142 - قانون العاقِبة السماوية

"لا تعلمين كَم كُنت قلِقاً عليك، ما الذي حدث لك ؟"

نظرَت راموليا باستغرابٍ نحو شوفين لأنها ليست طفلةً صغيرة يمكن خداعها ببِضع كلماتٍ معسولة كما هو الحال مع سويكا، أغلقَت عينَيها أخيراً ثم قالَت بِصوتٍ مُرهَف

"أنا.. لا أعلم"

عدّل شوفين شعرَها بِلُطفٍ ثم قال لها

"اِغتسلي وغيّري ثيابَك، سنذهب في نُزهة"

نظرَت إليه قليلاً بينما كانت لا تزال مُستلقية على فخِذَيه، أغلقَت عينَيها لِأكثر من خمس ثوانٍ قبل أن تقوم وتدخُل إلى الحمّام دون أن تقول شيئاً، نظر إليها شوفين حتى أغلقَت الباب خلفَها ثم تنهّد بِأسفٍ وكأنه يشتاق إلى أيامِه القديمة حين قلَب العوالِم رأساً على عقِب دون الاهتمام بِآراء الآخرين، لكنّه لا يُريد التصرُّف بِطيشٍ هذه المرة حتى لا يحدُث معه نفس الشيء الذي حدث معه قبل خمسين ألف سنة، خاصةً عندما بدأت قوانين العوالِم تنقلِب عليه وظهر ما يُسمّى بالعاقِبة السماوية لِتصنَع قانوناً جديداً يحدّ مِن قوّة المُتدرّب.

يُعتبر شوفين كائناً أصيلاً مثل هرقل، لكنّه يختلِف عن هذا الأخير بِسبب احتِفاظِه بِذكرياتِ ما قبل الوِلادة، لذلك يعلم شوفين حقيقة العوالِم المتّحِدة، بل وكان هو السبب الذي سمح للقِوى العظمى على كوكب الأرض بإنشاء العوالِم، ومع أن مُبادرتَه حينها كانت مُجرّد تجرِبة غير كامِلة.. إلا أن القوى العظمى قد رأت فيها حلاً لِجميع مشاكِل العالم، وبدأت تُفاوِضُه على بيع المشروع حتى صارَت حياتُه جحيماً لا يُطاق، ليس بِسبب الإزعاج الذي تعرّض له وإنما بِسبب رفضِه للجميع بعد معرفتِه بأن مشروعَه قد يتحوّل إلى كابوسٍ يسلُب حرّية الملايين من الناس، وازداد إصرارُه على الرفض بعد عِلمِه بِأن عدد الضحايا سيتضاعَف إلى عشرات أو ربما مئات المِليارات في فترةٍ زمنية صغيرة.

بِطريقةٍ أو بِأخرى.. نجحَت القوى العظمى على كوكب الأرض في الحصول على اختراع المخترع الشاب راشد بن موسى الراقي، وما كانوا لِيحصلوا عليه لولا خِيانة صديقِه ريكارد، وبعد هذه الخيانة.. صار أسيراً لدى منظّمة الأمم المتّحِدة والتي تحوّلَت فيما بعد إلى منظمة العوالِم المتّحدة، وبدأَت مُختلَف القِوى بِإنشاء العوالِم التجريبية، لكنّها وجدَت بِأن سكان هذه العوالِم لا يملِكون غايةً للاستمرار، خاصةً في ظل غِياب التحفيزات المناسِبة، وهنا.. اقترحَت الصين تطبيق نِظام تدريبٍ مُتكامِل تمّ استِخلاصُه مِن مئات الروايات القتالية، وحينَها فقط.. بدأ السكان في العمل بِجدّية أكبر دون أن يعلَموا سبب وجودِهم أو مَن الذي يخدمونَه في الحقيقة.

يُعتبَر أي كائنٍ في العوالِم المُتّحِدة مُجرّد أداةٍ تعمل لِصالِح الدولة التي أنشأَت العالم الذي يعيش فيه، ولا فرق إن مات أو أمضى كلّ وقتِه نائماً، لكنّه بِالتأكيد سيكون مُساهِماً أكبر عندَما يرفَع تدريبَه، لكن.. لم يتوقّع أحدٌ مِن صُنّاع العوالِم بِأنه سيأتي يومٌ يُصبِح فيه رفع التدريب مُشكِلةً تُهدّد كوكب الأرض بِأكملِه، وهذا هو ما فعلَه راشد قبل أن يُعيدوا صِياغة إعدادات العوالِم لِتُصبِح العدو الأكبر لِراشد أو لأي شخصٍ بلغَ نفس المستوى التدريبي، حيث صار الاختراق إلى المستويات العُليا يجلُب ما يُعرَف بـ قانون العاقِبة السماوية.

