5 - التحول إلى حثالة

غادر شوفين الغابة واتجه مباشرة نحو الكهف الذي خرج منه مع راموليا قبل نصف يوم، وقف أمام بوابة الكهف وبدأ العمل مباشرة باستخدام حجر الطاقة الأرجواني حيث كان يستخرِج مِنه الطاقة ويرسُم به بعض النقوش الغريبة على الأرض، استمرّ في هذا لأكثر مِن ساعة حتى شعَر بِجسده ثقيلاً بسبب ضُعف تدريبه، تراجع إلى مكانٍ بعيدٍ ثم استخدم حجر الطاقة لاسترجاع قوته ودخل في حالة تأملٍ عميقة.

استمرّ تأملُه لأكثر من يومين قبل أن يفتح عينيه فجأة وينظر بِحزمٍ نحو بوابة الكهف، وبعد نصف ساعةٍ بدأت بعض الظلال تخرُج واحداً تلو الآخر وهُم يلعنون سوء حظهم لأن الكهف لا يحتوي على أية كنوز، ومع أنهم خائفون من قائدهم إلا أنهم لم يُخفوا غضبهم أمامه، خاصة أن الخارجين كانوا الأقوى في المجموعة وقد انضموا إلى القائد رغبة في الكنوز وليس لفقدان العديد من رجالِهم.

وقف القائد الأربعيني بينهم بصمتٍ ولم يجرُؤ على استفزازِهم أكثر لأنه يحتاج إليهم في أعماله المستقبلية، نظر إليه أحدهم وتنهّد ثم قال للجميع

"اهدؤوا يا رفاق، فالقائد لم يقصِد شيئاً مما حدث، ورغم أننا دفعنا ثمناً كبيراً ولم نعرِف مكان الكنوز إلا أننا نستطيع العودة لاحقاً لاستكشاف المناطق التي لم نستكشِفها بعد، فوجود كل هذه الوحوش القوية يعني بأن الكنز الموجود في الداخل أكبر ممّا كنا نتخيل"

أومأ شخصٌ آخر برأسه ثم قال

"دعونا نُخفي هذا المكان جيداً ونغادر قبل جذب الأنظار، سيكون هذا المكان مزدحماً في الأيام القادمة بعد اختفاء الكثير من الأشخاص"

تفل أحدهم وقال بغضب

"وما الذي يضمن لي أن أحدكم لن يعود خلفنا ؟"

قال هذا ونظر نحو القائد فنظر الجميع نحوه لأنه هو الوحيد الذي قد يتجرأ على الغدر بهم بسبب قوتِه، لكن القائد في هذه اللحظة كان نظر باستغراب نحو الأرض، وحركتُه الغريبة هذه جعلت بعض رفاقه يعبسون ويتصفحون الأرض أيضاً، وبعد لحظات.. قال القائد بنبرة وقورة

"هناك من يلعب معنا، توجد مصفوفة معقّدة هنا، لكنها لم تكُن موجودة عندما دخلنا"

عبس أحدهم وقال باستغراب

"ألا يُمكن أن تكون قد تفعّلت تلقائياً بعد دخولنا إلى الكهف ؟"

هزّ آخر رأسه وكان أكثرهم خبرة بالمصفوفات قبل أن يتغيّر لونه ويقول

"هذه المصفوفة حديثة لم يمضِ عليها أكثر من يومٍ واحد، لكنها معقدة جداً وصانعُها يجب أن يكون خبيراً عظيماً، للأسف.. لا أدري الغرض منها"

قال هذا ونظر نحو القائد، عبس القائد وأرخى يديه نحو الأرض ثم جمع طاقته الداخلية ووجّه هجوماًً قوياً جداً نحوها، وبمجرد اصطدام الهجوم الناري المخلوط بالرياح معها.. تفعّلت وتلألأت خيوطها وصنعت ما يُشبه القبّة مع رسالة مسموعة في أذهان الجميع تقول

"واحدٌ فقط سيخرُج"

ومع أن الرسالة كانت بسيطة إلا أن الجميع قد فهموا مضمونها، ودون تأخير.. نظر الجميع نحو القائد دون قصدٍ وكأنهم قد اتفقوا ضده، ومع أن الأمر طبيعي كونه الأقوى ومن الغباء تركُه للآخِر، إلا أن الأربعيني قد استهجن حركتِهم المفاجئة ضدّه دون حتى التفكير في طريقة أخرى لفتح المصفوفة، ولو أنهم جمعوا قوتهم جميعاً لربما استطاعوا اختراقها.

