بعد إرسال سيامين.. بقي شوفين في منزل الضيوف في انتظار أخواتِها أو حتى الأميرة مدرين بِنفسها للاشتكاء من أفعالِه، لكن الوحيدين الذين أتوا كانوا أتباع التجّار الذين اشترى مِنهم الملابس والأسلحة والعديد من الأغراض الأخرى، استغلّ شوفين الفرصة وسألهم عن بعض الأمور في العشيرة حتى خلُص إلى أنه إذا أراد الحصول على المعلومات الحصرية فعليه الذهاب إلى "متجر أعلى جبل"، وهو واحد من سلسلة متاجِر مُنتشِرة في كامل جزر سمهريا، لذلك تكون لديه أخبار حصرية أكثر مِن أي جهة أخرى.

بعد أن حصل على بعض المعلومات عن "أعلى جبل".. سأل راموليا عنهم وأعطتَه بعض المعلومات التي تعرِفها، حيث تعتمِد متاجِر أعلى جبل على مصفوفات مُخصّصة للمراسلة ونقل الأغراض الصغيرة، لذلك لا يستطيع أحدٌ مُجاراتِها، ولديها نظامٌ خاص حيث تبدو متاجِرها من الخارِج وكأنها مجرد متاجر، لكن كل متجر لديه قاعة سرية مخصصة لِلّقاء مع العملاء المميّزين، وإذا كان العميل يستحقّ دخول هذه القاعة فيُمكِنه البدء في شراء المعلومات، لكن الدخول إليها يحتاج إلى ضامِن موثوق مِن الشيوخ أو التجار الكِبار، أو أن يكون لديه رمز خاص يُقدّمه المتجر، أما الدخول بدون هذا فسيكون شبه مستحيل تقريباً.

سبب تعامُل "أعلى جبل" مع الأشخاص الذين لديهم ضامِن يضمنُهم هو التقليل مِن عدد الأشخاص المُخرِّبين الذين قد يؤذونهم أو يؤذون العشائر والدول فيتسبّب لهم بِالمشاكِل، لذلك لا يتعاملون مع المقاتلين الشيطانيّين حتى لا تكرههُم العشائر وتطرُدهم مِن أراضيها، أما سبب تسامُح العشائر معهم رغم أن "أعلى جبل" قد يبيع معلوماتٍ عن نفس العشيرة هو أن العشيرة تستفيد أيضاً من المعلومات عن الجهات المُعادية، وإذا طردَتهم مِن أرضِها فستفقِد أداة ذات أهمية كبيرة، ناهيك عن الضرائب التي يدفعها متجرهم للعشيرة.

فكّر شوفين في الطريقة التي يكسِب بِها ثِقة المتجر حتى يشتري منه المعلومات، لكنه لا يملك أي ضامِن، ولا يستطيع طلب الضمان من الأميرة، خاصة بعد الذي فعلَه بِتابعتها الصغيرة، بل لا يستطيع أصلاً لأنه من المُفترض بأنه شخص عاش في البرية، لذلك سيكون غريباً إذا زار "أعلى جبل" حيث تُباع المعلومات بِأسعار خيالية.

أخيراً.. قرّر أن يفعل الأمر بِالطريقة التقليدية، قام ولبِس ثوباً غريباً يُشبِه جِلد الفهد، خرج وبدأ يبحث عن مقر "أعلى جبل"، وفي الطريق.. لا يهم مِن أين يمر، لِأنه سيجلُب السخرية ويسمع الضحك والاستهزاء من الجميع، وهذا أعجبه كثيراً لِأنه يُرسّخ لِشخصيته الجديدة، وما دام آمناً فلا يهم كيف يراه الآخرون.

وصل بعد نصف ساعة إلى متجر "أعلى جبل" وكان مبنىً كبيراً جداً وفيه جميع أنواع الأصناف التي يرغب بِها المتدرّب، دخل عبر الحراس الذين استغربوا مِن شكلِه في البداية لكنهم لم يوقفوه، وهذا لأن بعض العملاء يكونون غُرباء في تفضيلاتِهم، دخل شوفين وبدأ يتجوّل في مرافِق المتجر فاستشعر العديد من المصفوفات التي تختلِف قوتها ونوعيتها حسب الغرض المُخصّصة له، استمر بِالتجوّل حتى وصل إلى المرافِق الخاصة والتي تحتوي على أغلى المواد.