لا يعلَم شوفين ما إذا كانَت منظمة العوالِم المتّحِدة قد أجرَت أي تعديلاتٍ على قانون العاقِبة السماوية في الخمسين ألف سنةٍ الماضية والتي تُعادِل ستّة أشهُرٍ على كوكب الأرض، لكن النسخة الأولى مِن قانون العاقِبة السماوية كان يُرسِل عِقاباً من السماء لِأي شخصٍ يختَرِق نحو مستوى #ملك_مبتدئ، وهذا العِقاب يكون عِبارةً عن صاعِقةٍ واحِدة أو أكثر، وتتصاعَد الصواعِق حتى تصِل إلى أحد عشر صاعِقةٍ قويّة حسب قوة ومهارة المتدرّب الذي يُحاوِل الاختراق، لكنّها لا تستطيع زِيادة قوّة الصاعِقة أكثر مِن اللازِم حتى لا تضرّ العالم بِأكملِه.

بعد مستوى #ملك_مبتدئ.. ستأتي عواقِب سماوية أخرى، ولن تَتبع نِظاماً مُعيّناً كما كان معروفاً في الروايات الصينية التي بُنِيَ عليها نِظام أغلب العوالِم، وإنما ستأتي العاقِبة السماوية عندما يشعُر النظام بِأن المُتدرّب يُشكِّل خطراً على العالم، وبعد العاقِبة.. يتمّ تسجيل هوّية المُتدرّب حتى لا يحصُل على عاقِبةٍ جديدة ما لَم يخترِق إلى مُستوياتٍ أعلى، وذلك لِأن أغلَب مَن يمرّ في العاقِبة السماوية يُصاب بشِدّةٍ ويحتاج إلى وقتٍ كبير حتى يستعيد قوّتَه، والنظام لا يُريد قتلَه وإنما غرضُه الوحيد هو الحدّ مِن قوّتِه، ومع ذلك.. تحدُث الكثير من الوفيات أثناء العاقِبة، لهذا يخشى الكثير من المتدرّبين الوقوع تحت هذا القانون السماوي القاتِل.

الأمر الجيد في قانون العاقِبة السماوية هو أنه نِظامٌ آلي ولا يعتمِد على مُراقبة منظمة العوالِم المتّحدة، وذلك بِسبب الفارِق الزمني الرهيب بين الأرض والعوالِم المتّحدة، ورغم أن المنظّمة قد حاولَت وضع رِقابةٍ بشرية داخِل العوالِم إلا أن النظام لم ينفَع لِذات السبب، فلا يوجد موظّفٌ مُستعِد للعمل لآلاف السنين داخِل العوالِم فقط لِيُراقِب مَن يُريد الاختراق، وحتى إذا تطوّع أحدُهم فإما ينسحِب أو ينخرِط في سباق البحث عن القوّة وينسى مُهمّتَه الأصلية، لذلك كان النظام الآلي هو الحل الوحيد والأكثر فعالية، وهذا جعل قانون العاقِبة السماوية خارِج مشاكِل الانتقام والثأر، بل قد لا تعلَم المنظّمة أصلاً بأن أعداءَها قد اخترقوا إلى مستوياتٍ جديدة بِسبب كثرَة المُتدرّبين، لذلك لا فرق عند النظام إن كان شوفين أو غيرُه هو مَن سيخترِق لِأنه يَزِيد أو يُنقِص من قوّة الصاعِقة اعتماداً على قوة ومهارة المُتدرّب.

