39 - الوغد البرّي المُتوحّش

"أين الطعام ؟ ... أين الثياب ؟"

كانت تصرفاتُه غير مسؤولة وهو يبحث في المنزل وكأن الطعام والثياب ستكون في انتظارِه، شعرَت سيامين بِالضغط وقالت بِنبرة شبه دامِعة

"سيد.. سيدي، سنخرج لِشراء ما نريد، أمرتني سيدتي أن أشتري لك ما تريد"

استدار وصرخ بِسعادة

"حقاً ؟"

أومأت بِرأسها فقال وهو يتّجه نحو الباب

"دعينا نذهب الآن ... أسرعي"

خرج وتبِعَته ثم قادَته إلى السوق وكان عبارة عن مجموعة من الأحياء المترابطة، وكان كُلما مرّ بِشيءٍ إلا وتصفّحه وكأنه لم يدخُل السوق في حياتِه، انزعجَت سيامين كثيراً من تصرّفاته هذه، لكنها في نفس الوقت كانت متعاطفة معه، وبدأت تتخيّل كيف عاش طول حياتِه في البراري.

بعد التجوّل لِأكثر من نصف ساعة.. وصل الاثنان إلى محلٍّ لِشراء الثياب، بدأ شوفين مباشرة بِاختيار الملابس الأكثر غرابة في المتجر، وكلما اختار شيئاً إلا وصرخ وهو يتحدّث عنه، وهذا أزعج السوق بِأكملِه حتى بدأ البعض يتبعونه للضحك عليه، وبعد ساعةٍ كان قد اختار أكثر من خمسين قطعة، أولُها أبشع مِن آخرها، وآخرها أبشع من الثياب العادية التي يرتديها الناس العاديون، وهذا جعل التاجر يشعُر بِالسعادة لِأن هذه الثياب لم يرغَب أحدٌ بِشرائِها وكانت في المتجر لِسنواتٍ طويلة.

انتهى وبدأ يجمعُها رغبةً في حملِها، إلا أن سيامين قدّمت قطعة يشمٍ للتاجِر وقالت

"ضع المبلغ في الحساب وأرسِله للقصر، أما هذه الثياب.. أرسلها في آخر اليوم إلى منزل الضيوف رقم سبعة"

أومأ التاجر بعد أن أخذ بعض المعلومات من وشم الهوية حيث يتعامل الجميع بِهذه الطريقة مع شيوخ وأغنياء العشيرة، خرج شوفين مع سيامين واتّجها إلى مكان الطعام، وهناك.. حسناً، حدّث ولا حرج، هناك صنع شوفين أسطورة الرجل المتوحّش الذي يُريد أكل كل شيء، وهذا جعل سيامين تندَم على اليوم الذي وُلِدت فيه.

في سوق الأسلحة.. اختار شوفين أغرَبها وأكثرَها بشاعة، لكن سيامين هذه المرة لم تذهب به إلى الأماكن الراقية وإنما قادَته إلى حيث تُباع الأسلحة التافهة والرخيصة، وذلك حتى لا تُلام على صرف الكثير من المال، ومع ذلك.. لم يهتم شوفين بهذا وإنما فعل ما يريد وبِأبشع طريقة.

داخل عالمِه الفراغي.. وقف الأربعة صامتين وكأنهم يشاهدون فيلماً في السينما، ومع أن حركاتِه كانت مُخزية إلا أنهم بعد مرور الوقت صاروا يستمتعون بها ويضحكون على أفعالِه، وقد علِموا ضمنياً ما كان يفعلُه، حيث أراد أن يصنَع هوية جديدة في العشيرة حتى يُعرف بِأنه شخص برّي، أما الغرض مِن فعلِه لِهذا فلا يعلمونه.

بعد ساعاتٍ من التسوّق.. كانت سيامين مُتعَبة جداً ولم تعُد تستحمل، ومع ذلك.. اقتَرب منها شوفين وقال

"أحتاج إلى متجرٍ لِأغراض الكيمياء"

استغربت منه إلا أنها لم تعترض وإنما أخذَته إلى أصغرِها، فهِم شوفين لماذا لم تذهب بِه إلى المتاجِر الراقية، لأنها إذا ذهب إلى هناك وتصرّف بِنفس الطريقة فقد يرغب في شراء بعض الأعشاب أو المواد الغالية، وحينها ستقع سيامين في مشكلة حقيقية.

