"تباً ... ما هذا الذي يحدُث اليوم ؟"

لعن شوفين عندما شعر بهالة ثالثة بعد مغادرة رئيس العشيرة والشيخ راجو، تقدّم نحو الباب فوجد عدة أشخاصٍ يتقدّمهم أقزين الذي التقى معه قبل أيام، ابتسم عندما رآه وقال

"يبدو أني قد أزعجتك.. سيد أقزين"

شعر أقزين ببعض الحرج بسبب وضع سعر بدايةٍ صغير جداً لبيع منزله في المزاد، لكن شوفين لم يُرِد تضيِيع الوقت على شيءٍ يعرف سببه، فلولا الشيخ راجو لما تجرّأ أقزين على إنقاص السعر لأنه هو أيضاً سيخسر.

ابتسم أقزين ببعض الحرج قبل أن يقول

"لقد أحضرتُ لك مالَك بعد أخذ نسبة خمسة في المائة"

تعجّب شوفين وقال باستغراب

"فقط خمسة في المائة ؟"

استغرب لأن اتفاقهم كان عشرة في المائة وليس خمسة، قال أقزين

"اعتبِرها اعتذاراً من دار المزاد للأسباب التي تعلمُها، وقد أتيتُ شخصياً للاعتذار منك"

جاء شخصياً بعد تفكيرٍ طويل، وذلك لأنه شعر وكأن الكيميائي واريان قد كان يُحاوِل مساعدة شوفين في المزاد، وبعد الاستفسار قيل له بأن الكيميائي قد سبق وزار شوفين في قصرِه، لذلك قرّر أنه سيكون من الجيد إقامة علاقة جيدة مع شوفين بدل استثارتِه.

ابتسم شوفين ثم أتاح الطريق لأتباع أقزين وكانوا يحملون أكياساً مليئة بالأحجار البيضاء، وبعد انتهائهم.. قال شوفين

"هل تملك بعض الوقت.. سيد أقزين ؟"

دخل معه أقزين بعد صرف أتباعِه، جلس الاثنان في غرفة الضيوف وأخذ شوفين ورقة ثم بدأ يكتب عليها، وبعد خمس دقائق رفع الورقة وسلّمها لأقزين ثم قال

"هل تستطيع توفير هذه المواد ؟"

راجع أقزين جميع المواد واستغرب لأنه لا يدري فيما يحتاجُها شوفين، وبعد التفكير لبعض الوقت.. قال

"نملك أغلب هذه المواد، لكن بعضها لن تجِدها إلا في العاصمة"

أومأ شوفين برأسه ثم قال

"هل تستطيع توفيرها لأجلي ؟
لا تهمّ التكاليف ما دُمت سأحصل عليها خلال شهر من الآن"

وقف أقزين مباشرة وقال بِجدّية

"جيد، سأُرسل أتباعي الآن لِجلبها"

قال هذا ثم غادر، رافقَه شوفين وتنهّد عندما رأى الكيميائي واريان قادماً من بعيد، يبدو أن الزوار لن ينتهوا اليوم، وفي مستوى نظرِه.. رأى توقف أقزين وتحيّته لواريان باحترامٍ كبير، ويبدو بأنه لم يندم على بدء علاقة جيدة مع شوفين بعد رؤية الكيميائي العظيم يأتي شخصياً إلى قصر الشيخ الضيف.

بعد دقائق.. دخل واريان وسلّم الطحلب الذي اشتراه لشوفين ثم سأله عن الغرض منه، أخبره شوفين بِأنه سيحتاج إليه في المستقبل البعيد وأن سِعرَه مُرتفع كثيراً في العادة عند مَن يعرِفه، وشرَح له جميع استخدامات هذا الطحلب النادر وأنه يسمى طحلب الانبعاث، لم يشكّ واريان في أي شيء وإنما ركّز فقط على تخزين المعلومات التي ذكرَها شوفين.

