"في الحقيقة.. سأحتاج إلى خدمة صغيرة بعد أسبوعين"

كان شوفين بحاجة إلى تدخّل الكيميائي واريان في مسألة معينة، شرح له ما يُريد منه أن يفعله، ثم أخرج بعض الموارد وقال له

"أتمنى منك أيضاً أن تصقل لِأجلي ثلاث حبّات تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات عندما يكون لديك الوقت، لا أملك مواردها لذلك سأعوّضك بِهذه"

نظر واريان للموارد وكانت قيمتها عدة أضعاف قيمة الموارد التي يحتاجها لِصناعة ثلاث حبّات تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات، لكن ما شدّ انتباهَه أكثر هو أن شوفين قد أخرج هذه المواد من الفراغ، ولا يعلم واريان إن كان شوفين يملك خاتم تخزين مخفي أم أنه استخدم تقنية ما، لكنّه سبق وتوقّف عن التفاجؤ عندما يتعلّق الأمر بِـ شوفين، لذلك أمسك المواد ووضعها في كيسٍ ثم خرج.

غادر واريان فشرح شوفين بعض الأمور لِـ راموليا ثم دخلها معها غرفة التدريب وساعدَها على صقل العظمة التي لم تتقدّم فيها كثيراً بسبب قلة خبرتها مقارنة معه، أما ريكو فقد أتَته نوبة من النوم بعد استهلاك الكثير من الأعشاب، ولابد أنه سيتقدم في تدريبه أثناء نومِه كما تفعل الوحوش، ورغم أن ريكو يملك روحاً بشرية إلا أن الغريزة الحيوانية قد غلبت عليه كما يبدو.

مضى الوقت بِسلامٍ خلال الأسبوعين القادمَين واقترب موعد المزاد الاستثنائي، ويبدو أن مساعدة شوفن لِـ راموليا قد آتت ثمارها حيث قاربَت على الاختراق إلى مستوى توفير الدم بعد تقوية اللحم باستخدام درع خبز النحل وبناء العظام اعتماداً على العظمة من جسد شوفين القديم، وهذا التقدّم جعل راموليا تستبشِر خيراً لأنها تسير على طريق التدريب بشكلٍ أفضل حتى ممّا وعدَها سيدُها.

استغرب شوفين لأن الشيخ راجو لم يتّخذ أي إجراءٍ بعد، بل حتى أنه لم يُزعِج خدمَه الذين يزورون السوق بطريقة دورية لِشراء المستلزمات، لذلك توقّع بأنه قد يُحاوِل تخريب بيعِه للمنزل في يوم المزاد، خاصة أنه شيخ القانون ولديه الكثير من العلاقات في العشيرة.

في اليوم الذي يسبِق المزاد.. أرسَل واريان أحد أتباعِه وسلّم ثلاث حبّات تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات والتي كان قد طلبها شوفين، أمسكها وتصفّحها مع ابتسامة واسعة، ويبدو أن واريان قد اجتهد في صقلِها بِما يملك من مهاراتٍ رغم أن نقاءَها ستون في المائة فقط، أمسك شوفين الثلاث حبّات في راحة يدِه وعمّم طاقتَه فتحوّلت إلى لهبٍ أبيض وبدأت تُزيل الشوائب من الحبات الثلاث تحت دهشة راموليا.

لا تعرف راموليا الكثر عن الكيمياء، لكنها تعرف يقيناً أنه لا يجب العبث بالحبّة بعد تجميعِها، لكن شوفين قد عوّدها على صنع العجائب، وهذا ما حدث بالضبط بعد عشر دقائق حيث زاد نقاء الهالة المنبعثة من الحبات الثلاث، ولو رأى واريان هذا لربما كان سيُغمى عليه لأن مستوى نقاء الحبات الثلاث قد تجاوز الثمانين في المائة، ولولا ضُعف روح شوفين لكان النقاء أكثر من ذلك بكثير، لكنه لا يستطيع استخدام لهب الصقل لِوقتٍ طويل، وإلا كان سيقوم بِصقل الحبوب بنفسه.

