"أميرة ؟ ... هل هناك تنين في قلعتِك ؟"

نظرَت الأميرة مدرين إليه باستغراب وقالت

"تنين في قلعتي ؟"

أومأ بِشدّة وقال

"نعم.. لقد سمعتُ أحدَهم يقول: إذا كان للأميرة تنين في قلعتِها فأنا لدي تنين في سروالي"

كانت تعابيرُه بريئةً أكثر ممّا سبق، وأمام الشاشة في عالمِه الفراغي حيث كان رفاقُه يُشاهدون.. سقط ريكو أرضاً من الصدمة، استدارَت سويكا وهربَت من الإحراج، أمسكَت راموليا رأسها بِكلتا يدَيها وفكّرت بِركل نسختِه الروحية، أما أرفود فقد مرّر يدَه على لحيتِه الطويلة وقال

"لقد تعلّمتُ شيئاً جديداً بعد كل هذه السنين"

بِالعودة إلى الغرفة الكبيرة على ظهر الجُندب الوحشي.. سقط فكّ الخادِمات الأربع وأغلق الشاب الأقوى عينَيه وتظاهر بأنه لم يسمع شيئاً حتى لا يقوم بِركلِه خارجاً، أما السيدة فقد زادَت خيبتُها وصمتَت لِوقتٍ طويل قبل أن تقول

"حسناً.. يكفي حديثاً، سأرتاح قليلاً في غرفتي"

قامَت مباشرة ودخلَت غرفتها مع خادِماتِها، أما شوفين فقد تصرّف وكأنه لم يحدُث أي شيء، وبعد ربع ساعة كان قد نام على الكرسي وبدأ يشخُر.

...

مرّت خمسة أيامٍ قطع فيها الجندب آلاف الأميال، بقي شوفين مثل الحمل الصغير بين الجميع، إذا أعطاه أحدٌ طعاماً فسيقبله، وإذا لم يعطوه فلن يطلُب شيئاً، لم يعُد يجلِس على الكرسي وإنما استوطَن في إحدى زوايا الغرفة التي تُقابل غرفة الأميرة مدرين وكأنه ينتظر خروجَها، لكنها لم تخرُج مُنذ دخلَت وكأنها لا تُريد رؤيته.

في هذا اليوم.. استدعَت الأميرة مدرين خادماتِها الأربعة وطلبَت مِنهن شيئاً، وكان شوفين يسمَع حديثهنّ اعتماداً على العظمة التي في أذنه، يستطيع طبعاً تحسين سمعِه بِاستخدام طاقتِه لكنه قد يُكشف ويُعرف مستوى تدريبِه، فإخفاء الهالة يعمل فقط عندما لا يستخدِمها.

كانت الأميرة مدرين لطيفة مع خادِماتِها، لذلك كانت تتشاوَر معهنّ، إلا أن إحداهن قالت بِتظلّم

"سيدتي.. أرجوك، هو شخص متوحّش وأنا لا أستطيع خِدمتَه، لا أدري كيف سيتعامل معي"

صمتت الأميرة مدرين لِبعض الوقت ونظرت نحو أخرى فتغيّرت تعابيرُها، نظرت نحو الثالثة وفعلت نفس الشيء، عبسَت الأميرة مدرين ولم ترغب بِالطلب من الرابعة لأنها كانت صغيرة في الثالثة عشر فقط، لكن.. وفي هذه اللحظة.. قالت الصغرى بِنبرة مُحرجة

"أنـ.. سيدتي بحاجة إليه، أستطيع فِعلها"

عارضتها الكبرى

"غبية، أنت لا تعرفين الرجال، وهو أكثر خطراً من الجميع"

قالت الصغرى

"لا.. لا أعتقد بِأنه شخص سيء"

تنهّدت الأميرة مدرين ونظرت إليها بِبعض العواطِف ثم قالت

"حسناً.. سأسمح لك، لكن إذا أراد أن يفعل بِك شيئاً فأخبِري أخواتِك مباشرة، ولا تُصدّقي كلامه المعـ ... ـسول"

تنهّدت مرة أخرى وقالت بِعجز

"كلام معسول ؟
لو كان كلامه معسولاً لَكان.."

لم تُكمِل حديثَها بِسبب خيبة الأمل، عدّلت نفسَها على سريرِها وطلبَت منهن الخروج بينما أبقَت معها أصغرهنّ للحديث معها لِتوعتِها حتى لا تقع في شِراكِه، لكنها في الوقت نفسِه طلبَت منها ألا تكون جافة معه لأنها تحتاج منه البقاء في عشيرة عذراء الخمر، وهي عشيرة مبنية أصلاً على فنون الإغواء، لكن للأسف.. حتى أعلى هذه الفنون لا يُمكِنه التأثير على شوفين، لذلك سيكون جيداً أن ينجذب إلى فتاةٍ ما ويقرّر البقاء لِأجلها.