لم يدخُل مباشرة وإنما استغلّ منطقةً لا أحد فيها ثم قام بارتداء رداءٍ أسود له قلنسوة تُغطّي رأسه، بعدها.. اتّجه مباشرة نحو المرافق الخاصة فأوقفه الحراس عن الدخول، إلا أنه لوّح بِيده وأخرج أكثر من مائة حجر أحمر وبدأت تطوف فوق يدِه، ارتعد الحارِسان واعتذرا مُباشرة ثم أتاحا له الدخول رغم أن وجهَه غير ظاهِر، وذلك لأن الحجارة الحمراء لا يحملها سوى الأغنياء والأشخاص المهمّين جداً، كما أنه قام بإخراجها من الفراغ، ما يعني بِأنه يملِك خاتم تخزين، وهذا وحدَه يُتيح له الدخول.

دخل الجناح فتقدّمت فتاة شابة ورحّبت بِه بِحرارة، تبِعها وبدأ يتصفّح الأغراض المعروضة، اهتمّ بِجانب الأعشاب والحبوب لأنه يحتاج إلى بعضِها لِراموليا، وحتى هو في الحقيقة يحتاج إلى بعض الأغراض الخاصة بِعلاج الروح المجروحة.

تجوّل بِهدوء وهو ينظُر في الأعشاب والحبوب، لكنّه لم يجِد ما يرغب بِه، توقّف ونظر نحو الفتاة ثم سألها

"هل لديكم شيء أفضل من هذا ؟"

ارتجفت الفتاة وقالت بِسرعة

"أنا أعتذر لأنك لم تجِد ما تبحث عنه.. سيدي العظيم، هل ترغب بِشيءٍ مُعيّن ؟"

قال مباشرة

"أحتاج خمسة من زهرة البرد النارية، خمسة من زهرة السم المقبور، أربعة من جذور البرق السبعة، ألف من طحلب الانبعاث، إضافة إلى بعض المواد الأخرى"

ارتعدت الفتاة لأن كل هذه الأغراض غالية جداً ونادرة، وهو يريد كل هذا العدد ؟

استعادَت تركيزها ثم قالت

"هذه مواد نادرة جداً، لذلك يجب أن أرفع طلبَك الكريم إلى مدير المتجر"

صمت شوفين قليلاً ثم أخرج حجراً أحمر وأعطاه للفتاة ثم قال

"أخبريه بِأني أرغب باللقاء معه، لدي طلبات أخرى غير هذه، وإذا كان سيقوم بِتوفيرها فسأستقرّ في هذه العشيرة لِبعض الوقت"

غادرت الفتاة وهي سعيدة باستلام الحجر الأحمر، لكنها يجب أن تسأل المسؤول أولاً إن كان عليها أخذُه أم لا، وبعد ثلاث دقائق.. وصلت إلى المسؤول عنها وأخبرَته بِطلبات شوفين، خرج المدير بِنفسه واستقبل شوفين بِحفاوة، أخذَه معه إلى مكتبِه وقال له

"عزيزي العميل، بالنسبة للأعشاب التي طلبتَها.. سأقوم بِالتواصل مع جميع فروعِنا، ستجِد أخبارَها بعد ثلاثة أيام، وإذا وافقتَ على الأسعار فستقوم الفروع بإرسالِها خلال أسبوع"

أومأ شوفين ونزع قلنسوته وظهر وجهُه ثم قال

"جيد، أتمنى أن أجِد عندكم ما أرغب بِه"

أخرَج مائة حجر أحمر وقال للمدير

"هذا مُقدّم المبلغ حتى تعلموا بِأني جاد"

اهتزّ المدير عِندما علِم بِأن شوفين شخص مُباشِر مع أنه مجرّد شاب، ما يعني بِأن خلفيته لا يجب أن تكون بسيطة، أمسك الأحجار الحمراء ثم كتب وصلاً فيه دليل على استِلامِه مائة حجر أحمر كمُقدّم للمبلغ الإجمالي، وسيتم استرجاعُه في حال لم يُلبّوا طلباتِه أو لم يصِلوا إلى اتّفاق.

