141 - استنساخ المهارة الفطرية

"هل تحدّث للتّو ؟"

تمتَم شوفين باستغرابٍ بينما كان يتحوّل ريكو إلى شكلِه الطبيعي، وقف أمام شوفين وصرَخ عليه

"لماذا اقتحمتَ بيتي دون استئذانٍ أيها الوغد ؟"

كان يبدو الإحراج على ريكو وهو يصرُخ، فهِم شوفين بأن هذا الشكل لم يرَه أحدٌ بعد، ابتسَم شوفين وقال بجِدّية

"أنت تقترِب من الشكل البشري، لكن الشكل وحدَه لن ينفعَك كثيراً في هذا العالم القوي"

صمت ريكو قليلاً قبل أن يومئ بِرأسِه ويقول

"أنا أعلم، لكن تقدّمتُ كثيراً في تطبيق مهارتي الفطرية، والآن أستطيع البقاء لِعدّة ساعاتٍ بِالشكل الذي أتحوّل إليه"

كانت صوت ريكو رقيقاً ومُختلِفاً عن صوتِه عندما كان في الشكل الشبيه بالبشر، ويبدو بأنه قد تدرّب على الحديث مع رِفاقِه، لكن تدريبَه كان لا يزال في بداية مرحلة التألّق، لهذا كان شوفين غير راضٍ عنه قليلاً.

ناقش معه شوفين بعض الأمور حول قدرتِه الفطرية ثم أخذ منه ثلاثين قطرةً من جوهر دِمائه وقال له

"هذه آخر مرةٍ آخذُ مِنك فيها جوهر الدم لِأني لا أريد التأثير على صحّتِك"

ابتسم ريكو قليلاً قبل أن يعبِس عندما تذكّر بِأن شوفين لن يقول مثل هذه الكلمات إلا إذا لم يعُد يحتاج إلى جوهر دمِه، عبس ولم يقُل شيئاً فخرَج شوفين للبحث عن زِنهار قبل أن يخرُج مِن أركادية، جلس في غُرفتِه وأخرج جوهر دم ريكو وقام بِصقلِه قبل أن يبلعَه، أخرج بعدَها جوهر دم هرقل ونظر إليه طويلاً قبل أن يعبِس ويقول

"هذه هي فرصتي الأخيرة، إما أنجَح وإما يضيع مجهودي كُلّه"

ابتلع جوهر دم هرقل أيضاً وأغلق عينَيه ثم بدأ يُركّز على امتصاصِه باستخدام تقنيةٍ كان يصنعُها ويُطوّرها منذ بدأ يأخُذ الدماء من ريكو، وكانت هذه التقنية تستعير المهارة الفِطرية من دِماء ريكو وتمنحُها لِـ شوفين، لكنّه يعلم بِأن استخراج المهارة بأكملِها سيكون مستحيلاً تقريباً، لذلك ركّز على جانبٍ واحدٍ فقط، وهو نسخ المهارات الفِطرية الأخرى.

المهارة الفطرية الخاصة بِـ ريكو تجعلُه قادراً على استنساخ وتقليد مهارات الوحوش الأخرى مع شكل أجسادِها، فمثلاً.. يُمكِن لِـ ريكو استنساخ مهارة الطيران من وحشٍ طائر، لكن هذا لن ينجح دون استنساخ أجنِحتِه أو الأعضاء التي تسمح له بالطيران، لكن شوفين لا يستطيع الحصول على مهارة ريكو بأكملِها، لذلك ركّز على جزئية استنساخ المهارات القتالية التي لا تحتاج إلى أعضاء مُعيّنة لِتطبيقِها، وللأسف.. لا يستطيع استخدام مهارة ريكو إلا مرّةً واحِدة فقط مع احتِمالٍ كبير لِفشل العملية، لذلك كان يبحَث عن وحشٍ قوي لاستخدام مهارة الاستنساخ عليه وأخذِ إحدى مهاراتِه الفطرية القتالية، وهذا تحقّق له عندَما فقص هرقل لأنه يصعُب إيجاد وحشٍ أقوى مِنه، وحتى إن وجدَه فسيكون من الصعب الحصول جوهر دمِه.

بعد اطّلاع شوفين على ذكريات هرقل.. علِم بأن خِيارَه كان صائباً، وذلك لِأنه يملِك مهارةً قوية جداً وتصلُح للاستنساخ، لكنّها ستحتاج إلى جسدٍ قوي لاستيعابِها واستخدامِها، وبِما أن شوفين يتدرّب على الجسد الخالد فستكون هذه المهارة مُناسِبة له، وحتى إن ارتدّت عليه فسيتعامل معها الجسد الهلامي المصقول بِدمعة الحب من أحد أطفال الغابة، ما يعني بأن الجروح ستُشفى أسرع من أي شخصٍ آخر.

بقي شوفين في غُرفتِه لِعدّة أيام قبل أن يفتَح عينَيه ويبتسِم، رفع يدَه ونظر إليها قليلاً قبل أن يقول

"حسناً، سأحتاج إلى مكانٍ أُجرِّب فيه مهارتي الجديدة، وإذا استطاع جسدي استحمال ارتِدادِها فستكون ورقةً رابِحة قوية"

قام بِالدخول مباشرة إلى أركادية وظهر في المنطقة الفارغة التي كان قد وضع عليها مصفوفةً مُعقّدة، وهذه المنطقة هي أقوى بُقعةٍ في أركادية بِأكملِها وتستطيع استحمال الضربات القوية دون الإضرار بِباقي المناطِق، وبالتأكيد.. صنعَها شوفين لأنه يحتاج إليها في بعض الأمور الأخرى، لكنّه الآن سيقوم بالتدرّب فيها على مهارتِه الجديدة باستخدام نُسختِه الروحية حتى يرى مدى تأثيرِها على جسدِه.