لم يهتم شوفين بهذا لأنه أصلاً يرغب بِشراء بعض المواد البسيطة، بدأ بالاختيار وكان تصرفُه هادئاً هذه المرة، اشترى ثلاث مواد فقط ثم مدّ يدَه وظهر عليها بعض الأحجار البيضاء حسب السعر المكتوب على الأعشاب، ارتجفَت سيامين في هذه اللحظة لأنها تعلم بِأن شوفين كان عارياً عندما وجدوه ولم يكن معه أي شيء، كما أنه كان يعتمِد عليها لِدفع ما يشتريه والآن دفع بِنفسه، وبالطبع فقد دفع بِنفسه حتى لا يتم تسجيل ما اشتراه وتعلم الأميرة بِذلك إذا راجعَت الفواتير، خرج شوفين وبدأ بالاتّجاه نحو المنزِل بينما دخلَت سيامين في دوامة تفكيرٍ عميقة، ولم تشعُر بِالوقت إلا وهي أمام المنزل.

دخل الاثنان وجلَس شوفين ثم رفع المواد الثلاث وأخرَج ناراً بيضاء مِن أصابِعه وبدأ يصقُلها، تغيّرت ملامح سيامين تماماً وعلِمت بِأنهم قد وقعوا في خدعة كبيرة، لكنها لم ترغب بِأن تتحرك الآن بِطريقة مُفاجئة حتى لا يشعر بِها، لذلك حاوَلت التصرّف وكأنه كل شيء عادي.

انتهى من الصقل بعد بِضع دقائق وكانت المواد الثلاثة قد تحوّلت إلى غبار أبيض، نظر نحو سيامين وكانت نظرتُه مختلفة تماماً عن ذلك الغبي البرّي، ابتسم وقال لها

"هل ستُخبرين الأميرة بِما رأيتِ ؟"

تجمّدت في مكانِها وعلِمت بِأنه يعرِف مُهمّتها الحقيقية هنا، تراجعَت للخلف واستعدّت للهروب، وفجأة.. شعرَت وكأن خيوطاً خفية توثِقها ولم تستطِع التحرّر منها، وكيف تتحرّر من خيوط النور من تقنية النور المظلم ؟
اقترَب منها شوفين وقال لها

"لا تخافي.. أنا لستُ شريراً إلى هذه الدرجة، لكني لا أرغب أن يتجسّس علي أحد"

وبِحركة خفيفة مِن يدِه.. رشّ عليها الغبار الأبيض الذي صقَله قبل قليل ثم ابتعد عنها، أغلقَت عينَيها وصرخَت من الخوف، إلا أن صرخَتها كانت أقصر مِن أن تُكمِلها حيث شعرَت بِالتشنّج وسقطَت أرضاً، اقترَب منها شوفين وحمَلها إلى السرير وترَكها لِبعض الوقت، وبعد عشر دقائق.. بدأ مفعول الغبار الأبيض حيث بدأَت تُهلوِس وترى أشكالاً مُختلفة، أحياناً تضحَك وأحياناً تبكي، أو ربما تنكمِش حول نفسِها خوفاً وكأنها ترى وحشاً قوياً.

أمسك شوفين يدَيها وثبّتها على السرير ثم قال

"أنا أفعل هذا لِمصلحتِك، لو هاجمتُ روحَك مُباشرة فسوف تتضرّرين"

كان مفعول الهلوسة أكبر من المخدرات العادية مِثل الخمر، لهذا كانت دفاعات روحِها مفتوحة وهي في هذه الحالة، أمسَك جبهَتها وطبع ختماً على روحِها ثم ساعدَها بِاستخدام طاقتِه على طَرد المادّة التي تُسبّب لها الهلوسة، وبعد نصف ساعة أخرى.. قامَت مِن مكانِها وكأن شيئاً لم يحدُث، اقترَبت مِن شوفين وقالت

"سيدي، لقد طلَبت مِني الأميرة أن أتجسّس عليك"