كل هذا.. كان شوفين سبباً رئيسياً لِحُدوثِه، لذلك لا يُريد أن تُعرَف هوّيتُه فتَتِمّ مُطاردتُه مِن جديد بإحداث أنظِمةٍ أكثر قمعاً من العاقبة السماوية، وأوّل شيءٍ سيفعلُه بعد وصولِه إلى أول عالمٍ مُتوسّط هو البحث عن بعض الأدوات اللازِمَة لِزيادة حِماية هُوِّيَتِه، لذلك انتظر خروج راموليا قبل أن يقودَها إلى الخارِج لِبدء عملية التسوُّق، تجوّل الاثنان في شوارِع المدينة وكان فيها عددٌ كبير من المقاتلين، لكنها كانت مدينةً نظامية تحت حماية مُنظّمة العوالِم المتّحِدة كما هو الحال مع جميع المُدن التي تحتوي على بوابات مسار النقل الكوني.

بعد نصف ساعة.. وصل الاثنان إلى متجرٍ كبير مُخصّص لِلأغراض النسائية، استغربَت راموليا من سبَب مجيئِهما إلى هنا فقال شوفين

"يُمكِنكِ شراء أي شيءٍ ترغبين بِه"

نظرَت إليه بِعينَين نصف مُغمضتَين وبدأت تشكّ في غرضِه الحقيقي من كل هذا اللُطف، لاحظَ قلقَها فابتسم وقال

"أشعُر بأني كنتُ قاسياً معك في الأشهُر الماضية"

قال هذا بينما يمدّ يدَه ويُمسِك ذقنها، احمرّ وجهُها واستدارَت دون أن تقول شيئاً، نظر إليها شوفين وعلى وجهِه ابتسامةٌ خبيثة بعد نجاح الخطوة الأولى، أخفَى ابتسامتَه وسار معها لِأكثَر مِن ساعة ونصف داخِل المتجر، وكانَت كلما أرادَت المُغادرة إلا وأصرّ عليها للبقاء أكثر، وفي نهاية الجولة.. كانَت قد اشترَت كل ما تتمنّاه مِن ملابس ولوازِم النساء وأدوات المنزِل وغير ذلك.

انتهى التسويق بينما كان العديد من الموظّفين يتبعونَهما، وأخيراً.. أتى وقت الحِساب فأخرج شوفين شارةً ذهبية تابِعة لِـ نقابة اليد الذهبية، وكان قد سرق هذه الشارة من يد باهان عندما وقف بينَه وبين رافين، وبِسبَب جُرح رافين.. لم ينتبِه باهان بأن الشارة التي رفعَها أمام حارِس البوابة قد اختفَت مِن يدِه، أخرجَها شوفين ورفعَها أمام المُوظّفين ثم قال

"ضعوها على حِسابي"

ارتجف الموظّفون لِأن هذه الشارة كانَت من المرتبة الأعلى، وهذا المتجر لم يختَره شوفين عبثاً وإنما اختارَه لأنه يحمِل اسم نقابة اليد الذهبية على بابِه، أي أنه أحد مشاريع داوفين في عالم الصحراء الخضراء، ارتجَف الموظّفون وسارعوا لِمُناداة المُدير فجاءَ بِسرعةٍ وسأل باحترامٍ شديد

"هل أستطيع معرِفة اسم السيد الكريم ؟"

ابتسم شوفين وقال

"شوفين، أحد أبناء سيّدِك داوفين"

اتّسعَت أعيُن الجميع وعلى رأسِهم راموليا، انحنَى المدير باحترامٍ أكبر لِأنه سبق وعلِم بأن أبناء داوفين قد جاؤوا إلى عالم الصحراء الخضراء، لكنّه لم يتوقّع مِن أن أحدهُم سيتجوّل وحيداً مع فتاةٍ صغيرة، وبِتفكيرِه في هذا.. نظر تلقائياً نحو راموليا واعتقدَ بأنها ربما تكون ابنة داوفين أيضاً، إلا أن شوفين ابتسم وقال

"هذه حبيبتي راموليا، جلبتُها لِشراء بعض الأغراض مِن متجرِك"

ارتجفَت راموليا وتذكّرَت على الفور ما كان يفعلُه شوفين مع سويكا في وقتٍ سابِق، ومع أن وجهَها قد تحوّل للأحمر وشعرَت بِبعض الفشل في رُكبتَيها إلا أنها تماسكَت وقرّرت مُواصلة التمثيل، لكنّها بدأت تُفكّر فيما ستنتهي بِه هذه التمثيلية، هل يُعقل بأن دورَها قد حان لِتكون في مكان سويكا ؟
هل عليها أن تفرَح أم تحزن الآن وقد تحقّق حُلمها ؟
هل كانت تحلُم بِهذا أصلاً أم كانت تُريد فقط فُرصةً لِرفع تدريبِها ؟