ابتسم القائد وهو ينظر نحو رفاقه ويبدو أنه قد فهِم غرضهم، خاصة إذا كان شخصٌ واحد فقط هو الذي سيخرج من المصفوفة، وذلك لأن كنوز الجميع كانت في حوزة القائد في خاتم التخزين الخاص به، وإذا قتلوه فسيجربون حظوظهم فيما بينهم، والفائز سيأخذ كنوز الجميع قبل أن يخرج، لكن القائد لا يخطّط للاستسلام أيضاً حيث هزّ يده فظهر سيف طويلٌ وحاد، أمسكه وقال

"هذه هي طينتكم إذن أيها الخونة"

ابتسم بخُبثٍ ولوّح مباشرة بسيفه فتصاعدت الرياح وزادت مستوى القطع إلى عدّة أمتار، وقبل أن يشعُر رفاقه.. كان قد قطع ثلاثة منهم إلى نصفين وكأنه يقطع الكعك، تغيّرت تعابير الجميع وشعروا أنهم قد قلّلوا من قوة قائدهم، لذلك أخرجوا أسلحتهم أيضاً وهاجموا من كل جانبٍ بدل الوقوف في أماكنهم.

صرخ القائد وبدأ معركته مع الجميع وكان عدد الأحياء أكثر من عشرة، ورغم عددٍهم إلا أنه خاض في صفوفهم وقتل منهم عدداً آخر في بضع ثوانٍ فقط، لكن هذه الجولة لم تكُن بدون ثمن حيث طُعِن بخنجرٍ مسمومٍ في فخذه، ومع أن السموم لا تنال بسهولة من المقاتلين المتقدّمين إلا أنه قد تأثر به وتناقصت سرعتُه، وهذا أعطى للباقين على قيد الحياة أملاً في الإطاحة به.

استمرّت المعركة لبضعة دقائق بعد ذلك قبل أن ينتهي القائد من قتل آخر شخصٍ معه، لكن النتيجة كانت مؤسفة له حيث تسارع السم في غزو جسدِه بعد فقدان كثيرٍ من الطاقة الداخلية، تأكد من أن الجميع موتى ثم أخذ أغراضهم وأسلحتهم وخزّنها في خاتمه، جرّ أذياله وتوجّه نحو قبة المصفوفة كونه قد أنهى الشرط المفروض عليه، إلا أن رسالة ظهرت في ذهنه تقول

"ضع خاتمك أرضاً قبل المغادرة"

تغيرت ملامحه مباشرة ونظر يميناً وشمالاً بحثاً عمّن يتحدّث معه لأنها بالتأكيد ليست رسالة من مصفوفة ميتة وإنما رسالة من شخصٍ يراقب من بعيد، ورغم أن شوفين كان يختبئ في مكانٍ قريبٍ إلا أن خِبرته الكبيرة قد جعلت اكتشاف مكانه شِبه مستحيل على القائد، وبعد يأس القائد صرخ بِأعلى صوتِه

"من أنت ؟
لماذا تُريد افتعال المشاكل معي ؟"

ضحك الصوت في ذهنه ثم قال

"تقول هذا بعد إهلاك المئات من الأبرياء ؟
أضِف كلمة أخرى وستفقِد عُضواً من جسدِك"

ومباشرة.. بدأت المصفوفة تحتدّ وتزداد قوّتها لدرجة أنها تستطيع فعلاً إيذاء القائد المُصاب، عبس بشدّةٍ وهو ينزِع الخاتم من أصبعه ويضعه أرضاً وكله أملٌ أن تُفتح المصفوفة ويستطيع إلقاء القبض على هذا الشخص الذي قام باستهدافِه، خاصة أنه كان متأكداً من ضُعف غريمه، ولو كان قوياً لما لجأ لاستخدام المصفوفة للإطاحة به، ومع أنه لا يدري كيف سيُطيح بغريمه إلا أنه قرر أن يُراقب خاتمه من بعيدٍ حتى يأتي إليه عدوه لأخذه ثم يُباغِته من حيث لا يدري، لكن.. اندثرت كل أفكارِه هذه عندما وضع الخاتم على الأرض لأنه اختفى مباشرة وكأنه لم يُوضع هناك أصلاً، حينها فقط علِم بأنه يتعامل مع شخصٍ ذكي وخبير لا يُمكِن خِداعُه ببساطة.