سلّم شوفين حبّتين لِـ راموليا وقال لها

"امنحي واحدة لريكو عندما يستيقظ، هذه الحبة مفيدة لاستقرار مستوى تعزيز الجسد والانتهاء من مراحلِه، بالنسبة لك.. ربما ستنتقلين إلى مستوى تقوية الروح خلال أقل من شهر، وحينها.. توقّفي عن التدريب حتى أساعدك على إعادة تدريب روحِك بِطريقة أفضل"

احمرّت وجنتاها وخزّنت إحدى الحبات ثم دخلَت غرفةً مُغلقة لِبدء تدريبِها، أما شوفين فقد ابتلع الحبة مباشرة ولم يهتم، وذلك لأن لديه تركيزاً قوياً وتحكّماً كبيراً في جسدِه، لذلك لم يشكّل فارقاً بالنسبة له.

...

في منتصف اليوم التالي.. اجتمع الشيوخ والتجار وكبار الشخصيات في قاعة المزاد بسبب بيع المنزل، لأن الأمر ليس متعلقاً بالمنزل والقمة فقط وإنما لديه علاقة بحجم النفوذ، والقمة التي يوجد فيها المنزل تُعتبر مكاناً استراتيجية قريباً من وسط العشيرة، لذلك حضر الكثير من الراغبين في تجربة حظوظهم، لكن أغلب الحاضرين كانوا إما متفرّجين أو كانت لديهم رغبةٌ في بعض الأغراض التي ستُعرض قبل عرض المنزل، إضافة إلى صِنفٍ آخر من الحاضرين الذين يُريدون إنشاء علاقاتٍ مع الكِبار حيث يصعُب اللقاء معهم في العادة.

جلس شوفين وحيداً في زاوية غير مرئية ولن يلاحظه أحدٌ إذا لم يُركّز عليه، وبعد أقل من نصف ساعةٍ بدأ المزاد وعُرِضت بعض الأغراض، تقاتل الراغبون في شرائها كلٌّ يعرِض سعرَه، لكن أغلب الشخصيات الكبيرة كانت صامتة لأنه هدفَها هو شراء المنزل لا غير.

كان عدد الأغراض قبل المنزل أقل من عشرين، لذلك وصلوا بسهولة إلى آخر غرض حيث قال المقدّم

"والعرض ما قبل الأخير هو طحلبٌ بحري يعيش في الأعماق، ومع أن صاحبَه لا يعرِف اسمه إلا أننا نستطيع معرفة قيمتِه من الهالة الصادرة منه، نبدأ المزاد من مائة حجر طاقة أبيض"

كان شوفين جالساً بِهدوء بينما يُفكر في بعض الأمور ولم يسمَع ما قاله المقدّم، لكن.. وقف فجأة عندما شعر بهالة الطحلب ونظر نحو المنصّة بِعينٍ ثاقبة قبل أن يبتسم وينظر نحو الكيميائي واريان الذي كان على إحدى الشرفات المخصصة للشخصيات المهمة، لكن مكان واريان كان بعيداً عنه ولم يستطِع التخاطر معه ليطلب منه شراء الطحلب الغريب، ولم يجِد أي طريقة غير المغامرة والإفراج عن طاقتِه المكبوتة لِجزءٍ من الثانية حتى يُنذِرَه مع احتمال أن ينتبهَ له الخبراء الآخرون.

عاد إلى كرسيه ثم ركز على واريان، وفي لمحة عين.. شعر واريان ببعض الضغط الذي لم يدُم لأكثر من جزء منَ الثانية، نظر بعبوس نحو شوفين الذي تظاهر بأنه لم يفعل شيئاً بسبب نظرات أشخاصٍ آخرين نحوَه.

استعاد الجميع نظراتهم عندما لم يجدوا شيئاً مهماً، وكذلك فعل واريان أيضاً، لكنه فطِن لِشيءٍ ما فاختلس النظر نحو شوفين مرة أخرى فوجدَه ينظر إليه مباشرة، حينها فقط علِم أنه يريد منه شيئاً ما، ابتسم شوفين ثم نظر نحو المنصة قبل أن يُعيدَ نظرَه مرة أخرى نحو واريان، أومأ هذا الأخير بِخفة ثم زايَد على العشب في اللحظة الأخيرة، وبعد بضع مُزايدات.. استطاع الحصول عليه بِأكثر من خمسمائة حجر أبيض.

كان سهلاً على شوفين أن يُزايِد بِنفسه، لكنه لم يرغب بِجذب الأنظار إليه، كما أنه لا يريد أن يُظهِر المال قبل بيع المنزل، والسبب الأخير والأكثر أهمية هو أن هذا الطحلب يُعالج جروح الروح، وشابٌّ مشلول مِثله لا يجب أن يشتري شيئاً مثل هذا، لذلك غامَر بهذه الطريقة وكاد يفضح نفسه.