ابتسم وقال

"أنا أعلم، أخبريني عن الأميرة والعشيرة"

قالت

"كانت الأميرة مدرين مُجرد ابنةٍ عادية لِرئيسة عشيرة عذراء الخمر، لكن قبل شهر ونصف.. اشتركَت خمسُ عشائر قوية وأطاحَت بِالعشيرة التي كانت تحكُم هذه الدولة وصار القصر الحاكِم فارغاً، وبِما أن عشيرة عذراء الدم هي الأقوى فقد كان من الطبيعي أن تحكُم الدولة، لكن باقي العشائر اعترضوا عليها لأنهم أيضاً ساهموا في إسقاط القصر، لذلك اقترحوا أن تُقدّم كل عشيرة شخصاً واحداً ويُطلقوا عليه اسم أمير، وأن يبقى القصر فارغاً لِمدّة ثلاثة أشهُر ريثما يُجهّز هؤلاء الأمراء قواتِهم للقتال على منصب الحاكِم، وكان هذا هو الحل الوحيد لِمنع الحرب الأهلية بين العشائر"

رفع شوفين حاجِبَيه وقال لها

"حدّثيني عن هذا القتال"

قالت

"يجب أن يختار كل أميرٍ أو أميرة فريقاً مِن مائة شخص عمرُهم تحت الخمسين، وفي الموعِد المحدّد.. سيلتَقون في ساحةٍ مُغلقة، ويجب أن يقود هؤلاء الأمراء جيوشَهم بِأنفسهِم، ولن يُسمح بِخروج أحدٍ مِن الساحة إلا إذا استسلم الأمير الذي يقودُهم، والأمير الذي يـبقى في الساحة على قيد الحياة لِأطول مدة هو الفائز وسيحكُم الدولة"

فكّر شوفين لِبعض الوقت قبل أن يُقرّر بِأنه ليس مهتماًّ بِهذه الحرب لأنه لن يستفيد منها، لذلك قاد سيامين إلى الباب ثم انحنى نحوَها ووَضع شفتَيه على رقبتِها البيضاء فارتجَفت رغم أنها تحت عقد العبودية لأنها المرة الأولى التي يقترب فيها رجلٌ منها بِهذه الطريقة، لم يهتمّ شوفين وإنما مصّ رقبتها بِقوّة حتى ترَك عليها علامة حمراء ظاهِرة، رفع يدَيه ووَضعهما على رأسِها ثم أفسَد تسريحة شعرِها، أنزَل يدَيه إلى فُستانِها وأفسَده أيضاً دون أن يُقطّعه، انتهى مِن الإجراءات ثم قال

"عودي إلى أخَواتِك باكية، أنتِ تكرهينَني الآن لِدرجة أنك تفضّلين الموت على العودة إليّ، لكن مهما كان الأمر.. لا تُخبِري أحداً بِما فعلتُه بِك أو ما سألتُك عنه، وإن سألنَكِ فقولي إنك هربتِ منّي بعد استخدام طاقتِك"

أرسلَها مِن الباب وبدأت بِالبكاء مُباشرة وهي تتّجه نحو القصر وليس في قلبِها أحدٌ تكرهُه أكثر مِن شوفين الوغد البرّي المُتوحّش، قهقه في نفسِه ثم دخل وأغلق الباب وكأنه لم يحدُث أي شيء.

...

قصر رئيسة العشيرة

عادت سيامين إلى أخواتِها تبكي بِحرقة، ودون أن يسألنَها.. لاحَظن شكلَها فغضِبن وأخذَنها إلى الأميرة ندمين، وبِلمحة واحدة.. عبسَت وقالت بِغضب

"هل فعلَها اللعين ؟"

قالت سيامين وهي تبكي بحُرقة

"لقد هربتُ منه عندما استخدمتُ طاقتي، ذلك الوغد البرّي المُتوحّش، أنا لا أريد العودة إليه أبداً"

وقفت الأميرة وقالت بِغضب

"سيدفع ثمن هذا، لكن.. ليس الآن، أنا بِحاجة إلى تجنيدِه"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/14 · 715 مشاهدة · 1197 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024