب سيطرتِها على جزءٍ كبير من القوة الاقتصادية، راجع الحارِس جوازات السفر بِسرعةٍ قبل أن يُرجِعَها إلى باهان، استدار باهان وقدّم تلاميذَه أمامَه، لكنّه عبس قليلاً عندما رأى شوفين يتوسّط التلاميذ ولا ينوي تقديم جوازِ سفرِه، وهذا وحدَه قد يُسبّب لهم الكثير من الإحراج أمام موظّفي منظمة العوالِم المتّحدة.

لِسوء الحظ.. لم يكُن باهان هو الوحيد الذي لاحظَ تسلُّل شوفين وإنما رآه بعض التلاميذ أيضاً، وأكثرُهم خُبثاً هو رافين الذي أراد الانتقام من شوفين حيث سارَع خُطاه حتى وصل إلى الحارِس وقال له شيئاً في أذُنِه، عبس الحارِس ونظر نحو شوفين قبل أن يتقدّم إليه ويقول

"أنت لستَ مع هؤلاء، صحيح ؟"

نظر إليه شوفين بابتسامةٍ خفيفة فقال الحارِس

"أنا لم أرَ جواز سفرِك بعد، هل تملِك واحداً ؟"

واصل شوفين النظر إليه قبل أن يقوم بِإرسال هالةٍ خفيفةٍ من النور المُقدّس نحو وجه الحارِس، وما هي إلا ثانِية واحِدة قبل أن يبتسِم الحارِس مثل الغبيّ ويقول باحترامٍ شديد

"اعذُرني رجاءً يا سيدي، أنا غبيٌّ لِأني لم أتعرّف عليك"

قال هذا ثم فتح الطريق أمام شوفين وكان أوّل من يمُرّ، عبس الجميع وعلى رأسِهم رافين و باهان، وفي نفس الوقت.. ظهرَت نظرةٌ مليئة بالحيرة على وجه صوفين الجليدي، أراد رافين الحديث مع الحارِس إلا أن باهان أمسكَ يدَه وقال له بِصوتٍ مُنخفِض

"ما فعلتَه كان غبياً جداً، فنحن لا نعرِف بعد مَن يكون شوفين أو ما هو قادِرٌ على فِعلِه"

وعلى عكس العادة.. توقّف رافين ولم يعترِض على ما قالَه باهان، وذلك لِأنه رأى كيف تعاملَ الحارِس مع شوفين، وللأسف.. لم يستطِع هو أو باهان الشعور بِهالة النور المُقدّس، لذلك لا يعلمون ما الذي قام بِه حتى يحترِمَه الحارِس بِهذه الطريقة.

يُعتبر النور المُقدّس عنصراً غريباً جداً في عالم التدريب، وفي العادة.. لا يُسمَح لِأحدٍ بِالتدرّب عليه ما لم يكُن عضواً في مجلِس الحِكمة، ومع أنه في الطرف الآخر مِن عنصر الظلام الشيطاني أو ما يُسمى بالطاقة الشيطانية.. إلا أنه أيضاً عنصرٌ شيطاني لا يُستهان بِه، حيث يستخدِمُه مجلِس الحِكمة للحصول على رِضا الناس وموارِدهم، ومع أن أتباعَهم يدّعون الزهد والصلاح.. إلا أنهم يستغلّون ذلك للوصول إلى غاياتِهم الشخصية، والفرق بينهم وبين مُتدرّبي الطاقة الشيطانية هو أنهم يُخفون غاياتِهم جيداً بينما يتبجّح الشيطانيون بِأعمالِهم الخسّيسة.

يعلم شوفين ماذا يفعل النور المقدّس لِذلك استخدمَه على الحارِس، ولو استخدَم الطاقة الروحية لاحتاج إلى الكثير من الوقت ولَظهرَت المقاومة على الحارس، ومع أن الاستعباد الروحي أكثر ضماناً إلا أن النور المُقدّس يقوم بِاستعباد الآخرين بِطريقةٍ مُختلِفة حيث يقوم بِزيادة القناعات الدفينة مؤقتاً دون التحكّم بِالنتيجة، فمثلاً.. لو كان الحارِس يبحَث -في قلبِه- عن امرأةٍ جميلةٍ فقد يجعلُه النور المقدّس يرى شوفين وكأنه الشخص الذي سيوصِلُه إلى غايتِه، بل وربما قد يراه جميلاً بِشكلٍ يُزاحِم فيه رغباتِه الدفينة، لكنّه لن يتصرّف وِفقاً لِهذا كما كان سيفعل لو تمّ إيهامُه بِالطاقة الشيطانية التي تُؤجّج الرّغبات، بل سيتصرّف بِأبهى صُوَر الرّقِي ويتحوّل إلى مُضيفٍ مُحترَم كتعبيرٍ عن سعادتِه لِنيل مُناه.

مع أن تأثير النور المقدّس يُعتبر مؤقتاً إلا أن زوال التأثير لَن يحدُث إلا بعد فترة، وهذه الفترة تختلِف مِن شخصٍ لِآخر حسب قوة إرادة المُصاب، لكنّ شوفين لم يدَع الأمر للصُّدفة وإنما قام بِالهجوم على روح الحارِس في لحظة ضُعفِه، ومع أنه لم يترُك عليه ختم الروح إلا أنه جعلَه لا يُقاوِم تأثير النور المقدّس الذي سبق وسيطَر عليه، لأن شوفين كان يعلم جيداً بِأنه محظوظٌ لِأن الحارِس كان ضعيفاً وسمح للنور المقدّس بخِداعِه، وإذا تركَه يستفيق بِسُرعةٍ فسيكون عيباً عليه كونَه أحد أكثر المتدرّبين خِبرةً في جميع العوالِم المتّحِدة.

خرَج شوفين من مبنى الاستقبال ثم نظر نحو رافين وقال له

"لا أظن أن السيد داوفين سيحزَن إذا فقَد معتوهاً مِثلَك"

قال هذا ثم انقضّ على رافين دون سابق إنذارٍ وهو يُطلِق نيّة قتلٍ لا مثيل لها.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سيقتُل شوفين هذا الشاب المتعجرِف أخيراً ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/12 · 615 مشاهدة · 1389 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024