بعد تقديم بعض النصائح للفتاة الصغيرة.. قالت لها

"سيامين.. يجب أن تكوني مُنتبهة لِأي شيء يفعلُه، تذكّري أي شيء غريب يقوله، أنتِ ستكونين عيني عليه"

أومأت سيامين وقالت بِحماس

"نعم سيدتي، أنا لن أخيّبك أبداً"

سمِع شوفين هذا ولم تتغيّر ملامِحُه وإنما تظاهر بِالكسل وهو مُستلقٍ على الأرض وكأنه مِن قِطط الشوارِع، حتى أن ثيابَه البيضاء قد اتّسخت بِسبب الغبار.

بعد يومٍ آخر.. وصل الجندب الوحشي إلى حدود مدينة كبيرة محاطة بِأسوار عالية، قفز الجُندب فوق الأسوار العالية واتّجه مباشرة إلى مُنتصف المدينة، وبعد بِضع دقائق توقّف فوق قصرٍ كبير، خرجت الأميرة مدرين مِن غرفتِها ونزلَت مع رِجالها من الجُندب، أراد شوفين النزول إلا أن الأميرة مدرين أمسكَت سيامين من يدِها وقالت لِشوفين

"صديق، ستأخذُك سيامين إلى منزلِك الجديد وستبقى معك، وستمنحُك ما تحتاج إليه مِن مال وثياب، إذا احتجتَ إلى أي شيء فاسألها هي وستُساعِدك"

دفعَت سيامين نحوَه وكان وجهُها أحمر وعيناها ترتجفان، فمع أنها تطوّعت بِنفسها إلا أنها كانت أول تجربة لها في العمل وحدَها مع أن فنون عشيرتها تعمل أصلاً بِالاختلاء مع الرجال وإغوائهِم لِتحويل ولائهم بِالأفعال والتقنيات معاً، لكنها لا تزال صغيرة جداً ولا خِبرة لها بِمثل هذه الأمور.

عادَت سيامين إلى الغرفة على ظهر الجُندب فقالت الأميرة مدرين بِنبرة تحذيرية

"صديق، إياك أن تفعل بها شيئاً ؟
إذا احتجتَ إلى امرأة فأرسِلها وستجلُب لك بِواحدة"

لوى شوفين فمه وأمسك ذِقنه ثم قال بِبراءة

"أفعل بِها ماذا ؟
ولِماذا أحتاج إلى امرأة أخرى وهي معي ؟"

تصلّبت الأميرة مدرين في مكانها ولم تعلم إن كان هذا يحدُث بالفِعل أم أنها أمام مُمثل عبقري، واصل شوفين تظاهُره بالغباء فاستدارت الأميرة مدرين وانصرفت بينما عاد هو مع سيامين إلى الغرفة، وداخل الغرفة كان الشيخ المُروّض لا يزال موجوداً، انطلق الجندب وتوقف في مكانٍ قريب من وسط المدينة حيث يتم وضع الوحوش المُروّضة، قامَت سيامين للنزول وتبِعها شوفين، وقبل أن يخرج.. قال الشيخ المروّض

"قد تخدع الآخرين لكنك لا تستطيع خداعي"

نظر إليه شوفين قليلاً وكأنه لم يفهم، وبعد تفكيرٍ قال

"خداع ؟
آه.. تقصد أني خدعتُ الجُندب ؟
لا.. أنا لا أستطيع التحكّم بالبشر، وإلا لكُنتُ قد تحكّمتُ بذلك الشيطان الذي كنتُ معه"

قال هذا وهو يحكّ شعرَه خلف رأسِه، بعدها نزل وترك الشيخ وعلى وجهِه نظرةٌ باردة.

تجوّل شوفين وسيامين في بعض الأزقّة حتى وصلا إلى مكانٍ فيه أكثر من خمسين منزلاً متشابهاً، أخرجت سيامين مفتاحاً عليه رقم سبعة، توجّهت نحو المنزل رقم سبعة وقالت بِنبرة ضعيفة ومُتردّدة

"هذه المنازل مُخصّصة للضيوف، وهذا هو منزلنـ ... منزلك"

ابتسم شوفين ودخل معها ثم قال بِتسرّع وكأنه قردٌ جائع

"أين الطعام ؟ ... أين الثياب ؟"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/14 · 657 مشاهدة · 877 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024