لكن ما لم ينتبه له شوفين هو عينان حادتان كانتا تنظران إليه من إحدى القاعات المُغطّاة المخصصة للضيوف الذين لا يريدون أن تُعرَف هوياتهم، ويبدو أن صاحب تلك العيون قد رأى كل شيء حيث نظر نحو واريان أيضاً قبل أن يبتسم ويقول في نفسه

"هكذا إذن"

...

بِيعَ الطحلب لِواريان ثم بدأ المقدّم تقديم المنزل ومميزاتِه مع أن الجميع يعرفونَه، وأخيراً أنهى تقديمِه قائلاً

"وتقييماً لِهذه المميزات.. سنبدأ سِعرَنا من عشرة آلاف حجر أبيض"

عبس شوفين مباشرة عندما سمِع السعر لأنه أقل بِكثير من المتوقّع، رفع عينيه وتصفّح الكبار فرأى ابتسامة خبيثة على وجه الشيخ راجو، قبض شوفين يُمناه وعزم على أن هذا الشيخ يجب أن يتمّ تأديبُه ما دام قد بالغ في إزعاجِه.

الشيخ راجو هو شيخ القانون، ومن طبيعة البشر كسر القواعد ومخالفة القانون، وبما أن الشيخ راجو شخص خبيث فقد كوّن علاقاتِه اعتماداً على التهاون في تطبيق القانون، لذلك يخشى كثيرٌ من الكبار مُعارضتَه حتى لا يُطبّق عليهم القوانين الصارمة التي كان قد تهاون معهم فيها سابقاً، ويبدو أنه قد ضغط على أقزين لِوضع سعرٍ أقل مائة مرة من السعر المفترض أن يبدأ به وهو مليون أو أكثر.

لكن الشيخ راجو لم يفعل هذا فقط وإنما وقف وقال بصوتٍ صاخب

"السادة المحترمين.. أنا أرغب بهذا المنزل وأريد دفع عشرة آلاف حجر أبيض، أتمنى منكم أن تسمحوا لي بالحصول عليه"

وووسسسسسس~

صمتَت القاعة مباشرة وتضاربَت مشاعر الحاضرين، وذلك لأن الشيخ راجو قد خالف الأعراف علانية وضغط على الجميع دون خجل، لكن.. ومن جهة أخرى، فهو يستطيع تفادي الخِزي لأن صاحب المنزل هو شخصٌ مقيت سبق وقام بإحراج عشيرتِه أمام الضوف واستغل مرسوم الطاعة بطريقة خبيثة، لذلك لن يحزن عليه أحدٌ إذا تمت مُضايقتُه، بل وشعر البعض بأن رئيس العشيرة وشيوخَها قد اتّفقوا على هذا في الخفاء لِتأديب الطفل المشلول.

ابتلع المُقدِّم ريقَه ثم قال

"لدينا عشرة آلاف، إذا لم يكُن هناك عرض آخر.. فسنختم مزاد اليوم"

نظر نحو الشيخ راجو ثم نحو أقزين قبل أن يبدأ العدّ

"واحد، إثنان، ثلـ.."

وقبل أن يُكمِل.. قال صوتٌ هادئ من إحدى الشرفات

"عشرون ألف"

عبس الشيخ راجو ونظر بغضب نحو المتحدّث قبل أن يضيق صدرُه لأنه كان الكيميائي واريان، وهو شخصٌ لا يستطيع حتى الرئيس أن يضغط عليه، ناهيك عن شيخ القانون، وإذا حاول الضغط عليه يوماً ما فسينقلب عليه الجميع وربما قد يفقد منصبه في العشيرة، لأن أي شخص يمكن أن يصبح شيخاً للقانون، لكن ليس كل شخص يمكنه أن يصبح كيميائياً خبيراً.

ابتسم واريان نحو الشيخ راجو وقال بنبرة هادئة

"أنا أيضاً مهتم بهذا المنزل يا راجو، أتمنى أن تعذرني"

تصنّع الشيخ راجو الابتسامة وقال رغماً عنه

"بالطبع ... بالطبع سيد واريان، فهذا مزاد قبل كل شيء"

ابتسم شوفين لأن هذه كانت خطته في الأساس، وهذا هو ما طلبه من واريان سابقاً حيث أخبرَه أنه يُزايِد على المنزل في حال أراد أحدُهم تخريب التجارة، وطلب منه أن يرفع السعر إلى عشرة ملايين حجر أبيض على الأقل لأنه يملِك الكثير من الأحجار الوردية ويمكنُه شراء منزِله بنفسه بدل خسارتِه، وإذا حدث مثل هذا فسيقوم واريان ببيع المنزل مرة أخرى بعد بضعة أشهر ولن يُزعِجه أحد حينها، بل سيدفعون أكبر مبلغٍ فقط للتقرّب منه، هذا طبعاً إذا حدث تلاعب بالمزاد، ومع أنها طريقة خبيثة إلا أن واريان قد وافق عليها لأن عشرة ملايين حجر أبيض تُعتبر خسارة مقارنة مع القيمة الحقيقية للمنزل.

