143 - لا أتعامل مع الجُثث

"شوفين ؟"

التفتَ شوفين عِندما سمِع اسمَه مِن الخلف، ابتسَم وقال

"الآنسة صوفين، كيف حال أخيكِ رافين ؟"

كانت هذه هي صوفين أخت رافين، لم تهتمّ بِسخرية شوفين بِسؤالِه عن رافين وإنما نظرَت نحو راموليا قليلاً واستغربَت في نفسِها من جمالِها بِشعرِها الأحمر القاني وبياض جلدِها الثلجي، لكنّها استردّت نظرتَها عندما شعرَت بِتدريبِها المُنخفِض بِشكلٍ غير مألوف، ابتسمَت قليلاً على غير العادة ثم سألَت

"ما الذي تفعلُه هنا ؟"

قهقه شوفين وقال بِدون خجَل

"كُنتُ أسرِق متاجِر أبيكِ باستخدام شارة مُعلّمك"

قال هذا بينما يرمي الشارة نحو صوفين، استغربَت من امتِلاكِه للشارة قبل أن تتذكّر بأن باهان قد استعار منها شارتَها الخاصة للتعريف عن نفسِه عندما وصل بهِم إلى أحد فنادقِهم، وهذا لِأن شوفين كان قد سرقَها مِنه، لكنّها لم تعلَم أين وجد شوفين الشجاعة لِسرِقة شيءٍ من باهان، بل وصل بِه الأمر لِسرقة المتاجِر أيضاً ؟

لاحَظ شوفين صمتَها فسألها

"أين هو مُعلّمك الآن ؟"

قالَت

"لا يزال في هذه المدينة، قال بأنه ينتظِر شخصاً ما"

أومأ شوفين وقال

"أخبِريه أني أنتظِرُه في فُندق الواحة الخضراء"

لم يزُره باهان منذ افتِراقهِما لأنه حجز في فندقٍ لا يتبع نقابة اليد الذهبية، وبِما أن شوفين لا يملِك هالةً فقد كان من المستحيل على باهان العثور عليه، لذلك طلب من صوفين إخبارَه بِمكانِه، حينها فقط بدأت صوفين تفهَم بأن شوفين يملِك علاقةً ما مع باهان، لذلك لم يُعاقِبه عندما قام شوفين بإيذاء رافين.

أومأت بِرأسِها فسألها شوفين بِكلمةٍ واحِدة فقط

"نيوفين ؟"

رفعَت حاجِبَيها قليلاً قبل أن تُجِيبَه بِكلمةٍ واحِدة هي أيضاً

"بِخير"

استدار شوفين وبدأ يبتعِد عنها وهو يقول

"لا تدَعي رافين يتنمّر عليه"

قال هذا ثم غادَر تارِكاً إياها في حَيرةٍ مِن أمرِها لِأنها لم تستطِع فهمَ شخصِيّتِه الغريبة، خاصة أنه لا يبدو كشخصٍ يُمكِن أن يهتمّ بِفتاةٍ مِثلها، لذلك قرّرت دفن أفكارِها التي كانت مدفونةً أصلاً كونَها فتاةً بارِدة.

...

بعد ساعتَين.. وصل باهان إلى فندق الواحة الخضراء وطلب الإذن للدخول على شوفين، استقبلَته راموليا وأدخلَته إلى الغُرفة الواسِعة حيث كان شوفين جالساً على الأريكة وبالقُرب مِنه مجموعةٌ كبيرة من الأعشاب والمواد الكيميائية، وبين يدَيه.. كانت العديد من خيوط النار الروحية الصفراء، وكل خيطٍ كان يُمسِك مجموعةً مُختلِفةً من الأعشاب ويصقلها بِدرجات حرارةٍ مُختلِفة، سقط فك باهان عندما رأى هذا المنظر ونزل العرق على جبينِه، وذلك لأنه يعرِف كيف يصقُل الكيميائيون حبوبَهم، لكنه لم يرَ أحداً يصقل عدّة أنواع من الحبوب في نفس الوقت وبِدون مِرجل، مسح عرَقَه وابتلَع ريقَه قبل أن يجلِس بِصمتٍ على أريكةٍ أخرى.

