"سيكون الأمر مؤلماً وغير مريح، لكنّه ضروري"

بهذه الجملة الخادعة.. حقن شوفين كمية كبيرة من السموم داخل نطاق راموليا دون إذنها، ومباشرة.. بدأت تتلوّى من الألم وتشعر بأن نطاقها غير الناضج، تغيّرت تعابيرها وبدأت تصرُخ لِدرجة أن ريكو البعيد عنهم قد استيقظ من نومِه ولا يدري ما الذي يحدُث، والوحيد الذي كان هادئاً هو شوفين حيث قام بِتثبيت راموليا وبدأ يضخّ طاقته في نطاقِها ويُساعِدها على دمج النار والجليد بالسمّ القوي.

صدى صوتٌ قوي في ذهن راموليا يقول

"تذكّري ما أفعلُه في نِطاقِك، هكذا يجب أن تفعلي في المستقبل لأننا سنُكرّر هذه العملية لِعددٍ لا يُحصى من المرّات"

استعادت هدوءَها رغم غضبِها الشديد من شوفين، وبسبب عُمرها وخبرتِها الطويلَين.. بدأت تستوعِب طريقتَه في دمج العناصر الثلاث، واستمرّت هذه العملية لأكثر من ساعتين قبل أن تسقُط مغشياً عليها بسبب الألم.

استمر شوفين بِعملية الدمج حتى انتهى بعد ساعة أخرى وتركَها ترتاح، عاد مباشرة إلى الخارج لإنهاء تدريبِه بسبب ضيق الوقت حيث يجب أن يُجهّز نفسه للأخطار المُحتملة.

بدأ الآن يستعيد بعض طاقتِه بعد ملء عالمِه بأحجار الطاقة، لكنها بالتأكيد ليست كافية للقتال مع الأقوياء، لذلك قرّر أن يبحث عن مصدرٍ آخر للطاقة بعد عودتِه مِن مُسابقة الصيد.

بعد بضع ساعات.. دخل للاطمئنان على راموليا فوجدَها غاضبة جداً لِدرجة أنها كانت لا تُجيبه مهما تحدّث معها، ضحك عليها وواصل مُعاملتها وكأنها طفلة صغيرة ولم يعتذر عن فِعله أو يحاوِل شرح السبب، وهذا زاد من غضبِها أكثر.

في الغد.. عاد إليها وفعل معها نفس الشيء، وهذا جعلها تنتفِض عليه وتزداد كُرهاً تجاهَه رغم عقد العبودية الذي بينهُما، لكن الأمر كان قد فات حيث بدأت تتلوّى من الألم من جديد بينما ساعدها شوفين على استيعاب السم ودمجِه.

في اليوم الثالث.. انتفضت واقفة بِمجرّد رؤيتِه، وقبل أن يقترِب منها.. قامت بِمهاجمتِه، إلا أنه استخدم سُرعته الجديدة التي اكتسبها من تقنية الألف ظل وأمسكها من الخلف وقال

"العالم ليس مكاناً آمناً يا راموليا، وقوّتك ليست كافية لتغيِير قدرِك"

فهِمت أخيراً ما كان يفعلُه بها شوفين، حيث بدأ يتنمّر عليها فجأة حتى لا تنسى بِأن مصيرها لا يزال بين يديه، ليس لأنها جاريتُه وإنما لأنها أضعف منه، ونفس الشيء سيفعلُه معها الأقوى منها، لأن القوة هي العُملة الأكثر تأثيراً في هذا العالم، خاصة أنهم سيخرجون من العشيرة يوماً ما وسيلتقون مع أشخاصٍ أقوى منهم، لذلك لا يريد لها شوفين أن تشعُر بالسلام لأنها في عالمِه الآمِن، وعاملها بهذه الطريقة لِزيادة رغبتها في التدريب، وإلا فإنه يستطيع من خلال عقد العبودية أن يجعلها تأتي إليه بِنفسها وتطلب منه أن يضع السم في نطاقِها، بل ويستطيع أيضاً أن يجعلها تقتل نفسها وهي سعيدة جداً لأنها تخدُم سيدها، لكنه وضع عليها أخفّ نسخة من عقد العبودية حتى تبقى مستقلّة في آرائها.