بعد عدة ساعات من النقاش وتبادُل الخبرات والمنافع.. قام واريان للمغادرة ووَعد شوفين بأنه سيتكفل بِقاعة تنفيذ القانون حيث يُعتبر شوفين مريضَه الذي ستتضرّر صحتُه إذا خرج لِتنفيذ المهمات، ولإرضاء الجميع.. سيقوم شوفين بتعويض العشيرة مادياً، وبهذا حُلّت المشكلة التي صنعها الشيخ راجو، وقبل أن يغادر.. قال واريان

"هل ستشارك في مسابقة الصيد بعد ثلاثة أشهر ؟"

أغلق شوفين عينَيه وبدأ يبحث في ذكريات راموليا عن مِثل هذا الحدَث، وكان هذا نشاطاً تشترِك فيه ثلاث عشائر قريبة من بعضها كل خمس سنوات، حيث يقومون بإرسال أقوى طلابهم إلى فضاءٍ فراغي مجهول الأصل ولا يُفتح إلا مرة كل خمس سنوات، ومع أن المكان خطيرٌ في الداخل إلا أن المكاسب قد تكون مُرتفعة أيضاً، خاصة موارد التدريب التي قد ترفع التلاميذ إلى مستوياتٍ جديدة.

هذه الظاهرة مألوفة لِشوفين حيث توجد فراغات طبيعية وأخرى من صنع البشر، وتكون فيها موارِد وفُرص مفيدة للمتدربين، وفي العادة.. لن يهتم شوفين بالمواريث الصغيرة التي تتبع منطقة نائية مثل جزر سمهريا، لأنه سبق ونهب مواريث عملاقة تركها أشخاص أقوياء جداً خلفهم، كما أنه مِن شبه المستحيل أن يكون هذا الفراغ من صنعٍ بشري لأن من يستطيع إنشاء عالمٍ في الفراغ يجب أن يكون قوياً جداً، لذلك سيكون في الغالب مُجرّد بُعدٍ فراغي طبيعي، لكنه ومع كل ما سبق.. سيذهب إلى هذا الفراغ مع الطلاب لأنه قد يجد هناك بعض الأغراض المفيدة له هو وأتباعه، لذلك ابتسم وأومأ بِرأسه نحو واريان، أومأ واريان برأسه أيضاً ثم غادر وقد فهِم أن شوفين لن يُفوّت مثل هذه الفرصة.

دخل شوفين إلى القصر وأغلق الأبواب بعد وضع لافتةٍ في الخارج توحي بأنه في تدريب مُغلق، دخل إلى إحدى القاعات المعزولة وبدأ في استيعاب حبة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات التي كان قد أكلها في وقتٍ سابق، وفي نفس الوقت.. بدأ بإعداد الطحلب الذي جلبه واريان، وسيكون مفيداً جداً لشفاء جروحه الروحية التي أصيب بها في الماضي.

جلس أرضاً وأغلق عينيه ثم دخل بوعيه إلى مساحة مكانية شبيهة بأدوات التخزين، لكنها لم تكُن تُشبِه غرفة أو مرآباً وإنما كانت تبدو مفتوحة ومليئة بالنور، وقف وسطها ومدّ نظرَه في أرجاء المساحة فظهرت آلاف المباني المُهدّمة وكأنها مدينة عتيقة، ومع أن هذه المساحة لا تشبِه العالم الخارجي إلا أنك تستطيع إدخال المواد اللازمة لإنشاء المباني وإدخال التراب لزراعة الأعشاب، وحتى إدخال البشر والوحوش إذا كان تدريبُهم أقل من مستوى تدريبِك بكثير.

يتمّ إنشاء مثل هذه المساحة بعد الدخول في مستوى الفراغ، وهو مستوىً بعيد جداً عن مستوى تدريب شوفين الحالي، لكنه لا يزال يتواصل معه لأنه مساحة حقيقية مخفية في مكان آمن في البُعد الفراغي ويتم حُكمها عبر الروح، وكثير من المتدربين يسمونها بِـ العالم، ومنهم من يُسمّي نفسه إلهاً لِهذا العالم حيث يُدخِل إليه البشر والوحوش الضعيفة ويستمتع بِحكمهم، لكن شوفين كان يستغل هذه المساحة لِزيادة تدريبِه وزرع الأعشاب النادرة وتخزين أتباعِه وغراضِه، وبعد انتكاستِه قبل خمسين ألف سنة.. تم تدمير هذا العالم بعد سرقة كل ما فيه.