أخيراً.. قال شوفين

"أنا بِحاجة إلى الحصول على بعض المعلومات"

قال المدير مباشرة

"قِسم المعلومات مُنفصِل عنا ويشترِط وجود ضامِن أو أن تكون عميلاً قديماً لديك ضامِن في مكان آخر، وإلا فكُل ما يُمكنني فعله هو إيصال طلبِك إلى المسؤول"

فجأة.. ظهر صوت وقور في المكتب قائلاً

"السيد شوفين شخص مضمون، أرسِله إليّ"

ارتعب المدير أكثر عندما سمِع صوت الشخص الأكثر أهمية في الفرع يُنادي العميل بِاسمه، لكن الأكثر استغراباً كان شوفين، فهل يعرفون شوفين الذي عاش في البرّية أم شوفين من دولة روسكيا ؟

لن يستطيع المعرفة حتى يذهب إلى صاحِب الصوت، لذلك قام مُباشرة وتبِع المدير حتى وصلا إلى بوابة محمية بِمصفوفة قوية، وفجأة.. فُتِح الباب ودخل شوفين وحدَه، وفي الداخل.. كانت قاعة بيضاء دائرية الشكل وجُدرانها تُشعّ بِنور قوي، وفي وسط القاعة مجموعة مِن الأرائك تتوسطها طاولة فاخرة، على الطاولة إبريق شاي وبعض الأكواب.

توجّه شوفين إلى الطاولة وكبّ كوب شاي ثم جلس على إحدى الأرائك ونظر نحو الأريكة المُقابلة وقال وكأنه يتحدّث مع شخصٍ ما

"مِن أين تعرفني ؟"

فجأة.. ظهر شخص جالس على الأريكة وكان مختفياً عن الأنظار بِسبب المصفوفة التي تحمي القاعة، ضحك الأربعيني وقال

"أنت ممّيّز حقاً يا سيد شوفين، كما يليق بِالشخص الذي خدَع حاكِم وشيوخ عشائر دولة روسكيا"

ابتسم شوفين وقال

"كما هو متوقّع من استخبارات أعلى جبل، لا شيء مخفي عنكم"

ابتسم الأربعيني وسأل

"ما هي المعلومات التي ترغب بها ؟"

قال شوفين مباشرة

"أريد الذهاب إلى القارة العظمى، لكني لا أعلم الطريقة"

كان هذا هدف شوفين منذ كان في دولة روسكيا، حينها.. قبِل الذهاب مع الحاكِم إلى القصر الحاكم لعلّه يجد هناك طريقة للانتقال إلى القارة العظمى، وكانت راموليا قد اقترحَت عليه ذلك، لكن بعد تدخّل سويكا وأزمتِها.. صار مِن الصعب عليه أن يأخذها إلى القصر الحاكِم، لأنه لا يُريدها بِجانبه، وإذا أدخلَها إلى عالمِه فسيتساءلون عنها، لذلك اختار أن يُغادر معها، والآن.. جاء إلى هذه العشيرة لِنفس الغرض، وسيفعل أي شيء حتى يدخل القارة العظمى، حتى وإن كان عليه أن يتظاهر بأنه شخص عاش في البرّية.

قال الأربعيني

"في كامل جزر سمهريا، توجد طريقة واحدة للانتقال إلى القارة العظمى، طبعاً يوجد من يُغامِر بِقطع البحر لكنها طريقة خطيرة وغير عملية، وعدد الناجين منها يُمكن عدُّه على أصابع اليد الواحدة"

نظر إليه شوفين بِنظرة ثابتة في انتظار الجواب، ابتسم الأربعيني وأضاف

"من المعروف بِأن جزر سمهريا عددُها سبعة، لكن الحقيقة هي أن هناك جزيرة صغيرة ثامنة تحرُسها قوات مُشتركة من جميع الدول، وداخِلها توجد بوابة نقل مكانية تُفتح مرة كل عشر سنوات، ولحسن حظك بأنها ستُفتح بعد ستة أشهُر، لكنها تسمح بِمرور مائة شخص فقط، لذلك تكون المنافسة عليها حادة جداً"

عبس شوفين لِبعض الوقت وبدأ يفكّر في بِناء مصفوفة نقل خاصة به، لكنها ستحتاج إلى الكثير من الطاقة، كما أنها لن تكون مُستقرّة مثل بوابة نقل مخصصة، لذلك نظر في عينَي الأربعيني وسأله

"كيف يمكنني الحصول على مكانٍ بين المائة ؟"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/14 · 607 مشاهدة · 1291 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024