عاد شوفين سريعاً إلى قصرِه وكانت راموليا وريكو في تدريبٍ مُغلق، وكان هو أيضاً سيفعل نفس الشيء لولا انتظارُه لقدوم أموالِه والطحلب الذي اشتراه واريان لأجله، وفي هذا الوقت.. قرّر تقليل الضغط عن نفسِه فاستدعى خدَمه وقادَهم إلى الخارج ثم أخرج عدداً من الأحجار البيضاء وقسّمها عليهم بالتساوي وهو يقول

"عودوا إلى بيوتكم ولا ترجِعوا إلى هنا مرة أخرى، وإذا سألَكم أحدٌ فأخبِروه أني قد أغريتُكم بالمال مُقابل العمل معي، لكنّكم نادمون على ما فعلتموه وقرّرتم تَركي"

قال هذا ثم حفر الندم في قلوبِهم حتى صاروا نادمين فعلاً على خِدمتِه، وهذا مِن تأثير عقد العبودية حيث يُمكنه التحكّم في مشاعرهم أيضاً، بعد هذا.. ألغى العقد وتركهم مع شخصياتهم الجديدة الكارِهة والنادمة، وسببُ فِعله هذا هو إغلاق أي بابٍ يُمكن للشيخ راجو أن يُزعِجه مِن خلالِه في الفترة القادمة لأنه يريد التركيز على التدريب.

جلس قُرب الباب في انتظار أقزين أو بعض موظفيه، وبعد أكثر من ساعةٍ رأى شخصاً يتّجه نحوَه، عبس عندما تعرّف عليه حيث كان الشيخ راجو بِنفسه ودون أي مُرافقين، وقف شوفين مباشرة واستعدّ لأي طارئ، وذلك لأنه لم يُكمِل جمع شتات تدريبه في مرحلة البناء، وبالتالي لا يستطيع القتال، خاصة قتال شخصٍ في المستوى المتوسط من تهئية الوعاء.

يعتقد شوفين بأنه يستطيع تبادُل ضربةٍ أو اثنتين مع الشيخ راجو، كما يستطيع التأثير عليه بقواه الروحية لبعض الوقت مع أنه سيرتدّ عليه الهجوم وتتأذى روحه أكثر، كما يستطيع استخدام إحدى الأسلحة السفلية التي غنِمها سابقاً لِكسب بعض الوقت أو فتح مجالٍ للهروب، لكنّه بالتأكيد لن يستطيع القتال بندّية معه، ناهيك عن هزيمته، لذلك قرّر ألا يتّخذ أي خطوة حتى يرى غرض قدومِه إلى هنا.

بينما كان ينتظِر وُصوله.. تأسف شوفين لأنه لم يُجهّز أي أوراقٍ رابحة لِمثل هذا الموقف، وذلك لأنه لم يعتقد بِأن المشاكل ستصل إليه في وقتٍ قياسي، لذلك قرّر أنه -بعد الآن- لن يركّز على استعادة تدريبه فقط وإنما عليه التخطيط لِلحصول على ورقة رابحة يستطيع من خلالها هزيمة أقوى أقوياء دولة روسكيا وليس أقوياء عشيرة القمر الأحمر فقط.

وقف شوفين شامخاً ولم يُظهر علامات الخوف رغم موقفه السيء، وكيف يخاف مِن حشرة وهو الذي رأى الأهوال بجميع أنواعها في حياته المديدة، لذلك لن تسمح له كرامتُه بالخضوع لأيٍّ كان.

وصل الشيخ راجو أخيراً بوجهٍ عبوس وبدأ يتصفّح شوفين بِصمت، ابتسم شوفين وقال

"شيخ راجو.. هل تحتاج إلى بعض الإرشادات من هذا الشيخ الضيف ؟"

عبس راجو مباشرة واحمرّت عيناه لأنه تعرّض للإهانة على لسان طفل رضيع، كيف يطلب الإرشادات منه وهو شيخ قديم ؟
لكن.. لماذا يبدو هذا الطفل واثقاً جداً من نفسه ؟
هل يُعقل أنه يملك مُسانداً يدعمُه في العشيرة ؟
أو ربما من خارج العشيرة ؟

غرق راجو في التفكير لِبعض الوقت قبل أن يستعيد تركيزَه ويقول

"كشيخٍ للقانون.. أنا هنا لِتقديم إنذار لك"

رفع شوفين حاجبَيه لِبعض الوقت ثم تساءل

"إنذار ؟
بخصوص ماذا ؟"

قال الشيخ راجو مباشرة

"أنت تملِك منصِب الشيخ الضيف، لكنّك كُنت سابقاً تلميذاً في العشيرة، وبما أنك قد غِبت عن حصص التدريب والمهمات الدورية المفروضة على جميع التلاميذ فنحن بِصدد طردِك مِن العشيرة إذا لم تُكمِل مهامّك خلال أسبوعين"

توقّف قليلاً قبل أن يبتسم بخبث ويكمل

"طبعاً.. يُمكنك تجاهُل مهامّك وسيتم طردُك تلقائياً، وحينها لن تكون لديك مميزات التلميذ، ما يعني بأنك كشيخٍ ضيف.. لا تستطيع دخول أراضي العشيرة بدون دعوةٍ إلا بعد تقديم طلبٍ مُسبق إلى شيخ القانون"

فهِم شوفين ما يرمي إليه الشيخ راجو، فهو أمامه الآن خياران، إما يبقى تلميذاً ويخرُج لإنهاء المهام، وحينها سيكون من السهل القضاء عليه بما أنه مجرد مشلول، وإما سيفقِد مركز التلميذ ولن يُسمح له بدخول العشيرة فيضطر للخروج إلى العشائر القريبة عندما يحتاج إلى شراء شيء مهم مثل الأعشاب، وحينها أيضاً سيكون هدفاً سهلاً للاغتيال.