رفع شوفين رأسَه وقال

"لقد أتيتَ أخيراً"

هااااه ؟

سقط فك باهان مرّة أخرى عندما تحدّث معه شوفين، هل يستطيع الحديث حتى وهو يصقل عدّة أنواع من الحبوب ؟

تنهّد بعد صمتٍ وقال

"أنت ماهرٌ جداً.. سيد شوفين، لم أرَ شخصاً مِثلك مِن قبل، كيميائي وسيد معادِن ومُقاتِل جيّد، هذا لا نراه كل يوم"

نظر إليه شوفين بابتسامة واسعة ثم سأله

"هل تواصلتَ مع سيّدِك ؟"

قطّب باهان حاجِبَيه ونظر نحو راموليا فضحِك شوفين وقال

"لا تقلق مِنها، فأنا أضع عليها ختم الروح"

تغيّرَت تعابير باهان عندما استشعَر الترابُط الروحي بين الاثنَين، تنهّد مرّةً أخرى ثم قال

"نعم، وهو ينتظِر الحديث معك بِفارغ الصبر"

أومأ شوفين ثم زاد من قوّة النار الروحية حتى يُنهي الصقل بِسرعة، وهذه العملية من الجنون في الأوقات العادية لأن الحفاظ على درجة حرارة النار أمرٌ ضروري، لكن شوفين كانَت لديه طرُقه الخاصة في الصقل، وما هي إلا دقائق معدودة قبل أن يستخرِج جوهر الأعشاب ويبدأ عمليّة التجميع، وفي الأخير.. حصل على خمسة حبوب مُختلِفة، اتّسعَت عينا باهان وصرخ تقريباً

"استـ ... حبوب استثنائية"

كانت الهالة المُنبعِثة مِن الحبوب الخمسة أقوى بِكثيرٍ من الحبوب الطبية من المستوى السابع، لذلك يُسمّونَها في العوالِم الوسطى بِالحبوب الاستثنائية، أومأ شوفين بِرأسِه قبل أن يرفَع ثلاثة حبوب ويُسلّمَها إلى راموليا وهو يقول

"هذه هي حبوب النفَس الرقيق التي أخبرتُكِ عنها، وكل واحدةٍ أقوى من الأخرى، ستكون كافِية لِتجهيز جسدِك لاستقبال الميزة التي وعدتُكِ بِها"

أمسكَتها راموليا وخزّنتها حيث ستأكُل واحِدةً كل يوم انطلاقاً من الغد، نظر شوفين في الحبّتَين اللتَين كانتا في يدِه، ابتسم وقال لِـ باهان

"بِما أنّك هُنا فسأُعطيك واحدة"

سلّمَه إحدى الحبوب فشمّ باهان رائحتَها وشعر بإحساسٍ غريب، ضحِك شوفين ثم ابتلَع الحبة التي في يدِه قبل أن يقول

"لا داعي لِمعرِفة اسمِها، فقط ابلَعها وستعرِف لِماذا تصلُح"

ابتلعَها باهان كما أخبرَه شوفين قبل أن يشعُر بِصفاء ذِهنِه وبدأت طاقتُه الروحية ترتقي وتتأجّج قوّتُها، لكن تأثير الحبة لا يُشبِه أي نوعٍ من حبوب تقوية الروح، بل كانت الحبّة وكأنّها تُعزّز فَهم الطاقة الروحية بِمفهومٍ مُختلِف، أغلق عينَيه وبدأ يمتصّ الحبّة لأَكثر من نصف ساعة، انتهى أخيراً ثم انحنَى نحو شوفين وقال باحترامٍ كبير

"أنا لا أعرِف كيف أردّ جميلَك.. سيد شوفين"

أخرج شوفين جوهرةً مثل جوهرة الصاعقة الخرساء التي دمجَها شوفين مع جسد سويكا لِتخزين طاقة الصف الراقص، وكان قد اشتراها قبل ساعاتٍ من أحد المتاجِر، سلّمها لِـ باهان وقال

"هذه جوهرة الصاعقة الخرساء، أتمنى أن تُخزِّن فيها أكبر قدرٍ مِن عنصر البرق الخام الخاص بِك، كما تستطيع الاستعانة بِالمقاتلين الآخرين لِمُساعدتِك، هكذا.. سوف تردّ جميلي"

نظر باهان نحو الجوهرة وكانَت سِعتُها كبيرةً جداً، وإذا أراد ملأها وحدَه فسيأخُذ منه الأمر عدّة سنين، وذلك لأن العنصر الخام يأتي مباشرةً من الوِعاء دون أن يتحوّل إلى طبيعَتِه المُستخدمَة في القتال، ومع صعوبة المهمّة إلا أنه أومأ وقال

"سأفعل مجهودي ابتداءً مِن الليلة، أما الآن فأتمنى أن تأتي معي للحديث مع السيد"

...