خلال الأيام القادمة.. واصل شوفين تدريبه في الخارج، ويدخل مرة واحدة كل يوم للتغلّب عليها قبل أن يحقِن السم في نطاقها، ومع أنها لا تزال غاضبة إلا أنها بدأت تتعوّد على مُعاملتِه الجديدة، حتى أنها بدأت تكمِن له في محاولةٍ للإيقاع به، إلا أنه ثعلب قديم ويصعُب خِداعُه.

في اليوم الأخير قبل مسابقة الصيد.. وقف شوفين في ساحة القصر وكأنه عمود لا يتحرّك، إلا أن كرة معدنية صغيرة في محيط خمسة أمتار كانت تتحرك وكأن يداً خفية تقوم بتحريكها، ولو كان بِقربه مقاتل خبير لتعجب من الأمر لأنه لن يستطيع رؤية ما الذي يحرك تلك الكرة، بل ولن يُمكنه حتى الشعور بأي هالة غريبة، ذلك لأنه كان يستخدم خيط النور من تقنية النور المظلم، وقد كان -بطريقة ما- عديم الهالة.

لم يفرح شوفين بإنجازاتِه لِأن طول الخيط لا يتجاوز الخمسة أمتار، لكنّه صار على الأقل يملِك هجوماً خفياً وغير مألوف، لذلك قرّر أن يتدرب على زيادة طول الخيط وليس إنشاء خيط آخر، كما بدأ يتدرّب على نقل الأغراض المُخزنة مِن عالمِه المكاني إلى طرف الخيط، وكان هذا تطبيقاً فعلياً لِتطويرِه النظري للتقنية قبل عشرات الآلاف من السنين.

بالنسبة للتقنيتَين الأُخريَين.. تحسّنت سُرعة شوفين باستخدام تقنية الألف ظل وصار يستطيع تنفيذ بعض حركات الأقدام السريعة للمناورة أو الهجوم، أما تقنية الجسد الخالِد فقد ازداد توافُق تحكّمِه الروحي مع الجسد المعنوي، إلا أن درجة تصلّب الجسد المعدني لا تزال بعيدة عن المطلوب، أما خاصية الجسد الهلامي فهذا لا تزال مُجرد حلمٍ بسبب قلّة الطاقة ونقص التدريب.

على أي حال.. يستطيع بِالقوة والمهارات الحالية أن يهزِم أي شخصٍ من مستوى تعزيز الجسد بدون الاعتماد على قوتِه الروحية، ويستطيع هزيمة أغلب متدرّبي مستوى تقوية الروح ما لم يكونوا مُميّزين أو يمتلِكوا مهاراتٍ فريدة، ومتدرّبي مستوى تهئية الوعاء.. ربما قد يهزِم أحدَهم إذا باغَته، أما في قتالٍ مباشر فهذا لا يزال بعيداً عن إمكانياتِه.

في اليوم التالي.. لبِس شوفين ثياباً سوداء أنيقة وتوجّه نحو الساحة العامة حيث يجتمِع التلاميذ الذين يرغبون بالمشاركة، لِحسن الحظ أن الأماكن مفتوحة لذلك لا تُقام المسابقات القتالية لاختيار البُقع، لكن العشائر الثلاث المشاركة قد اتّفقت منذ زمن طويل بأنها لن تُرسِل أشخاصاً عُمرهُم أكثر مِن ثلاثين سنة إلى المكان الفراغي، وذلك حتى يتركوا الفرصة للشباب اليافعين، وإلا فإن الكبار سيأخذون الموارد بِسبب قوّتهم وخِبرتِهم.

لم يندمِج شوفين مع التلاميذ في الساحة، بل وقف فقط في زاوية غير مرئية، لكن الأمر لم يستمرّ كثيراً حيث قصدَته سولان وبدأت بإزعاجه بتجاذب أطراف الحديث مع أنه كان يتجاهلها عن قصد في بعض الأحيان، ومع أنها لم تفهم سبب إصرار والدها على أن تتقرب منه، إلا انها واصلت إزعاجه بسبب فضولِها حول التغيِير الذي حصل لِشوفين الجديد بعد عودتِه من الكهف.