على المنصّة العائِمة.. كان بعض رِفاقِه يُناقِشون مسألة ظهور شوفين واختِفائِه قبل أيام، وكانت سويكا قد عرّفَتهُم على هرقل بعد أن قامَت بإنشاء عقدٍ مُتساوي معه، وبِسبب قِوى هرقل الروحية فقد كان يستطيع الحديث مع الجميع عبر التخاطُر، وهذا جعلهُم يحترِمونَه كثيراً، خاصةً بعد معرِفتِهم بِأنه كائنٌ خبير مثل شوفين، وكان ريكو أكثر الأشخاص فرحاً بِه بِسبب كونِهما وحشَين، لكن هرقل كان قليل الكلام مع الجميع ولا يتعامل جيداً إلا مع سويكا التي بدأ يمتصّ منها طاقة القلب البدائي حسب اتفاقِهما.

وأثناء حديثِهم.. سمِع الجميع صوت انفِجارٍ قوي جعل كامل أركادية تهتزّ، شعروا بِالرّعب ونظروا نحو المنطقة الفارِغة دون أن يعلموا ما يحدُث، إلا هرقل الذي قال بِتردّد

"هذا.. إنه.."

نظرَت إليه سويكا باستغرابٍ فقال

"أعتقِد بِأنه شوفين"

اتّسعَت عيناها وظهر الخوف على وجهِها قبل أن تقفِز وتستخدِم أجنِحتها للطيران نحو المنطقة الفارِغة، إلا أن زِنهار قفز في طريقِها وقال

"أخبرَنا شوفين ألا نقترِب من المنطقة الفارِغة مهما حدث"

تغيّرت ملامِحُها وساد العبوس وجهِها وهي تُحاوِل تخطّي زِنهار، إلا أنها توقّفت عندما سمِع الجميع صوت شوفين فوق المنصة، وكانت نُسختُه الروحية شِبه مُدمّرة، ضحِك شوفين ثم بدأ يُصلِح نُسختَه وهو يقول

"كما قال زِنهار.. لا يجِب الدخول إلى تِلك المنطقة مهما حدث يا سويكا، وأيضاً.. هل نسيتِ بِأن جسدي الحقيقي لا يستطيع الدخول إلى أركادية ؟"

اغرَورقَت عَينا سويكا وانقضّت عليه لِمُعانَقتِه، فرَك شعر رأسِها وقال لها

"إنه مجرّد تدريب، وليس شيئاً يستحقّ القلق"

في هذه اللحظة.. طار هرقل الذي كان مثل خنفساءَ ذهبية لها قرنٌ كبير تحتَه فكٌّ قوي، وقف أمام شوفين وقال

"لماذا أشعُر بأن هذه التقنية مألوفة ؟"

ضحِك شوفين ثم قال

"إنها مجرّد تقنية عادية، لماذا أنت مُهتمٌّ بِها ؟"

صمت هرقل ولم يقل شيئاً آخر، لكنّه كان يعلم ما الذي شعر بِه، حيث كانت هذه إحدى أقوى مهاراتِه الفطرية، وبِطريقةٍ ما.. فقد نجح شوفين في استنساخِها مِن جوهر دمِه، لكنّه شعر بِأن المهارة كانت ثقيلةً على جسد شوفين رغم أنها كانَت نسخةً مُخفّفة وليسَت بِنفس قوة المهارة الأصلية التي يملِكها هو.

نظر شوفين في الأرجاء ولم يجِد راموليا، لذلك اختفى مِن مكانِه وظهر في منزِلها، وكانَت لا تزال نائمةً على سريرِها كما تركَها قبل أيام، اقترَب مِنها واستشعَر حالتَها قبل أن يبدأ عِلاجَها مِن جديد، وبعد نصف ساعة.. خرَج مِن أركادية ثم أخرَج راموليا معه لِأنها كانت قريبةً من التعافي وأراد أن يتصرّف معها بِطريقةٍ مُختلِفة حتى تستعيد مَعنوياتِها مِن جديد.

قد يبدو شوفين بارداً عاطفياً ولا يفهَم النساء، لكن هذا ليس حقيقياً لأنه عاش أكثر من أغلب سكان العوالِم المتّحدة وسبق أن جرّب جميع الوضعيات الاجتماعية، لذلك يملِك الخِبرة اللازِمة للتصرّف في مثل هذا الوضع، وكل ما في الأمر أنه لم يرغَب بِتطوير نوعٍ من العلاقات الملغومَة بينَه وبين جواريه، لكنّه كسَر هذه القاعِدة مع سويكا بِسبَب قلبِها البدائي الذي سينزِع عنها ختم الروح عاجلاً أو آجلاً، والآن.. سيكون عليه التعامُل بِطريقةٍ مُختلِفة مع راموليا التي كانت مثل طفلةٍ صغيرةٍ رغم أنها عاشَت لِأكثر من خمسمائة سنة.

جلس على الأريكة ووَضع راموليا على فخِذَيه ثم واصل تنظيم طاقتِها وعِلاج جروح وِعائها وأورِدَتِها، وبعد دقائق أخرى.. فتحَت عينَيها ونظرَت حولها قبل أن تشعُر بِأن شيئاً ليس في محلِّه، رفعَت بصرَها فرَأت شوفين وهو يبتسِم نحوَها بِطريقة غريبة، مدّ يدَه ومرّرها على شعرِها ثم قال بِنبرةٍ لطيفة

"لا تعلمين كَم كُنتُ قلِقاً عليك، ما الذي حدث لك ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيِك.. ما هي المهارة التي حصل عليها شوفين من جوهر دم هرقل ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/12 · 557 مشاهدة · 1100 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024