ما لم يعلمه شوفين هو أن واريان الذي وافق على طلبِه كان قد رسم خطة أخرى في عقله، وهي أن يشتري المنزل حقاً ويمنحَه لِبعض طلابه المتفوّقين، وذلك لأنه كيميائي ولديه أموالٌ طائلة ولن يؤثر عليه شراء مجرد منزل في العشيرة، لذلك لم يشعُر بأنه يقوم بعملٍ مُخزٍ وهو يُزايد على المنزل.

بمزايدة واريان.. كُسِر الجمود الذي صنعه الشيخ راجو وبدأ التجار بالمزايدة من جديد، وبعد ربع ساعةٍ كان السعر قد تجاوز خمسة ملايين لِصالح واريان، وفجأة.. شعر واريان بأن شيئاً ما ليس في محلّه، وذلك لأن المُزادين قد توقّفوا عن المزايدة، ما يعني بأنه سيشتريه بخمسة ملايِين، لكن هذا السعر أصغر بكثير ممّا أمِله شوفين، لذلك بدأ يفكّر في تعويض الفارق بنفسه، لكنه لم يكن واثقاً من موافقة شوفين على هذا، ودون أن يشعر.. كان قد دخل في دوامة تفكير مزعجة.

كان السبب الرئيسي في توقّف المُزايدين هو رؤيتهم لإصرار واريان على شراء المنزل، لذلك خافوا أن يكونوا قد أساؤوا إليه بطريقة ما، خاصة أنه كان يزايِد بمبالِغ قليلة حتى لا يجذب الانتباه ويُعلم بأنه يتعاون مع شوفين، لكن هذا تسبب له في وضع غير مرغوب.

استمر هذا الجمود واستعدّ المقدم للعدّ إلى ثلاثة، وفي هذه اللحظة.. أتى صوت من القاعة المغطّاة قائلاً

"ثلاثون مليون حجر أبيض، أعتقد أن هذا سعرٌ أكثر مِن مناسب"

تغيرت ملامِح الجميع ومن بينهم الكيميائي واريان، وذلك لأن هذا صوت رئيس العشيرة، وكان قد أخفى حضوره حتى لا يتأثر به المزاد، فإذا علِم الآخرون أنه يريد هذا المنزل فسيكون مفعولُه مثل الشيخ راجو تقريباً رغم أن نيته ليست سيئة مثله، لذلك أخفى نفسه ولم يعلَم بحضوره أحد حتى أقزين، وفي النهاية عرض سعراً أكبر بكثير من المتوقع حيث لا يجدر أن يكون السعر أكبر من عشرين مليون في العادة، وذلك حتى لا يُقال بأنه قد تنمّر عليهم باستغلال سلطته.

فهِم واريان رغبة الرئيس في المنزل لأنه كان أساساً من أملاك عائلته قبل أن يمنحَه أبوه للمعلمة راموليا، وبما أنه معروض للبيع فسيكون هو الأَولى باستعادته، لذلك تنهّد واريان وتراجع عن فكرة شرائه.

من جانب آخر.. فهِم شوفين ما فعلَه الرئيس وازداد احتراماً له، وقرّر أنه سيُجازيه قبل المغادرة مِثلما فعل مع إحسان واريان، لكنه ليس مستعداً للتصادُم معه في الوقت الحالي أو إظهارِ مواهبِهِ له، وبالطبع فهو لا يدري بأن الرئيس قد سبق ورآه يستخدم قوّته قبل فترةٍ قصيرة أثناء تواصُله مع واريان.

بِيعَ المنزل أخيراً لِرئيس العشيرة فقام شوفين وغادر المزاد قبل الجميع بعد أن ترك رسالة شفهية مع أحد الموظّفين يطلب فيها مِن أقزين أن يأتيه بالمال إلى قبة الشيخ الضيف.

2020/01/10 · 891 مشاهدة · 1848 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024