ابتسم شوفين في وجه راجو وقال

"لا داعي للقلق سيد راجو، لكل شيء حلّه المناسب"

نظر إليه راجو بدون تعابير قبل أن يستدير وينصرف دون أن يفهم ما قصده شوفين، ومع أن الأمور قد سارَت تقريباً كما يرغب إلا أن شيئاً في قلبِه كان يقوم بِتحذيره دون أن يعرف السبب.

تنهّد شوفين وهو ينظر إلى الشيخ راجو حتى غاب عن نظرِه، استدار للدخول إلى القصر قبل أن يرتجف قلبُه ويستدير إلى الجانب بسرعة كبيرة لِتفادي هجمةٍ غادِرة، ورغم سرعتِه إلا أن الهجمة التي تبدو وكأنها كرة سوداء قد أصابته في كتفِه الأيسر، سقط على بُعد بضع خطواتٍ من مكان وقوفِه وأحس بأن شيئاً ما قد كان خاطئاً لأن الهجمة لم تُسبّب له أي ألم، أمسك الجسم الذي ضربه فإذا به مجرد فلّين غير مُؤذي، تجهّم وهو يرفع رأسه نحو مصدر الهجوم لِيجد بأنه شخص مألوف له، عبس وقال له

"أنا مشلول يا رئيس العشيرة، هل تريد قتلي ؟"

كان هذا رئيس العشيرة بنفسِه، ويبدو أنه كان يُراقب من بعيد وهاجمه لِتجربتِه، تجهّم الرئيس وقال بِنبرة قاسية

"همف، تركتَ هجومي يُصيبُك عمداً، تمثيلُك جيد، لكن ليس معي"

عبس شوفين وغضب في قلبِه على مثل هذا الأسلوب، لكنّه على الأقل.. لم يشعُر بأن الرئيس يكرهُه، لذلك تنهّد قال

"كيف أخدم رئيس العشيرة ؟"

نظر إليه رئيس العشيرة لبعض الوقت قبل أن يتّجه نحو القصر دون إذن، تبِعه شوفين حتى وصلا إلى قاعة الضيوف، جلس الرئيس على المقعد الرئيسي وأفرَج عن هالتِه للضغط على شوفين، أحس هذا الأخير وكأن جبلاً يضغط عليه، إلا أنه لم يؤثر عليه لأنه مجرّد هجوم روحي ولا يمكن التأثير على شخصٍ مِثله، لكنّه لم يُبيّن هذا حيث تصنّع عدم الراحة، فمع أنه وقف شامخاً أمام الشيخ راجو إلا أنه لا يُريد صُنع عداوة غير ضرورية مع رئيس العشيرة.

عبس الرئيس وقال بِنبرة قوية

"متى استعدتَ تدريبك ؟"

فهِم شوفين بأن أمره قد فُضِح في المزاد، لذلك قال

"لم أستعِد تدريبي بعد، لكني في طور التعافي"

قطّب الرئيس حاجبَيه وحاول استشعار تدريب شوفين، إلا أنه كما قال.. ليس في جسدِه سوى جزء صغير من الطاقة، وهذا بالطبع لأن شوفين يملِك أداةً أسطورية لإخفاء طاقته، وأخيراً.. أرخى الرئيس هالتَه وفكّر في الكيميائي واريان، ولابد أن شوفين قد لجأ إليه لعِلاجه، سأل مرة أخرى

"لماذا بِعت منزل مُعلّمتِك ؟"

تنهّد شوفين وتقدّم نحو أقرب الأرائك وجلس عليها ثم قال

"كما أخبرتُك سابقاً، كل ما أريدُه هو حِفظ إرث معلّمتي، وأنا هو إرثُها وليس المنزل الذي جلب لي الكثير من المتاعب"

فهِم الرئيس بأن بعض الشيوخ وعلى رأسهم الشيخ راجو قد كانوا طامعين في إرث المعلمة راموليا، وربما قد ضغطوا على شوفين فقرّر التخلّص من هذا العبء، خاصة أنه رأى قدوم الشيخ راجو شخصياً إلى هنا لِتهديد شوفين، لكنه لم يهتمّ كثيراً لأنه لا يجب عليه التدخّل في مثل هذه المشاكل الصغيرة، لذلك قام وهمّ بالانصراف وهو يقول

"يُمكنك الحصول على عُطلة مَرضية إذا لم تستطِع تنفيذ المهامّ، سيكون الأمر سهلاً بِما أنك على علاقة جيدة مع الكيميائي واريان"

قال هذا قبل أن يختفي، تنهّد شوفين وتفهّم سبب قدوم الرئيس بِنفسه، وهذا يدل على أنه يستحقّ مركزه كرئيسٍ للعشيرة لأنه لا يترك أي شيءٍ بدون التحقق منه، خاصة بعد المشاكل التي أثارها شوفين قبل فترة، لذلك جاء للتأكد بنفسه أن هذا الطفل لا يخطط لِفعل شيءٍ قد يؤذي العشيرة.

وبمجرد مغادرة الرئيس.. شعر شوفين بهالة أخرى عند باب القصر، عبس وصرخ في قلبه

"تباً ... ما هذا الذي يحدُث اليوم ؟"

2020/01/10 · 778 مشاهدة · 1118 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024