شعر القائد بألمٍ يضغط على قلبِه لأن خاتمه كان يحوي كنوز حياتِه التي جمعها طيلة عمله كمقاتل شيطاني، ما يعني بأنه قد أفلس في لمحة عين، لكن ما جعله يتألم حقاً هو الرسالة التي وصلت إلى ذهنِه بعد ذلك

"اِستخدِم قوتك المُتبقية للخروج من المصفوفة قبل قدوم خبراء العشائر، حظاً موفقاً"

حينها فقط شعر الأربعيني بأنه قد خُدِع من شخصٍ أكثر لؤماً منه، خاصة أنه لا يملك القوة الكافية لطرد السم من جسده ناهيك عن كسر مصفوفة قوية مثل هذه، لكن.. ولأنه خبيرٌ فقد جلس مباشرة وبدأ يستجمِع الطاقة ويركّز على طرد السم لأن استخدام قوته الآن ستزيد من انتشار السم، وإذا وصل إلى قلبه فسيموت لا محالة.

أومأ شوفين برأسه عندما رأى هدوء الأربعيني قبل أن ينصرِف مع الرياح دون أن يترك أثراً خلفه، وبعد ساعتين كان قد وصل حيث توجد راموليا وريكو، شعر الاثنان بالفرح مباشرة رغم مقتِهما لسيدهما، لم تعلم راموليا إن كان فرحها بسبب عقد الخادم الذي بينهما أم فقط لأنها لا تملك سنداً أفضل من شوفين، لكن سبباً أكثر رُعباً كان يُخيّم على قلبِها وهو أنها قد بدأت تُعجب فعلاً بسيدها بعد رؤيتِها لمهاراتِه النادرة.

ابتسم نحوهما ورفع الخاتم ثم فكّ قُفله الذي يُعتبر من أصعب المراحل عند سرقة أدوات التخزين، حيث لا يُفتح الختم إلا عند موت صاحبه، أما فتحه بالقوة الغاشمة فقد يدمّره مع محتوياته، لكن الأمر كان سهلا على خبير مثل شوفين حتى أن القائد لم يشعر بغياب الارتباط بينه وبين خاتمه في الوقت الحالي، نظر نحوهما وقال

"دعونا نعود إلى العشيرة للإبلاغ عما حدث، لكن.. راموليا، إذا سألك أحدهم عمّا جرى فقولي له أنك قد.."

وشرح لها خطته التي ينوي أن يُقابِل بها شيوخ العشيرة.

بعد بضع ساعات.. دخل الثلاثة أراضي عشيرة القمر الأحمر فتوقّف شوفين ونظر نحو ريكو لبعض الوقت قبل أن يأمره بالبقاء داخل خاتم التخزين حيث يمكن للحيوانات البقاء داخله لعدّة أيام خلاف البشر، وبعد تخزينه.. لمس شعرَه الذهبي الطويل وعلى وجهِه نظرة اشمئزاز، جلس مباشرة وأغلق عينيه ثم قال

"لا أستطيع العيش مثل المخنّث، سأُجري بعض التعديلات قبل دخول العشيرة"

بدأ مُباشرة في استخدام تقنية خاصة جعلت لون شعره يُصبِح قاتماً، وبعد بضع دقائق كان قد تحوّل إلى اللون الأسود المائل للأرجواني تماماً مثل لون عينيه، بعدها.. بدأت رموشُه الطويلة تنقُص وتصير أكثر رجولية، قام بعدها من الأرض ونظر نحو راموليا بابتسامة غريبة جعلت جسدَها يقشعر بسبب الخطط الخبيثة التي تتبع مثل هذه الابتسامة، لكنها أدركت بسرعة أنه لا يُخطّط لها وإنما لا يزال يُخطّط لِِجسد تلميذها حيث انحنى وضرب ساقه بِضربة قوية تسبّبت في كسر ساقِه تماماً.

