"قردوح ؟
اللعنة عليك، أي نوع من الاسلاف أنت ؟
تأخذ جسدي ثم تُهينُني في جسد قردٍ سخيف ؟
وأخيراً تختار لي هذا الاسم اللعين ؟
تباً لك"

بدأ شوفين القديم مباشرة في الضجيج، ومع أن صوته كان صوت قردٍ عادي إلا أن شوفين وراموليا قد فهِما ما كان يقوله، وهذا جعل راموليا تُقطّب جبينَها لأن أساليب سيّدها الجديد غريبة وغير مفهومة.

ابتسم شوفين وربّت على رأس القرد ثم قال

"صغير.. كُن مُحترماً مع سيّدك، فبيننا عقد سيد وخادم، ويُمكنني قتلك بِفكرة واحدة فقط"

تغيّرت ملامح القرد ونظر نحو راموليا التي صار وجهها أسوداً عندما ذكر شوفين أمر عقد الخادم، وذلك لأنها كانت تشعر بالغرابة مِن شوفين لأنه يستطيع معرفة ما تُفكّر فيه، بالإضافة إلى شعورٍ غريبٍ لِتقديس سيدها وكأنها مستعدة للموت لأجله وهي سعيدة، لكن هذا لا يُشبِه أي نوعٍ من عقود العبودية التي سمعت عنها من قبل، حيث يُفترض بالخادم الذي وقّع على العََقد ألا يكون قادراً على التفكير بحرية وكأنه مجرد جثّة مُتحرّكة، لكنها لا زالت تستطيع التفكير والتصرّف كما تشاء، بل وحتى التخطيط ضد سيدها.

نظرت نحو شوفين فابتسم وقال لها رداًّ على تفكيرها

"أنا لا أُريد مرافقة جثة لا رأي لها، عقدُنا كان لِتبادل المنافع لا أكثر، كونا مُطيعين وستعلمان مستقبلاً بأن خِياركما اليوم هو أفضل ما فعلتموه في حياتكما لِحد الآن، فقط لا تُفكّرا في الغدر بي أو إخبار أحدٍ بِحقيقتي لأني أكره الغدر كثيراً"

تغيّرت ملامِحه كثيراً عندما ذكر الغدر وكأنه قد عانى كثيراً من غدر المقرّبين.

تنهّد بعد الغضب ثم نظر نحو القرد وقال له

"هل تُريد اسماً آخر ؟
اختر الاسم الذي تريده، لكنك ستبقى في جسد هذا القرد إلى اليوم الذي أُرجِع إليك جسدك فيه، وهذا أكثر أماناً من وضعِك في جسدٍ بشري آخر، لو كان الأمر بهذه البساطة لاخترتُ لنفسي جسد بشريٍّ آخر وأرجعتُ لك جسدك، لكني لا أستطيع فِعل هذا إلا بعد بضع سنوات على الأقل، لذلك أنصحك أن تكون مطيعاً وسأساعِدك على تدريب جسد هذا القرد ريثما أقوم أنا بِتطوير جسدِك، ولا تحقِر جسد هذا القرد لأني لم أختَره عشوائياً، بل أكاد أُراهن على أنك ستسبِق جسد رومانيا في التدريب"

صمت الإثنان عندما رأيا جدّية شوفين الذي لم يدع لهما أي مجال للاعتراض، وبعد صمتٍ طويل.. قال القرد

"ريكو ... ريكو وليس قردوح"

ضحك شوفين وربّت على رأس القرد ثم قال

"سيشتهر اسم ريكو خلال سنة واحدة كأقوى قرد في كامل جزر سمهريا، ولن يكون اسم شوفين أقل شهرة منه، أي أنك الرابح في جميع الأحوال"

التفتَ إلى رومانيا أيضاً وفرك شعر رأسها وكأنه يوجّه الحديث إليها أيضاًً، وبعد هدوئهِما قال

"سنعود إلى عشيرة القمر الأحمر، سنحتاج إلى الموارد للتدريب، هل يُمكِنكِ الوصول إلى مواردِك يا رامونيا ؟"

عبست قليلاً وكأنها لم تشأ إدخال هذا الوحش إلى عشيرتها، لكن الأمر لم يعُد بين يديها الآن، لذلك قالت