بعد نصف ساعة.. أتى رئيس العشيرة وبعض الشيوخ لإيصال يافعيهم إلى حيث ستظهر البوابة المكانية، تصفّح رئيس العشيرة مجموعة التلاميذ ووقفَت عيناه قليلاً على شوفين الذي كان تدريبُه مَخفياً وكأنه مشلول، لكنّه لم يهتم كثيراً وإنما بدأ يُلقي كلمة سريعة إلى الطلاب مثل أن المكان الفراغي خطير وأنه سيُغلق تلقائياً بعد ثلاثة أشهُر من فتحِه ونُصحهم ألا يُصيبهم الجشع حتى لا يفقدوا حياتهم..

في الأخير.. قاد ثلاثة من الشيوخ جموع التلاميذ نحو المنطقة المُشتركة بين العشائر الثلاث، وكان الشيخ راجو أحد هؤلاء الشيوخ، لم يُظهر الشيخ راجو أي حركة مشبوهة، بل تصرف وكأن شوفين غير موجود أصلاً، وهذا جعل شوفين متأكداً من أنه مستهدف، لكنه لم يهتم بهذا بما أن خصومَه مجرد أطفال تحت الثلاثين من عُمرهم.

بعد ساعتين من الجري.. وصلَت المجموعة المُكونة من ثلاثة شيوخ وأكثر من مائة تلميذ إلى منصة حجرية قديمة تحيطها العديد من الأعمدة الحجرية، وعلى المنصة.. كان يقف العديد من الأشخاص من العشيرتين القريبتين، قهقه أحد الشيوخ ثم قال

"وصلتَ أخيراً يا راجو، وكالعادة.. عشيرة القمر الأحمر دائماً في المؤخرة"

تجهّم الشيخ راجو ثم ردّ عليه بِازدراء

"همف، الشخص المهم يصل متأخراً، ألا تعلم ذلك يا باريمآن ؟"

قهقه باريمآن مرة أخرى وبدأ يتصفّح تلاميذ القمر الأحمر، وفجأة.. صدرَت مِنه نية قتل خفية لم يشعُر بها سوى الشيخ راجو الذي كان مُركزاً عليه، وشخصٌ آخر يرتدي ملابس سوداء ويقف في الأخير مع عينين شبه مُغلقتين، ابتسم هذا الشخص وقال في نفسه

'يبدو أن الحفلة أكبر ممّا ظننت'

كان هذا الشخص باللباس الأسود هو شوفين، ويبدو بأنه قد تعرّف على باريمآن بعد شعورِه بنية القتل حيث كان باريمآن هو الشيخ من عشيرة وادي الرياح والذي وصفَه شوفين بالوقاحة عندما أراد أن يشتري منه رمز مرسوم الطاعة، ومِن وقتِها وهو يتمنى أن يجد الفرصة للنيل منه، واليوم قد وجدَه بين المشاركين في مسابقة الصيد، وهي فرصة أكبر من التي كان يتمناها، خاصة أن شوفين لا يزال مشلولاً كما يبدو، ولن يتساءل أحد إذا لم يعُد من الفراغ المكاني.

ابتسم الشيخ راجو بِخبثٍ عندما شعر بأن هناك من يُشارِكُه الرغبة في التخلّص من شوفين، لكنّه لم يُفكّر في توحيد الصفوف مع باريمآن، وذلك لأنهم أعداءٌ في الأساس وقد ينقلِب عليه يوماً ما ويفضحُه، لذلك قرّر أن يطلُب مِن ابنِه والفتاة ذات الفستان الطويل أن يتركوا مسألة قتل شوفين إلى الآخِر لِأن هناك آخرون قد يقومون بِهذا العمل القذِر لأجلهم.

انتظر الجميع بصبرٍ ريثما يُفتح الباب الفراغي، وفي هذا الوقت.. كان شوفين يتصفّح الأعمدة الحجرية المحيطة بِالمنصة، وذلك لأنه في البداية كان شِبه مُتأكد بِأن أرضاً تافهة مثل جزر سمهريا لن يكون فيها مواريث لِأشخاصٍ سبق ووصلوا في تدريبِهم إلى مستوى الفراغ، لكن هذه المنصة قديمةٌ ومبنيةٌ بعناية، ما يعني أنه ربما يكون الفراغ مِن صنعٍ بشري، أو ربما قام سكان هذه الأرض بِبناء المنصة في المكان الذي تظهر فيه البوابة في العادة.