ظهرت الحسرة على عينيه وهو ينظر إلى المساحة الشاسعة المدمّرة والتي لا يظهر منها سوى جزء قليل بسبب ضعف قوته الروحية، كان يتنقّل بين الأطلال مشياً بِجسدِه المادّي رغم أنه يستطيع الطيران لأن جسدَه مجرد نسخة روحية تحكم هذا العالم عكس البشر أو الحيوانات الذين يستطيع إدخالهم، تحوّلت الحسرة على وجهِه تدريجياً إلى غضبٍ عارم وعضّ شفته السفلى قبل أن يقول بحِقد

"ريكارد، صديقي القديم، ستدفع ثمن هذا غالياً"

هدأ بعد فترة وبدأ يواصل استكشاف المساحة حتى وصل إلى منصة حجرية واسعة جداً في وسطِها شعلة من النار البيضاء، وهي البصمة الروحة التي تجعلُه يتّصل بالعالم، قبل خروجِه من الكهف.. كان حجم هذه الشعلة مثل ظفر الأصبع الصغير، والآن بدأت تكبُر وصارت بحجم القبضة، تحسّر شوفين وهو ينظر إلى المنصة الحجرية الواسعة حيث كانت النار البيضاء تملؤها في الماضي، وهذا يعني أن قوته الروحية قد تراجعت بقدرٍ مُخيف جداً.

انطفاء هذه النار لا يعني اختفاء القوى الروحية لدى شوفين، وإنما يعني فقط أنه لن يستطيع الولوج إلى هذا العالم ولا التحكّم به، لكنها في نفس الوقت تعطي صورة عن القوة الروحية لمالك العالم حيث صار متزامناً معه، ازدهار قواه تعني ازدهار العالم أيضاً.

نظر شوفين نحو منطقة من عالمِه وظهرَت على وجهِه تعابير غريبة، ويبدو أنه يريد التأكد من شيء ما، لكنه للأسف لا يستطيع الوصول إلى تلك المنطقة المليئة بالضباب لأنه لم يستعِد قِواه بعد، تنهّد بِحسرة ثم جلس أرضاً ومدّ يده فطار الطحلب من مبنىً بعيد مُخصّص لِتخزين الأغراض، أمسكَه شوفين واستعان بالشعلة ثم بدأ يصقُله، وبِمجرد التقاء الشعلة معه.. بدأت تتألق وكأنها سعيدة، استمرّت هذه العملية داخل العالم بينما كان جسد شوفين لا يزال يصقل حبة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات، ولولا خبرة شوفين القديمة لما استطاع القيام بعدّة مهام في نفس الوقت، خاصة فيما يتعلّق بأمور التدريب، لكنه لحسن الحظ لديه ما يكفي من الخبرة للقيام بعشرات المهام، وعندما يسترجِع قوته الروحية فقد تصل المهام التي يمكنه القيام بها في نفس الوقت إلى عدة آلاف.

استغلّ مهارتَه في تعدد المهام في مراجعة التقنيات القتالية التي يعرفها لاختيار مهارات مناسبة له ولأتباعه، وهذا وحدَه احتاج منه الكثير من التركيز، خاصة فيما يخص راموليا وريكو، أما بالنسبة له فقد كانت لديه فكرة عامة عن التقنيات التي سيقوم بالتدرّب عليها، وبالتأكيد.. لن تكون نفس التقنيات التي تدرب عليها سابقاً بما أنها قد جعلته يُهزم ويصِل إلى ما هو عليه.

بعد بضعة أيام من التدريب.. بدأت الشعلة البيضاء تتفاعل أخيراً مع الطحلب الغريب ووصل الصقل إلى مرحلة استخراج جوهرِه، وهذه كانت المرحلة التي جعلت شوفين يبتسم بعد إحساسِه بالنتيجة، ورغم أنه سيحتاج في الحقيقة إلى أطنان من المواد النادرة لاستعادة قواه الروحية إلى أوجِها إلا أنه كان راضياً بالنتيجة الحالية.