صاحت راموليا دون شعورٍ عندما سمِعت صوت العظام المكسورة، نظرت في شوفين فلاحظت أن وجهه قد صار شاحباً بسبب الألم، ورغم ذلك.. لم يُخرِج آهة واحدة وكأنه مُتعوّد على الألم، لم يلبِث كثيراً حتى سقط أرضاً وبدأ مستوى تدريبه ينخفض مِن بناء العظام إلى تقوية اللحم، ومن تقوية اللحم إلى ما دون مستوى تعزيز الجسد، أي أنه صار وكأنه مجرد مُبتدئ عادي، تماماً مثل راموليا بِجسدها الجديد.

تغيّرت ملامح راموليا لأنها قد صرفت الكثير من الموارد على تلميذها لِيصل إلى المرحلة المتوسطة من مستوى تعزيز الجسد، وبحركة من هذا الشخص القديم قد ضاع كل شيء، رفع رأسه ونظر نحو راموليا بابتسامة سعيدة ثم قال

"لا تقلقي، سأستعيد تدريبي سريعاً، وسيكون أفضل بكثيرٍ من تدريبه السابق"

لم تفهم راموليا السبب الحقيقي لما فعله شوفين، لكنها كانت متأكدة بأنه يخطط لشيءٍ ما، وبسبب ما رأته لحد الآن.. هزّت رأسها بأسفٍ ثم تقدمت وساعدته على الوقوف لإنهاء المسير نحو العشيرة.

وصل الإثنان أخيراً إلى مقر العشيرة فسارع إليهما بعض الحراس، وبعد تأكدهم من هويتهما.. حملوا شوفين نحو المشفى وتبعتهم راموليا بهدوء، ومع أن شوفين كان مصاباً ومُتألماً إلا أنه أصرّ على الحراس أن يذهبوا به إلى رئيس العشيرة والشيوخ لأن لديه ما يُبلغ عنه، وفعلاً.. ذهبوا به محمولاً إلى منزل الرئيس وأخبروه عن الأمر فخرج مسرعاً وكان رجلاً يبدو في الخمسين من عمره، له شعر رأسٍ كثيف ولحية خفيفة ويلبس لباس الزّهّاد، نظر في شوفين وكان قد التقى به بضع مراتٍ مع المعلمة راموليا وأثناء المسابقات القتالية الدورية، عبس عندما رأى إصاباتِه وعلِم أنه كان ضمن بعثة المعلمة راموليا قبل بضعة أيام.

قبل أن يسأل رئيس العشيرة.. صاح شوفين عالياً وانحدرت الدموع من عينيه كالوِديان وكأنه طفل صغير، وبين صياحه كان يتمتم بكلمات غير مفهومة، وهذا جعل رئيس العشيرة يعبس ويغضب داخلياً لأن اليافع الذي سبق والتقاه وكان يبدو واثقا من نفسه قد ظهر على حقيقته وكان معدنُه مجرد حثالة يبكي من أول سقطة.

اكتشف رئيس العشيرة إصابات شوفين وفقدانه لتدريبه من أول نظرة، لكنه لم يعتقد بأن أحد أبرز اليافعين في العشيرة سيكون حثالة من هذا النوع، ومع ذلك لم ينهَره بقوة لأنه يُريد أن يسمع منه قصة ما حدث للبعثة، وعلى الجانب.. عبست راموليا لأن هذا الوغد قد دمّر الصورة الذهبية لتلميذها المفضّل، ومع غضبها هي أيضاً إلا أنها لم تستطِع قول أي شيء.

مع استمرار صياح شوفين وامتلاء وجهه الوسيم بالدموع والمخاط.. هزّ الرئيس رأسه جانبيا بأسفٍ ونظر نحو راموليا لعله يجد جواباً لأسئلته، إلا أن شوفين سبقه قائلاً بينما لا يزال يصيح

"سيـ..ـدي.. لقـ..ـد مات الجـ..ـميع، معلّمتي، وجميع التلاميذ"

قطّب الرئيس حاجبيه وانقضّ على شوفين ورفعه بيدٍ واحدة ثم صرخ عليه

"أُثبُت يا فتى وأخبرني بكل شيء وإلا كسرتُ رقبتك"

2020/01/08 · 894 مشاهدة · 1715 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024