توالَت الأفكار في ذِهن راموليا قبل أن يجُرّها شوفين مِن يدِها وكان قد انتهى من المُدير وقرّر المُغادرة، واصَل الاثنان التسوّق بعد ذلك في الكثير من المتاجِر التابِعة لِـ نقابة اليد الذهبية، وفي كل مرّةٍ كان شوفين يأخُذ ما يُريد ويُسجِّلُه باستخدام الشارة الذهبية، وأخيراً.. وصل إلى متجر الكيمياء وكان مِن عدّة طوابِق، وقبل الدخول.. تحدّثت راموليا بعد صمتٍ طويل

"ما هي نقابة اليد الذهبية ؟"

ابتسم وقال

"التقيتُ بِبعض الأشخاص عندما كُنت غائباً، وسرقتُ مِنهُم هذه الشارة"

تغيّر لونُها فجأةً عِندما علِمَت بأنه كان يسرِق الجميع بِرأسٍ مرفوعة، وتذكّرَت بأنه كان يفعَل هذا أيضاً عندما كان يتجوّل مع سويكا، لكنها بدأت تُفكّر في ما إن كان شوفين سيحميها مثلما فعل مع سويكا أم لا، لكنّها لم تقُل شيئاً وإنما واصلَت الطريق معه حتى دخلا إلى الطابق الرابع من متجر الكيمياء، استخدَم شوفين شارتَه الذهبية للدخول على المُدير، جلَس معه وطلب مِنه العديد من الموادّ النادِرة قبل أن يسألَه عن شيءٍ مُختلِف

"كيف أستطيع الحصول على قلب المائة لُغز ؟"

تغيّرَت ملامِح المُدير وقال بِتردّدٍ مخلوط بِالخوف

"هـ.. هذا.. نحن لا نبيع مثل هذه الأمور، هذا ممنوعٌ وعليه عقوباتٌ كبيرة من منظمة العوالِم المتّحِدة، وأنا لن أجرُؤ على الإساءة إلى نقابة اليد الذهبية"

كان يتحدّث بِخوفٍ في البداية ثم أنهى حديثَه بِحماسٍ كبير، ابتسم شوفين وقال

"يبدو أنك شخصٌ أمين، لكني أسألُك شخصياً وليس بصِفتي ابن السيّد، وإذا ساعدتَني في الحصول على عُشبة قلب المائة لُغز فسوف تُساعِدني في رفع تدريبي، وإذا صِرتُ الأقوى بين إخوتي فسأكون سيِّدك القادِم، هل ترى الآن ما أصبو إليه ؟"

تفاجَأ المُدير وقطّب حاجِبَيه لأن شوفين قال كلِمة عُشبة، لكنّه فتح عينَيه جيداً عِندما سمِع صوت شوفين في ذِهنِه يقول

"هذه الفتاة الغبية لا تعلم شيئاً عن قلب المائة لُغز، ليس عليك الخوف مِن أي شيء"

قال هذا ثم أخرَج حُزمةً ضوئيةً وأرسلَها نحو المُدير وهو يقول

"أحضِر لي عُشبة قلب المائة لُغز وسأُعطيك تقنيةً أسطورية من الدرجة الخامِسة، هل ستقبل عرضي أم أبحث عن شخصٍ آخر ؟"

ارتجف المُدير بِشدّةٍ عندما اطّلعَ على مُحتواها لِأن تقنيةً بِهذا المُستوى ستجلُب له الكثير مِن الأرباح، لذلك أومأ وقال

"سأُحاوِل الحصول عليها خلال أسبوعٍ واحد"

قام شوفين وغادَر وهو يقول

"أربعة أيام، لن أنتظِر أكثر مِن ذلك"

قال هذا ثم أخذَ طلباتِه وخرج، وبِمجرّد خروجِه.. سمِع صوتاً يُناديه مِن الخلف

"شوفين ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك..
1- مَن هو صاحب الصوت الذي ناداه من الخلف ؟
2- ما هو قلب المائة لُغز ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/13 · 575 مشاهدة · 1608 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024