بعد ساعة.. وصل باهان و شوفين إلى مبنىً كبير مُخصّص للاتصالات والإرساليات الصغيرة، لم تأتِ راموليا لأن الأمر حسّاس ولا يُريد شوفين أن يبدو مُستهتِراً أمام داوفين، دخل الاثنان إلى حُجرةٍ مليئة بِالمصفوفات قبل أن يُخرِج باهان حجر طاقةٍ أزرق، وهذا النوع نادرٌ في العوالِم المتوسّطة ولا يُستخدَم إلا في المصفوفات العالمية، ابتلَع باهان ريقَه ثم وضع الحجر في المكان المخصّص وانتظر لِأكثر من عشرة دقائق حتى يتمّ إنشاء الاتّصال، وأخيراً.. ظهرَت شاشةٌ كبيرة أمامَهما وفيها شكلٌ بشري يستلقي على سريرٍ فخم مثل الجثّة، ظهرَت تعابير الحُزن فجأةً على وجه باهان قبل أن يقول بِصوتٍ مُنخفض

"سيّدي"

تحرّكت الجثّة على الشاشة ونظرَت بِعينَين شِبه مُغلقتَين نحو شوفين، وبعد فترةٍ طويلة.. قال

"ما هي شروطُك ؟"

كان داوفين تاجراً خبيراً ومُباشِراً في مُعاملاتِه، وبِما أن شوفين أراد الحديث معه أولاً قبل تسليمِه تلك التقنية التي ستجعلُه يتعافى.. فهذا يعني بِأنه يملِك شروطاً كثيرة، لكنّه لم يتوقّع أبداً أن يكون ردّ شوفين بتِلك البجاحة حين ضحِك عالياً وهو يقول

"شروط ؟
لا بد بِأنك تمزَح، أعذُرني.. فأنا لا أتعامَل مع الجُثث"

عبس باهان وتغيّرَت ملامِحُه لِأن ما فعلَه شوفين كان عكس ما اتّفقا عليه، لكنّه لم يقُل شيئاً وإنما انتظر ردّ سيّدِه، صمت داوفين طويلاً قبل أن يقول

"لِماذا أنتَ هنا ؟"

أخرج شوفين حجر تصويرٍ ورماه على الطاوِلة ثم قال

"هذه هي التقنية، تعافى أولاً ثم نُناقِش الشروط، فعمَلي معك ليس عِلاجَك وإنما هو مشروعٌ لا يصلُح شرحُه هنا"

قال هذا ثم استدار للمُغادرة، لكن داوفين ناداه سائلاً

"اِنتظِر، كيف تعمل هذه التقنية ؟"

رفع شوفين يدَه وقال دون أن يستدير

"تقنية بِدائية غير معروفة تُساعِد الجسد على امتصاص الطعام، جرّبها على القليل في البداية، ومع الوقت.. ستأكُل أطناناً من الطعام دون أن تشبَع، وهذه هي الطريقة الأسهل لاستعادة حيَوِيّتِك في وقتٍ قصير"

صمت داوفين و باهان لأنهما لم يسمعا مِن قبل عن تقنيةٍ من هذا النوع، وقبل أن يخرُج شوفين.. قال باهان

"سيدي، أعتقِد بأن السيد شوفين يعرِف ما يقوله، لقد رأيتُه قبل قليلٍ يصقل خمسة حبوبٍ استثنائية في نفس الوقت"

تنهّد داوفين وقال

"إذا قُلتَها بِهذه الطريقة فسَوف أجرّبها، أتمنى أن أكون بِخيرٍ عِندما تعودون"

عندما ذكر داوفين مسألة العودة.. تذكّر شوفين مسألةً مهمة فاستدار نحو الشاشة وهو يقول

"آه.. كِدتُ أنسى، سأحتاج إلى شيءٍ ما، ولا أدري إن كان باهان يستطيع توفيرَه لي أم لا"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك..
1- لماذا يُريد شوفين طاقة البرق الخام ؟
2- ما الشيء الذي سيطلُبه شوفين من داوفين ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/13 · 587 مشاهدة · 1238 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024