"لا أملك الكثير من الموارد، لكني أعتقد بأني أستطيع الحصول عليها قبل أن يدخل المسؤولون إلى منزلي"

أومأ شوفين برأسه ثم رفع يده فظهرت بعض الأغراض من العدم، تغيّرت ملامح ريكو وقال

"السلف.. هل تملك خاتم تخزين مثل الشخص الذي دخل إلى كهفِك ؟"

قطّب شوفين حاجبيه باستغراب وهو يقول

"كان معه خاتم تخزين ؟"

يعلم شوفين بأن هذه المنطقة مجرد جزيرة تافهة، وشخصٌ يملك خاتم تخزينٍ يعني بأنه شخصٌ عظيم إذا لم يكن من خارج هذه الأرض، رد عليه ريكو بحماس

"نعم.. ولديه الكثير من الكنوز، لقد عرضها علينا لتحفيزنا"

نظر شوفين نحو راموليا فأومأت برأسها وقالت

"عرض علينا كنوزاً حتى عشيرتُنا لا تملك مثلها، لكنه قوي جداً حتى أني لم أستطِع معرِفة مستواه"

ابتسم شوفين بِجشع ونظر نحو مدخل الكهف ثم قال

"مع أني لا أستطيع قتالَه وجهاً لوجه، إلا أني لن أترك خاتم تخزينٍ مليء بالموارد يُغادر بِسلام"

قال هذا ثم رفع كرتين أرجوانيَتين من الأغراض التي سبق وقام بإخراجها، جلس أرضاً ومدّ أصابِعه نحو عينيه وهو يقول

"هذه أول هدية أمنحُها لِجسدك يا ريكو"

رفع أصبعَه واقتلع عينَه الذهبية اليمنى تحت نظرات الرعب من الاثنين، وبعد لحظاتٍ كان قد قلع العين اليسرى أيضاً وكانت كِلا العينَين مُعلّقتين بالأعصاب، وبِحركات سريعة.. قام بِمدّ الكرتين الأرجوانيَتين وجعلهما تتّصلان بالأعصاب الممتدّة، وفي نفس الوقت سقطت العينان الذهبيتان، بعدها.. رفع العينين الجديدتين واحتلّتا مكان القديمتين، إلا أنهما لم تتفعّلا مُباشرة بعد تركيبهما حيث كانتا بحاجة لبعض الإعدادات.

أغلق شوفين عينيه وجلس مُتأملاً لأكثر من نصف ساعة قبل أن يفتح عينيه تحت دهشة راموليا وريكو لأنهما شعرا وكأنهما عاريان أمام نظرات شوفين العميقة، ومع أن العينين قد فقدتا جماليتهما الذهبية التي عُرِف بها شوفين القديم إلا أن خبيرةً مثل راموليا قد ارتجف جسدها لأنها تملِك بعض المعلومات عن المواهب والأجساد النادرة، ومع أنها لم تعلم ما هي هذه العيون بالضبط إلا أنها قد شعرت بقوّتها الغاشمة.

ابتسم شوفين وقال لريكو

"هتان العينان ستسمحان لك برؤية العالم بشكلٍ مختلف، والمعارك مع عيون مثل هذه ستُقلّل الإصابات وتزيد فرصة النيل من عدوك، لا أدري إذا كانت قد ظهرت عيون مثلها في آخر خمسين ألف سنة، لكن في عصري.. كانت هي الوحيدة من نوعها"

تالياً.. رفع عظمتين أصغر من ظفر الأصبع الصغير وأشار لِراموليا فاقتربت منه، رفع شعرها الحريري عن أذنها اليمنى وقال لها

"سأعطيك إحداها وأستخدم الأخرى على جسد تلميذك"

وبحركة خفيفة.. أدخل إحدى العظمتَين في أذنها الصغيرة فشعرت وكأنها تذوب وتندمج مع جسدِها، وبعد ذلك مباشرة.. شعرت وكأنت تستطيع سماع أي شيءٍ في محيط عشرة أميال، وهذا جعلَها مُتوتّرة بعض الشيء، لكن هذا لم يستمرّ طويلاً حيث كانت العظمة الصغيرة مُبرمجة على التكامل مع الجسد فصار بإمكان راموليا التحكّم بِالمدى الذي تُريد سماعَه، وقد ساعدَتها خِبرتها القديمة على التأقلم السريع، ما جعل شوفين يشعر بالسعادة أكثر.