بعد نصف يوم.. بدأت أَمارات البوابة بالظهور، وكانت في البداية عبارة عن ضباب خفيف، تنهّد شوفين عندما رآها لأنها مجرد بوابة طبيعية وليست بشرية، تكثّف الضباب مع الوقت حتى صار كثيفاً جداً، وفجأة.. صدرَت مِن داخِله بعض الأضواء الخفيفة، ما جعل شوفين يعبِس وهو ينظر للبوابة، وبعد التدقيق فيها.. صار متأكداً الآن بأن هذا الفضاء قد تأثر بسبب البشر، وهذا جعله مليئاً بالتوقعات ويملِك الرغبة في استكشاف الفراغ أكثر من السابق.

تقدّم الشيخ راجو للأمام وصرخ على تلاميذ عشيرته قائلاً

"سارعوا بالدخول، ستُغلق البوابة في أي لحظة، وبعد مرور ثلاثة أشهُر في الداخل.. سيتمّ إخراجُكم قسراً مهما كان مكانُكم في الفراغ"

بعدَها.. بدأ الجميع بِالتوجّه نحو البوابة والدخول، لكن شوفين لم يذهَب مباشرة وإنما انتظر دخول الجميع بينما يتصفح البوابة جيداً، تباطأت سولان قليلاً وكأنها ترغب بالدخول معه، إلا أنها غيّرت رأيها لِبعض الأسباب مثل أنه لا يزال مشلولاً وأن الداخلين يتم تفريقهم وغير ذلك.

عندما دخل الجميع.. نظر الشيخ راجو في شوفين وقال بِنبرة باردة

"هل غيّرتَ رأيك ولم تعُد ترغب في الذهاب ؟"

ابتسم شوفين وقال بِنبرة ساخرة

"همف، الشخص المهم يصل متأخراً، ألا تعلم ذلك يا راجو ؟"

وكانت هذه الجملة هي نفسها التي قالها راجو لباريمآن قبل ساعات، ما جعل باريمآن ينفجر ضحكاً على راجو الذي احمرّ وجهُه وهو ينظر نحو شوفين وقد بدأ ضباب البوابة يبتلِعُه، ومع أن باريمآن كان يضحك.. إلا أنه كان يتَشارك مع راجو وبعض الشيوخ الآخرين نفس الفكرة

'ما الذي يعتمِد عليه هذا الطفل ليَتصادم مع شيخ القانون ؟'

...

داخل البوابة الضبابية.. كان المسار غير واضح، لكن عينَي شوفين كانتا تريان ما لا يراه الآخرون، ومِمّا رآه.. خيوط كثيرة من الطاقة الروحية تقوم بالتحكّم في البوابة، والفرق بين البوابة وهذه الخيوط هو أن البوابة قد تكوّنَت بطريقة طبيعية، أما الخيوط فقد كانت تعتمد على تقنية بشرية، ما جعل شوفين يفهم ما كان يحدُث في هذا الفراغ، وبينما شوفين يقوم بِتحليل البوابة.. سمِع صوتاً قديماً في ذهنِه يقول

"يا لها مِن موهبة رائعة، أنت محظوظ أيها الصغير، اتبع إرشاداتي إذا أردتَ أن تحصُل على إرثي"

كان صاحب الصوت القديم سعيداً لأنه شعر بِنُدرة عيني شوفين التي استطاعَت رؤية خيوط طاقتِه الروحية، لذلك أراد استغلال هذا الطفل الساذج للاستحواذ على عينَيه، لم يجفَل شوفين وإنما كتَم ضِحكتَه لأنه شعر بأن مثل هذا الحدث قد وقع منذ وقتٍ قريب، وذلك عندما استحوذ على جسدِه الجديد وطرَد صاحبه إلى جسد القرد، ولولا سذاجة شوفين القديم لما نجح في خِداعِه لأنه لم يملِك حينها غير روحِه الضعيفة.

ابتسم وقال عبر التخاطُر مُستغلاًّ القناة التي فتحَها صاحب الصوت القديم

"أين أنت الآن ؟
أريد شرب كوب من الشاي معك"

ارتجَف صاحب الصوت القديم عندما تمّت السيطرة على قناة التخاطر الخاصة بِه ولم يعُد قادراً على إيقافها، وفجأة.. شعر وكأن روحه يتمّ ثقبها بِألف إبرة، صرخ من الألم فجأة وهو يقول

"أنت ... أنت ... ماذا تكون بحق الخالق العظيم ؟"

2020/01/11 · 643 مشاهدة · 1737 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024