إلى جانب التدريب الروحي.. كان يُدرّب جسده أيضاً وقد امتصّ ثلثي حبة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات وتجاوز مرحلة تقوية اللحم وبناء العظام، وبدأ بالفعل في مرحلة توفير الدم، وهذه كانت طريقة مبدئية فقط لأنه سيقوم لاحقاً بتطوير جميع المراحل بطريقته الخاصة.

مرّ الوقت ببطء، وبعد شهر ونصف.. فتح شوفين عينيه في غرفته وعلى وجهِه ابتسامة سعيدة، حيث كان قد انتهى من مرحلة البناء فعلياً، وذلك لأنه استغل حبة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات لتجاوز مستوى تعزيز الجسد، وقام بتقوية روحِه فتجاوز بذلك مستوى تقوية الروح، وكان سابقاً قد دمَج وِعاءَه القديم وأنهى مستوى تهيئة الوعاء.

صار الآن مُتدرباً فعلياً في المرحلة الأخيرة من مستوى تهئية الوعاء، لكنّه لا يُمكن مُقارنة قوتِه مع أضعف شخص في نفس المستوى بِسبب أنه سيحتاج إلى الكثير من الموارد لِجمع ما يكفي من الطاقة في منطقةٍ تُعتبر فيها الطاقة ضعيفة جداً، كما أنه لم يتدرّب على أي تقنية بعد، ما يعني بأن جسدَه لا يستطيع استخدام الطاقة بشكل جيد في القتال حتى وإن جمعَها وملأ بها وعاءَه.

استخدم وعيَه للاطمئنان على راموليا وريكو، كان ريكو لا يزال نائماً وقد شارف أيضاً على الانتهاء من مرحلة توفير الدم، ويبدو أن راموليا قد أيقظته سابقاً وأعطته حبة تعزيز الجسد ذات الثلاث تحوّلات، وبما أنه وحش فتجاوُز مستوى تعزيز الجسد سيكون أسهل بالنسبة له، لكنّه سيعاني بشكل طبيعي من عنق الزجاجة بسبب عدم قدرة الوحوش على استخدام القدرات الروحية إلا نادراً، وبسبب هذا.. تجد قلة من الوحوش التي تجاوزت مستوى تعزيز الجسد إلى مستوى تهئية الوعاء، وحينها فقط ستتقدم في تدريبها إلى مراحل أقوى، هذا طبعاً بالنسبة إلى الوحوش التي تعيش على أطراف العالم وليس لديها ما يكفي من الموارد.

تحسّس راموليا أيضاً فوجد بأنها قد دخلت بالفعل في مستوى تقوية الروح وتوقّفت عن التدريب لأنه طلب منها انتظاره، راسلها عبر التخاطر وطلب منها المجيء إليه، وبعد دقائق أتت إليه وفتحت فمها عندما استشعرت التغييرات المنبعثة من جسد شوفين، فمع أنه لا يملك الطاقة الكافية إلا أن الهالة الصادرة منه كانت توحي بأنه في قمّة مستوى تهيئة الوعاء مثل رئيس العشيرة، هذا طبعاً لأنه لم يكُن يخفي تدريبه.

ابتسم ومدّ لها جزءً صغيراً من الطحلب الغريب ثم أرسل حزمة من المعلومات إلى عقلها وقال

"استخدِمي هذه التقنية لِصقل هذا الطحلب، سيساعدك على تقوية روحك والمرور عبر مراحل مستوى تقوية الروح، وعندما تنتهين منه.. يمكنك تجربة الاختراق إلى مستوى تهئية الوعاء، لكن قومي أولا بتعزيز مؤسستك ولا تستعجلي"

أعطاها بعض النصائح ثم قال

"تجهّزي بعد شهرٍ ونصف، سنشترِك في مسابقة الصيد، أنا سأخرج لِبعض الوقت"

استدار وهمّ بالخروج فقالت له

"هل ستلتقي بِالآنسة سولان ؟"

قطّب حاجبَيه ولم يعلَم سبب سؤالها فضحِكت وقالت

"لقد جاءت تبحث عنك قبل أسبوعين وقالت بأنها ترغب بالاعتذار أو شيء مثل هذا"

2020/01/11 · 703 مشاهدة · 1699 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024