وضع شوفين العظمة الأخرى في أذنه وقام بِضبطها ثم رفع جوهرة سوداء مُتلألئة، أمسك رأس ريكو بقوةٍ وضغط الجوهرة على جبينه ثم ضخ بعضاً من طاقتِه فبدأ ريكو يصرخ من الألم، وبعد بضع ثوانٍ أطلقه شوفين وكانت الكرة قد اختفت تحت جلدِه وكأن شيئاً لم يحدُث، عبس ريكو وقال بِغضب

"ما كان هذا ؟"

قال شوفين

"هذه جوهرة تخزين، ألم تسأل عن خواتم التخزين قبل قليل ؟"

اتّسعت عينا راموليا عندما علِمت أنها جوهرة تخزين، وذلك لأن حجم هذه الجوهرة يعني بأن المساحة التي تملِكها داخلَها ستكون كبيرة لدرجة لا يُمكن تخيّلها، ولن يقدر أحدٌ على شراء مثلِها في جزر سمهريا حتى وإن باع عشيرتَه بأكملها

لاحظ شوفين رغبة راموليا فقال لها

"سأعلّمك كيف تُُخزّنين أغراضك دون أدوات تخزين، أما ريكو فهو قرد وسيحتاج إلى مكانٍ يُخزّن فيه أغراضه"

استغربت راموليا أكثر وأكثر كلما عاشرت سيدها الجديد، فتخزين الأغراض دون أدوات التخزين يُعتبر من الأساطير التي لن يصدّقها أحد في جزر سمهريا، ومع ذلك فقد رأت شوفين يستخرج الأغراض بدون أداة تخزين، والآن يقول بأنه سيعلّمها كيف تفعل ذلك هي أيضاً ؟

رفع شوفين آخر أغراضه وكان حجر طاقةٍ بنفسجي، وبِمجرد لمسِه.. أطلق طاقة هزّت الأشجار وأثارت الغبار، تراجعَت راموليا بضع خطواتٍ للوراء قبل أن تسقُط أرضاً وهي تصيح

"حجر طاقة أرجواني، هذه أعلى نوعية من أحجار الطاقة، يُقال أنها قد انقرضَت حتى من القارة العظمى"

تنقسم أحجار الطاقة إلى عشر مستويات وهي الأبيض، الوردي، الأحمر، البرتقالي، البني، الأصفر، الرمادي، الأخضر، الأزرق والبنفسجي، وكل مستوى يساوي ألفاً من مستواه السابق، حيث أن حجراً وردياً واحداً يساوي ألفاً من الحجارة البيضاء، وحجر أحمر يساوي ألفا من الوردي، وهكذا، ما يعني بأن حجراً بنفسجياً واحداً يساوي رقماً مع سبعة وعشرين صفراً من الحجارة البيضاء، وهذا يعني أيضاً بأنه ربما قد يشتري جزر سمهريا بأكملها، أو دولة روسكيا على الأقل.

ابتسم شوفين وقال بِخبث

"سأستخدم هذا في الصيد، غادِرا هذه المنطقة إلى أبعد ما يُمكِن ثم ابحثا عن مكانٍ للاختباء، سألعب قليلاً مع ضيوفي ثم أتبعكما"

قال هذا ثم ركب الرياح واختفى من المشهد، نظر روكو نحو راموليا وقال

"معلّمتي.. ما الذي وقعنا فيه ؟"

ابتسمت بصعوبة قبل أن تستدير وتقول

"أطِع سيدَك ولا تُفكّر في الغدر به أو الإساءة إليه، هذا هو الحل الوحيد الذي يملكُه قردٌ وطفلة صغيرة للنجاة"

قالت هذا ثم اتّجهت نحو جبل بعيد للبحث عن مكان آمن للاختباء.

---------------------

لِمن يسأل عمّن هو البطل!!
البطل هو الشخص القديم لأن خلفه قصة صادمة وأسرار خطيرة، والباقي فهم أبطال ثانويّين

2020/01/08 · 934 مشاهدة · 1264 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024